iran

إعلان إيران عن إنشاء قاعدة بحرية دائمة في المحيط الهندي.. الدوافع والدلالات والمعوقات


في الثاني والعشرين من شهر يونيو 2020، أعلن قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني علي رضا تونجسيري أن إيران تعتزم إقامة قاعدة بحرية دائمة في المحيط الهندي ستكتمل بحلول مارس 2021 ، وأن الدافع وراء ذلك هو تحقيق أهداف المرشد الأعلى .
وتثور في هذا الصدد تساؤلات عدة لعل من أهمها: ما حقيقة الدوافع الإيرانية لإنشاء تلك القاعدة، وتداعيات ذلك، وأسباب الإعلان عن هذه النية الآن، وسبب اختبار المحيط الهندي تحديداً لإنشاء هذه القاعدة، فضلاً عن القدرة على تحقيق هذا الهدف فعلاً؟
ربما ما يسترعي الانتباه بداية ما صرح به قائد القوات البحرية الإيرانية من أنه “يجري التخطيط للأمر وسيكون الوجود قوياً وراسخاً للارتقاء بالأمن في مدخل المحيط الهندي”، وهو ما يعني توجه طهران نحو انتهاج استراتيجية جديدة تكفل “التواجد الدائم” في مياه الهندي بعدما كانت تعتمد سلفاً على إرسال قطع بحرية بمهام محددة وميقات زمني محدد أيضاً.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى عدة أمور أساسية يمكن أن تساهم، بشكل أو بآخر، في فهم هذا الإعلان الإيراني، مع افتراض جدية إيران بالفعل في تنفيذه وامتلاكها القدرة على ذلك، أهم هذه الأمور هي:
1- الأهمية الاستراتيجية للمحيط الهندي: يعد المحيط الهندي ثالث أكبر محيطات العالم من حيث المساحة، وتبلغ نحو 74 مليون كم2، وتغمر مياهه نحو 20% من مساحة الكرة الأرضية، وتلامس مياهه نحو 37 دولة ، ويضم ثلاثة من أهم المعابر المائية في التجارة الدولية وهي: مضيق باب المندب نحو البحر الأحمر وقناة السويس، ومضيق هرمز نحو الخليج العربى، ومضيق مالاجا باتجاه بحر الصين الجنوبي. وتتحكم هذه المضايق في حركة التجارة والنقل البحري وحركة السفن التي تنقل الطاقة من بترول وغاز من الشرق الأوسط نحو الغرب أو منه نحو الشرق الأقصى وخاصة الصين واليابان . كما يحوي هذا المحيط أكثر من نصف احتياطيات العالم من الهيدروكربون واليورانيوم، وأكثر من ثلاثة أرباع موارد الماس، ونحو نصف احتياطيات الذهب والغاز. وجدير بالذكر أن نحو 40% من النفط المنقول بحراً في العالم يمر عبر مضيق هرمز الذي طالما هددت إيران بإغلاقه حال نشوب أي مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية .
2-التأثير على طرق الملاحة الدولية: التواجد العسكري الإيراني في المحيط الهندي يضع إيران في موقع التأثير على خطوط الملاحة الدولية، من ناحية، وخطوط نقل النفط لبعض دول الخليج العربية، من ناحية أخرى، ومن ثم تمتلك من خلال ذلك ورقة للضغط وممارسة الابتزاز، خاصة بعد تراجع قدرتها على ابتزاز دول الخليج والعالم من خلال مضيق هرمز، في ظل التوجه المتزايد لدول المنطقة لإيجاد طرق بديلة لتصدير نفطها من خلال المحيط الهندي وبعيداً عن هرمز.
وحتى إيران نفسها تعمل على إيجاد منافذ لتصدير نفطها على المحيط الهندي، وهذا يتضح مما أعلنه الرئيس حسن روحاني عام 2018 عن سعى بلاده إلى بناء خط أنابيب يمتد بطول 1000 كم من منطقة غور بالقرب من ميناء غناوة شمال الخليج العربي إلى ميناء جاسك على ساحل بحر عمان، ونفذ منه بالفعل نحو 404 كيلومترات “لتبعد إيران عن هرمز والنفوذ الأمريكي هناك” .
3-مواجهة قاعدة دييجو جارسيا: لدى الولايات المتحدة تواجد عسكري كثيف في قاعدة دييجو جارسيا في المحيط الهندي، التي تبعد عن إيران بنحو 4842 كم، وتضم بين 3 آلاف و5 آلاف جندي أمريكي. وتعتبر هذه القاعدة ذات أهمية استراتيجية كبيرة في اي حرب محتملة مع إيران، نظراً إلى أنها كانت نقطة الانطلاق لكل العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الاوسط، ومن ضمنها الحملة ضد أفغانستان العام 2001، والحرب في العراق في العام 2003.
ومن هنا، ربما تحاول إيران إيجاد قاعدة عسكرية إيرانية في مواجهة هذه القاعدة، في أي حرب مستقبلية، بدعم ومساندة الصين، خاصة أن قاعدة دييجو جارسيا تشكل محطة تزوّد بالوقود للطائرات الحربية الأمريكية التي تحلق جنوب بحر الصين.
4-محاولة للرد على الضغوط الأمريكية: وعن التوقيت، يأتي هذا الإعلان في خضم تطورات إقليمية متشابكة، حيث بدء سريان قانون “قيصر” الذي يفرض عقوبات على داعمي النظام السوري دولاً أو جماعات، وكذلك سعي الإدارة الأمريكية إلى تمديد حظر الأسلحة إلى إيران والذي سينتهي في أكتوبر 2020 وذلك بعد فترة من التوترات بين الجانبين منذ أن أعلن دونالد ترامب فى مايو 2018 انسحاب بلاده من الاتفاق النووي.
وزادت العلاقات توتراً بعد المناورات البحرية المشتركة التي جرت بين إيران وروسيا والصين شمال المحيط الهندي وبحر عمان في نهاية ديسمبر من العام الماضي والتي عبرت عن رغبة إيران في استعراض القوة وبأن لها حلفاء يدعمونها في المنطقة .
وازداد التوتر تأججاً فى أعقاب اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني في بغداد مطلع يناير الماضي في هجوم بطائرة من دون طيار . وقد ردت إيران على ذلك بقصف صاروخي استهدف قاعدتين أمريكيتين في العراق مما دفع البنتاجون إلى إرسال قاذفات استراتيجية من طراز B52 خارج نطاق الصواريخ الباليستية الإيرانية ليعزز بها قواته في دييجو جارسيا.
يضاف إلى ذلك تجربة إيران لإطلاق صواريخ كروز من الجيل الجديد التى يصل مداها إلى 280 كم في أول تدريبات عسكرية من نوعها في شمال المحيط الهندي .
ويضيف بعض المحللين لذلك أيضاً ما أفرزه تشكيل الحكومة العراقية الجديدة التي بدأت حواراً استراتيجياً مع الولايات المتحدة متضمناً في أحد بنوده سبل حماية القوات الأمريكية من هجمات الميليشيات التي تدعمها إيران مما مثل ضغطاً جديداً على الجانب الإيراني ليدفعه للرد.
لكل ما سبق، سعت إيران إلى توظيف ورقة بناء قاعدتها البحرية لتستعرض قوتها في المنطقة وبأنها قادرة على مواجهة الضغوط الأمريكية.
5-توجيه نظر الداخل عن مشاكله: تواجه إيران وضعاً داخليا صعباً في ظل الأوضاع الاقتصادية المعقدة التي تفرز غضباً شعبياً كبيراً، سواء بسبب انتشار فيروس كورونا، أو بسبب تداعيات العقوبات الأمريكية، وهذا يدفعها إلى الإقدام على خطوات من هذا النوع، أولاً لرفع الروح المعنوية للشعب الإيراني في ظل الانتكاسات التي تتعرض لها، خاصة منذ مقتل قاسم سليماني، أو لصرف نظر الشعب الإيراني إلى أمور خارجية بعيداً عن أوضاعه الاقتصادية الصعبة .
6-التنسيق المتصاعد مع الصين: لا يمكن الفصل بين إعلان إيران عن إنشاء قاعدة بحرية في المحيط الهندي، وإقرارها، في اليوم نفسه، للمسودة النهائية لبرنامج تعاون شامل مع الصين – غريم الولايات المتحدة – والممتد لمدة 25 عاماً، والمستندة إلى اتفاقية سابقة وقعت بين البلدين عام 2016 والتي وافق خامنئي في مستهل شهر يوليو 2020 على توسيعها لتشمل تعاوناً عسكرياً جوياً وبحرياً كاملاً بين الصين وإيران .
وهنا تظهر الأهمية المتزايدة للمحيط الهندي ومضيق مالاجا الذي يشهد عبور ما يزيد على 80% من واردات الهيدروكربون الصينية، فضلاً عن اعتماد اقتصاد الصين في مجال أمن الطاقة على الطرق البحرية ورغبة الصين فى زيادة نفوذها في المنطقة ، من خلال أساليب كثيرة منها التعاون مع حلفائها ومنهم إيران.
7-إدراك إيران لذاتها: لا يمكن الفصل بين الكلام عن القاعدة في المحيط الهندي، وبين إدراك إيران لذاتها، بصرف النظر عن حدود الواقعية في هذا الإدراك. حيث تشير الدراسات إلى أن ثمة معتقد يسيطر على قادة إيران والضمير الجمعي هو أن إيران لا بد أن يكون لديها دور إقليمي وعالمي أكبر من محيطها لأن الإيرانيين “من سلالة آرِيَّةٍ أرفع من أي سلالة عربية”. ولذلك فإن استعادة أمجاد “الامبراطورية الفارسية” هو هدف إيراني منذ عهد الشاه، يتشابه مع سعي أردوغان في تركيا لاستعادة أمجاد الأمبراطوية العثمانية.
هل تستطيع؟.. أم هو مجرد إعلان دعائي؟
لكن مشكلة إيران دائماً أن إمكاناتها أقل بكثير من طموحاتها، وأن إدراكها لذاتها ولدورها في المنطقة والعالم لا يتسق مع الواقع والقدرات. ولهذا فإن السؤال المهم هنا هو: هل ستتمكن إيران فعلياً من إنجاز قاعدتها البحرية؟ وهنا يمكن الإشارة إلى العديد من المعوقات التي يمكن أن تحول الإعلان الإيراني إلى مجرد إعلان دعائي، لعل أهمها:
-ما تعانيه إيران من تردٍّ في الوضع الاقتصادي جراء العقوبات الدولية المفروضة عليها والأزمة المالية الكبيرة جراء تقلص عوائد بيع النفط والغاز وأزمة جائحة كورونا ويدلل على ذلك عجزها عن تطوير ميناء “تشابهار” المطل على الهندي بسبب قصور قدراتها المالية عن تطويره.
-أن إيران ليس لديها المرافق اللوجيستية الخاصة التي تمكنها من بناء قاعدة بحرية بعيدة عن سواحلها والتي تتطلب وجود جزيرة أو استخدام سفن عملاقة وكليهما لا يتوفر لطهران .
-دخول الهند في معادلة الحسابات بعدما تم إعلان الشراكة الأمريكية – الهندية في فبراير عام 2020 أثناء زيارة ترامب للهند والاتفاق على إبرام اتفاقية تجارية وكذا التعاون في مجالات الأمن والدفاع والطاقة.
-دخول حلف الناتو أيضاً في المعادلة فيما يتعلق بأمن الملاحة في الخليج حين أعلن الأمين العام للحلف بأن “إيران تزعزع استقرار المنطقة بالكامل وأن الحلف يشعر بقلق كبير من هذا التصعيد” وذلك في أعقاب الهجوم على المنشآت النفطية التابعة لشركة أرامكو .

سحر صالح (باحثة في الشؤون الاستراتيجية)

 

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض