خالد الزعتر
كاتب ومحلل سياسي

تركيا من الإيديولوجيا إلى البراغماتية

منذ اندلاع مرحلة ما يُسمّى بالربيع العربي، والتي قادت إلى تصعيد جماعات الإسلام السياسي إلى الحكم، بدأ واضحاً التغيير الذي تعيشه السياسة الخارجية التركية، حيث بدأ أن تخلت تركيا عن “البراغماتية” إلى “الإيديولوجية”، ولكن صعود الإخوان إلى الحكم لم يدم طويلاً، وكان السقوط المدوي عبر ثورة الـ30 من يونيو نهاية حقبة حكم الإسلام السياسي، ولكن ظلت السياسة الخارجية التركية تحكمها  “الإيديولوجيا”، وهو ما انعكس في طريقة الأداء التركي في التعامل مع المرحلة الجديدة في مصر، عقب العام 2013، إذ ظلت تركيا متمسكة بعودة الإخوان للحكم، وفتحت الباب أمام عناصر الإخوان الهاربين، ووفرت لهم الملاذ الآمن، والدعم المالي والإعلامي، وبدأ واضحاً أن تركيا تتجه إلى هدم ما قامت ببنائه عبر استراتيجية “تصفير المشكلات”، لتتحول لاستراتيجية “خلق المشكلات”، نتيجة انحياز أردوغان إلى جذوره التاريخية التي تربطه بتنظيم الإخوان من حزب السلامة الوطني الذي أسسه نجم الدين أربكان عام 1972، ثم حزب الرفاه، ثم حزب الفضيلة، ثم التحالف مع الحركة النورسية ذات المنهج الإخواني.

كما كان لاستراتيجية “تصفير المشكلات” التي انتهجتها تركيا، والتي كانت “البرغماتية” هي توجه تركيا السياسي، انعكاسة مهمة على الاقتصاد التركي، حيث حققت تركيا خلال الفترة ما بين العامين 2000 – 2007 نمواً سنوياً وسطياً في الناتج المحلي الإجمالي حوالي 4.9 %، فقد كان لاستراتيجية “خلق المشكلات” أو التوجه الإيديولوجي الذي حكم السياسة الخارجية التركية، ما بعد مرحلة ما سُمّى بالربيع العربي انعكاسة وتأثير سيئ على الاقتصاد التركي، حيث تغرق أنقره اليوم في دوامة الأزمة الاقتصادية والهبوط المدوي لليرة التركية، وهي بلا شك أزمة مركبة، لعب العامل السياسي دوراً رئيسياً في العمل على تعميقها، بخاصة بعد أن أصبحت تركيا معزولة عن محيطها الشرق أوسطي، ودخولها في تصادم مع دول الثقل العربي وهي (السعودية ومصر).

الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا، وهي أزمة مركبة، لعب العامل السياسي دوراً مهماً فيها، بدأ واضحاً أنها بدأت تضغط باتجاه تغيير في السياسة الخارجية التركية بالعودة إلى “البراغماتية”، وهي التي ظلت تحكم السياسة الخارجية التركية، ووصلت ذروتها العام 2002 بوصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، والذي تبنى آنذاك استراتيجية “الانفتاح على دول الشرق الأوسط وتصفير المشكلات مع دول الجوار”، حيث كان لهذه الاستراتيجية انعكاسة جيدة على حدوث انفراجة في الوضع الاقتصادي الذي كان يعيش أزمة منذ التسعينات، ويشهد تباطؤاً في معدل النمو الاقتصادي، ونجد بوادر “السياسة البراغماتية” بالانفصال بين النظام التركي وعلاقته بالإخوان، والعودة إلى مد الجسور، في محاولة لترميم العلاقة مع كل من السعودية ومصر.

 

 

 

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض