حروب المستقبل

الحروب المستقبلية في القرن الحادي والعشرين

تشير الدلائل والدراسات المستقبليَّة إلى أن العالم سيشهد في المدى القصير ​​إلى المتوسط حروبًا لامتماثلةً تندلع بين دول قائمة وأطراف فاعلة من غير الدول، وعمليات تنفذها طائرات من دون طيار، وصراعًا يُجرَى في الفضاء الإلكتروني؛ إذ إن انتشار الأسلحة على نطاق واسع، ووجود دول ضعيفة وفاشلة، وظهور -أو عودة ظهور- أيديولوجيات أكثر من أي وقت مضى؛ توفّر أرضًا خصبة لحالات صراع معقَّدة، قد لا تنطبق عليها صفة الحرب التقليدية، ولكنها تتطلَّب مع ذلك ردود أفعال دبلوماسية واقتصادية وعسكرية. وهكذا من المحتمل أن يظل تحديد ملامح الصراع في القرن الحادي والعشـرين منوطًا بالحرب اللامتماثلة والإرهاب الدولي؛ ومع أنهما ليسا جديدين؛ فإن التطورات التكنولوجية الحديثة، والنظام الجيوسياسي الحالي، أكسباهما أهميَّة استثنائيَّة في العقود الأخيرة.

وإن القدرات اللامتماثلة تشجع على نشر أساليب التمرد والإرهاب وتقنياتهما؛ بسبب التطورات الحاصلة في مجال التكنولوجيا؛ وبالتالي سيتزايد في جميع أنحاء شمال إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا انتشار تقنيات تتمثل في استخدام أسلحة المشاة الحديثة، والعبوات الناسفة، والتفجيرات الانتحارية؛ وهو ما سيساعد جماعات حرب العصابات والتمرد والإرهاب على تطوير آليات عملها، في مواجهة مجموعة هائلة من القدرات اللامتماثلة لدى الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى إلى الحفاظ على ذلك التفوُّق مستقبلًا.

وفي صراعات المستقبل لا بدَّ من وجود روابط أقوى بين قطاع المؤسسات العسكرية الرسمية والقطاع الخاص. ويُعَدُّ التكامل بين الصناعة والحكومة ضروريًّا لدعم جهود الدفاع الوطني، ولا بدَّ للمؤسسات العسكرية الحديثة من التكيُّف مع العمل إلى جانب المتعاقدين؛ إذ يتنامى دورهم في الحروب يومًا بعد يوم، ويبدأ من المجالات اللوجستية إلى الاشتراك في العمليات العسكرية نفسها، ومن المتوقَّع أن يكون دور المتعاقدين جزءًا مهمًّا من حروب القرن الحادي والعشرين.

وتشير الاتجاهات الرئيسية المؤثرة في حروب المستقبل إلى زيادة كبيرة في استخدام الطائرات من دون طيار. ونشهد الآن انتشارًا هائلًا لتكنولوجيات مركبات غير مأهولة جديدة، تتفاوت في الحجم والشكل؛ ومن المحتمَل أن يحدث تطور كبير في هذا المجال في السنوات المقبلة. وتفتح المستويات المتزايدة من ذكاء الروبوتات واستقلاليتها آفاقًا جديدة كاملة لتطوير الأسلحة؛ ويُصَمَّم جيل جديد من الطائرات المقاتلة من دون طيار تطير بسرعة أكبر، وتقطع مسافات أبعد، وتتفادى دفاعات العدو بشكل أفضل؛ ولكنها تختلف كثيرًا عن سابقاتها نتيجة استقلاليَّتها المتزايدة باستمرار أيضًا؛ فهي مُصمَّمة لتقلع وتهبط ذاتيًّا لتنفيذ مجموعة من المهمات بنفسها كاختراق دفاعات العدو، والتزوُّد بالوقود في الجو؛ بل أكثر من ذلك؛ فإنه من المُتوقَّع إنتاج طائرات من دون طيار أكثر ذكاءً، ومن ثم أكثر قدرةً.

وثمَّة ساحة أخرى يمكن أن تسمح بجعل العمليات الهجومية أقل تكلفةً من الساحات التقليدية؛ وهي عالم حرب الفضاء الإلكتروني الآخذ في التوسع سريعًا؛ فالعمليات العسكرية في الفضاء الإلكتروني تُعَدُّ أحد الوجوه الجديدة للحرب في المستقبل؛ فمعركة الغد الإلكترونية ستتطلَّب وجود شبكة دفاع، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وحرب المعلومات والعمليات الهجومية في الفضاء الإلكتروني التي تُنَفَّذ بالتسلُّل عبر سلاسل الإمداد، وإنتاج أسلحة إلكترونية واستخدامها من خلال إطلاق “البرمجيات الخبيثة” التي تتسبَّب بسلسلة من الهجمات المؤثرة. وفي هذا الفضاء المعقَّد ثمَّة حاجة قوية إلى دفاعات فضاء إلكتروني أفضل. ومع أنه يبدو من غير المحتمل أن يؤدي العمل الدولي إلى الحدّ من التسلح، أو تنظيم أسلحة الفضاء الإلكتروني في المستقبل القريب؛ فإن التحالفات والشراكات الإقليمية قد تساعد على تحسين فاعلية دفاع الفضاء الإلكتروني.

وَيُعَدُّ التركيز على العوامل البشرية في مجال حروب المستقبل أمرًا ذا أهمية بالغة، وبخاصة في الجانب الاستخباراتي؛ فقد أثبتت الاستخبارات الحديثة أنها أداة قوية للدول، وكذلك للأطراف الفاعلة من غير الدول على نحو متزايد. وتُبرهن الاستخبارات، وبخاصة الشقُّ التعاوني منها، على أهميتها الحيوية في مواجهة التهديدات المعاصرة لدول الخليج العربية، التي تواجه كل منها تحديات كبيرة تطول استقرارها ومصالحها الأمنية. وتتفاوت هذه التحديات من بلد إلى آخر، ولكنها تشمل التطرف الديني والإرهاب، والتهديدات اللامتماثلة، وخطر الهجمات الصاروخية من إيران، والانقسامات الداخلية الطائفية والعرقية والقَبَليَّة، والحاجة إلى التعامل مع الضغوط الديمغرافية الهائلة؛ فدول الخليج يتعيَّن عليها أن تعيد تشكيل كل عنصـر من عناصر هياكلها الأمنية، والابتعاد عن أي تركيز سابق على الحرب التقليدية والجهود الأمنية الداخلية المجزأة، والاتجاه صوب مجموعة من التحديات التفاعلية تتمثل في: الأمن الداخلي، ومكافحة الإرهاب، وعمليات الاستقرار المدني-العسكري؛ والحروب اللامتماثلة المنخفضة المستوى والمتوسطة ​​التي قد تنطوي على قوات تقليدية؛ والحروب التقليدية باستخدام وسائل لامتماثلة؛ واستخدام أسلحة الدمار الشامل، وحرب الفضاء الإلكتروني.

وتتوقَّع التحليلات أن مستقبل الحروب في منطقة الشرق الأوسط سيشهد تحولًا بعيدًا عن العمل العسكري التقليدي بين الأطراف الإقليمية؛ وبدلًا من ذلك ستقوم الحروب على نهجين أساسيَّين من قبل الدول المعنية: مواصلة التحضير للحرب التقليدية، من شراء أسلحة متطورة إلى إجراء مناورات مشتركة وفردية لأغراض الردع؛ والتركيز على البعد اللامتماثل، على أساس العمل الاستخباراتي الأوسع، واستخدام جهات فاعلة من غير الدول لضمان إنكار مقبول للتملُّص من المسؤولية.

وفي مواجهة ذلك يجب على الأطراف الإقليمية والدولية كافةً أن يتعلَّموا دمج جهودهم، والأخذ بأحدث التطورات التكنولوجية؛ إذا أرادوا تحقيق أهدافهم، واستقصاء الخيارات الاستراتيجية التي من شأنها تعزيز فرص الوقاية من الحروب، وتكريس القدرة على حسن إدارتها في حال اندلاعها؛ لكي يتمّ تقليص أخطارها ومآسيها، وإيجاد حلول ردعية ترجّح كفة التوازُن بين القوى، وتحقق الأمن المستدام للشعوب في أرجاء العالم كافة.

المؤلف: مجموعة مؤلفين

المؤلفون: أوستن لونج، جون باسيت، بيتر سينجر، ويسلي وارك، آلان ريان، هنريك هيدنكامب، كريستوفر كينزي، أنتوني كوردسمان، إلياس حنّا

الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية

سنة النشر: 2014

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض