603 Web Analyses Cover 1

عسكرة البحر المتوسط .. السياق، المظاهر والاتجاهات

عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬استحضار‭ ‬حقيقتين‭ ‬متكاملتين،‭ ‬ولكنهما‭ ‬مختلفتين‭. ‬فالبحر‭ ‬المتوسط‭ ‬بحر‭ ‬صغير‭ ‬مغلق‭ ‬تقريباً،‭ ‬يمثل‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬1‭ % ‬من‭ ‬الامتداد‭ ‬البحري‭ ‬للكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬ويمتد‭ ‬من‭ ‬جبل‭ ‬طارق‭ ‬إلى‭ ‬ساحل‭ ‬الشرق‭ ‬الأدنى‭. ‬ولكنه‭ ‬يشمل‭ ‬أيضاً‭ ‬جميع‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬يحدها،‭ ‬وهي‭ ‬فسيفساء‭ ‬حقيقية‭ ‬من‭ ‬البلدان،‭ ‬والشعوب،‭ ‬واللغات،‭ ‬والأديان‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يظهر‭ ‬الفضاء‭ ‬البحري‭ ‬للمتوسط‭ ‬باعتباره‭ ‬يربط‭ ‬هذه‭ ‬المكونات‭ ‬ويجعلها‭ ‬وحدة‭ ‬جغرافية‭. ‬ولكنها‭ ‬وحدة‭ ‬جغرافية‭ ‬معقدة،‭ ‬فهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تجمع‭ ‬لمصالح‭ ‬متقاطعة‭ ‬ومتناقضة‭.‬

فهو‭ ‬نقطة‭ ‬التقاء‭ ‬ثلاث‭ ‬قارات‭ ‬‮«‬آسيا‭ ‬و‭ ‬إفريقيا‭ ‬و‭ ‬أوروبا‮»‬،‭ ‬والديانات‭ ‬التوحيدية‭ ‬الثلاث،‭ ‬والدول‭ ‬الغنية‭ ‬والفقيرة‭. ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬توحيد‭ ‬هذه‭ ‬الفسيفساء‭ ‬الإنسانية‭ ‬والسياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬والدينية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬سياسياً‭ ‬أبداً‭ ‬‮«‬باستثناء‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية‮»‬‭. ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬تاريخ‭ ‬المنطقة‭ ‬يظهر‭ ‬سلسلة‭ ‬متواصلة‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬بجميع‭ ‬أنواعها،‭ ‬والتي‭ ‬وضعت‭ ‬الجزء‭ ‬الشرقي‭ ‬من‭ ‬المتوسط‭ ‬ضد‭ ‬الغربي،‭ ‬والشمال‭ ‬ضد‭ ‬الجنوب،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الصراعات‭ ‬المحلية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى‭.‬

كما‭ ‬يشكل‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬أحد‭ ‬الفضاءات‭ ‬الجيوبوليتيكية‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لتوسطه‭ ‬ثلاث‭ ‬قارات،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬لكونه‭ ‬معبراً‭ ‬يصل‭ ‬المحيط‭ ‬الهندي‭ ‬بالأطلسي‭ ‬وخطاً‭ ‬بحرياً‭ ‬للطاقة‭ ‬وشرياناً‭ ‬حيوياً‭ ‬للتجارة‭ ‬الدولية‭. ‬إن‭ ‬25‭ % ‬من‭ ‬حركة‭ ‬الملاحة‭ ‬البحرية‭ ‬العالمية‭ ‬و30‭ % ‬من‭ ‬حركة‭ ‬النفط‭ ‬تمر‭ ‬عبر‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭. ‬كما‭ ‬اكتشف‭ ‬فيه‭ ‬مؤخراً‭ ‬احتياطيات‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬الغاز،‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬منطقته‭ ‬الشرقية‭.‬

الهدف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭ ‬البحرية‭ ‬هو‭ ‬توفير‭ ‬مفاتيح‭ ‬لفهم‭ ‬الوجود‭ ‬المتزايد‭ ‬للقوات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬المعقد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬واستشراف‭ ‬الملامح‭ ‬الرئيسية‭ ‬لمستقبله‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬تنقسم‭ ‬الدراسة‭ ‬لجزأين‭:‬
الأول‭: ‬سيلقي‭ ‬الضوء‭ ‬باقتضاب‭ ‬على‭ ‬سياق‭ ‬تزايد‭ ‬وجود‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المتوسط‭. ‬الثاني‭: ‬سيحلل‭ ‬مظاهر‭ ‬واتجاهات‭ ‬تزايد‭ ‬وجود‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬المتوسط‭ ‬2028‭-‬2024‭.‬.

سياق‭ ‬تزايد‭ ‬عسكرة‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬ترى‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬منطقة‭ ‬حيوية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تركها‭ ‬دون‭ ‬مراقبة‭ ‬أو‭ ‬وجود‭ ‬مستمر‭ ‬لقواتها‭ ‬البحرية،‭ ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يشهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭:‬

1‭. ‬التواجد‭ ‬المستمر‭ ‬للأسطول‭ ‬السادس‭ ‬البحري‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬وكذا‭ ‬قواعدها‭ ‬العسكرية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

2‭. ‬قيام‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬2008‭ ‬بأكبر‭ ‬استعراض‭ ‬عسكري‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬وقرارها‭ ‬بديمومة‭ ‬وجودها‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬المتوسط‭ ‬بالأساس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قاعدتها‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬طرطوس‭ ‬السوريّة‭ ‬وتوسيعها‭ ‬خلال‭ ‬الأعوام‭ ‬الأخيرة‭.‬

3‭. ‬تنامي‭ ‬الوجود‭ ‬البحري‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬المتوسط‭ ‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬قواتها‭ ‬البحرية‭ ‬بإجلاء‭ ‬60‭ ‬ألفاً‭ ‬من‭ ‬مواطنيها‭ ‬العمال‭ ‬الصينيين‭ ‬من‭ ‬ليبيا‭ ‬عقب‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬لحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬أثناء‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالربيع‭ ‬العربي،‭ ‬والذي‭ ‬تزايد‭ ‬بعد‭ ‬انضمام‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‭ ‬ونمو‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬الصينية‭ – ‬المغاربية‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬خصوصاً‭ ‬مع‭ ‬الجزائر‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬شريك‭ ‬الصين‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والمستورد‭ ‬الأول‭ ‬للأسلحة‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭.‬

4‭. ‬المناورات‭ ‬العسكرية‭ ‬المشتركة‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭. ‬

أصبح‭ ‬التنافس‭ ‬الصيني‭ ‬الأمريكي‭ ‬محسوساً‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬محصوراً‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬بالأساس‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والنفوذ،‭ ‬وذلك‭ ‬نظراً‭ ‬للوجود‭ ‬والتأثير‭ ‬الصيني‭ ‬الكلي‭ ‬أو‭ ‬الجزئي‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬موانئ‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬​​من‭ ‬أهمها‭: ‬بيريوس،‭ ‬فالنسيا،‭ ‬كومبورت،‭ ‬مالطا،‭ ‬طنجة،‭ ‬جنوة‭. 

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬الصراعات‭ ‬الكامنة‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬المتشاطئة‭ ‬للبحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬والمواقف‭ ‬الاستفزازية‭ ‬أحياناً‭ ‬لبعض‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬الإقليمية،‭ ‬والعواقب‭ ‬البحرية‭ ‬للحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وتزايد‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬أمن‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬وأبرزها‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬والمرتزقة‭ ‬والهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬التحديات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬تعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬البحري‭ ‬وحماية‭ ‬ثروات‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬قد‭ ‬زادت‭ ‬من‭ ‬التوترات‭ ‬المتعددة‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭. ‬

فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬عندما‭ ‬لاحظت‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬محاولات‭ ‬إيرانية‭ ‬لنشر‭ ‬غواصات‭ ‬في‭ ‬الموانئ‭ ‬السورية‭ ‬عززت‭ ‬وجودها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬ونشرت‭ ‬أنظمة‭ ‬متطورة‭ ‬ترسل‭ ‬إنذارات‭ ‬مبكرة‭ ‬ومنصات‭ ‬القبة‭ ‬الحديدية‭ ‬المضادة‭ ‬للصواريخ‭ ‬وزوارق‭ ‬دورية‭.‬

كما‭ ‬أنشأت‭ ‬مصر‭ ‬قاعدة‭ ‬‮«‬3‭ ‬يوليو‮»‬‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬جرجوب‭ ‬بمحافظة‭ ‬مطروح،‭ ‬لتمثل‭ ‬نقاط‭ ‬ارتكاز‭ ‬ومركز‭ ‬انطلاق‭ ‬للدعم‭ ‬اللوجستي‭ ‬للقوات‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬لمجابهة‭ ‬أي‭ ‬تحديات‭ ‬ومخاطر‭ ‬بالمنطقة‭ ‬ولحماية‭ ‬أول‭ ‬محطة‭ ‬نووية‭ ‬لتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬القاعدة‭. 

مظاهر‭ ‬واتجاهات‭ ‬تزايد‭ ‬عسكرة‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬2028‭-‬2024

بالنسبة‭ ‬للمراقبين،‭ ‬تتجلى‭ ‬زيادة‭ ‬وتيرة‭ ‬التسلح‭ ‬البحري‭ ‬والوجود‭ ‬المتزايد‭ ‬للقوات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬​​من‭ ‬خلال‭ ‬بعض‭ ‬الأمثلة‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭:‬

1. حصول‭ ‬مصر‭ ‬مؤخراً‭ ‬على‭ ‬حاملات‭ ‬طائرات‭ ‬هليكوبتر‭ ‬وغواصات‭ ‬وفرقاطات‭ ‬متعددة‭ ‬المهام‭.‬

2. تحديث‭ ‬الأسطول‭ ‬الجزائري‭ ‬من‭ ‬الفرقاطات‭ ‬والغواصات‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬صواريخ‭ ‬كروز‭.‬

3. ‬زيادة‭ ‬قوة‭ ‬الأسطول‭ ‬التركي‭ ‬بفضل‭ ‬البناء‭ ‬المحلي‭ ‬لحاملة‭ ‬طائرات‭ ‬وعدة‭ ‬فرقاطات‭ ‬واقتناء‭ ‬أحدث‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬الغواصات‭ ‬اللاهوائية‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭.‬‬

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬2024،‭ ‬انقسمت‭ ‬أساطيل‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬إلى‭ ‬مجموعتين‭:‬

تلك‭ ‬التي‭ ‬يقل‭ ‬متوسط‭ ‬أعمارها‭ ‬على‭ ‬15‭ ‬عاماً‭ ‬‮«‬فرنسا‭ ‬والجزائر‭ ‬ومصر‭ ‬وإسرائيل‮»‬‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬يتراوح‭ ‬متوسط‭ ‬أعمارها‭ ‬بين‭ ‬22‭ ‬و32‭ ‬عاماً‭ ‬‮«‬إيطاليا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬وتركيا‭ ‬واليونان‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2028،‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬سوف‭ ‬يتسارع‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬التجديد،‭ ‬خاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأسطول‭ ‬الإيطالي‭ ‬‮«‬سيخفض‭ ‬متوسط‭ ‬عمره‭ ‬بمقدار‭ ‬11‭ ‬سنة‮»‬،‭ ‬والتركي‭ ‬‮«‬سيخفض‭ ‬متوسط‭ ‬عمره‭ ‬بمقدار‭ ‬10‭ ‬سنوات‮»‬،‭ ‬والإسباني‭ ‬‮«‬سيخفض‭ ‬متوسط‭ ‬عمره‭ ‬بمقدار‭ ‬9‭ ‬سنوات‮»‬،‭ ‬بالطبع‭ ‬بشرط‭ ‬متابعة‭ ‬برامج‭ ‬الاستحواذ‭ ‬الحالية‭ ‬والتجديد‭ ‬المعلن‭ ‬عنها‭. ‬وبشكل‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬أربع‭ ‬سنوات،‭ ‬سينخفض‭ ‬متوسط‭ ‬عمر‭ ‬الأساطيل‭ ‬القتالية‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬إلى‭ ‬15‭ ‬عاماً‭.‬

ولا‭ ‬تتوقف‭ ‬روسيا‭ ‬عن‭ ‬ترسيخ‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬قامت‭ ‬موسكو‭ ‬بتدريبات‭ ‬ضخمة‭ ‬شهدت‭ ‬حضور‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسي‭ ‬سيرغي‭ ‬شويغو،‭ ‬الذي‭ ‬تفقد‭ ‬من‭ ‬ميناء‭ ‬طرطوس‭ ‬السوري‭ ‬التدريبات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الشرقي‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭. ‬مما‭ ‬أوجد‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬بحسب‭ ‬الخبير‭ ‬العسكري‭ ‬الروسي،‭ ‬فلاديمير‭ ‬غونداروف،‭ ‬وضعاً‭ ‬فريداً،‭ ‬حيث‭ ‬يوجد،‭ ‬ثلاث‭ ‬مجموعات‭ ‬من‭ ‬حاملات‭ ‬الطائرات‭. ‬واحدة‭ ‬إيطالية‭ ‬تعمل‭ ‬باستمرار‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬واثنتان‭ ‬أخريان،‭ ‬فرنسية‭ ‬وأمريكية،‭ ‬تقودهما‭ ‬حاملات‭ ‬طائرات‭ ‬نووية‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬وصلت‭ ‬سفن‭ ‬روسيا‭ ‬الصاروخية،‭ ‬كما‭ ‬أجرت‭ ‬مناورات‭ ‬عسكرية‭ ‬مع‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬ولقد‭ ‬تم‭ ‬إنشاء‭ ‬مركز‭ ‬عمليات‭ ‬مشتركة‭ ‬خصيصاً،‭ ‬يضم‭ ‬ضباطاً‭ ‬من‭ ‬البحرية‭ ‬الروسية‭ ‬والجزائرية،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬تشكيل‭ ‬مقر‭ ‬بحري‭ ‬لإدارة‭ ‬التعاون‭ ‬البحري‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭. 

الخلاصة

بالرغم‭ ‬من‭ ‬النقص‭ ‬في‭ ‬الأسلحة‭ ‬أو‭ ‬زيادة‭ ‬أعمارها‭ ‬في‭ ‬أساطيل‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬المتوسط‭ ‬وحلفائها‭ ‬والزيادة‭ ‬والتجديد‭ ‬في‭ ‬أساطيل‭ ‬شرق‭ ‬وجنوب‭ ‬المتوسط‭ ‬وحلفائه،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬القصير‭ ‬والمتوسط‭ ‬تفوق‭ ‬تلك‭ ‬الأساطيل‭ ‬على‭ ‬نظيرتها‭ ‬الغربية‭. 

فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬فرقاطات‭ ‬ثقيلة‭ ‬تزيد‭ ‬حمولتها‭ ‬على‭ ‬6000‭ ‬طن،‭ ‬ومخصصة‭ ‬للحرب‭ ‬المضادة‭ ‬للطائرات‭ ‬والغواصات‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أساطيل‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬وذلك‭ ‬ضمن‭ ‬الأساطيل‭ ‬الفرنسية‭ ‬والإيطالية‭ ‬والإسبانية‭ ‬‮«‬25‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬28‭ ‬اليوم،‭ ‬و32‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬36‭ ‬بعد‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‮»‬‭. ‬وأيضاً‭ ‬وتوجد‭ ‬فرقاطات‭ ‬ثقيلة‭ ‬تزيد‭ ‬حمولتها‭ ‬على‭ ‬6000‭ ‬طن‭ ‬أمريكية‭ ‬‮«‬4‭ ‬أو‭ ‬6‭ ‬مقرها‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‮»‬‭ ‬وفرقاطة‭ ‬بريطانية‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬جبل‭ ‬طارق،‭ ‬ولا‭ ‬تمتلك‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الفرقاطات‭ ‬الأخف‭ ‬وزناً‭ ‬التابعة‭ ‬للقوات‭ ‬البحرية‭ ‬المتوسطية‭ ‬الأخرى‭ ‬أجهزة‭ ‬استشعار‭ ‬وأسلحة‭ ‬مماثلة‭ ‬لتلك‭ ‬الفرقاطات‭ ‬الثقيلة‭. ‬

كما‭ ‬تشكل،‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬الفرنسية‭ ‬والإيطالية‭ ‬والإسبانية‭ ‬وحدها‭ ‬40‭ % ‬من‭ ‬السفن‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬أساطيل‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬و60‭ % ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬الحمولة،‭ ‬و90‭ % ‬من‭ ‬الفرقاطات‭ ‬الثقيلة،‭ ‬و75‭ % ‬من‭ ‬حاملات‭ ‬الطائرات‭. ‬ما‭ ‬يمكنها‭ ‬بسهولة‭ ‬نسبية‭ ‬لتأمين‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬​​من‭ ‬خلال‭ ‬القيام‭ ‬بدوريات‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البحر‭ ‬شبه‭ ‬المغلق‭ ‬وممارسة‭ ‬وجود‭ ‬رادع،‭ ‬شريطة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬باريس‭ ‬وروما‭ ‬ومدريد‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬الوثيق‭.‬

ولكن‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬فإن‭ ‬قدرات‭ ‬منع‭ ‬الوصول‭ ‬A2AD‭ ‬والدفاعات‭ ‬الساحلية‭ ‬المحسنة‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬وجنوب‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬وكذلك‭ ‬ثلثي‭ ‬الغواصات‭ ‬الهجومية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬أساطيل‭ ‬دول‭ ‬جنوب‭ ‬وشرق‭ ‬المتوسط‭. ‬ما‭ ‬يعنى‭ ‬أنه‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬لدول‭ ‬شرق‭ ‬وجنوب‭ ‬المتوسط‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬تحدي‭ ‬أساطيل‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬المتوسط‭ ‬وحلفائها‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬البحار،‭ ‬فإنه‭ ‬بإمكانها‭ ‬بسهولة‭ ‬حرمان‭ ‬أساطيل‭ ‬دول‭ ‬غرب‭ ‬المتوسط‭ ‬وحلفائها‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬شرق‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬​​من‭ ‬خلال‭ ‬تحويل‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬بحيرة‮»‬‭ ‬ضمن‭ ‬نطاق‭ ‬نيران‭ ‬دفاعاتها‭ ‬الساحلية،‭ ‬وغواصاتها‭ ‬وقاذفاتها‭ ‬المقاتلة‭ ‬الأرضية‭ ‬المسلحة‭ ‬بصواريخ‭ ‬مضادة‭ ‬للسفن‭.‬

وبالتالي‭ ‬يري‭ ‬بعض‭ ‬المراقبين‭ ‬الغربيين‭ ‬أن‭ ‬السواحل‭ ‬الجزائرية‭ ‬وشرق‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬ربما‭ ‬تعود‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬‮«‬كما‭ ‬حدث‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‮»‬‭ ‬مناطق‭ ‬بحرية‭ ‬خطيرة‭ ‬ومحفوفة‭ ‬بالمخاطر‭ ‬للأساطيل‭ ‬البحرية‭ ‬لدول‭ ‬غرب‭ ‬المتوسط‭ ‬وحلفائها،‭ ‬خصوصاً‭ ‬عند‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬سفن‭ ‬إسكادرا‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تبحر‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬وتتميز‭ ‬بصواريخها‭ ‬التي‭ ‬تفوق‭ ‬سرعتها‭ ‬سرعة‭ ‬الصوت‭ ‬والتي‭ ‬تزيد‭ ‬آثار‭ ‬ضرباتها‭ ‬البحرية‭ ‬عشرة‭ ‬أضعاف‭ ‬الصواريخ‭ ‬التقليدية‭. ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يغري‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬شرق‭ ‬وجنوب‭ ‬المتوسط‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬بالاستحواذ‭ ‬عليها،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الزيادة‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬الميزانيات‭ ‬العسكرية‭ ‬لتلك‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭.‬

‮»‬‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬وائل‭ ‬صالح

(خبير‭ ‬بمركز‭ ‬تريندز‭ ‬للبحوث‭ ‬والاستشارات‭(‬

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض