601 Web Analyses Cover 1

الحواجز العسكرية.. الفاعلية في ضوء الحروب الحديثة

على‭ ‬مدار‭ ‬التاريخ‭ ‬العسكري،‭ ‬احتلت‭ ‬الحواجز‭ ‬والتحصينات‭ ‬العسكرية‭ ‬مكانة‭ ‬متميزة،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة،‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭ ‬خلال‭ ‬القرنين‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬والعشرين‭ ‬والواحد‭ ‬والعشرين،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬أبرزها‭ ‬خط‭ ‬سيغفريد‭ ‬الألماني‭ (‬1916‭ ‬–‭ ‬1917‭)‬،‭ ‬وخط‭ ‬ماجينو‭ ‬الفرنسي‭ (‬1929‭ ‬–‭ ‬1938‭)‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬خط‭ ‬بارليف‭ ‬الإسرائيلي‭ (‬1968‭ ‬–‭ ‬1973‭).‬

يمكن‭ ‬تعريف‭ ‬الحصون‭ ‬والحواجز،‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬العسكرية،‭ ‬بأنها‭ ‬هياكل‭ ‬ثابته‭ ‬تقام‭ ‬لتقوية‭ ‬الموقف‭ ‬الدفاعي‭ ‬لدولة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬دولة‭ ‬معادية‭. ‬وتكون‭ ‬التحصينات‭ ‬عادة‭ ‬من‭ ‬نوعين‭: ‬دائمة‭ ‬وميدانية‭. ‬وتشمل‭ ‬التحصينات‭ ‬الدائمة‭ ‬الحصون‭ ‬وملاجئ‭ ‬القوات،‭ ‬والتي‭ ‬يتم‭ ‬تشييدها‭ ‬غالباً‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬السلم،‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬التهديد‭ ‬بالحرب،‭ ‬بينما‭ ‬يتم‭ ‬إنشاء‭ ‬التحصينات‭ ‬الميدانية،‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬المواجهات‭ ‬العسكرية،‭ ‬أو‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬وشيكة‭. ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬تتكون‭ ‬الحصون‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬محصنة‭ ‬للأفراد‭ ‬والأسلحة،‭ ‬وعوائق‭ ‬مثل‭ ‬الألغام‭ ‬المتفجرة،‭ ‬والأسلاك‭ ‬الشائكة،‭ ‬والخنادق‭ ‬المضادة‭ ‬للدبابات‭ ‬وغيرها‭. ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تستفيد‭ ‬التحصينات‭ ‬الميدانية‭ ‬والدائمة‭ ‬من‭ ‬العوائق‭ ‬الطبيعية،‭ ‬مثل‭ ‬القنوات‭ ‬والأنهار،‭ ‬وعادةً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬مموهة‭ ‬أو‭ ‬مخفية‭. ‬

أهداف‭ ‬التحصينات‭ ‬والحواجز

وتهدف‭ ‬التحصينات‭ ‬والحواجز‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬القوة‭ ‬النارية‭ ‬للقوات‭ ‬المدافعة،‭ ‬وتوفير‭ ‬غطاء‭ ‬لحماية‭ ‬القوات‭ ‬المتحصنة‭ ‬خلف‭ ‬هذه‭ ‬الحواجز،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إعاقة‭ ‬تقدم‭ ‬قوات‭ ‬العدو،‭ ‬أو‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬حركته‭ ‬عبر‭ ‬إجباره‭ ‬على‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬محددة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬دورها‭ ‬بالأساس‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬دفاعي،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬في‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬أراضٍ‭ ‬جديدة،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬في‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬الدفاعية‭ ‬والهجومية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

وفي‭ ‬الحروب‭ ‬المعاصرة،‭ ‬يوجد‭ ‬مثالان‭ ‬رئيسيان‭ ‬على‭ ‬التحصينات‭ ‬الدفاعية،‭ ‬وهما‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬خط‭ ‬سوروفيكين‮»‬‭ ‬الروسي،‭ ‬والجدار‭ ‬الحديدي‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬وبمراجعة‭ ‬الحالات‭ ‬التاريخية‭ ‬المختلفة،‭ ‬ساد‭ ‬اعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬الحواجز‭ ‬العسكرية‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬مستوى‭ ‬الفاعلية‭ ‬المتصورة‭ ‬عند‭ ‬بنائها،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬التوقعات‭ ‬من‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الهجوم‭ ‬المضاد‭ ‬يكون‭ ‬عادة‭ ‬مرتفعاً،‭ ‬ويتسبب‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬حدوث‭ ‬مفاجئة‭ ‬استراتيجية‭ ‬عندما‭ ‬تنهار‭ ‬هذه‭ ‬الحصون‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬متوقع‭. ‬ويمكن‭ ‬استقراء‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬التاريخية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬خط‭ ‬سيغفريد‭ ‬الألماني‭ ‬وماجينو‭ ‬الفرنسي‭ ‬وخط‭ ‬بارليف‭. ‬

وتسعى‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬فهم‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفرضية‭ ‬التالية،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬التحصينات‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية،‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬استراتيجية‭ ‬دفاعية‭ ‬متطورة،‭ ‬تسعى‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬البيئية‭ ‬والجغرافية‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬المعركة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الخطوط‭ ‬الدفاعية‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬بمفردها‭ ‬عاملاً‭ ‬محدداً‭ ‬للنصر‭ ‬أو‭ ‬الهزيمة،‭ ‬بل‭ ‬يتوقف‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الدفاعية‭ ‬التي‭ ‬تتبناها‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬للدولة‭ ‬المعنية‭. ‬وسوف‭ ‬يتم‭ ‬اختبار‭ ‬هذه‭ ‬الفرضية‭ ‬بالتطبيق‭ ‬على‭ ‬حالتي‭ ‬خط‭ ‬سوروفيكين‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وكذلك‭ ‬الجدار‭ ‬الحديدي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬حول‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬وقد‭ ‬تعرض‭ ‬الأول‭ ‬لاختبار‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬عندما‭ ‬بدأت‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬هجومها‭ ‬المضاد،‭ ‬بينما‭ ‬تعرض‭ ‬الجدار‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لاختبار‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭. 

خط‭ ‬سوروفيكين

تداولت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬خط‭ ‬سوروفيكين‮»‬‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬حيث‭ ‬استخدمته‭ ‬لوصف‭ ‬الخطوط‭ ‬الدفاعية‭ ‬التي‭ ‬أنشأها‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الجبهة‭. ‬وتم‭ ‬ربط‭ ‬التسمية‭ ‬باسم‭ ‬القائد‭ ‬السابق‭ ‬للقوات‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الخاصة،‭ ‬سيرجي‭ ‬سوروفيكين‭.‬

ويتكون‭ ‬خط‭ ‬سوروفيكين‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬خطوط‭ ‬دفاعية،‭ ‬مع‭ ‬خط‭ ‬أخير‭ ‬من‭ ‬الخنادق‭ ‬و«أسنان‭ ‬التنين‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬عوائق‭ ‬خرسانية‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬هرم‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إبطاء‭ ‬المركبات‭ ‬والمدرعات‭ ‬وإجبارها‭ ‬على‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬خطوط‭ ‬مستقيمة،‭ ‬بصورة‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬المناورة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تجعلها‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للاستهداف‭ ‬والتدمير‭. ‬ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الروس‭ ‬قد‭ ‬سيطروا‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬أجواء‭ ‬المعركة،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نظم‭ ‬دفاعهم‭ ‬الجوي‭ ‬المتقدمة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬والتي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التشويش‭ ‬على‭ ‬اتصالات‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬المهاجمة،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬افتقادها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬شن‭ ‬هجمات‭ ‬منسقة‭.‬

وعندما‭ ‬بدأت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬هجومها‭ ‬المضاد‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬يونيو‭ ‬2023،‭ ‬كانت‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬تتوقع‭ ‬وجود‭ ‬حقول‭ ‬ألغام،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬فوجئت‭ ‬بكثافة‭ ‬توزيع‭ ‬الألغام،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الأرض‭ ‬مغطاة‭ ‬بالمتفجرات،‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬وحدات‭ ‬إزالة‭ ‬الألغام‭ ‬سوى‭ ‬من‭ ‬تطهير‭ ‬ممرات‭ ‬ضيقة،‭ ‬والتي‭ ‬حينما‭ ‬سارت‭ ‬عليها‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬باستخدام‭ ‬مدرعات‭ ‬برادلي‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المدرعات‭ ‬الغربية‭ ‬أو‭ ‬السوفييتية‭ ‬القديمة،‭ ‬قامت‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬المتمركزة‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬المرتفعة‭ ‬بتوجيه‭ ‬الصواريخ‭ ‬المضادة‭ ‬للدبابات،‭ ‬مما‭ ‬أصاب‭ ‬بعض‭ ‬المركبات‭ ‬في‭ ‬القافلة،‭ ‬وأجبر‭ ‬الآخرين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬خلفها‭ ‬على‭ ‬الانحراف‭ ‬عن‭ ‬المسار،‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تطهيره‭ ‬من‭ ‬الألغام،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انفجارها‭ ‬بالألغام‭. ‬كما‭ ‬انقضت‭ ‬المروحيات‭ ‬والطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬الروسية‭ ‬وهاجمت‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬الرتل‭ ‬العسكري،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أجبر‭ ‬الوحدات‭ ‬المهاجمة‭ ‬على‭ ‬الانسحاب،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬لإعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬صفوفها،‭ ‬ثم‭ ‬معاودة‭ ‬الهجوم،‭ ‬متكبدة‭ ‬نفس‭ ‬النتائج‭ ‬الدموية‭. ‬وقد‭ ‬اعترف‭ ‬الجنرال،‭ ‬فاليري‭ ‬زالوجني،‭ ‬القائد‭ ‬العام‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬مسدود،‭ ‬وأن‭ ‬المكاسب‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬أوكرانيا‭ ‬كانت‭ ‬محدودة‭.‬

ويرجع‭ ‬النجاح‭ ‬الروسي‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬عوامل‭ ‬أبرزها‭ ‬سيطرة‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬الأجواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نظم‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬المتقدمة‭ ‬ووسائل‭ ‬الحرب‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬واللتان‭ ‬تمكنتا‭ ‬معاً‭ ‬من‭ ‬إسقاط‭ ‬أغلب‭ ‬المقاتلات‭ ‬والطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬كييف‭ ‬في‭ ‬الاستطلاع‭ ‬لتحديد‭ ‬مواقع‭ ‬انتشار‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬أخفق‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬سلاحه‭ ‬الجوي‭ ‬بفاعلية،‭ ‬خاصة‭ ‬المقاتلات‭ ‬والمروحيات‭ ‬والطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬في‭ ‬استهداف‭ ‬وحدات‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬المهاجمة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بأي‭ ‬مناورة‭ ‬بسبب‭ ‬حقول‭ ‬الألغام‭ ‬وكذلك‭ ‬الخنادق‭ ‬المضادة‭ ‬للدبابات‭.‬

واعترف‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬السابقين‭ ‬بالتفوق‭ ‬الجوي‭ ‬الروسي،‭ ‬إذ‭ ‬أوضح‭ ‬أن‭ ‬المقاتلات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬القديمة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬ميج‭ ‬29‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكتشف‭ ‬الأهداف‭ ‬ضمن‭ ‬دائرة‭ ‬نصف‭ ‬قطرها‭ ‬40‭ ‬ميلاً،‭ ‬وتطلق‭ ‬النار‭ ‬لمدى‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬20‭ ‬ميلاً‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬يمكن‭ ‬لمقاتلات‭ ‬‮«‬سو‭ ‬–‭ ‬35‮»‬‭ ‬الروسية‭ ‬تحديد‭ ‬الأهداف‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬90‭ ‬ميلاً،‭ ‬وإسقاطها‭ ‬لمسافة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬75‭ ‬ميلاً‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬يلقون‭ ‬باللوم‭ ‬على‭ ‬نظرائهم‭ ‬الأمريكيين‭ ‬لتأخرهم‭ ‬في‭ ‬إمداد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بالمقاتلات‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬إف‭ ‬–‭ ‬16‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬مسؤولاً‭ ‬دفاعياً‭ ‬أمريكياً‭ ‬كبيراً‭ ‬أكد‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬إمداد‭ ‬كييف‭ ‬بطائرات‭ ‬‮«‬إف‭ ‬–‭ ‬16‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬سيتم‭ ‬إسقاطها‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول،‭ ‬لأن‭ ‬الدفاعات‭ ‬الجوية‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬قوية‭ ‬وقادرة‭ ‬للغاية‭.‬

أما‭ ‬ثاني‭ ‬العوامل،‭ ‬فيتمثل‭ ‬في‭ ‬إخفاق‭ ‬النظرية‭ ‬العسكرية‭ ‬الغربية،‭ ‬والتي‭ ‬اعتبرت‭ ‬أن‭ ‬التحصينات‭ ‬الثابتة‭ ‬أصبحت‭ ‬بلا‭ ‬قيمة‭ ‬عسكرية‭ ‬بسبب‭ ‬تطور‭ ‬الأسلحة،‭ ‬خاصة‭ ‬المدفعية‭ ‬دقيقة‭ ‬التوجيه،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬استهداف‭ ‬تحصينات‭ ‬العدو‭ ‬بدقة‭ ‬عالية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تدميرها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬رهان‭ ‬الغرب‭ ‬على‭ ‬تكتيك‭ ‬مناورات‭ ‬الأسلحة‭ ‬المشتركة،‭ ‬والتي‭ ‬يقصد‭ ‬بها‭ ‬توظيف‭ ‬القوات‭ ‬البرية‭ ‬والجوية‭ ‬معاً‭ ‬بشكل‭ ‬متزامن‭ ‬في‭ ‬شن‭ ‬الهجوم‭ ‬ضد‭ ‬تحصينات‭ ‬العدو،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬قد‭ ‬أخفقت‭ ‬هذا‭ ‬الرهان‭ ‬الغربي‭ ‬على‭ ‬الأسلحة‭ ‬المتطورة‭ ‬وتكتيك‭ ‬المناورات‭ ‬المشتركة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدام‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬التحصينات‭ ‬المعقدة،‭ ‬والتي‭ ‬وقفت‭ ‬عصية‭ ‬عن‭ ‬التدمير‭. ‬ويتمثل‭ ‬ثالث‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬في‭ ‬تهوين‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الحسابات‭ ‬الخاطئة‭ ‬للدول‭ ‬الغربية‭ ‬الداعمة‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬هو‭ ‬اعتقاد‭ ‬الاستخبارات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬أن‭ ‬الدفاعات‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬كانت‭ ‬ضعيفة،‭ ‬ولا‭ ‬يتوفر‭ ‬بها‭ ‬عدد‭ ‬كاف‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬للدفاع‭ ‬عنها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬معنويات‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي،‭ ‬بل‭ ‬ووصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬هذه‭ ‬التقارير‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬أن‭ ‬القادة‭ ‬الروس‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬فرصهم‭ ‬في‭ ‬الانتصار‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬كانت‭ ‬محدودة‭. ‬ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الاستنتاجات‭ ‬قد‭ ‬اتضح‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬عدم‭ ‬صحتها،‭ ‬بل‭ ‬تمكن‭ ‬الروس،‭ ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬قصير،‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬تحصينات‭ ‬عسكرية‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬ألف‭ ‬كيلومتر،‭ ‬وعمق‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬خمسين‭ ‬كيلومتراً،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬تمتع‭ ‬الروس‭ ‬بقدرات‭ ‬هندسية‭ ‬عسكرية‭ ‬عالية‭ ‬للغاية‭. ‬

الهجوم‭ ‬الأوكراني‭ ‬المضاد

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬مكن‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬إحباط‭ ‬الهجوم‭ ‬الأوكراني‭ ‬المضاد‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬الحواجز‭ ‬العسكرية،‭ ‬ولكن‭ ‬كذلك‭ ‬التكتيك‭ ‬العسكري‭ ‬المتبع،‭ ‬والمتمثل‭ ‬في‭ ‬‮«‬الدفاع‭ ‬في‭ ‬العمق‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬الدفاع‭ ‬المرن،‭ ‬وهي‭ ‬استراتيجية‭ ‬عسكرية‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬طبقات‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬الخطوط‭ ‬الدفاعية‭ ‬لإبطاء‭ ‬أو‭ ‬إيقاف‭ ‬تقدم‭ ‬العدو‭. ‬ويتمثل‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬هو‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬العدو‭ ‬اختراق‭ ‬دفاعات‭ ‬البلاد‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إجبار‭ ‬العدو‭ ‬على‭ ‬القتال‭ ‬على‭ ‬جبهات‭ ‬متعددة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يضعف‭ ‬عزيمته‭ ‬ويستنزف‭ ‬موارده،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬القتال‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬يتم‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التضاريس‭ ‬والخصائص‭ ‬الجغرافية‭ ‬من‭ ‬جبال‭ ‬ومستنقعات‭ ‬وأنهار،‭ ‬والتي‭ ‬تخلق‭ ‬حواجز‭ ‬دفاعية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تبطئ‭ ‬أو‭ ‬توقف‭ ‬تقدم‭ ‬العدو،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فقد‭ ‬تمكنت‭ ‬روسيا‭ ‬عبر‭ ‬تطبيق‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬من‭ ‬تكبيد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭. ‬

الجدار‭ ‬المستحيل‭ ‬

تلعب‭ ‬الحواجز‭ ‬العسكرية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬دوراً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬عقيدتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬كونها‭ ‬تفتقد‭ ‬للعمق‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬بل‭ ‬والتكتيكي،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬معظم‭ ‬سكانها‭ ‬يقعون‭ ‬ضمن‭ ‬نطاق‭ ‬المدفعية‭ ‬للدول‭ ‬المجاورة،‭ ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحالات،‭ ‬يصدق‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬حتى‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأسلحة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عجز‭ ‬إسرائيل‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬باستدعاء‭ ‬سريع‭ ‬ومتكرر‭ ‬لقوات‭ ‬الاحتياط‭. ‬وساهم‭ ‬هذان‭ ‬العاملان‭ ‬في‭ ‬لجوء‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الحوائط‭ ‬الدفاعية،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬فشلت‭ ‬آلية‭ ‬الردع،‭ ‬وكذلك‭ ‬الإنذار‭ ‬المبكر،‭ ‬أي‭ ‬تنبيه‭ ‬مراكز‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بوجود‭ ‬تهديدات‭ ‬أمنية‭ ‬لإسرائيل‭. ‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬خط‭ ‬بارليف‭ ‬الذي‭ ‬بدأت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬بنائه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1968،‭ ‬وعجز‭ ‬عن‭ ‬الصمود‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬بنائه،‭ ‬بل‭ ‬وأخفق‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬أهدافه‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يسعى‭ ‬لتحقيقها،‭ ‬وهو‭ ‬ردع‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬عن‭ ‬مهاجمة‭ ‬إسرائيل‭ ‬ابتداءً،‭ ‬أو‭ ‬مساعدة‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬إفشال‭ ‬هجوم‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬أخفق‭ ‬الردع‭. ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬خط‭ ‬بارليف‭ ‬من‭ ‬حوالي‭ ‬30‭ ‬نقطة‭ ‬محصنة،‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬وأخرى‭ ‬بمسافة‭ ‬7‭ ‬أميال،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬دعم‭ ‬هذه‭ ‬النقاط‭ ‬بقوات‭ ‬مدرعة‭ ‬متنقلة‭ ‬متمركزة‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬القناة‭ ‬بغرض‭ ‬إحباط‭ ‬أي‭ ‬هجمات‭ ‬مصرية‭.‬

وكانت‭ ‬حوالي‭ ‬14‭ ‬نقطة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النقاط‭ ‬الحصينة‭ ‬مغلقة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬بها‭ ‬قوات‭ ‬تدافع‭ ‬عنها‭ ‬وقت‭ ‬هجوم‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1973‭. ‬أما‭ ‬النقاط‭ ‬المأهولة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬بها‭ ‬حوالي‭ ‬15‭ ‬جندياً‭ ‬إسرائيلياً،‭ ‬غير‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يمتلكوا‭ ‬الذخيرة‭ ‬الكافية‭ ‬التي‭ ‬تؤهل‭ ‬هذه‭ ‬النقاط‭ ‬لكي‭ ‬تشكل‭ ‬نقاط‭ ‬دفع‭ ‬حصينة‭. ‬وقامت‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬بشن‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬الوحدات‭ ‬غير‭ ‬المأهولة،‭ ‬وعندما‭ ‬طورت‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬هجومها‭ ‬باتجاه‭ ‬النقاط‭ ‬الحصينة،‭ ‬فإنها‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬إعاقة‭ ‬تقدم‭ ‬القوات‭ ‬المصرية،‭ ‬أو‭ ‬تحويل‭ ‬اتجاهات‭ ‬الهجوم‭ ‬إلى‭ ‬مسارات‭ ‬يمكن‭ ‬للقوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬مهاجمتها‭ ‬بسهولة‭. ‬وبالتالي‭ ‬فقد‭ ‬عجز‭ ‬خط‭ ‬بارليف‭ ‬عن‭ ‬إمداد‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بالإنذار‭ ‬المبكر‭ ‬لتحرك‭ ‬القوات‭ ‬المصرية،‭ ‬أو‭ ‬إفشال‭ ‬الهجوم،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ترتب‭ ‬عليه،‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬أكبر‭ ‬هزيمة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬حرص‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬استخلاص‭ ‬الدروس‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬6‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973،‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تجدِ‭ ‬نفعاً،‭ ‬حينما‭ ‬قامت‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬بشن‭ ‬هجوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬ضد‭ ‬السياج‭ ‬الأمني‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬فقد‭ ‬أنفقت‭ ‬تل‭ ‬أبيب،‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬1‭.‬1‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬لبناء‭ ‬حاجز‭ ‬أمني‭ ‬مترامي‭ ‬الأطراف‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬حدودها‭ ‬مع‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬والذي‭ ‬يبلغ‭ ‬طوله‭ ‬حوالي‭ ‬40‭ ‬ميلاً‭. ‬

وزعمت‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬السياج‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬تحصيناً‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الحواجز‭ ‬السلكية‭ ‬والفولاذية‭ ‬والخرسانية‭ ‬متعددة‭ ‬الطبقات‭ ‬التي‭ ‬يبلغ‭ ‬ارتفاعها‭ ‬20‭ ‬قدماً،‭ ‬كما‭ ‬دمج‭ ‬‮«‬السياج‭ ‬الذكي‮»‬‭ ‬شبكة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الكاميرات‭ ‬وأجهزة‭ ‬استشعار‭ ‬الحركة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الرادارات،‭ ‬وأنظمة‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬التحكم‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬والتي‭ ‬يتم‭ ‬مراقبتها‭ ‬جميعاً‭ ‬بواسطة‭ ‬عشرات‭ ‬الأبراج‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الجدار‭ ‬بمثابة‭ ‬مركز‭ ‬بيانات‭ ‬ومراقبة‭ ‬وتصنت‭ ‬عالي‭ ‬التقنية‭. ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬جدار‭ ‬حصين‭ ‬فوق‭ ‬الأرض،‭ ‬ولكنه‭ ‬تم‭ ‬كذلك‭ ‬مد‭ ‬جدار‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬ونظام‭ ‬استشعار،‭ ‬مصمم‭ ‬لمنع‭ ‬التسلل‭ ‬عبر‭ ‬الأنفاق،‭ ‬ويمتد‭ ‬هذا‭ ‬الجدار‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الحدود‭ ‬بأكملها‭ ‬مع‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬وبالتزامن‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬يقوم‭ ‬نظام‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المتقدم‭ ‬‮«‬القبة‭ ‬الحديدية‮»‬‭ ‬بحماية‭ ‬السماء،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الجدار‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يوفر‭ ‬حماية‭ ‬كاملة،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬كافة‭ ‬التهديدات‭ ‬المحتملة‭.‬

وطورت‭ ‬العقيدة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬نظراً‭ ‬لإدراكها‭ ‬بافتقادها‭ ‬للعمق‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬العمق‭ ‬العملياتي‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬ثالوث،‭ ‬يتمثل‭ ‬أولها‭ ‬فيما‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬العمليات‭ ‬العميقة‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬إليها‭ ‬باعتبارها‭ ‬محاولة‭ ‬الإضعاف‭ ‬المبكر‭ ‬لقدرات‭ ‬العدو،‭ ‬ويطلق‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بالعبرية‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬مابام‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬يعني‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬الحروب‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬الحرب‭ ‬الدائمة‭ ‬منخفضة‭ ‬الحدة،‭ ‬كما‭ ‬تعرف‭ ‬إسرائيلياً‭ ‬كذلك‭ ‬باسم‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬الردع‭ ‬النشط‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬الحرب‭ ‬الاستباقية،‭ ‬فالهدف‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬هو‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الخصم‭ ‬باستمرار‭ ‬‮«‬لاستنزاف‭ ‬قوته‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستهداف‭ ‬المنهجي‭ ‬لقدراته‭ ‬العسكرية‭ ‬الناشئة‭ ‬على‭ ‬أرضه،‭ ‬وذلك‭ ‬لتأجيل‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬الكبرى‮»‬‭ ‬التالية‭. ‬ويساعد‭ ‬على‭ ‬تمكين‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي،‭ ‬خاصة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬والاستخبارات،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدام‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬المتصلة‭ ‬ببعضها‭ ‬بعضاً‭ ‬بمساعدة‭ ‬عمليات‭ ‬الأتمتة،‭ ‬يتم‭ ‬الكشف‭ ‬بسرعة‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬عملية‭ ‬لإطلاق‭ ‬الذخائر‭ ‬المعادية‭ ‬والاشتباك‭ ‬معها‭ ‬بواسطة‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الموجودة‭ ‬لدى‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬التشكيلات‭ ‬العسكرية‭ ‬التابعة‭ ‬للجيش‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

أما‭ ‬ثاني‭ ‬مكونات‭ ‬هذا‭ ‬الثالوث،‭ ‬فيتمثل‭ ‬في‭ ‬‮«‬العمق‭ ‬الأمامي‮»‬،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬القريبة‭ ‬المجاورة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وكذلك‭ ‬مناطق‭ ‬التهديد‭ ‬البعيدة،‭ ‬مثل‭ ‬إيران،‭ ‬ويتم‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تثبيت‭ ‬قواعد‭ ‬خارجية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬مثل‭ ‬أذربيجان‭ ‬أو‭ ‬قبرص‭ ‬أو‭ ‬البلدان‭ ‬المجاورة‭ ‬الأخرى‭. ‬

وأخيراً،‭ ‬فإن‭ ‬آخر‭ ‬مكونات‭ ‬هذا‭ ‬الثالوث،‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬قوات‭ ‬كافية‭ ‬من‭ ‬الاحتياط،‭ ‬والتي‭ ‬تؤهل‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬للقيام‭ ‬بنقلة‭ ‬نوعية‭ ‬بين‭ ‬الجانبين،‭ ‬أو‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الدفاع‭ ‬إلى‭ ‬الهجوم‭. ‬وبعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬الثالوث‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬توظيف‭ ‬القوة،‭ ‬وامتصاص‭ ‬التهديدات،‭ ‬والقيام‭ ‬بمناورات‭ ‬عسكرية‭ ‬برية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الضربات‭ ‬الجوية‭. ‬ويهدف‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬إلى‭ ‬إنزال‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭ ‬بالخصم‭ ‬بصورة‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬استعادة‭ ‬الردع،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إجبار‭ ‬العدو‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬مرتين‭ ‬قبل‭ ‬مهاجمة‭ ‬إسرائيل‭.‬

ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬هجوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬قد‭ ‬أسقط‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬السابقة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬آخر‭ ‬مرة‭ ‬خاضت‭ ‬فيها‭ ‬إسرائيل‭ ‬حرباً‭ ‬برية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬والتي‭ ‬استمرت‭ ‬50‭ ‬يوماً،‭ ‬وسوّت‭ ‬مساحات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬بالأرض،‭ ‬ونتج‭ ‬عنها‭ ‬مقتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬إسرائيلياً‭ ‬و2000‭ ‬فلسطيني‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬ردع‭ ‬حماس‭ ‬عن‭ ‬شن‭ ‬هجوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬أخفقت‭ ‬في‭ ‬تحجيم‭ ‬قدرات‭ ‬حماس‭ ‬العسكرية،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الحروب‭ ‬بين‭ ‬الحروب‭ ‬لتقليم‭ ‬قوة‭ ‬خصومها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فاعلة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬حماس،‭ ‬فقد‭ ‬اعتمد‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬مزيج‭ ‬من‭ ‬التفوق‭ ‬العملياتي‭ ‬والاستخباراتي‭ ‬لإضعاف‭ ‬وتدمير‭ ‬قدرات‭ ‬حماس‭ ‬وبنيتها‭ ‬التحتية‭ ‬وقيادتها،‭ ‬معتقداً‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬منتظمة‭ ‬كان‭ ‬كافياً‭ ‬لإجبار‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تقييم‭ ‬فاعلية‭ ‬هجومها،‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬حتى‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬القدرات‭ ‬التي‭ ‬دمرتها‭ ‬إسرائيل‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬من‭ ‬هجوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تتخيل‭ ‬تنامي‭ ‬قوة‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬يمكنها‭ ‬من‭ ‬شن‭ ‬هجوم‭ ‬منسق‭ ‬متزامن‭ ‬من‭ ‬البر‭ ‬والجو‭ ‬والبحر،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬قدرات‭ ‬حماس‭ ‬قد‭ ‬تطورت،‭ ‬ولم‭ ‬تتراجع‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬هجوم‭ ‬إسرائيل‭ ‬الكاسح‭ ‬ضد‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬لم‭ ‬يردع‭ ‬الجماعات‭ ‬الأخرى،‭ ‬مثل‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬اللبناني،‭ ‬عن‭ ‬شن‭ ‬هجمات‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكد‭ ‬انهيار‭ ‬استراتيجية‭ ‬الردع‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وهي‭ ‬إحدى‭ ‬الركائز‭ ‬الأساسية‭ ‬لعقيدتها‭ ‬الدفاعية‭.‬

وارتباطاً‭ ‬بما‭ ‬سبق،‭ ‬فقد‭ ‬أدى‭ ‬اعتقاد‭ ‬إسرائيل‭ ‬بتفوقها‭ ‬التقني‭ ‬والعسكري‭ ‬على‭ ‬خصومها،‭ ‬خاصة‭ ‬حركة‭ ‬مثل‭ ‬حماس،‭ ‬إلى‭ ‬إعطائها‭ ‬شعوراً‭ ‬مزيفاً‭ ‬بالأمان‭. ‬وأفضل‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬السياج‭ ‬الحدودي‭ ‬‮«‬الذكي‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬حاجز‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬يبلغ‭ ‬ارتفاعه‭ ‬20‭ ‬قدماً،‭ ‬وطوله‭ ‬40‭ ‬ميلاً،‭ ‬ومجهز‭ ‬بأجهزة‭ ‬استشعار‭ ‬متطورة‭ ‬ورشاشات‭ ‬تعمل‭ ‬عن‭ ‬بعد‭.‬

وأدى‭ ‬السياج،‭ ‬الذي‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬أيضاً‭ ‬اسم‭ ‬الجدار‭ ‬الحديدي،‭ ‬إلى‭ ‬الاعتقاد‭ ‬الخاطئ‭ ‬لدى‭ ‬إسرائيل‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬لأعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬جنود‭ ‬جيش‭ ‬الدفاع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬للحماية‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬المحتملة‭ ‬من‭ ‬حماس،‭ ‬مما‭ ‬يسمح‭ ‬بنشر‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬البرية‭ ‬للجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وأماكن‭ ‬أخرى‭. ‬وقد‭ ‬تفاقم‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬الزائف‭ ‬بالأمان‭ ‬بسبب‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬نظام‭ ‬القبة‭ ‬الحديدية‭ ‬للدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تقديمه‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬والمصمم‭ ‬لاعتراض‭ ‬الصواريخ‭ ‬قصيرة‭ ‬المدى‭ ‬والمدفعية،‭ ‬سيوفر‭ ‬حماية‭ ‬كافية‭ ‬ضد‭ ‬الهجمات‭ ‬الصاروخية‭ ‬والمدفعية‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬وجنوب‭ ‬لبنان‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حدوث‭ ‬صراع‭ ‬إقليمي‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭. ‬ومما‭ ‬عزز‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬خيارات‭ ‬استراتيجية‭ ‬صعبة‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬اتخاذها‭ ‬هو‭ ‬قدراتها‭ ‬المتطورة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاستخبارات‭ ‬والمراقبة‭ ‬والاستطلاع،‭ ‬والتي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬وجنوب‭ ‬لبنان‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأراضي‭ ‬الخاضعة‭ ‬للرقابة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭. ‬ويعتقد‭ ‬الإسرائيليون‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬سيوفر‭ ‬وقتاً‭ ‬كافياً‭ ‬للتحذير‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬تهديد‭ ‬عسكري‭ ‬ناشئ،‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭ ‬أعطى‭ ‬إسرائيل‭ ‬إحساساً‭ ‬زائفاً‭ ‬بالأمان،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬رصد‭ ‬هجوم‭ ‬حماس‭ ‬والتعامل‭ ‬معه‭ ‬بفاعلية‭ ‬وحسم‭. ‬

كما‭ ‬ترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭ ‬تداعيات‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬تخطيط‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬فقد‭ ‬ساعد‭ ‬الاعتقاد‭ ‬في‭ ‬التفوق‭ ‬التكنولوجي‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬عقيدة‭ ‬تكتيكية‭ ‬إسرائيلية‭ ‬أكثر‭ ‬اعتماداً‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬والقوة‭ ‬النارية،‭ ‬وتحديداً‭ ‬الضربات‭ ‬الصاروخية‭ ‬من‭ ‬الجو‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بمناورة‭ ‬باستخدام‭ ‬القوات‭ ‬البرية‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬عسكرية‭.‬

وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالجانب‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬المعادلة،‭ ‬وهي‭ ‬تخطيط‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬لهجوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬فقد‭ ‬استغرقت‭ ‬العملية‭ ‬شهوراً‭ ‬من‭ ‬التخطيط‭ ‬المعقد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬وضح‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬حماس‭ ‬حوالي‭ ‬5000‭ ‬صاروخ‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬تصيب‭ ‬منظومة‭ ‬القبة‭ ‬الحديدية‭ ‬بالشلل،‭ ‬نظراً‭ ‬لعجزها‭ ‬عن‭ ‬تتبع‭ ‬وتحديد‭ ‬مسار‭ ‬كل‭ ‬صاروخ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ترتب‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬فشل‭ ‬المنظومة‭ ‬في‭ ‬اعتراض‭ ‬أي‭ ‬منها‭. ‬

وبالتزامن‭ ‬مع‭ ‬الهجوم‭ ‬الصاروخي‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل،‭ ‬قامت‭ ‬وحدات‭ ‬من‭ ‬حماس‭ ‬بشن‭ ‬هجمات‭ ‬عديدة‭ ‬منسقة‭ ‬ومباشرة‭ ‬على‭ ‬27‭ ‬موقعاً‭ ‬مختلفاً‭. ‬وكانت‭ ‬أبعد‭ ‬نقطة‭ ‬توغلت‭ ‬فيها‭ ‬حماس‭ ‬هي‭ ‬بلدة‭ ‬أوفاكيم،‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬22‭.‬5‭ ‬كيلومتر‭ ‬شرق‭ ‬غزة‭. ‬واستخدمت‭ ‬حماس‭ ‬أساليب‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬اجتياز‭ ‬الجدار‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ففي‭ ‬المناطق‭ ‬قليلة‭ ‬الحراسة،‭ ‬تم‭ ‬استخدام‭ ‬الجرافات‭ ‬في‭ ‬هدم‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬السياج‭ ‬المغطى‭ ‬بالأسلاك‭ ‬الشائكة،‭ ‬بينما‭ ‬قامت‭ ‬وحدات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬حماس‭ ‬بتفجير‭ ‬الحاجز‭ ‬الخرساني‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ثم‭ ‬مهاجمة‭ ‬نقاط‭ ‬تفتيش‭ ‬إسرائيلية‭ ‬شديدة‭ ‬التحصين،‭ ‬وقتل‭ ‬من‭ ‬فيها،‭ ‬بينما‭ ‬حاول‭ ‬بعض‭ ‬مقاتلي‭ ‬حماس‭ ‬تجاوز‭ ‬الحاجز‭ ‬بالكامل‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التحليق‭ ‬فوقه‭ ‬بطائرات‭ ‬شراعية‭ ‬وبالقوارب‭. ‬

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬لم‭ ‬تستهدف‭ ‬فقط‭ ‬تدمير‭ ‬الجدار‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ولكنها‭ ‬تمكنت‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬مهاجمة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الدفاعية‭ ‬التي‭ ‬اعتمدها‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تشابهاً‭ ‬في‭ ‬إخفاق‭ ‬6‭ ‬و7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬ففي‭ ‬كلا‭ ‬الحالتين‭ ‬ظنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬حصونها‭ ‬منيعة،‭ ‬وأنه‭ ‬يمكنها‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬درء‭ ‬أي‭ ‬تهديد‭ ‬أمني‭ ‬موجه‭ ‬لها،‭ ‬ليثبت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬خطأ‭ ‬هذا‭ ‬الاعتقاد‭ ‬في‭ ‬المرتين‭.‬

الخاتمة

بمراجعة‭ ‬الحالتين‭ ‬السابقتين،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬التحصينات‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬قد‭ ‬أثبتت‭ ‬فاعلية‭ ‬كبيرة،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬اعتقاد‭ ‬الغرب‭ ‬بنهاية‭ ‬الدفاعات‭ ‬الثابتة،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تمكن‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬من‭ ‬تنظيم‭ ‬خطوط‭ ‬دفاعية‭ ‬ضخمة‭ ‬متعددة‭ ‬الطبقات،‭ ‬مصحوبة‭ ‬بالتطبيق‭ ‬الناجح‭ ‬لاستراتيجية‭ ‬الدفاع‭ ‬في‭ ‬العمق،‭ ‬والتي‭ ‬أنهكت‭ ‬وحدات‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬المهاجمة،‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬إنزال‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭ ‬بها،‭ ‬بشرية‭ ‬ومادية‭. ‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬فإن‭ ‬ارتكان‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬الجدار‭ ‬الحديدي،‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬المتقدمة،‭ ‬ومحاولتها‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬العسكرية‭ ‬لتطويق‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬ومحاولة‭ ‬فرض‭ ‬العزلة‭ ‬عليه،‭ ‬قد‭ ‬أثبت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬فشله،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬وضح‭ ‬من‭ ‬تمكن‭ ‬حماس‭ ‬من‭ ‬اختراق‭ ‬الدفاعات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬التفوق‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬المراقبة‭ ‬والاستطلاع‭ ‬والتجسس‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬على‭ ‬القدر‭ ‬المتوقع‭ ‬من‭ ‬الدقة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬رؤية‭ ‬تطور‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬لحماس،‭ ‬فلم‭ ‬تكن‭ ‬الأخيرة‭ ‬منهكة‭ ‬جراء‭ ‬آخر‭ ‬مواجهة‭ ‬وقعت‭ ‬مع‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬بل‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬بل‭ ‬ودراسة‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬خاصة‭ ‬التقنية،‭ ‬وتطوير‭ ‬أدوات‭ ‬لمواجهتها،‭ ‬بل‭ ‬والتغلب‭ ‬عليها‭. ‬

ويكشف‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬التحصينات‭ ‬الدفاعية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الانتصار‭ ‬العسكري‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تبني‭ ‬استراتيجية‭ ‬دفاعية‭ ‬واقعية‭ ‬مناسبة،‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬حسابات‭ ‬دقيقة‭ ‬لنقاط‭ ‬القوة‭ ‬والضعف،‭ ‬لدى‭ ‬الدولة،‭ ‬وكذلك‭ ‬لدى‭ ‬خصومها‭.‬

‮»‬‭ ‬د‭. ‬شادي‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬‭‬(أستاذ‭ ‬مشارك‭ ‬بكلية‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭ ‬ـــ‭ ‬أبوظبي‭(

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض