خالد الزعتر
كاتب ومحلل سياسي

الإمارات.. صناعة السلام وتوازن القوى

أن يعزف النشيد الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة في إسرائيل، فإن هذا بحق ما كانت تحتاجه منطقة عاشت عقوداً طويلة تحت وطأة الصراعات، وظلت تتأرجح ما بين مرحلة التوتر إلى الصدام المباشر، والذي يوفر للقوى الدخيلة على المنطقة الفرصة للاستفادة من هذه الصراعات لتوظيفها لمصلحة مشروعاتها الفوضوية والتوسعية، كما هو الحال مع نظامَي إيران وتركيا.

لقد كان، من ضمن المفاهيم التقليدية في دراسة العلاقات الدولية، توازن القوى يحدد فقط بواسطة القوة العسكرية، وما بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي وتشكل النظام الأحادي القطب، ظل توازن القوى يحدد أيضاً بواسطة القوة العسكرية، ولكن مع الانتقال إلى النظام الدولي المتعدد الأقطاب، برزت القوة الاقتصادية تلعب دور مهماً في توزان القوى، ولكن التركيز على المشاريع النهضوية والتنموية والمنافسة الدولية والعالمية على تحقيق حضور مهم في المكانة الاقتصادية العالمية لم تَقُدْ إلى تراجع دور القوة العسكرية في توزان القوى، وظلت قواعد العلاقات الدولية يحكمها (الصراع والقوة).

إن تحقيق الاستقرار في منطقة مثل منطقة الشرق الأوسط التي ظلت طوال عقود طويلة تعيش في حالة من المد والجزر، هي بحاجة للتعاطي مع قضاياها المصيرية والرئيسية بمنظور الواقعية السياسية، وبالتالي فعندما نسعى لإسقاط مسألة الصراع العربي – الإسرائيلي داخل المنظور الواقعي، نجد أن الواقعية السياسية تتطلب التعامل مع هذه المسألة بعيداً عن الخطابات الشعبوية والشعارات الجماهيرية، والوصول إلى القناعة السياسية التي تؤكد أن (إسرائيل واقع يجب التعايش معه).

الخطوة التي اتخذتها (دولة الإمارات) بالاتفاق التاريخي للسلام مع إسرائيل، تنطلق من قواعد الواقعية السياسية التي تؤكد أن الواقع العربي يجب أن يتعامل مع قضاياه المصيرية من منطلق الواقعية، بعيداً عن أدوات الصراع والخطابات التصادمية، واستحداث أدوات جديدة تتناسب مع المرحلة الحالية في منطقة تعج بالصراعات والملفات المتشابكة، وبالتالي فإن الخطوة الإماراتية لاشك أنها جاءت لتتناسب مع الواقع وتطورات المرحلة ومتغيراتها التي تفرض على الفكر السياسي العربي أن يخرج من الإطار الشعبوي، وأن يتعامل مع القضايا العربية من منطلق أدوات المرحلة بعيداً عن استيراد الأدوات القديمة.

لاشك أن النظام الدولي هو نتيجة لإعادة تشكيل التكتلات الإقليمية والدولية الاقتصادية والدبلوماسية، ومثلما أن الحروب كانت أداة من أدوات التغيير في شكل النظام الدولي، فإن الخطوة الإماراتية الشجاعة للسلام مع إسرائيل، تصنع واقعاً جديداً سوف يعيد تشكيل النظام الإقليمي، وتمنح (لغة السلام) لتلعب دور مهماً في تحقيق توزان القوى على الصعيد الإقليمي.

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض