601 Web File Cover

اتجاهات التسلح البحري 2024-2030

بعد‭ ‬تفكك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬عام‭ ‬1991،‭ ‬هجرت‭ ‬الأساطيل‭ ‬البحرية‭ ‬العسكرية‭ ‬للدول‭ ‬الكبرى‭ ‬البحار‭ ‬والمحيطات‭ ‬تدريجياً،‭ ‬بدءاً‭ ‬بالبحرية‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تشاهد‭ ‬لمدة‭ ‬قد‭ ‬تربو‭ ‬على‭ ‬العقدين‭ ‬إلا‭ ‬نادراً‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬البحار،‭ ‬وبالقرب‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬قواعدها،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قامت‭ ‬بتخفيض‭ ‬حجم‭ ‬أسطولها‭ ‬تدريجياً‭.  ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬الوعي‭ ‬بأهمية‭ ‬العودة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للعمل‭ ‬البحري‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬أوائل‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬بسبب‭ ‬تنامي‭ ‬الرغبة‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬وعلى‭ ‬مسارات‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬البحري‭.  ‬كما‭ ‬تشهد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ،‭ ‬وفي‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬والمحيط‭ ‬الهندي،‭ ‬والقطب‭ ‬الشمالي‭ ‬إعادة‭ ‬تسليح‭ ‬بحري‭ ‬عسكري‭ ‬مطرد‭.‬

أهداف‭ ‬الدراسة‭:‬

أولاً‭: ‬أهم‭ ‬محددات‭ ‬اتجاهات‭ ‬التسلح‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الست‭ ‬القادمة‭: ‬

تشكل‭ ‬بيئة‭ ‬جيوسياسية‭ ‬مزمنة‭ ‬محفزة‭ ‬على‭ ‬احتدام‭ ‬التسلح‭ ‬البحري‭:‬ في‭ ‬ضوء‭ ‬المستجدات‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬بلغ‭ ‬التنافس‭ ‬البحري‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬مستوى‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬ففي‭ ‬منطقة‭ ‬آسيا‭ ‬والمحيط‭ ‬الهادئ،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬انتقل‭ ‬التنافس‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬نصيب‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬النفوذ‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬البحري،‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التسليح‭ ‬والجاهزية‭. ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬للبحرية‭ ‬الصينية‭ ‬PLA Nav‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬من‭ ‬القدرة‭ ‬التشغيلية‭ ‬والعملياتية‭ ‬لقِطَعِها‭ ‬البحرية،‭ ‬دفع‭ ‬الولايات‭ ‬المُتحدة‭ ‬وحلفاءها‭ ‬إلى‭ ‬مضاعفة‭ ‬استثماراتهم‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬قدراتهم‭ ‬البحرية‭ ‬وتعديل‭ ‬استراتيجياتهم‭ ‬الأمنية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬بعد‭ ‬تعالي‭ ‬أصوات‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬عصر‭ ‬الهيمنة‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬قد‭ ‬انتهى،‭ ‬وإن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬تنازلت‭ ‬عن‭ ‬المحيطات‭ ‬لأعدائها‭. ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬بوسعنا‭ ‬أن‭ ‬نعتبر‭ ‬حرية‭ ‬البحار‭ ‬أمراً‭ ‬مفروغاً‭ ‬منه‭.‬

وستسعى‭ ‬الصين‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬2024‭ ‬و2030،‭ ‬وليس‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬حاملة‭ ‬الطائرات‭ ‬‮«‬فوجيان‮»‬‭ ‬الخدمة‭ ‬العملياتية‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2025‭. ‬حاملة‭ ‬الطائرات‭ ‬الصينية‭ ‬الجديدة‭ ‬تمتلك‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬تشبه‭ ‬كثيراً‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الأمريكية،‭ ‬مثل‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬المنجنيق‭ ‬الكهرومغناطيسي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬بإطلاق‭ ‬طائرات‭ ‬كبيرة‭ ‬الحجم‭ ‬وحديثة‭ ‬مثل‭ ‬المقاتلة‭ ‬الصينية‭ ‬J-15T‭ ‬وحاملات‭ ‬الوقود‭ ‬الضخمة‭ ‬الأخرى،‭ ‬بسهولة‭ ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬قصير،‭ ‬ويقلل‭ ‬الفاصل‭ ‬الزمني‭ ‬بين‭ ‬إطلاق‭ ‬الطائرات،‭ ‬مما‭ ‬سيمثل‭ ‬إضافة‭ ‬قوية‭ ‬للصين‭. ‬

مقارنة‭ ‬بين‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬والصينية‭ ‬الرسم‭ ‬البياني‭ ‬المرفق‭ ‬يأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬فقط‭ ‬البحرية‭ ‬العسكرية‭ ‬الصينية‭ ‬بالمعنى‭ ‬الضيق‭ ‬‮«‬بحرية‭ ‬جيش‭ ‬التحرير‭ ‬الشعبي‭ ‬–‭ ‬PLAN‮»‬‭ ‬وليس‭ ‬أسطول‭ ‬خفر‭ ‬السواحل‭.‬

كما‭ ‬ستستمر‭ ‬الانعكاسات‭ ‬المباشرة‭ ‬وغير‭ ‬المباشرة‭ ‬للحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬التسلح‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭.  ‬كما‭ ‬سيستمر‭ ‬فتح‭ ‬جبهات‭ ‬مواجهات‭ ‬وصراعات‭ ‬بحرية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وليس‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬اعتزام‭ ‬البحرية‭ ‬الهندية‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬نشر‭ ‬3‭ ‬سفن‭ ‬مدمرة‭ ‬مزودة‭ ‬بصواريخ‭ ‬موجهة‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬العرب،‭ ‬بعد‭ ‬تعرض‭ ‬سفن‭ ‬تجارية‭ ‬لهجوم‭ ‬قبالة‭ ‬الساحل‭ ‬الهندي،‭ ‬في‭ ‬مسعى‭ ‬منها‭ ‬لـ«الحفاظ‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬رادع‮»‬‭.‬

استمرار‭ ‬اتساع‭ ‬وتنوع‭ ‬ساحات‭ ‬السيطرة‭ ‬والحروب‭ ‬البحرية‭:‬ ضم‭ ‬المجال‭ ‬البحري‭ ‬العسكري،‭ ‬بمرور‭ ‬الزمن،‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الساحات‭ ‬الجديدة،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬العمليات‭ ‬الجوية‭- ‬البحرية،‭ ‬والعمليات‭ ‬البرمائية،‭ ‬وفي‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬2024‭-‬2030‭ ‬ستتجه‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬لتطوير‭ ‬نفسها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬مع‭ ‬ساحات‭ ‬جديدة‭ ‬للصراع،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬السيبراني‭ ‬والمعرفي،‭ ‬وكذلك‭ ‬تعزيز‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬الساحات‭ ‬المعقدة،‭ ‬مثل‭ ‬قاع‭ ‬البحار‭ ‬والمحيطات‭ ‬العميقة،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي،‭ ‬والمجال‭ ‬الكهرومغناطيسي‭. ‬

مما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬قاع‭ ‬البحار‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬وتيرة‭ ‬الصراع‭ ‬تحت‭ ‬الماء،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬أهميتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المتنامية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬الاتصالات،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬كابلات‭ ‬الألياف‭ ‬الضوئية‭ ‬البحرية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬90‭% ‬من‭ ‬حركة‭ ‬البيانات‭ ‬الرقمية‭ ‬حول‭ ‬العالم‭. ‬وتكشف‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭ ‬للكابلات‭ ‬البحرية‭ ‬المهمة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬يتوجب‭ ‬على‭ ‬البحرية‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ ‬لحماية‭ ‬الأعماق‭ ‬التي‭ ‬تقبع‭ ‬فيها‭ ‬تلك‭ ‬الكابلات‭ ‬التي‭ ‬يؤدي‭ ‬قطعها‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬إلى‭ ‬اضطرابات‭ ‬استراتيجية‭ ‬كبيرة‭. ‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬كابلات‭ ‬الاتصالات،‭ ‬تم‭ ‬استخدام‭ ‬قاع‭ ‬البحار‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الكابلات‭ ‬الكهربائية‭ ‬‮«‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬فرنسا‭ ‬وإيرلندا‮»‬‭ ‬وأنابيب‭ ‬الغاز‭ ‬والنفط‭ ‬‮«‬مثل‭ ‬نورد‭ ‬ستريم‭ ‬تحت‭ ‬بحر‭ ‬البلطيق‭ ‬أو‭ ‬التيار‭ ‬التركي‭ ‬تحت‭ ‬البحر‭ ‬الأسود‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬مراكز‭ ‬البيانات‭ ‬المغمورة،‭ ‬مما‭ ‬سيتطلب‭ ‬اهتماماً‭ ‬متزايداً‭ ‬بهذه‭ ‬البيئة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬قابل‭ ‬الأيام‭. ‬وبالتالي‭ ‬ستسعى‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬لتطوير‭ ‬قدراتها‭ ‬التشغيلية‭ ‬بشكل‭ ‬طولي‭ ‬من‭ ‬سطح‭ ‬البحر‭ ‬لأعماقه‭.   

كما‭ ‬تسعى‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬وزارة‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الفرنسية‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬قاع‭ ‬البحر‭ ‬لعمق‭ ‬يصل‭ ‬لـ‭ ‬6000‭ ‬م،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬والصينية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مفاهيم‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬قاع‭ ‬البحر‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الجدار‭ ‬الصيني‭ ‬العظيم‭ ‬تحت‭ ‬الماء‮»‬‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬لمسألة‭ ‬‮«‬قاع‭ ‬البحر‭ ‬الاستراتيجية‮»‬‭ ‬ستتطلب،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬التسليح‭ ‬العسكري،‭ ‬زيادة‭ ‬أو‭ ‬تطوير‭ ‬القدرات‭ ‬البحرية،‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭:‬

1- ‬أنظمة‭ ‬استشعار‭ ‬دائمة‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬دائمة،‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬طائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬تحت‭ ‬الماء،‭ ‬لحماية‭ ‬المناطق‭ ‬الاستراتيجية‭.‬

2- أنظمة‭ ‬جمع‭ ‬ومعالجة‭ ‬البيانات‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬معالجة‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬تجمعها‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار‭.‬

3- ‬قدرات‭ ‬التدخل‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬تهديد‭.‬

وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬اتجاهات‭ ‬التسلح‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬2024‭-‬2030،‭ ‬مع‭ ‬رغبة‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الفاعلة‭ ‬مثل‭ ‬الصين،‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬نظام‭ ‬غواصات‭ ‬استراتيجية‭ ‬لتقييد‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬معينة‭ (‬A2‭/‬AD‭)  ‬لعدم‭ ‬السماح‭ ‬للقوات‭ ‬الأجنبية‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬أراضيها‭ (‬anti-access‭- ‬A2‭)‬،‭ ‬مع‭ ‬تقييد‭ ‬فعاليتها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬اختراق‭ ‬الخطوط‭ ‬الدفاعية‭ (‬AD-area denial‭)‬،‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬قدرات‭ ‬جديدة،‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬الأولوية‭ ‬المعطاة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬ستكون‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬للتكنولوجيات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحرب‭ ‬الألغام‭.‬

وعلى‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الطيف‭ ‬الجغرافي،‭ ‬ستتزايد‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬2024‭-‬2030،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬أهمية‭ ‬الجو‭ ‬والفضاء‭ ‬الخارجي‭ ‬للقوات‭ ‬البحرية،‭ ‬وذلك‭ ‬نظراً‭ ‬لزيادة‭ ‬سهولة‭ ‬الوصول‭ ‬إليهما‭ ‬‮«‬الجو‭ ‬والفضاء‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دول‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لديها‭ ‬إمكانيات‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬وهكذا‭ ‬فإن‭ ‬ظهور‭ ‬شركات‭ ‬خاصة‭ ‬وتقنيات‭ ‬جديدة،‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬لزيادة‭ ‬محتملة‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬الجو‭ ‬والفضاء‭.  ‬كما‭ ‬قد‭ ‬تندلع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬بسبب‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية،‭ ‬ومن‭ ‬الاستخدام‭ ‬المتزايد‭ ‬لوسائل‭ ‬التشويش‭ ‬والحروب‭ ‬السيبرانية‭. ‬ونظراً‭ ‬لأهمية‭ ‬قدرات‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬البحري،‭ ‬تجد‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬نفسها‭ ‬أسيرة‭ ‬لمفارقة‭ ‬زيادة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الفضاء‭ ‬لزيادة‭ ‬قدرات‭ ‬العمل،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬زيادة‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬اعتمادها‭ ‬على‭ ‬الفضاء،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الملاحة‭ ‬المختلفة‭. 

ومع‭ ‬تطور‭ ‬التكنولوجيات‭ ‬الرقمية‭ ‬العسكرية‭ ‬وقدرات‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬العسكرية‭ ‬مثل‭ ‬نظام‭ ‬سيراكيوز‭ ‬الفرنسي،‭ ‬أصبحت‭ ‬إمكانية‭ ‬الاتصالات‭ ‬حقيقة‭ ‬واقعة‭. ‬وبهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬فإن‭ ‬رقمنة‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‭ ‬تأخذ،‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقوات‭ ‬البحرية،‭ ‬مظهر‭ ‬الثورة‭ ‬العقائدية،‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬العبور‭ ‬من‭ ‬السفينة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تصورها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬عزلة‭ ‬اتصال‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬السفينة‭ ‬باعتبارها‭ ‬‮«‬منصة‭ ‬اتصال‮»‬‭: ‬

1- ‬أفقي‭:‬‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬المنسق‭ ‬بين‭ ‬منصات‭ ‬مختلفة،‭ ‬مأهولة‭ ‬وغير‭ ‬مأهولة‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

2- ‬رأسي‭:‬‭ ‬تكامل‭ ‬أنظمة‭ ‬الاتصالات‭ ‬أو‭ ‬معالجة‭ ‬البيانات‭ ‬من‭ ‬الجو‭ ‬والفضاء‭ ‬إلى‭ ‬قاع‭ ‬البحر‭.‬

تعد‭ ‬تلك‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الاتصالي‭ ‬للقوات‭ ‬البحرية‭ ‬أيضاً‭ ‬شرطاً‭ ‬أساسياً‭ ‬إذاً‭ ‬لتكامل‭ ‬عدد‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بقوة‭ ‬بالمجال‭ ‬الرقمي‭ ‬وأهمها‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬‮«‬الجوية‭ ‬أو‭ ‬السطحية‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬الماء‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتمتع‭ ‬بقدرة‭ ‬اتصال‭ ‬دائمة‭ ‬أو‭ ‬ثابتة‭ ‬نسبياً‭ ‬على‭ ‬الأقل‭. ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬تزايد‭ ‬رقمنة‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‭ ‬للأساطيل‭ ‬البحرية‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬سيتزايد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة،‭ ‬وذلك‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬التمحور‭ ‬حول‭ ‬ثلاث‭ ‬قضايا‭ ‬متداخلة‭ ‬ومركزية‭ ‬وهي‭:‬

أ‭ ‬ـ‭ ‬الحماية‭ ‬السيبرانية‭ ‬والكهرومغناطيسية‭ ‬لأنظمة‭ ‬معالجة‭ ‬البيانات‭ ‬والاتصالات‭ ‬بين‭ ‬المنصات‭ ‬‮«‬مسألة‭ ‬المقاومة‮»‬‭.‬

ب‭ ‬ـ‭ ‬ضمان‭ ‬التشغيل‭ ‬البيني‭ ‬بين‭ ‬الأنظمة‭ ‬وروابط‭ ‬البيانات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالحلفاء‭ ‬والشركاء،‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬الذي‭ ‬أخذ‭ ‬بالفعل‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬روابط‭ ‬البيانات‭ ‬التكتيكية‭ ‬‮«‬مسألة‭ ‬قابلية‭ ‬التشغيل‭ ‬البيني‮»‬‭.‬

ج‭ ‬ـ‭ ‬ضمان‭ ‬الملاءمة‭ ‬بين‭ ‬تطور‭ ‬الأنظمة‭ ‬الرقمية‭ ‬البحرية‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬السفن‭ ‬وقدرة‭ ‬المنصات‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬بمستوى‭ ‬مُرْضٍ‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬فقدان‭ ‬أو‭ ‬انقطاع‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬أو‭ ‬جزء‭ ‬منها‭ ‬‮«‬مسألة‭ ‬المرونة‮»‬‭.‬

ثانياً‭: ‬أهم‭ ‬اتجاهات‭ ‬التسلح‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الست‭ ‬القادمة‭:‬

زيادة‭ ‬وتيرة «‬صورخة‮» ‬‭‬القوات‭ ‬البحرية‭  أظهرت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الأهمية‭ ‬المتزايدة‭ ‬للصواريخ‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬البحرية‭ ‬الحديثة،‭ ‬سواء‭ ‬ضد‭ ‬أهداف‭ ‬برية‭ ‬موجهة‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬أو‭ ‬ضد‭ ‬أهداف‭ ‬بحرية‭ ‬أو‭ ‬جوية،‭ ‬وذلك‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬يمكننا‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الصواريخ‭ ‬هي‭ ‬عنصر‭ ‬حاسم‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬وذلك‭ ‬رغم‭ ‬حداثة‭ ‬الاستخدام‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاستخدام‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حاسماً‭ ‬إلا‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬حيث‭ ‬ولأول‭ ‬مرة،‭ ‬دمر‭ ‬صاروخ،‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬ستيكس‭ ‬سوفييتي‭ ‬الصنع‭ ‬أطلقه‭ ‬زورق‭ ‬دورية‭ ‬مصري،‭ ‬طراداً‭ ‬إسرائيلياً‭ ‬في‭ ‬البحر‭.‬

ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬أصبحت‭ ‬الصواريخ‭ ‬السلاح‭ ‬الأكثر‭ ‬استخداماً‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬البحرية،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬شحنات‭ ‬تقليدية‭ ‬أو‭ ‬نووية،‭ ‬وتعددت‭ ‬الوسائل‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬استخدامها‭: ‬السفن‭ ‬السطحية‭ ‬والطائرات‭ ‬والغواصات،‭ ‬وكذلك‭ ‬الدفاعات‭ ‬الساحلية‭ ‬والآن‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬أهم‭ ‬مزايا‭ ‬استخدامها‭: ‬

1- نطاقها‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬باستهداف‭ ‬العدو‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬دون‭ ‬المخاطرة‭ ‬المفرطة‭ ‬بالقاذفة‭.‬

2- الأنواع‭ ‬العديدة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الموجودة،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬كروز‭ ‬أو‭ ‬باليستية‭ ‬أو‭ ‬تفوق‭ ‬سرعتها‭ ‬سرعة‭ ‬الصوت،‭ ‬تسمح‭ ‬باستخدامها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬البيئات‭ ‬السطحية‭ ‬أو‭ ‬البحرية‭ ‬أو‭ ‬الجوية‭.‬

3- يمكن‭ ‬تحسين‭ ‬أدائها‭ ‬باستمرار،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مداها،‭ ‬من‭ ‬بضع‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬الكيلومترات‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬آلاف،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الإصدارات‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات،‭ ‬ما‭ ‬يتيح‭ ‬لها‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬الأهداف‭.‬

ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬تنامي‭ ‬تصنيع‭ ‬وتجارة‭ ‬الصواريخ‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2024‭-‬2030‭ ‬بسبب‭ ‬زيادة‭ ‬وتيرة‭ ‬التوترات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬والتصنيع‭ ‬المتزايد‭ ‬للسفن‭ ‬الحربية‭ ‬الجديدة‭. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تنوعها‭ ‬الكبير،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تصنيعها‭ ‬السري‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬البلدان،‭ ‬والذي‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الممكن‭ ‬تقدير‭ ‬عددها‭ ‬بدقة،‭ ‬لكن‭ ‬الدراسات‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬سوق‭ ‬الصواريخ‭ ‬البحرية‭ ‬وأنظمة‭ ‬الإطلاق‭ (‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الاثنين‭) ‬سيزداد‭ ‬بنسبة‭ ‬قد‭ ‬تبلغ‭ ‬6‭% ‬سنوياً‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬2024‭-‬2030‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يدعم‭ ‬نمو‭ ‬وتحديث‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ ‬سوق‭ ‬الصواريخ‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬حصلت‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬هنتنغتون‭ ‬إنغالز‭ ‬إنداستريز‭ (‬HII‭) ‬الأمريكية‭ ‬لبناء‭ ‬السفن‭ ‬والغواصات،‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬بقيمة‭ ‬154‭.‬8‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لتحديث‭ ‬المدمرة‭ ‬الشبحية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬USS Zumwalt DDG-1000‮»‬‭. ‬يتضمن‭ ‬التحديث‭ ‬تجهيز‭ ‬السفينة‭ ‬الحربية‭ ‬بمعدات‭ ‬وأنظمة‭ ‬كهربائية‭ ‬جديدة‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬منظومة‭ ‬صواريخ‭ ‬CPS‭ ‬التي‭ ‬تفوق‭ ‬سرعتها‭ ‬سرعة‭ ‬الصوت‭.‬

ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬البناء‭ ‬المخطط‭ ‬له‭ ‬لعشرات‭ ‬القواعد‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬توليد‭ ‬طلب‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬الصواريخ‭ ‬الجديدة‭. ‬كما‭ ‬تقوم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬أيضاً‭ ‬بتوسيع‭ ‬ترساناتها‭ ‬بسرعة‭ ‬لتجهيز‭ ‬أساطيلها‭ ‬المتوسعة‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬ستقوم‭ ‬البحرية‭ ‬الكندية‭ ‬باستبدال‭ ‬السفن‭ ‬الحربية‭ ‬إيروكوا‭ ‬وهاليفاكس‭ ‬بـ‭ ‬15‭ ‬سفينة‭ ‬جديدة‭ ‬بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬العقد،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مجهزة‭ ‬بصواريخ‭ ‬توماهوك‭ ‬وصواريخ‭ ‬سي‭ ‬سبارو‭ ‬البحرية‭ ‬ونظام‭ ‬الدفاع‭ ‬سي‭ ‬كابتور‭. ‬وأعلنت‭ ‬الهند‭ ‬أيضاً‭ ‬أنها‭ ‬تريد‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬صواريخ‭ ‬كروز‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬BrahMos‭ ‬لتجهيز‭ ‬سفنها‭ ‬الحربية‭ ‬الجديدة‭. ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬المصنعة‭ ‬للأسلحة‭ ‬تتجه‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬لتصنيع‭ ‬الصواريخ‭ ‬ودخول‭ ‬لاعبين‭ ‬إقليمين‭ ‬محليين‭ ‬سوق‭ ‬تصنيع‭ ‬الصواريخ،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتركيا‭.‬

التطوير‭ ‬الرئيسي‭ ‬القادم‭ ‬هو‭ ‬الوصول‭ ‬بالصواريخ‭ ‬للسرعة‭ ‬والمناورة‭ ‬الفائقتين،‭ ‬أي‭ ‬الصواريخ‭ ‬التي‭ ‬ستتطور‭ ‬بسرعة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬5‭ ‬ماخ‭ ‬مع‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬المناورة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المسار‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬اعتراضها‭ ‬صعباً‭ ‬للغاية‭. ‬ويقوم‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬بتطوير‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬لتخطي‭ ‬المعوقات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬المعقدة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬توظيفها‭. ‬

وحتى‭ ‬بدايات‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬كانت‭ ‬روسيا‭ ‬تمتلك‭ ‬صواريخ‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭ ‬من‭ ‬نوع‭  ‬Zircon‭ ‬وطائرة‭ ‬شراعية‭ ‬تفوق‭ ‬سرعتها‭ ‬سرعة‭ ‬الصوت‭. ‬كما‭ ‬أعلنت‭ ‬الصين‭ ‬أن‭ ‬لديها‭ ‬صواريخ‭ ‬باليستية‭ ‬مناورة‭ ‬DF21‭  ‬وDF 26‭ ‬وطائرات‭ ‬شراعية‭ ‬فرط‭ ‬صوتية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬لدى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مشاريع‭ ‬صواريخ‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭ ‬قيد‭ ‬التطوير،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬طائرة‭ ‬شراعية‭ ‬فرط‭ ‬صوتية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬ضرب‭ ‬أهداف‭ ‬أرضية‭ ‬بأحدث‭ ‬الطرادات‭ ‬والغواصات‭ ‬الهجومية‭ ‬النووية‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬فرجينيا‭ ‬والتي‭ ‬ستدخل‭ ‬الخدمة‭ ‬حوالي‭ ‬عام‭ ‬2025‭. ‬وتعمل‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬فرنسا‭ ‬واليابان‭ ‬والهند‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬صواريخ‭ ‬فرط‭ ‬صوتية‭ ‬لقواتها‭ ‬البحرية‭. ‬فالبحرية‭ ‬الهندية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أجرت‭ ‬بنجاح،‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2023،‭ ‬تجربة‭ ‬لإطلاق‭ ‬صاروخ‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬براهموس‮»‬‭ ‬من‭ ‬سفينة‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬العرب‭.‬

ونظراً‭ ‬للتعقيدات‭ ‬التقنية‭ ‬والتكاليف‭ ‬الكبيرة‭ ‬للصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬الصوتية‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬البحري،‭ ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬المرجح‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير‭ ‬أن‭ ‬تتمكن‭ ‬الدول،‭ ‬حتى‭ ‬الأكثر‭ ‬تقدماً،‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭ ‬بأعداد‭ ‬كبيرة‭. ‬ولكن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬رادع‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬2024‭ ‬و2030‭ ‬وأن‭ ‬الأبحاث‭ ‬جارية‭ ‬بالفعل‭ ‬لابتكار‭ ‬دفاعات‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭.‬

أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬أواخر‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬2023،‭ ‬أن‭ ‬الغواصات‭ ‬النووية‭ ‬المتعددة‭ ‬الأغراض‭ ‬من‭ ‬فئة‭ ‬‮«‬ياسن‭-‬إم‮»‬‭ ‬تمتلك‭ ‬أسلحة‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬صواريخ‭ ‬دقيقة‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬يمكنها‭ ‬ضرب‭ ‬الأهداف‭ ‬فوق‭ ‬الماء‭ ‬والمنشآت‭ ‬الساحلية‭ ‬وأن‭ ‬الغواصتين‭ ‬الجديدتين‭ ‬النوويتين‭ ‬‮«‬الإمبراطور‭ ‬ألكسندر‭ ‬الثالث‮»‬‭ ‬و«كراسنويارسك‮»‬‭ ‬هي‭ ‬حاملات‭ ‬صواريخ‭ ‬رهيبة‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬فئتها،‭ ‬تبدأ‭ ‬الخدمة‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬القوت‭ ‬البحرية‭ ‬الروسية،‭ ‬وأن‭ ‬روسيا‭ ‬ستستمر‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬قوتها‭ ‬البحرية‭ ‬وتعزيز‭ ‬انتشارها‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المناطق‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬الدولية‭.‬

كما‭ ‬ستتنامى‭ ‬الشراكات‭ ‬والتعاون‭ ‬الدوليين‭ ‬في‭ ‬تصنيع‭ ‬الصواريخ،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أعلنت‭ ‬النرويج‭ ‬وألمانيا‭ ‬أنهما‭ ‬تعملان‭ ‬بشكل‭ ‬مشترك‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬الصاروخ‭ ‬الجديد‭ ‬المضاد‭ ‬للسفن‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الصوت‭ ‬3SM Tyrfing،‭ ‬والذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬خلافة‭ ‬Kongsberg NSM‭ ‬اعتباراً‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2035‭.‬

كما‭ ‬سيجبر‭ ‬الواقع‭ ‬الجديد‭ ‬لقدرات‭ ‬الصواريخ‭ ‬المضادة‭ ‬للسفن‭ ‬صانعي‭ ‬السياسة‭ ‬الدفاعية‭ ‬والاستراتيجيين‭ ‬البحريين‭ ‬إلى‭ ‬التكيف‭ ‬تجنباً‭ ‬للهزيمة،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬يحذر‭ ‬ألبرت‭ ‬بالازو‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬نيو‭ ‬ساوث‭ ‬ويلز‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬قفزة‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬الصواريخ‭ ‬الأرضية‭ ‬المضادة‭ ‬للسفن‮»‬‭.‬

تحقق‭ ‬طفرة‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬واستخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬المعتمدة‭ ‬على‭ ‬‮«‬مبادئ‭ ‬w‭  ‬جديدة‮»‬‭‬

إذا‭ ‬كانت‭ ‬أنظمة‭ ‬الأسلحة‭ ‬التقليدية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬المبدأ‭ ‬الحركي‭ ‬لجسم،‭ ‬أو‭ ‬رصاصة،‭ ‬أو‭ ‬مقذوف،‭ ‬أو‭ ‬صاروخ‭ ‬يتسارع‭ ‬ويصيب‭ ‬الهدف،‭ ‬فإن‭ ‬الأسلحة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬‮«‬مبادئ‭ ‬فيزيائية‭ ‬جديدة‮»‬‭ ‬مختلفة‭ ‬تماماً‭. ‬فهي‭ ‬تصيب‭ ‬أهدافها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نبض‭ ‬كهرومغناطيسي،‭ ‬ليزر،‭ ‬شعاع‭ ‬من‭ ‬الجسيمات‭ ‬المشحونة‭ ‬أو‭ ‬المحايدة‭.  ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬يمكن‭ ‬لـ«أسلحة‭ ‬البلازما‮»‬‭ ‬تدمير‭ ‬أهداف‭ ‬جوية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬اللجوء‭ ‬للصواريخ‭.  

ومن‭ ‬أبرز‭ ‬الأسلحة‭ ‬المعتمدة‭ ‬على‭ ‬‮«‬مبادئ‭ ‬فيزيائية‭ ‬جديدة‮»‬‭ ‬الأسلحة‭ ‬الكهرومغناطيسية‭ ‬‮«‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬تياراً‭ ‬قوياً‭ ‬ونابضاً‭ ‬عادة‭ ‬من‭ ‬الإشعاع‭ ‬البصري‭ ‬الكهرومغناطيسي‭ ‬المتماسك‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬أنواع‭ ‬الليزر،‭ ‬أو‭ ‬الإشعاع‭ ‬البصري‭ ‬غير‭ ‬المتماس‭ ‬لتدمير‭ ‬أهدافها‮»‬‭ ‬وأسلحة‭ ‬الطاقة‭ ‬الموجهة‭ ‬والتي‭ ‬تعرف‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬عسكرية‭ ‬لا‭ ‬تحتوي‭ ‬قذيفة‭ ‬نارية‭ ‬تقليدية،‭ ‬بل‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬طاقة‭ ‬شديدة‭ ‬التركيز‭ ‬مثل‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬أو‭ ‬الليزرية،‭ ‬أو‭ ‬الأشعة‭ ‬الكهرومغناطيسية،‭ ‬وتوجيهها‭ ‬بدقة‭ ‬نحو‭ ‬الأهداف‭ ‬لتدميرها‭ ‬أو‭ ‬تعطيلها‭. ‬

ويمكن‭ ‬تصنيف‭ ‬أسلحة‭ ‬الطاقة‭ ‬الموجهة‭ ‬تبعاً‭ ‬لنوع‭ ‬الطاقة‭ ‬المستخدم‭: ‬الصوت‭ ‬والأشعة،‭ ‬والضوء،‭ ‬والجزيئات،‭ ‬والبلازما‭ ‬وأسلحة‭ ‬الموجات‭ ‬فائقة‭ ‬القصر‭ ‬‮«‬ميكروويف‮»‬‭ ‬عالية‭ ‬الطاقة‭. ‬وتتراوح‭ ‬التأثيرات‭ ‬المرغوبة‭ ‬على‭ ‬الهدف‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬التدمير‭ ‬المادي‭ ‬وإعادة‭ ‬التوجيه‭ ‬والارباك‭ ‬وتعطيل‭ ‬الآلات‭ ‬وإعاقة‭ ‬الأشخاص‭. ‬وتستخدم‭ ‬تلك‭ ‬الأسلحة‭ ‬إما‭ ‬بإسقاط‭ ‬الطاقة‭ ‬المباشر‭ ‬‮«‬الأسلحة‭ ‬الليزرية‭ ‬والكهرومغناطيسية‮»‬،‭ ‬وإما‭ ‬باستخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬لإطلاق‭ ‬مقذوف‭ ‬خامل‭ ‬‮«‬مدفع‭ ‬كهربائي‮»‬،‭ ‬كانت‭ ‬موضوع‭ ‬التطوير‭ ‬والتجريب‭ ‬لعدة‭ ‬سنوات‭ ‬سابقة،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬وتيرة‭ ‬التطوير‭ ‬والاستخدام،‭ ‬وذلك‭ ‬للميزات‭ ‬التالية‭:‬

1- ‬توفر‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬ومبتكر‭ ‬من‭ ‬الاستخدام‭: ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬مكافحة‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬وحتى‭ ‬إبطال‭ ‬مفعول‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭.‬

2- ‬الدقة‭.‬

3- السرعة‭.‬

4- توفر‭ ‬طيف‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬المتدرجة‭ ‬للاختيار‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬بحسب‭ ‬الساق‭ ‬(التعطيل،‭ ‬الشل،‭ ‬التدمير‭.. ‬إلخ‭(.‬

5- ‬انخفاض‭ ‬التكلفة‭:‬‭ ‬لا‭ ‬ذخيرة‭ ‬تقليدية‭.‬

6- الحد‭ ‬من‭ ‬الأضرار‭ ‬الجانبية‭.‬

7- توفر‭ ‬سرية‭ ‬عملياتية‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬التقليدية‭.

وكانت‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬سبّاقة‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬أسلحة‭ ‬الطاقة‭ ‬الموجهة،‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬نجح‭ ‬سلاحها‭ ‬الليزري‭ ‬التجريبي‭ ‬‮«‬إيه‭ ‬إن‭/‬إس‭ ‬إي‭ ‬كيو‭ -‬ 3‮» ‬‭(‬AN/SEQ-3‭) ‬بقوة‭ ‬33‭ ‬كيلووات‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬سفينة‭ ‬نقل‭ ‬برمائية،‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬مدافع‭ ‬هيكلية‭ ‬مثبتة‭ ‬فوق‭ ‬قارب‭ ‬صغير‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إلحاق‭ ‬ضرر‭ ‬بالقارب‭ ‬نفسه،‭ ‬كما‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬إسقاط‭ ‬طائرة‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬أُطلقت‭ ‬من‭ ‬سفينة‭.  ‬وفي‭ ‬أغسطس‭ ‬2022،‭ ‬نشرت‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬أول‭ ‬سلاح‭ ‬ليزر‭ ‬يدخل‭ ‬الخدمة‭ ‬العملياتية،‭ ‬والمعروف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الليزر‭ ‬عالي‭ ‬الطاقة‭ ‬مع‭ ‬جهاز‭ ‬مراقبة‭ ‬وإبهار‭ ‬بصري‭ ‬متكامل‮»‬‭ (‬HELIOS‭)  ‬بقوة‭ ‬60‭ ‬كيلوواط،‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬لوكهيد‭ ‬مارتن‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬تؤكد‭ ‬أنه‭  ‬ليس‭  ‬من‭ ‬مجرد‭  ‬سلاح‭ ‬ليزري‭ ‬عالي‭ ‬الطاقة،‭ ‬فهو‭ ‬نظام‭ ‬أسلحة‭ ‬متكامل،‭ ‬حيث‭ ‬يشمل‭ ‬القدرات‭ ‬المتعددة‭ ‬المهام‭ ‬لنظام‭ (‬HELIOS‭) ‬الاستخبارات‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬والمراقبة‭ ‬والاستطلاع‭  (‬C-ISR‭)‬و‭ (‬ISR‭) ‬المضاد‭ ‬للطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬مما‭ ‬يسمح‭ ‬للبحرية‭ ‬بتغيير‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دمج‭ ‬تقنية‭ ‬الليزر‭ ‬عالي‭ ‬الطاقة‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬الإبهار‭ ‬البصري‭ ‬في‭ ‬السفينة‭ ‬ونظام‭ ‬القتال‭ ‬بسب‭ ‬التكلفة‭ ‬المنخفضة‭ ‬لكل‭ ‬عملية‭ ‬استهداف،‭ ‬وسرعتها‭ ‬ودقتها‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ (‬HELIOS‭) ‬من‭ ‬تلبية‭ ‬احتياجات‭ ‬الأسطول‭ ‬البحري‭ ‬الحديث‭ ‬الآن‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يتمتع‭ ‬بقابليته‭ ‬الفائقة‭ ‬للتطوير‭ ‬ودعم‭ ‬مستويات‭ ‬طاقة‭ ‬الليزر‭ ‬لمواجهة‭ ‬تهديدات‭ ‬المستقبل‭.  ‬كما‭ ‬تستهدف‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024 ‭ ‬لاختبار ‬‮ «‬برنامج‭ ‬الليزر‭ ‬عالي‭ ‬الطاقة‭ ‬المضاد‭ ‬لصواريخ‭ ‬كروز‭ ‬المضادة‭ ‬للسفن‮» ‬‭(‬HELCAP‭) ‬بقوة‭ ‬300‭ ‬كيلووات‭. ‬

من‭ ‬جانبها،‭ ‬وعلى‭ ‬لسان‭ ‬رئيسها‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬ألقاها‭ ‬في‭ ‬المنتدى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الشرقي‭ ‬الثامن،‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬فلاديفوستوك‭ ‬الروسية،‭ ‬أعلنت‭ ‬روسيا‭ ‬أنها‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تصنيع‭ ‬أسلحة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬فيزيائية‭ ‬جديدة‭ ‬ستضمن‭ ‬أمن‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب،‭ ‬وذلك‭ ‬بابتكار‭ ‬وتطوير‭ ‬الأسلحة‭ ‬المصنعة‭ ‬بخواص‭ ‬فيزيائية‭ ‬فريدة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬التكنولوجيات‭ ‬ومبادئ‭ ‬التشغيل‭ ‬الحديثة‭ ‬نوعياً‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المستخدمة‭ ‬سابقاً،‭ ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬الأنواع‭ ‬أسلحة‭ ‬الليزر‭ ‬والأشعة‭ ‬فوق‭ ‬الصوتية‭ ‬والترددات‭ ‬الراديوية‭ ‬وغيرها‭.‬

تطوير‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المركبات‭ ‬البحرية‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ ‬والغواصات‭ ‬المسيرة  ‬أبرزت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬ازدياد‭ ‬المسيرات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة،‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الجيوش‭ ‬تسعى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬لتقليل‭ ‬خسائرها‭ ‬البشرية،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تتوقع‭ ‬الأدبيات،‭ ‬بأن‭ ‬المسيرات‭ ‬البحرية‭ ‬ستكون‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أدوات‭ ‬الحروب‭ ‬المستقبلية،‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬ميزات‭. 

فيما‭ ‬شهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬طفرة‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬واستخدام‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ ‬أن‭ ‬يشهد‭ ‬قطاع‭ ‬التسلح‭ ‬البحري‭ ‬موجة‭ ‬مماثلة‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬المركبات‭ ‬والقطع‭ ‬البحرية‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ ‬والذاتية‭ ‬القيادة،‭ ‬إذ‭ ‬ستزداد‭ ‬الحاجة‭ ‬اليها‭ ‬واستخدامها‭ ‬في‭ ‬مهام‭ ‬المراقبة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬ببعض‭ ‬المهام‭ ‬الهجومية‭.  ‬وتعمل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬بالفعل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الغواصات‭ ‬المسيرة،‭ ‬حيث‭ ‬يعد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الصاعدة‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬تطوير‭ ‬القطع‭ ‬البحرية،‭ ‬وذلك‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬سبب،‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬أنها‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬والتهديدات‭ ‬التي‭ ‬يتعرَّض‭ ‬لها‭ ‬أفراد‭ ‬الطواقم‭ ‬والقطع‭ ‬البحرية‭ ‬الأغلى‭ ‬ثمناً‭. ‬ستزيد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭ ‬وتيرة‭ ‬تطوير‭ ‬القدرات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬داخل‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬الرئيسية،‭ ‬مما‭ ‬سينعكس‭ ‬بزيادة‭ ‬في‭ ‬الأنظمة‭ ‬والمنصات‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭: ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار،‭ ‬سواء‭ ‬الجوية‭ (‬Unmaned Aerial Vehicle‭ / ‬UAV‭)‬، ‬أو‭ ‬السطحية‭ (‬Unmaned Surface Vehicle‭ / ‬USV‭) ‬أو‭ ‬القطع‭ ‬البحرية‭ ‬غير‭ ‬المؤهلة‭ ‬تحت‭ ‬الماء‭ (‬Unmaned Underwater Vehicle‭ / ‬UUV‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬ستتمتع‭ ‬بقدرات‭ ‬تقنية‭ ‬إضافية‭ ‬محسنة‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬أجهزة‭ ‬استشعار‭ ‬فائقة‭.‬‭ ‬

الخاتمة‭ ‬

كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬دائماً،‭ ‬فإن‭ ‬المرونة‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التكيف،‭ ‬خصوصاً‭ ‬مع‭ ‬تأثير‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬سوف‭ ‬تشكل‭ ‬المفتاح‭ ‬الرئيسي‭ ‬للتسلح‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة،‭ ‬لأي‭ ‬قوات‭ ‬بحرية‭ ‬تسعى‭ ‬لضمان‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬تحديات‭ ‬العقود‭ ‬القليلة‭ ‬المقبلة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬بيئة‭ ‬جيوسياسية‭ ‬وعسكرية‭ ‬يسودها‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭. ‬فالتمسك‭ ‬بوجهة‭ ‬نظر‭ ‬واحدة‭ ‬للبيئة‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬كان‭ ‬أمراً‭ ‬مقبولاً‭ ‬عند‭ ‬الاستعداد‭ ‬لمواجهة‭ ‬خصم‭ ‬يمكن‭ ‬التنبؤ‭ ‬به،‭ ‬لكن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬لا‭ ‬يصلح‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬البيئة‭ ‬الديناميكية‭ ‬غير‭ ‬المؤكدة‭ ‬التي‭ ‬سيواجهها‭ ‬مجال‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬دمج‭ ‬التقنيات‭ ‬الجديدة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والاستفادة‭ ‬منها‭ ‬سيكون‭ ‬جزءاً‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬لمجابهة‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬ستواجهها‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة،‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭: ‬التحديات‭ ‬الديموغرافية‭ ‬‮«‬الهجرة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‮»‬،‭ ‬التحديات‭ ‬التكنولوجية،‭ ‬التحديات‭ ‬المتصلة‭ ‬بأمن‭ ‬البيانات‭/‬المعلومات‭ ‬والاتصالات،‭ ‬التحديات‭ ‬المتصلة‭ ‬بأمن‭ ‬الطاقة،‭ ‬التحديات‭ ‬البيئية‭ ‬والمناخية،‭ ‬وتحديات‭ ‬تحولات‭ ‬القوى‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬والعسكرية‭. ‬

وبناء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬يمكننا‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬المجالات‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بها‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬مجال‭ ‬سطح‭ ‬الماء‮»‬‭ ‬و«المجال‭ ‬الجوي‮»‬‭ ‬و«مجال‭ ‬تحت‭ ‬الماء‮»‬‭ ‬ستشهد‭ ‬ابتكارات‭ ‬وتطورات‭ ‬محددة‭ ‬لمستقبل‭ ‬التسليح‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬القادمة‭.‬

‮»‬‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬وائل‭ ‬صالح ‭ ‬(خبير‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬تريندز‭ ‬للبحوث‭ ‬والاستشارات)

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض