كتاب العدد 576 لشهر يناير 2022

حرب الفضاء الإلكتروني.. التهديد التالي للأمن القومي وكيفية التعامل معه

يشير مصطلح “حرب الفضاء الإلكتروني”، إلى الإجراءات التي تتخذها أي دولة لاختراق شبكة دولة أخرى اختراقاً غير مصرح به، أو أي نشاط آخر يؤثر على نظام حاسوبي؛ بغرض إضافة أو تغيير أو تزييف البيانات، أو التسبب في تعطيل جهاز حاسوب أو إتلافه، أو تعطيل أو إتلاف جهاز متصل بشبكة أو شلّ الأشياء التي يتحكم فيها نظام الحاسوب.

وثمة كثير من أمثلة حرب الفضاء الإلكتروني التي وقعت في السنوات الأخيرة، التي تؤكد أن الصراع بين الدول القومية عن طريق الهجوم الإلكتروني قد بدأ. ويمكن الإشارة إلى خمسة أمور مهمة فيما يخص حرب الفضاء الإلكتروني:

أولاً، أن حرب الفضاء الإلكتروني حقيقة واقعة، وأن ما شهدناه حتى الآن لا يقارن بما يمكن أن يحدث. فمعظم المناوشات المعروفة في الفضاء الإلكتروني تستخدم أسلحة إلكترونية بدائية، ومن المنطقي أن نخمّن أن المهاجمين لا يريدون الكشف عن قدراتهم المتطورة حتى الآن. ويلاحظ أن الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى قادرة على أن تشن من حروب الفضاء الإلكتروني ما يدمر غيرها من الدول الحديثة.

ثانياً، أن حرب الفضاء الإلكتروني تحدث بسرعة الضوء، فعندما تتدفق فوتونات الحزم المهاجمة عبر كابل الألياف الضوئية فإن الوقت المستغرق بين شن الهجمة وتأثيرها يكاد يتعذر قياسه، مما يخلق المخاطر أمام صنّاع القرار في أثناء الأزمات.

ثالثاً، أن حرب الفضاء الإلكتروني حرب عالمية الطابع، وفي نطاق أي صراع يستشري العدوان الإلكتروني على مستوى العالم سريعاً؛ لأن أجهزة الحاسوب والأجهزة الخادمة المخترقة خفية أو التي تم السيطرة عليها في شتى أنحاء العالم سرعان ما تنضم إلى الهجمة، فتنجرّ بلاد كثيرة إلى الصراع سريعاً.

رابعاً، أن حرب الفضاء الإلكتروني لا تحتاج إلى ساحات المعارك التقليدية؛ فالأنظمة المختلفة التي يعتمد عليها الناس – من المصارف إلى رادارات الدفاع الجوي – يمكن الوصول إليها عبر الفضاء الإلكتروني والسيطرة عليها سريعاً أو تعطيلها دون الحاجة إلى دحر الدفاعات التقليدية للدول.

خامساً، لقد بدأ عصر حرب الفضاء الإلكتروني، وصارت الدول تتحسب لوقوع الهجمات الإلكترونية، فبدأت تعد “ساحة المعركة”، وذلك بأن يحاول كل منها اختراق شبكات الدول الأخرى وبنيتها التحتية لوضع ثغرات التسلل والقنابل المنطقية، وكل هذا يتم الآن في وقت السلم. وهذا الطابع المتواصل لحرب الفضاء الإلكتروني الذي يطمس الحدود الفاصلة بين السلم والحرب يخلق بُعداً جديداً وخطيراً في حالة انعدام الاستقرار.

قيادة حرب الفضاء الإلكتروني

في عام 2009 أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية قيادة عسكرية جديدة تُعرف بقيادة حرب الفضاء الإلكتروني، تشمل عدة أفرع رئيسية في الجيش، وتتركز مهمتها في استخدام تقنيات المعلومات والإنترنت كسلاح للحرب. وتسيطر على الفكر الأمريكي بشأن موضوع حرب الفضاء الإلكتروني النظرة القائلة إن الفضاء الإلكتروني “نطاق” أو ساحة تدور فيها رحى الحرب، ويجب أن “تهيمن” عليها الولايات المتحدة. والواقع أن دولاً عدة في العالم أخذت تركز على تطوير قدرات حرب الفضاء الإلكتروني، ومن أبرز هذه الدول روسيا التي يعتبرها مسؤولو الاستخبارات الأمريكية التهديد الأكبر للولايات المتحدة في مجال الفضاء الإلكتروني، وكذلك الصين التي يعد تطورها في مجال حرب الفضاء الإلكتروني جلياً إلى حد كبير.

ومن الدول الأخرى المعروف أن لديها وحدات ماهرة لحرب الفضاء الإلكتروني إسرائيل وفرنسا. ويرى مسؤولو الاستخبارات الأمريكية أن هناك ما يتراوح بين عشرين وثلاثين جيشاً في العالم لديها قدرات يعتد بها في مجال حرب الفضاء الإلكتروني؛ مثل تايوان وإيران وأستراليا وكوريا الجنوبية والهند وباكستان والعديد من بلدان حلف شمال الأطلسي (الناتو). فكما قال المدير السابق للاستخبارات الوطنية الأدميرال مايك ماكونيل: «الغالبية العظمى من الدول الصناعية في عالم اليوم لديها قدرات هجومية في نطاق الفضاء الإلكتروني».

عالم الفضاء الإلكتروني

ثمة ثلاث سمات في عالم الفضاء الإلكتروني تجعل حرب الفضاء الإلكتروني ممكنة؛ وهي: وجود عيوب في تصميم الإنترنت؛ ووجود عيوب في المعدات والبرمجيات؛ والاتجاه إلى توصيل المزيد من الأجهزة والآلات الحيوية شبكياً.

ولا يعتمد قياس قوة الدولة في مجال حرب الفضاء الإلكتروني على امتلاك القدرات الهجومية فقط، بل لا بد من تقييم عاملين آخرين؛ هما الدفاع والاعتماد. ويُقصد بالدفاع قياس قدرة الدولة على اتخاذ إجراءات عند تعرضها للعدوان لصد الهجمة أو تخفيف آثارها، أما الاعتماد فهو مدى اتصال الدولة بالإنترنت واعتمادها على الشبكات والأنظمة التي قد تكون عرضة للأخطار في حال وقوع حرب إلكترونية.

وعند التفكير في القدرات “الدفاعية” وفي “عدم الاعتماد” معاً نجد أن كثيراً من الدول تحرز درجات أعلى من الولايات المتحدة. وهكذا، فإن قدرة تلك الدول على النجاة من حرب الفضاء الإلكتروني بتكاليف أقل، بالمقارنة بما يمكن أن يحدث للولايات المتحدة، تخلق “فجوة في مجال حرب الفضاء الإلكتروني”. وهذه الدول يمكنها أن تستخدم حرب الفضاء الإلكتروني ضد الولايات المتحدة لإنزال خسائر جسيمة بها، وفي الوقت نفسه قد تستطيع الصمود أمام الرد الأمريكي على حرب الفضاء الإلكتروني. وقد تغري هذه “الفجوة في مجال حرب الفضاء الإلكتروني” دولة ما بشن عدوان على الولايات المتحدة. وحيث إنه من المستحيل تقليص الاعتماد على نظم الشبكات اليوم، لذلك فإن الطريق الوحيد لسد الفجوة، وتحسين إجمالي الدرجات على محصلة القوة في مجال حرب الفضاء الإلكتروني، هو تحسين الدفاعات.

يقوم الدفاع على ثلاثة محاور (المثلث الدفاعي): الأول، هو حماية العمود الفقري للإنترنت، والذي تمثله شركات الإنترنت الرئيسية؛ والمحور الثاني هو تأمين شبكة الكهرباء؛ أما المحور الثالث فهو حماية شبكات وزارة الدفاع.

معلومات المؤلِّفَيْن

ريتشارد كلارك

* عمل مستشاراً رئيسياً لشؤون الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في إدارات الرؤساء رونالد ريجان وجورج إتش دبليو بوش وبيل كلينتون.

* في عام 1998 عينه الرئيس كلينتون في منصب المنسق الوطني للأمن وحماية البنية التحتية ومكافحة الإرهاب لمجلس الأمن القومي الأمريكي.

* درَّس كلارك في كلية كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد.

* عمل مستشاراً لشبكة “إيه بي سي نيوز” بشأن القضايا السياسية والأمنية.

* ألف سبعة كتب في الأدب وفي تخصصات أخرى، من بينها كتاب “في مواجهة جميع الأعداء: من داخل حرب أمريكا على الإرهاب”.

روبرت نيك

* زميل أول بمجلس العلاقات الخارجية.

* عالم أبحاث أول بجامعة نورث إيسترن.

* مستشار لمؤسسات استثمارية ولشركات مدرجة ضمن قائمة “فورتشن 500”.

معلومات الكتاب

الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، سنة النشر: 2012

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض