لقاء العدد

فاروق الباز عالم الفضاء والجيولوجيا في ناسا لـ”مجلة الجندي”:الإمارات دولة فائقة السرعة

أجرى اللقاء: رازي عزالدين الهدمي – تصوير: عدنان الجابري

أوضح فاروق الباز عالم الفضاء والجيولوجيا في وكالة “ناسا” لــ”مجلة الجندي”، أن نجاح مهمة الإمارات لاستكشاف المريخ “مسبار الأمل” تحظى بأهمية علمية على مستوى العالم، لأنها ستوفر معلومات مهمة وحديثة عن طبقات الغلاف الجوي للمريخ يتم تقديمها للمجتمع العلمي للمرة الأولى، وذلك بفضل ما تحتويه من أجهزة علمية جديدة توفر معلوماتها على مدار 24 ساعة، وهو ما يوفر صورة شمولية لمناخ الكوكب الأحمر، وأن هذا الإنجاز وراءه تاريخ كبير من دعم القيادة الإماراتية ابتدأه المغفور له الشيخ زايد “طيب الله ثراه”، عندما استقبل رواد فضاء رحلة “أبولو” في سبعينات القرن الماضي، لافتاً إلى أن الدول العربية قطعت شوطاً كبيراً في تصنيع الأقمار الصناعية لتصوير الأرض وفي مقدمتها الإمارات، بما تملكه من أقمار، وأن الاستثمار في بناء الأقمار ذات الاستخدامات العسكرية وارد جداً في هذا المجال الحيوي المهم، خاصة أن كل الأفكار التكنولوجية لأقمار الاستشعار المدنية تم تجربتها عسكرياً وليس العكس.

استخدامات عسكرية
وقال الدكتور فاروق الباز عن التجربة العربية في مجال تصنيع الأقمار الاصطناعية ذات الاستخدامات العسكرية، إن الدول العربية قطعت شوطاً كبيراً في تصنيع وإرسال الأقمار الصناعية لتصوير الأرض، ضارباً المثل بالأقمار الصناعية التي عمل عليها مركز محمد بن راشد للفضاء “دبي سات 1″ و”دبى سات 2” ثم إطلاق “خليفه سات” الذي صنعه شباب الإمارات بجهود وطنية خالصة 100 في المئة، لتصوير الأرض بدقة تعبيرية تسمح باستخدام الصور في مجالات مدنية عديدة وفي بعض المجالات العسكرية.
وأشار إلى أنه يعتقد أن الاستثمار وارد جداً في هذا المجال الحيوي المهم، وأنه يقول هذا الكلام لأنه أثناء قيامهم بمشروع “أبوللو” لإرسال الإنسان إلى القمر كان لزاماً عليهم أن يطلبوا من كل مؤسسة يدفعون لها أموالاً أن تساعدهم في شيء ما، مثل أن تلخص نتائج العمل في صورة يفهمها غير المتخصص، وكانت هذه الملخصات تنشر سنوياً من مكتب مختص في ناسا، والسبب في ذلك كان: “لعل أحداً من أبناء الدولة يستطيع أن يقوم بعمل يستفيد منه” وكان ذلك احتراماً لأن عمل ناسا صرف عليه من المال الذي تجمعه الحكومة في شكل ضرائب.

تكنولوجيا واحدة
وفيما يخص وجود اختلافات في التقنيات المستخدمة للأقمار الاصطناعية العسكرية عن مثيلاتها للاستشعار، أجاب الباز أنه في حقيقة الأمر تأتي كل أفكار أقمار الاستشعار المدنية من تكنولوجيا تم تجربتها عسكرياً وليس العكس، وهناك مؤسسات مدنية كثيرة تعمل مع المؤسسات العسكرية في تطوير التصوير لأغراضها، وأن ظهور تطورات وتقنيات أعظم دقة أو تفصيلاً يسمح للمدنيين باستحدام الأولى.
وأكد أن التسابق العلمي يضيف كثيراً من الهمة في مثل هذا المجال وأن وجود برامج فضائية للدول العربية، يعنى تفوقاً مهماً في تعزيز العلوم وأبحاثها، لأن هذه المشاريع تحتاج عمالة متعلمة تعليماً راقياً وإدارة تميزها تفوق أفرادها، مشيراً إلى أنه لذلك تتسارع الدول لإثبات قدراتها في هذا المجال العلمي والتكنولوجي المهم، وأنه من الجيد أن تجتمع الدول العريية كلها لإنشاء “الوكالة العربية للفضاء” لتقوم بدعم خبرات الجيل الناشئ في كل مكان للقيام بمشروع عربي، يعيد لنا الثقة بعقولنا وقدراتنا في كل أنحاء الوطن العربي.

رؤية مستقبلية
وقال عالم الفضاء العربي إن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، كانت لديه رؤية مستقبلية فيما يخص تعزيز قطاع الفضاء الإماراتي وبناء أسسه، وهو ما تجلى من خلال مقولاته التي طالما أكد فيها أنهم فتحوا المدارس والجامعات للشباب ومختلف المؤسسات التعليمية والبحثية لكي يكونوا نواة مستقبل الدولة، وأنه التقى المغفور له 3 مرات أعوام 1974، و1975، و1976 وكان اللقاء الأول عندما زار الدولة للمحاضرة عن “النتائج العلمية لرحلات أبوللو الى القمر، واستفسر حينها المغفور له الشيخ زايد، إذا كان سيحاضر للفتيات بعد انتهائه من محاضرته للشباب في إحدى المدارس الثانوية، فأجابه بالايجاب أنه سيفعل ذلك، لافتاً إلى أن استفسار وحرص الشيخ زايد لإفادة البنات أيضاً جعله يدرك أنه أمام شخصية استثنائية متفردة في رؤيتها وفكرها الذي يحرص على حصول أبنائه الطلبة على القدر ذاته من التعليم.
وتطرق الباز إلى لقائه الثاني وكان بحضور “جيمس أروين” رائد الفضاء الذي سار على سطح القمر في رحلة “أبوللو 15″، حيث كان المغفور له حريصاً على الاطلاع على تفاصيل الرحلة، وماهية حياة الرواد في الفضاء، فيما أهدى الباز الشيخ زايد صورة للأرض تظهر وكأنها “هلال” في سماء القمر، ولفت إلى أن الشيخ زايد قال له إن هذه الصورة “بتعتمد كيف أن الشخص بينظر إلى الأرض من أي كوكب”، وصولاً إلى لقائهما الثالث بحضور 3 من الرواد الأمريكيين لرحلة “أبوللو سيوز الأمريكية – الروسية المشتركة” وأن الشيخ زايد كان مسروراً حينما أهدوه مجسماً لمكوك الفضاء الذي كانت تعده “ناسا” لكل رحلاتها المستقبلية حينها.

مسبار الأمل
وقال إن “مسبار الأمل” وبعد الاطلاق الناجح الذي تم في 20 يوليو الماضي ومع وصوله للكوكب الأحمر في فبراير المقبل، فإنه سيقدم معلومات يتم كشفها للمرة الأولى عن المريخ، وإن اختيار الأهداف العلمية للمهمة تستكمل المعلومات المتاحة لنا عن الكوكب الأحمر، خاصة أن الرحلات السابقة إلى المريخ قدمت للبشرية وللمجتمع العلمي معلومات مهمة عن الغلاف الجوي بالقرب من السطح.
ولفت الباز إلى أن “مسبار الأمل” الذي يعتبر أول مشروع عربي لاستكشاف الكواكب الأخرى يبث الأمل في المنطقة العربية، فيما يعتبر مساهمة إماراتية في تشكيل وصناعة مستقبل واعد للإنسانية، ومشروعاً وطنياً يترجم رؤية قيادة الدولة لبناء برنامج فضائي إماراتي يعكس التزام الدولة بتعزيز أطر التعاون والشراكة الدولية، مبيناً أن مهمة استكشاف المريخ “مسبار الأمل” ستجيب عن أسئلة علمية مهمة لم يسبق لأي مهمة علمية سابقة أن طرحتها من قبل في مجال استكشاف الكوكب الأحمر، وذلك بالتنسيق مع المجتمع العلمي العالمي المهتم بعلوم المريخ، كما يحمل المسبار 3 أجهزة علمية، صممها المهندسون الإماراتيون الشباب بشكل مخصص لتوفر المعلومات المطلوبة عن “أسباب تلاشي الغلاف الجوي للمريخ”، حيث ستوفر “أول صورة شاملة عن كيفية تغير الغلاف الجوي وتغيرات الطقس يومياً”، فضلاً عن “اكتشاف العلاقة التفاعلية بين الطبقات العليا والسفلى للغلاف الجوي للمريخ”.

معلومات كثيرة
وشرح أن المسبار سيجمع أكبر حجم من المعلومات حول مناخ كوكب المريخ وتوفيرها للمجتمع العلمي العالمي، وتشمل “كاميرا للاستكشاف” وهي كاميرا رقمية لالتقاط صور رقمية ملونة عالية الدقة لكوكب المريخ ولقياس الجليد والأوزون في الطبقة السفلى للغلاف الجوي، وجهاز “المقياس الطيفي بالأشعة تحت الحمراء” الذي يقيس درجات الحرارة وتوزيع الغبار وبخار الماء والغيوم الجليدية في الطبقة السفلى للغلاف الجوي، بالإضافة إلى جهاز “المقياس الطيفي بالأشعة ما فوق البنفسجية” لقياس الأوكسجين وأول أكسيد الكربون في الطبقة الحرارية وقياس الهيدروجين والأوكسجين في الطبقة العليا للغلاف الجوي.
ولفت الباز إلى أن المجتمع العلمي لديه معلومات عن المريخ، تكشف أنه كانت على سطحه بحار تشبه إلى حد كبير المحيطات في الأرض، وسطحه يشبه جغرافية كثير من الدول العربية الصحراوية، وأن مساحة الرمال في منطقة القطب الشمالي للمريخ كبيرة جداً، ولذلك فباعتقاده أنه يجب على العلماء العرب الاهتمام بدراسته.

نجاح كبير
وبين أن النجاح الكبير الذي حققه المهندسون الإماراتيون خلال بناء مسبار الأمل، يؤكد وجود كفاءات كثيرة في عالمنا العربي وتحتاج للفرص لكي تنطلق وتثبت كفاءتها، مؤكداً أن هذه المهمة التاريخية تجعلنا نعيد الثقة بإمكاناتنا وكفاءاتنا، وأنه مع نجاح المهمة خلال السنوات المقبلة، فسيكون ذلك مؤشراً ودلالة كبيرة على أن العالم العربي يستطيع كتابة تاريخه مرة أخرى والسير على خطى الأجداد السابقين الذين برعوا في علوم الفلك والحساب وغيرها من العلوم التي أضاءت النور للبشرية في الماضي، وأن الفرصة أصبحت متاحة حالياً لإعادة هذه الأمجاد.
وتطرق إلى أن مهمة الإمارات لاستكشاف المريخ تبث رسالة لشبابنا في العالم العربي، مفادها أن تطوير الكوادر والإمكانات التي يتمتع بها الشباب واستيعابها ضمن مشروعات علمية فارقة، ستفرز وتنتج جيلاً جديداً بمقدوره قيادة آمال شعوبنا العربية مرة أخرى نحو نجاحات نستحقها، وأن هذا يجب أن يتعزز من خلال إيجاد منظومة تعليمية متطورة وفائقة الجودة، تعتمد على التعاون المعرفي مع الدولي المتقدمة في هذا الشأن وتبادل الخبرات والكفاءات وتطوير مؤسساتنا العلمية والبحثية بما يعود نفعا على مجتمعاتنا العربية، والتوجه نحو تعزيز مساقات دراسية جديدة تحتاجها القطاعات المعرفية النوعية التي من شأنها إيجاد حلول للقضايا والتحديات الملحة التي تواجه العالم مثل قضايا الأمن الغذائي والمائي والتغير المناخي وغيرها الكثير من القطاعات التي تحتاج لحلول نوعية جذرية ومختلفة تستشرف التقنيات الحديثة.
وأفاد الباز أن قادة الإمارات وحكومتها أولوا دعماً كبيراً لتعزيز مشروعات قطاع الفضاء الإماراتي من خلال مؤسسات الدولة المعنية بذلك، مثل وكالة الإمارات للفضاء ومركز محمد بن راشد للفضاء، وهو ما ظهر جلياً من خلال الإنجازات التي حققتها الدولة خلال السنوات الماضية مثل إطلاق الأقمار الصناعية المختلفة الأغراض، ونجاح مهمة “طموح زايد”، وانطلاق رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري كأول رائد فضاء عربي إلى محطة الفضاء الدولية، والوصول إلى المريخ وغيرها من المشروعات المستقبلية التي يعملون عليها حالياً، وتعتبر علامة فارقة في مسيرة الدولة وتميزها كواحدة من الدول التي أصبح لها شأن مهم عالمياً.

قيادة مهمة
وأكد أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، ومعه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يحملان رؤية مستقبلية لكافة المشروعات الوطنية، ومن بينها قطاع الفضاء، الذي حظي باهتمام كبير من سموهما ودعمهما اللامحدود، معتبراً أن مركز محمد بن راشد للفضاء ساعد في إنشاء جيل جديد من الشباب المؤهل بشكل متميز، واستطاع أن ينجز ويقدم مشروعات مهمة ولافتة عالمياً، مثل الأقمار الصناعية التي أصبحت تصنع بأيد إماراتية، وهو ما يعكس الدعم الكبير لشباب الإمارات بهدف تأهيلهم وتدريبهم وإكسابهم الخبرات الكبيرة التي يحصلون عليها من خلال برامج نقل المعرفة المتواصلة مع الدول المتقدمة في كافة القطاعات عالمياً، فضلاً عن المجهود الكبير الواضح والرؤية الثاقبة التي يسير عليها قادة الإمارات لاستشراف المستقبل وعلومه وإعادة الأمجاد العربية.

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض