5f137e77-1ce6-4497-92dd-ec275ff4c59d

الهيكل الحكومي الإماراتي الجديد.. الريادة الإماراتية في التعامل مع المتغيرات

في الوقت الذي لا يزال فيه العالم تحت وقع الصدمة، جراء وباء كورونا “كوفيد -19″، وتداعياته الضخمة على مختلف المستويات، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة، كانت الأسرع في الخروج من هذه الصدمة وتجاوزها، من خلال رؤى وخطط ليس فقط للتعامل مع الآثار المباشرة للوباء، وإنما كذلك الاستعداد لما بعده، والنظر إليه ليس فقط من زاوية التحدي أو الخطر أو التهديد الذي يحتاج إلى تعبئة الموارد والقدرات للتصدي له، وإنما أيضاً من منظور الفرصة التي من المهم استثمارها من أجل التطوير والتحديث والتغيير في أنظمة العمل وآلياته وفلسفته. وهذا لأن دولة الإمارات منذ إنشائها تعشق التحدي، وتعتبره مصدراً للتحفيز وليس الإحباط أو اليأس.
ولعل هذا ما كان يعنيه بوضوح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، عندما قال في كتابه المتميز “تأملات في السعادة والإيجابية” إن “التحديات هي في الحقيقـة فرصتنـا لإبـداع حلول جديدة، وللتفكيـر بطريـقـة مختلـفـة، ولاختـبـار طـاقـاتنـا وقـدراتنـا وصقـل مهـاراتنـا وإمكاناتنا، ولزيادة معارفنا وخبراتنا. عندما كان الناس يرون مشكلات كنت أرى فرصاً، وعندما كانوا يرون تحديات، كنت أرى مجالاً كبيراً للإبداع والإنجاز”.
ضمن هذا الإطار، يمكن النظر إلى التغيرات الحكومية الكبيرة التي أعلن عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، يوم 5 يوليو 2020، بعد تشاور مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، واعتماد ومباركة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”. حيث تثير هذه التغيرات الجديدة العديد من الملاحظات والمعاني المهمة، يمكن الإشارة إلى أبرزها في الآتي:
1- الحفاظ على موقع الريادة: فمن ناحية أولى، يتمثل الهدف من هذه التغيرات، في تعزيز استجابة دولة الإمارات العربية المتحدة للمتغيرات والتحولات والمستجدات الناتجة عن وباء كورونا على مختلف المستويات، من خلال خطوات فاعلة واستباقية تحافظ على ريادة الإمارات وموقعها المتقدم في مؤشرات التنافسية العالمية، وهو ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بقوله: “هدفنا من التغييرات الهيكلية اليوم، هو حكومة أسرع في اتخاذ القرار.. وأكثر مواكبة للمتغيرات.. وأفضل في اقتناص الفرص، وفي التعامل مع المرحلة الجديدة في تاريخنا.. حكومة مرنة وسريعة، هدفها تعزيز منجزات ومكتسبات الوطن”. وأوضح سموه الفلسفة الكامنة وراء التغيرات بقوله “بيئة العمل المستقبلية في التطبيب والتعليم والتجارة، ستتغير بشكل كبير.. ونسعى لأن نكون في مقدمة هذه التغيرات، وأن نكون النموذج الأفضل عالمياً”.
وفي هذا السياق أيضاً، عبر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن فكرة السبق الإماراتي المستمر في التعامل مع المستجدات بقوله، تعليقاً على الهيكل لحكومي الجديد: “إن دولة الإمارات دائماً سباقة في التعامل مع التحولات بفكر خلاق ورؤى مبدعة”.
2-التغيير المدروس: على الرغم من الظروف الضاغطة لفيروس كورونا على دولة الإمارات والعالم كله، فإن الدولة لم تلجأ إلى خطوات متسرعة أو تغيرات غير مدروسة في التعامل معه، وإنما حرصت على أن يكون كل شيء وفق دراسة وبحث وتقصٍّ من قبل خبراء ومتخصصين، هم الذين وضعوا استراتيجية العمل لمرحلة ما بعد كورونا؛ حيث شارك في وضع هذه الاستراتيجية مسؤولو أكثر من 100 جهة حكومية اتحادية ومحلية، إضافة إلى خبراء عالميين وباحثين ومخططين استراتيجيين في مختلف مجالات العمل الحكومي.
3- التغيير مستمر: بالنظر إلى التغيرات والتحولات العميقة التي أحدثها فيروس كورونا، ومن المتوقع أن يحدثها خلال الفترة القادمة، في مختلف المجالات، فإن دولة الإمارات تعمل على إيجاد أفضل أنظمة الإدارة والعمل في التعامل معها، ما يستدعي أن يكون التغيير هو شعار لمرحلة مستمرة وممتدة، بهدف البحث عن الأفضل والأكثر كفاءة وفاعلية، سواء على مستوى القيادات الحكومية أو الكوادر البشرية أو أساليب العمل، وهذا المعنى أكده بوضوح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد وهو يعلن عن التغييرات الحكومية الجديدة، حيث قال سموه: “الحكومة الجديدة، أمامها عام واحد لتحقيق الأولويات الجديدة.. والتغييرات المستمرة ستبقى شعار المرحلة القادمة، وصولاً لأفضل نموذج حكومي يواكب العصر الجديد.. ويحقق تطلعات شعب الإمارات خلال المرحلة القادمة”.
ولا شك في أن هذه الفلسفة في التغيير تعمل على تحفيز المسؤولين في مختلف القطاعات على بذل أقصى جهد لتحقيق نتائج إيجابية في وقت قصير، كما تضع المسؤولين أمام اختبار الكفاءة والإنجاز والفاعلية بشكل مستمر، من خلال ربط الاستمرار في المنصب الحكومي بالإنجاز من أجل الوطن والمواطن.
4-مواكبة العصر الرقمي: لعل الملمح الأساسي لعصر وباء كورونا وما بعده، هو التحول الرقمي الكبير والعميق؛ لأن تجربة الفيروس أثبتت أهمية اتجاه الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص إلى الفضاء الرقمي وزيادة الاعتماد عليه خاصة في أوقات الأزمات. ولعل هذا ما يتضح بشكل جلي في إلغاء 50 % من مراكز الخدمة الحكومية، وتحويلها لمنصات رقمية خلال عامين، ضمن التغيرات الحكومية الجديدة في دولة الإمارات. وفي هذا السياق فإن دولة الإمارات قد حلّت في المركز الأول خليجياً وعربياً وفي غرب آسيا، والثامن عالمياً في مؤشر الخدمات الذكية الصادر عن الأمم المتحدة، الصادر في يوليو 2020، وهو مؤشر يهتم بمؤشرات التحول الرقمي في دول العالم المختلفة.
وتستند دولة الإمارات العربية المتحدة في تحولها الرقمي إلى بنية تحتية عصرية في هذا المجال، عملت على بنائها على مدى فترة طويلة خلال السنوات الماضية، بدءاً من إطلاق الحكومة الذكية عام 2013 ومروراً بالخطوات المهمة والنوعية التي تم اتخاذها في هذا المجال على مدى السنوات اللاحقة.

5-الهيكل الحكومي “الرشيق”: تجاوباً مع التحولات التي أحدثها فيروس كورونا في المنطقة والعالم، حدد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم طبيعة الحكومة التي تحتاج إليها الدولة للتعامل مع هذه التحولات، حيث قال سموه: “نحتاج إلى حكومة أكثر رشاقة ومرونة وسرعة، وقدرة على التأقلم، إلى جانب تعزيز الجاهزية، وإعادة ترتيب الأولويات الوطنية، وتطوير الخطط والاستراتيجيات، للتكيف مع المتغيرات بسرعة أكبر، وتطوير منهجية استباقية شاملة، تستشرف معالم هذه المرحلة، وتبتكر الحلول لمواجهة التحديات المستقبلية.” ومن هنا فقد شملت التغيرات الحكومية الجديدة دمج نحو 50 % من الهيئات الاتحادية مع بعضها، أو ضمن وزارات، لزيادة الفاعلية من جانب، وتحقيق المرونة في العمل من جانب آخر، فضلاً عن تفادي أي “ترهل” أو تضخم” في الجهاز الحكومي، خاصة أن الدراسات تشير إلى أن تضخم الجهاز الحكومي بشكل كبير يمثل عائقاً للتنمية والتطور والابتكار في الدول المختلفة.
6- إعلاء دور التكنولوجيا: تعطي دولة الإمارات العربية المتحدة أهمية خاصة لدور التكنولوجيا في برامجها التنموية بشكل عام، وفي جهازها الحكومي بشكل خاص، ولذلك تهتم بتطبيقات الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة وتعتبرها أمراً جوهرياً لتنويع مصادر الدخل وتعزيز كفاءة العمل والقدرة على المنافسة في المستقبل. وفي هذا السياق فإنه ضمن التغيرات الحكومية الجديدة، تم استحداث وزارة للصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، تعمل على تطوير القطاع الصناعي بالدولة، واستحداث منصب وزير دولة للاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي وتطبيقات العمل عن بعد.
في ضوء كل ما سبق، يمكن القول إن جائحة كورونا كانت مناسبة أثبتت فيها دولة الإمارات العربية المتحدة أنها رائدة في القدرة على التعامل الفاعل والكفء مع المتغيرات، وخلق وتوليد الفرص من رحم التحديات.

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض