خالد الزعتر
كاتب ومحلل سياسي

تفجيرات لبنان..وثمن غياب الدولة

على الرغم من تعدد تعريفات الدولة، فإنها تشترك كلها في أمر أساسي هو: وجود سلطة قادرة على فرض الأمن والنظام في إقليم معين من خلال احتكارها وحدها، دون غيرها، “أدوات الإكراه”، ويخضع سكان هذا الإقليم لهذه السلطة وفق عقد اجتماعي محدد. فهذه موسوعة “لاروس Larousse” الفرنسية تعرف الدولة بأنها: “مجموعة من الأفراد الذين يعيشون على أرض محددة ويخضعون لسلطة معينة”، وتعرفها “اتفاقية مونتفيديو” Montevideo بشأن حقوق وواجبات الدول في عام 1933، بأنها: “مساحة من الأرض تمتلك سكاناً دائمين، إقليم محدد وحكومة قادرة على المحافظة والسيطرة الفعَّالة على أراضيها، وإجراء العلاقات الدولية مع الدول الأخرى”، وتدور تعريفات الدولة الأخرى كلها ضمن هذا المعنى ولا تخرج عنه.
وإذا طبقنا هذا المفهوم على حالة لبنان، سوف نكتشف بسهولة ودون عناء غياب الدولة بالمعنى المتعارف عليه منذ ظهور الدولة الوطنية الحديثة بعد مؤتمر “وستفاليا” عام 1648؛ فبدلاً من أن تكون الأحزاب تابعة للدولة، نجد أن الدولة اللبنانية أصبحت تابعة للأحزاب، بل ومحتكرة من قبل حزب واحد يحاول تحقيق السيطرة الفعالية على الأراضي اللبنانية، ويسعى لكسر احتكار الدولة لأدوات القوة، وهو حزب الله الإرهابي، الذي تخطى مستوى محاولة إنشاء دولة داخل دولة عبر جناحيه السياسي والعسكري، إلى مرحلة السيطرة على الدولة وتوظيفها لمصلحته، ومصلحة راعيه الأساسي وهو إيران.
ولقد كانت تفجيرات بيروت في الرابع من أغسطس 2020، نتيجة طبيعية لغياب دور الدولة، لأن حزب الله عمل على تهميشها وإضعافها واحتكار مصادر القوة، حيث نشط الحزب في استيراد الأسلحة والمتفجرات، ولم يتوقف هذا النشاط من قبل الحزب داخل حدود الجغرافيا اللبنانية، وإنما تعداها إلى دول عديدة في المنطقة والعالم، وفي هذا السياق أعلنت البحرين بعد أيام من تفجيرات بيروت عن إحباط عمليتي تهريب متفجرات من إيران متورط فيها حزب الله الإرهابي، وبالتالي فإن الدولة اللبنانية تم تحويلها من قبل حزب الله لكي تصبح مجرد أداة في مشروع إيران الإرهابي والفوضوي الذي يستهدف المنطقة العربية برمتها.
إن (انفجار بيروت) لم يكن هو الأول ولن يكون هو الأخير، طالما أن الدولة لاتزال مفقودة وتابعة، وبالتالي فإن الحالة اللبنانية تحتاج إلى إعادة ضبط البوصلة في اتجاه بناء الدولة الحقيقية المتعارف عليها التي تحكمها سلطة واحدة قادرة على المحافظة والسيطرة الفعَّالة على أراضيها، وتحتكر أدوات القوة، وتحكم حدود دور الأحزاب في الحياة اللبنانية بما يخدم المصالح العليا للدولة اللبنانية، بدلاً من حالة التشظي وتجريد الدولة من قوتها لصالح حزب الله الإرهابي.
وإذا لم يكن انفجار بيروت منطلقاً لإصلاح حقيقي وجذري في لبنان، فإنه من المؤسف القول إن الأمور سوف تؤول إلى تطويع المعطيات على الساحة اللبنانية، لمصلحة استمرار الوضع الراهن، وهو ما سوف يقود إلى استمرار مخطط حزب الله الإرهابي في السيطرة على الدولة.
إن ما يجري في لبنان، يعيدنا إلى موقف الإمارات الثابت، في التأكيد على دعم الدولة الوطنية ضد الميليشيات المسلحة التي تحاول تفكيكها أو السيطرة عليها، واعتبار هذه الدولة صمام أمان، وأساس الاستقرار والأمن والتنمية في المنطقة.

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض