خالد الزعتر
كاتب ومحلل سياسي

هل تستمر الصين في الصعود السلمي؟

في ظل حالة المتغيرات التي تشهدها بنية النظام الدولي الذي يتجه للخروج من حالة الأحادية القطبية إلى حالة التعددية القطبية، ومع تصاعد التوتر بين الصين وتايوان، والذي تلعب التدخلات الدولية دوراً في تأجيجه، يبرز سؤال في غاية الأهمية: هل يمكن أن تستمر الصين بالصعود في هرم النظام الدولي سلمياً؟
المتابع للنجاح الصيني على المستوى الدولي، يجد أن القوة الصلبة لم تكن هي القاعدة الرئيسية للتحركات الصينية، مثلما هو سائد في العلاقات الدولية، فلو نظرنا للصعود الأمريكي مثلاً، وتربع واشنطن على عرش قيادة العالم، نجد أن القوة الصلبة كانت هي الوسيلة من حرب فيتنام إلى الحرب الباردة مروراً بأفغانستان وغيرها، وأما بالنسبة للصين فقد كانت القوة الناعمة هي القوة الرئيسية التي طالما اعتمدت عليها بكين في مرحلة انفتاحها على العالم والمنافسة على تهديد المكانة الأمريكية والحصول على موقع مهم في النظام الدولي الجديد لصياغة سياسة خارجية ناجحة، ورسم صورة إيجابية لها في عالم يشهد الكثير من المتغيرات.
لعل المتابع لخطاب شي جين بينغ يجد أنه كان حريصاً على تبني خطاب يحاول من خلاله معالجة العلاقات الدولية المعاصرة باستخدام الثقافة الصينية التقليدية المتميزة، حيث كان دائم الاقتباس لعباراتٍ مثل “الأقرباء والجيران يتمنون الخير لبعضهم بعضاً والجار الجيد لا يُشترى بكنوز الدنيا ولو صار الأخوة على قلب واحد لانفتحت أمامهم أبواب الثروة”، وغيرها من المقولات التي تحاول الصين من خلالها توظيف الثقافة الصينية التقليدية كقوة ناعمة فاعلة في سياستها الخارجية، وبالتالي تأكيد حرص الصين على توظيف ثقافتها كأساس لبناء تحركاتها السياسية، لتحتل “المبادئ الكونفوشيوسية” مكانة مهمة في اللغة السياسية الصينية، حيث تعد جزءاً أساسياً ومهماً من التقاليد الثقافية الصينية التي تدعو للتقارب بين البشر ونشر السلام ونبذ الحرب والتعاون والتناغم لبناء المجتمع العالمي.

لكن المشهد التنافسي بين الولايات المتحدة والصين يعتبر مشهداً متسارع التغيرات، بحيث لا يمكن من خلاله استخدام لغة الجزم والتنبؤ بإمكانية أن تمضي الصين قدماً في مبادئ  سياستها الخارجية الذي قامت بصياغته، فلو نظرنا إلى حالة التوتر المتصاعد بين الصين وتايوان بخاصة في العام 2022 والذي كان شديد السخونة بين الطرفين، حيث قامت الصين بإرسال أكثر من 1700 طائرة حربية إلى منطقة الدفاع الجوي التايوانية، كما نفذت بكين 101 توغل بقاذفات، وسجلت تايبيه 71 توغلاً لأول مرة بطائرات مسيرة صينية خلال السنة ذاتها. وبالتالي نجد أن ما يحدث لا شك أنه يهدد الصعود السلمي للصين، بحيث يصبح من الصعب استثناء القوة الصلبة في علاقات بكين الخارجية، بخاصة وأنها تنظر إلى تايوان بأنها منطقة اختراق تحاول من خلالها واشنطن إضعافها والتأثير على صعودها الدولي.

حرب الأفكار تحتل مكانة مهمة في التنافس الدولي بين الولايات المتحدة والصين، فبينما تحاول الصين توظيف القوة الناعمة لخدمة صعودها في النظام الدولي والتسويق لمبادئها الكونفوشيوسية، ونشر السلام ونبذ الحرب، والتعاون والتناغم لبناء المجتمع العالمي، نجد أن الولايات المتحدة ترى من مصلحتها تفجير الوضع بين الصين وتايوان، وأن تبقى بكين رهينة التوترات في محيطها، وعدم إعطائها مجالاً لتوسعة نفوذها خارج منطقة شرق آسيا، ولعل استمرار الاستفزازات الأمريكية، وآخرها عبور مدمرة أمريكية مضيق تايوان، يؤكد ذلك، لأن ذلك يعطي واشنطن فرصة لإضعاف القوة الناعمة وضرب المبادئ السلمية التي تعتمد عليها الصين في رسم صورة إيجابية لها في صعودها الدولي.

 

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض