خالد الزعتر
كاتب ومحلل سياسي

مستقبل حلف الناتو والانكشاف الأمريكي

عند الحديث عن التطورات والمتغيرات التي يشهدها النظام الدولي، تبرز أهمية الحديث عن “حلف الناتو” باعتباره أحد أهم المنظومات التي ترتكز عليها الدول الأوروبية في مواجهة خطر التهديدات والمغامرات الروسية، والتحديات التي يفرضها الصعود الصيني، ولكن بجانب هذه التحديات الخارجية، تبرز هناك مخاطر أخرى ذات أهمية كبيرة تهدد تماسك الحلف الذي يحاول جاهداً أن يكون متماسكاً أمام التهديدات الروسية والتحديات الصينية.

يواجه حلف الناتو مخاطر داخلية أكثر أهمية من المخاطر الخارجية، وهو موقف الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد القاعدة الرئيسية التي يستمد منها حلف الناتو قدرته على البقاء، ففي ظل الانتخابات التي تقف الولايات المتحدة الأمريكية على أعتابها، وترجيح كفة عودة ترامب للرئاسة، يترقب حلف الناتو الكثير من التغييرات، وبخاصة بعد أن أدلى ترامب بتصريح يصنف بأنه خطير، عندما قال إنه لن يرغب في حماية الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي من أي هجوم مستقبلي من روسيا إذا تأخرت مساهماتها في الحلف، وهذا التصريح هو بمثابة ضوء أخضر أمريكي يعزز طموحات روسيا في شرق أوروبا ومنطقة البلطيق.

لا شك أن تصريحات ترامب الانتخابية في عدم حماية الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي إذا تأخرت مساهماتها، تعد مؤشراً خطيراً، لأنه ينخر القاعدة الرئيسية التي تأسس عليها الحلف، والذي يشدد على أن أي هجوم على أحد أعضاء الحلف يُعتبر هجوماً على الجميع، وبالتالي يتعين على أعضاء الحلف الرد بشكل مناسب، وهو أمر لا يتناسب مع سياسة الانكشاف التي يبدو أن الولايات المتحدة تعتزم تطبيقها أمام الدول التي تتأخر في مساهماتها المالية، وهو ما يجعلها في حالة انكشاف أمام التهديدات الروسية.

لا يمكن النظر للتصريحات التي أدلى بها ترامب، والتي تُزعزع تماسك حلف الناتو، بأنها تأتي في سياق التصريحات الانتخابية، لأنه من الواضح أن هناك توجهاً أمريكياً، منذ عهد باراك أوباما، في تقليص الاهتمام بحلف الناتو، لمصلحة أمور أكثر أهمية بالنسبة للأمريكيين، في إطار “إعادة التموضع الاستراتيجي” والتي أفرزت نظرية “الارتكاز الآسيوي”، والتي بمقتضاها أعطت واشنطن لمنطقة شرق آسيا أهمية قصوى في مواجهة الصعود الصيني، وهو ما يجعل من منطقة أوروبا لا تحظى بالأهمية التي تجعل من واشنطن حريصة على تماسك “حلف الناتو” والحفاظ على القواعد التي تأسس عليها.

لقد نجح “حلف الناتو” في أن يحفاظ على تماسك نفسه في فترة ما بعد حقبة الحرب الباردة، من خلال مواجهة التحديات الأمنية التي تصاعدت في تلك الفترة من (تداعيات التفكك السوفييتي، والإرهاب، والقرصنة)، ولكن، هل سينجح الحلف في الحفاظ على صموده ووجوده في حقبة ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية، والنظام الدولي الجديد الذي أفرز الصعود الروسي والصيني، وبخاصة في ظل استراتيجية الانكشاف التي تنتهجها واشنطن؟

 

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض