the-us-has-given-ukraine-nearly-a-million-155-mm-artillery-shells-now-its-looking-for-us-companies-to-build-more-of-them-

“Just-in-Time”: لماذا تتراجع قدرة القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية؟

في‭ ‬أعقاب‭ ‬الصعوبات‭ ‬التي‭ ‬واجهت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬لتعبئة‭ ‬اقتصادها‭ ‬للحرب،‭ ‬أنشأ‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الكلية‭ ‬الصناعية‭ ‬العسكرية‭ (‬مدرسة‭ ‬أيزنهاور‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬واستراتيجية‭ ‬الموارد‭ ‬حالياً‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬فعلياً‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1924،‭ ‬بغية‭ ‬تعبئة‭ ‬القاعدة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لأي‭ ‬حرب‭ ‬مقبلة،‭ ‬وبالفعل‭ ‬أثبتت‭ ‬هذه‭ ‬الكلية‭ ‬فاعليتها‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬تعبئة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬للحرب،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بحاجة‭ ‬ملحة‭ ‬لاستعادة‭ ‬دروس‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬في‭ ‬التعبئة‭ ‬الصناعية‭ ‬لصراعات‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭. ‬

وقد‭ ‬كشفت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬القصور‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالقدرة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وقد‭ ‬ذهبت‭ ‬بعض‭ ‬التحليلات‭ ‬إلى‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المحدد‮»‬‭ ‬‮«‬Just-in-Time‮»‬‭ ‬لتفسير‭ ‬هذه‭ ‬المحدودية،‭ ‬وعدم‭ ‬اندفاع‭ ‬واشنطن‭ ‬نحو‭ ‬إعادة‭ ‬ملء‭ ‬مستودعاتها،‭ ‬بعدما‭ ‬عمدت‭ ‬إلى‭ ‬إرسال‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬لأوكرانيا‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بماهية‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬الانتاج‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المحدد‮»‬،‭ ‬ومدى‭ ‬انعكاساتها‭ ‬الفعلية‭ ‬على‭ ‬القاعدة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬حدود‭ ‬الجاهزية‭ ‬لهذه‭ ‬القاعدة‭.‬

الإنتاج‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المحدد

تشير‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المحدد‮»‬‭ ‬Just-in-Time‭ (‬JIT‭) ‬إلى‭ ‬فلسفة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬وأداء‭ ‬الشركات،‭ ‬تستهدف‭ ‬بالأساس‭ ‬تحقيق‭ ‬كفاءة‭ ‬استخدام‭ ‬الموارد،‭ ‬وتخفيض‭ ‬تكلفة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوظائف‭ ‬الخاصة‭ ‬بالتوريد‭ ‬والتخزين‭ ‬والإنتاج،‭ ‬بخلاف‭ ‬الطريقة‭ ‬التقليدية‭ ‬للإنتاج،‭ ‬والتي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الموردين،‭ ‬وإعادة‭ ‬تحويل‭ ‬هذه‭ ‬المواد‭ ‬إلى‭ ‬منتجات‭ ‬نهائية،‭ ‬يتم‭ ‬الدفع‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬الأسواق،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬معرفة‭ ‬حقيقية‭ ‬لاحتياجات‭ ‬السوق‭ ‬وعملائه‭.‬

وكانت‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬تويوتا‮»‬‭ ‬اليابانية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ابتكرت‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لتتلاءم‭ ‬مع‭ ‬‮«‬التصنيع‭ ‬الهزيل‭ ‬Lean Manufacturing‮»‬‭ ‬وخطوط‭ ‬الإنتاج‭ ‬كبيرة‭ ‬الحجم،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إرسال‭ ‬الأجزاء‭ ‬الفرعية‭ ‬والمواد‭ ‬الأولية‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬المصنع،‭ ‬حيث‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬فورية‭ ‬لها،‭ ‬ولا‭ ‬تحتاج‭ ‬هذه‭ ‬الأجزاء‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬تعديلات‭ ‬إضافية‭ ‬عقب‭ ‬وصولها‭ ‬للمصنع،‭ ‬بل‭ ‬تكون‭ ‬جاهزة‭ ‬لدمجها‭ ‬في‭ ‬المنتج‭ ‬النهائي‭. ‬

وبناء‭ ‬عليه،‭ ‬ترتكز‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬إنتاج‭ ‬كل‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أجزاء‭ ‬المنتج‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬محطات‭ ‬التشغيل‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تحتاج‭ ‬فيه‭ ‬المحطة‭ ‬التالية‭ ‬وتكون‭ ‬مستعدة‭ ‬لاستلامه،‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬طلب‭ ‬العميل‭ ‬هو‭ ‬نقطة‭ ‬الانطلاق‭ ‬لكافة‭ ‬العمليات‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬الإنتاج،‭ ‬بشكل‭ ‬متسق‭ ‬ومنضبط‭ ‬بين‭ ‬مراكز‭ ‬ومحطات‭ ‬التشغيل،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬تدفق‭ ‬المنتجات‭ ‬بشكل‭ ‬يناسب‭ ‬طلب‭ ‬العميل،‭ ‬مع‭ ‬تحقيق‭ ‬انخفاض‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬المخزون‮»‬‭.‬

وهناك‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المحددات‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬عليها‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬تتمثل‭ ‬أبرزها‭ ‬في‭ ‬تقليص‭ ‬سلسلة‭ ‬الموردين،‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬الثقة،‭ ‬وتحقيق‭ ‬أدنى‭ ‬مستوى‭ ‬من‭ ‬التخزين‭ ‬للمواد‭ ‬خلال‭ ‬مراحل‭ ‬الإنتاج،‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬توافر‭ ‬نوعية‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬التي‭ ‬تتسم‭ ‬بالمهارات‭ ‬المتعددة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تقليص‭ ‬وقت‭ ‬التصنيع‭ ‬وحجم‭ ‬دفعات‭ ‬الإنتاج،‭ ‬وكذا‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الصيانة‭ ‬الوقائية‭. ‬وبالتالي،‭ ‬تساعد‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المحدد‮»‬‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التكاليف،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬تخزين‭ ‬أقل‭ ‬للأجزاء‭ ‬التي‭ ‬سيتم‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬الإنتاج،‭ ‬أو‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬العمال‭ ‬لإدارة‭ ‬هذه‭ ‬الأجزاء‭ ‬ونقلها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تقليص‭ ‬حجم‭ ‬الأجزاء‭ ‬المهدرة‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬صيانة‭. ‬

مأزق‭ ‬القاعدة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬الأمريكية

لعبت‭ ‬الصناعة‭ ‬الدفاعية‭ ‬الأمريكية‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الجهود‭ ‬الحربية‭ ‬لدول‭ ‬الحلفاء،‭ ‬حيث‭ ‬أطلق‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬‮«‬فرانكلين‭ ‬روزفيلت‮»‬‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬الترسانة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬استغرق‭ ‬الأمر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬لواشنطن‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬القاعدة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬ذات‭ ‬الاستعداد‭ ‬الكامل‭ ‬للمجهود‭ ‬الحربي،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الوصول‭ ‬لهذا‭ ‬المستوى‭ ‬بات‭ ‬الآن‭ ‬يشكل‭ ‬تحدياً‭ ‬كبيراً‭ ‬بالنسبة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬أخبر‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬لويد‭ ‬أوستن‮»‬،‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2023،‭ ‬لجنة‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬بمجلس‭ ‬الشيوخ،‭ ‬أن‭ ‬البنتاغون‭ ‬يسعى‭ ‬لضخ‭ ‬استثمارات‭ ‬ضخمة‭ ‬بقيمة‭ ‬تتجاوز‭ ‬الـ‭ ‬30‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توسيع‭ ‬القاعدة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬

ولطالما‭ ‬أثارت‭ ‬المخزونات‭ ‬غير‭ ‬الكافية‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الدقيقة‭ ‬مخاوف‭ ‬البنتاغون‭ ‬والكونغرس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬المعطيات‭ ‬الراهنة‭ ‬زادت‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬هذه‭ ‬المخاوف‭ ‬لدى‭ ‬صناع‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬‮«‬تفويض‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭ ‬الأمريكي‭ ‬لعام‭ ‬2023‮»‬‭ ‬يسمح‭ ‬بإمكانية‭ ‬زيادة‭ ‬اقتناء‭ ‬ذخائر‭ ‬جديدة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬العدد‭ ‬المستهدف‭ ‬ربما‭ ‬يستغرق‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬معدلات‭ ‬الإنتاج‭ ‬الحالية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬التحليلات‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬طرح‭ ‬فكرة‭ ‬زيادة‭ ‬مستويات‭ ‬الإنتاج‭ ‬كمخرج‭ ‬لهذه‭ ‬الإشكالية،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬مساعٍ‭ ‬لدى‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬لاتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬تدعم‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭. ‬

لكن،‭ ‬تصطدم‭ ‬هذه‭ ‬التوجهات‭ ‬بمعضلة‭ ‬أخرى،‭ ‬تتعلق‭ ‬بالأساس‭ ‬بمحدودية‭ ‬قدرة‭ ‬القاعدة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نقص‭ ‬حجم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬محاولة‭ ‬زيادة‭ ‬مستويات‭ ‬الإنتاج‭ ‬وإعادة‭ ‬ملء‭ ‬المخزونات‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الصعوبة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬كفايتها‭ ‬لتلبية‭ ‬طلبات‭ ‬الحلفاء‭ ‬في‭ ‬الإطار‭ ‬الزمني‭ ‬المطلوب‭.‬

وربما‭ ‬يدعم‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬التقرير‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الرابطة‭ ‬الصناعية‭ ‬للدفاع‭ ‬الوطني‮»‬‭ ‬الأمريكية‭ ‬National Defense Industrial Association‭ (‬NDIA‭)‬،‭ ‬في‭ ‬إصداره‭ ‬الأخير‭ ‬لعام‭ ‬2023،‭ ‬والذي‭ ‬كشف‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬فجوة‭ ‬كبيرة‭ ‬بين‭ ‬تطلعات‭ ‬استراتيجية‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭ ‬الأمريكي‭ ‬والحالة‭ ‬الراهنة‭ ‬للقاعدة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬لواشنطن،‭ ‬والتي‭ ‬تتقلص‭ ‬بشكل‭ ‬مطرد‭ ‬وتواجه‭ ‬معدلات‭ ‬تقادم‭ ‬متزايدة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬باتت‭ ‬أقل‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاج‭.‬

وقد‭ ‬لفت‭ ‬التقرير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مرونة‭ ‬القاعدة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬التضحية‭ ‬بها‭ ‬بدايةً‭ ‬من‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تمخض‭ ‬عنه‭ ‬خسارة‭ ‬نقاط‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬ميزت‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬سابقاً،‭ ‬كالميزانيات‭ ‬المستقرة،‭ ‬والقوة‭ ‬العاملة‭ ‬الماهرة،‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬المتنوعة‭ ‬والحديثة،‭ ‬والابتكار‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التصنيع،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬القدرة‭ ‬الكافية‭ ‬لهذه‭ ‬القاعدة،‭ ‬وحل‭ ‬مكانها‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المحدد‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تقدم‭ ‬سوى‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬العمق‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬التشكيل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬نشوب‭ ‬أي‭ ‬صراع‭ ‬غير‭ ‬متوقع،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬استراتيجية‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭ ‬الأمريكية‭ ‬الحالية،‭ ‬والتي‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬ردع‭ ‬الصين‭ ‬أو‭ ‬الفوز‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬صراع‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬حال‭ ‬فشل‭ ‬هذا‭ ‬الردع‭. ‬

وهناك‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬إنتاجها‭ ‬العسكري‭ ‬المطلوب‭ ‬لحرب‭ ‬كبرى‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد،‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬التقلص‭ ‬الملحوظ‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬العمال‭ ‬المهرة‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬الصناعات‭ ‬الدفاعية،‭ ‬حيث‭ ‬تضاءل‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬إلى‭ ‬1‭.‬1‭ ‬مليون‭ ‬مقارنة‭ ‬بحوالي‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1985‭. ‬والأمر‭ ‬ذاته‭ ‬يتعلق‭ ‬بالشركات‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصناعات،‭ ‬والتي‭ ‬خسرت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬17‭ ‬ألف‭ ‬شركة‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬الأخيرة‭ ‬فقط،‭ ‬كما‭ ‬تقدر‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الشركات‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬لصالحها‭ ‬قد‭ ‬تقلص‭ ‬بنسبة‭ ‬40‭% ‬خلال‭ ‬آخر‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬رغم‭ ‬تزايد‭ ‬الحزم‭ ‬التحفيزية‭ ‬المصممة‭ ‬لجذب‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬والاحتفاظ‭ ‬بها‭. ‬كذا‭ ‬تناقصت‭ ‬حصة‭ ‬الإنفاق‭ ‬الدفاعي‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬3‭.‬2‭% ‬مقارنة‭ ‬بـ‭ ‬5‭.‬8‭% ‬في‭ ‬عام‭ ‬1985،‭ ‬ويُتوقع‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬الانخفاض‭ ‬لهذه‭ ‬الحصة،‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬2‭.‬7‭% ‬في‭ ‬عام‭ ‬2036‭. ‬يضاف‭ ‬لذلك‭ ‬انخفاض‭ ‬القوى‭ ‬الشرائية‭ ‬وتأخر‭ ‬عمليات‭ ‬التحديث‭ ‬الضرورية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الافتقار‭ ‬للاستثمارات‭ ‬الكافية‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والقدرات،‭ ‬والاعتماد‭ ‬المفرط‭ ‬على‭ ‬مصدر‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬التوريد‭. ‬

وثمة‭ ‬إشكالية‭ ‬أخرى‭ ‬تتعلق‭ ‬بعدم‭ ‬اتساق‭ ‬طلبات‭ ‬البنتاغون‭ ‬بين‭ ‬فترات‭ ‬السلم‭ ‬والحرب،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬توقف‭ ‬إنتاج‭ ‬منظومة‭ ‬‮«‬هيمارس‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬2013‭ ‬–‭ ‬2017،‭ ‬بسبب‭ ‬توقف‭ ‬العمليات‭ ‬القتالية‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق،‭ ‬كما‭ ‬انخفض‭ ‬إنتاج‭ ‬‮«‬جافلين‮»‬‭ ‬من‭ ‬1300‭ ‬عام‭ ‬2009‭ ‬إلى‭ ‬400‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013‭. ‬

كذا،‭ ‬تواجه‭ ‬القاعدة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تحدياً‭ ‬آخر‭ ‬يتعلق‭ ‬بأن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الأجزاء‭ ‬وقطع‭ ‬الذخائر‭ ‬والسفن‭ ‬والطائرات‭ ‬يتم‭ ‬تصنيعها‭ ‬بالخارج،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الصين،‭ ‬فهناك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬محركات‭ ‬الصواريخ‭ ‬الصلبة،‭ ‬وأغلفة‭ ‬القذائف،‭ ‬والعناصر‭ ‬الأولية‭ ‬للوقود‭ ‬والمتفجرات،‭ ‬وكذا‭ ‬الصمامات‭ ‬والأدوات‭ ‬الآلية‭ ‬يتم‭ ‬تصنيعها‭ ‬في‭ ‬الصين‭. ‬

بالتالي،‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬فكرة‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاج‭ ‬مهمة‭ ‬سهلة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬بعض‭ ‬خطوط‭ ‬الإنتاج‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬بالفعل‭ ‬إلى‭ ‬طاقتها‭ ‬القصوى،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬زيادة‭ ‬الانتاج‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬يتطلب‭ ‬بناء‭ ‬مرافق‭ ‬جديدة‭ ‬وتوظيف‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬المهرة‭.‬

التصنيع‭ ‬الهزيل‭ ‬والإنتاج‭ ‬الدفاعي‭ ‬الأمريكي

ذهبت‭ ‬بعض‭ ‬التحليلات‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اعتماد‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المحدد‮»‬‭ ‬يمثل‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬القيود‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬إنتاجها‭ ‬الدفاعي،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مخزون‭ ‬كافٍ‭ ‬من‭ ‬الأجزاء‭ ‬الفائضة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الشركات‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬إنتاجها‭. ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬اتجاه‭ ‬آخر‭ ‬يرى‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الانتقادات‭ ‬تعكس‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬التبسيط‭ ‬المُخل‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬حجم‭ ‬التكاليف‭ ‬الباهظة‭ ‬التي‭ ‬تحتاجها‭ ‬الشركات‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬مستودع‭ ‬مليء‭ ‬بكميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المدخلات‭ ‬المطلوبة‭ ‬لزيادة‭ ‬الإنتاج‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬أشار‭ ‬تقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والدولية‮»‬‭ ‬الأمريكي‭ (‬CSIS‭) ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القاعدة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬بنية‭ ‬حوافز‭ ‬تفضل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬الأقل‭ ‬تكلفة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬القدرة‭ ‬الإنتاجية،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬هيكل‭ ‬هذه‭ ‬الحوافز‭ ‬مصممة‭ ‬بالأساس‭ ‬لضمان‭ ‬التخصيص‭ ‬الأمثل‭ ‬لأموال‭ ‬دافعي‭ ‬الضرائب،‭ ‬بيد‭ ‬أنها‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تقليل‭ ‬قدرة‭ ‬القاعدة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاج‭. ‬

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خمس‭ ‬شركات‭ ‬كبرى،‭ ‬هي‭: ‬‮«‬بوينغ‮»‬،‭ ‬و»لوكهيد‭ ‬مارتن‮»‬،‭ ‬و»جنرال‭ ‬دايناميكس‮»‬،‭ ‬و»رايثيون‮»‬،‭ ‬و»نورثروب‭ ‬جرومان‮»‬،‭ ‬تمثل‭ ‬أكبر‭ ‬المقاولين‭ ‬متعددي‭ ‬الجنسيات،‭ ‬الذين‭ ‬يتولون‭ ‬تنفيذ‭ ‬غالبية‭ ‬عقود‭ ‬الدفاع‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬مقارنةً‭ ‬بحوالي‭ ‬51‭ ‬شركة‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬التسعينات‭. ‬وتعد‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬هي‭ ‬العميل‭ ‬الوحيد‭ ‬فنياً‭ ‬لهذه‭ ‬الشركات،‭ ‬وأي‭ ‬تدفق‭ ‬لمبيعات‭ ‬خارجية‭ ‬لهذه‭ ‬الشركات‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحكومة‭ ‬الفيدرالية‭ ‬الأمريكية‭. ‬وقد‭ ‬شكلت‭ ‬الشركات‭ ‬حوالي‭ ‬114‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لـ‭ ‬122‭.‬2‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬لبقية‭ ‬مقاولي‭ ‬الدفاع‭ ‬الكبار،‭ ‬ونحو‭ ‬7‭.‬9‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬للمقاولين‭ ‬المتوسطين،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الإنفاق‭ ‬العسكري‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬والذي‭ ‬يقدر‭ ‬بـ‭ ‬711‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭. ‬وقد‭ ‬اعتمد‭ ‬مقاولو‭ ‬الدفاع‭ ‬الخمسة‭ ‬السابقون‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬التصنيع‭ ‬الهزيل‮»‬‭ ‬Lean Manufacturing،‭ ‬والتي‭ ‬تنبثق‭ ‬عن‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬التسليم‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المحدد‮»‬،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تقليص‭ ‬التكاليف‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬كثيف‭ ‬رأس‭ ‬المال،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التحليلات‭ ‬التي‭ ‬تجادل‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لا‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬الصناعة‭ ‬الدفاعية،‭ ‬كونها‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬جداً‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬لزيادة‭ ‬الإنتاج،‭ ‬خاصةً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سيطرة‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬على‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تقليص‭ ‬الخيارات‭ ‬حال‭ ‬فشل‭ ‬أحد‭ ‬الموردين‭ ‬في‭ ‬تسليم‭ ‬أي‭ ‬جزء،‭ ‬ويزداد‭ ‬الأمر‭ ‬تعقيداً‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الترابط‭ ‬بين‭ ‬مقاولي‭ ‬الدفاع‭ ‬الخمسة‭ ‬الكبار‭ ‬بالنسبة‭ ‬للبنتاغون‭. ‬

أوكرانيا‭ ‬وإرهاق‭ ‬القاعدة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬الأمريكية

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬معضلة‭ ‬تراجع‭ ‬قدرة‭ ‬القاعدة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لا‭ ‬تُعد‭ ‬قضيةً‭ ‬مستحدثة،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬كشفت‭ ‬حدود‭ ‬المشكلة‭ ‬بشكلٍ‭ ‬حاد،‭ ‬بسبب‭ ‬استنزاف‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬مخزونات‭ ‬الذخيرة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والضغط‭ ‬الذي‭ ‬فرضه‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬القاعدة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تصاعد‭ ‬التوترات‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬تايوان‭. ‬

فقد‭ ‬عززت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مخزونات‭ ‬عميقة‭ ‬من‭ ‬الأسلحة،‭ ‬ما‭ ‬يدحض‭ ‬أي‭ ‬خطط‭ ‬عملياتية‭ ‬مستقبلية‭ ‬تفترض‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬ستكون‭ ‬قصيرة‭ ‬الأجل،‭ ‬فقد‭ ‬ألمح‭ ‬كبير‭ ‬مسؤولي‭ ‬المشتريات‭ ‬في‭ ‬البنتاغون،‭ ‬ويليام‭ ‬لابلانت،‭ ‬إلى‭ ‬حاجة‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬المُلحة‭ ‬إلى‭ ‬إيلاء‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬لفكرة‭ ‬زيادة‭ ‬مستويات‭ ‬الإنتاج‭ ‬الدفاعي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتسق‭ ‬مع‭ ‬التقارير‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬المخزونات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بسبب‭ ‬الكميات‭ ‬الهائلة‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬أرسلتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لدعم‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬حيث‭ ‬تشير‭ ‬هذه‭ ‬التقارير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مخزونات‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬مدفع‭ ‬‮«‬هاوتزر‮»‬،‭ ‬طراز‭  ‬M777‭ ‬عيار‭ ‬150‭ ‬ملم،‭ ‬وأنظمة‭ ‬‮«‬جافلين‮»‬‭ ‬المضادة‭ ‬للدبابات،‭ ‬و«ستينجر‮»‬‭ ‬المضادة‭ ‬للطائرات،‭ ‬وكذا‭ ‬الرادارات‭ ‬المضادة‭ ‬للمدفعية‭ ‬باتت‭ ‬تعاني‭ ‬نقصاً‭ ‬كبيراً،‭ ‬كما‭ ‬أضحت‭ ‬مخزونات‭ ‬نظام‭ ‬الدفاع‭ ‬الساحلي‭ ‬‮«‬هاربون‮»‬‭ ‬متوسطة،‭ ‬وهي‭ ‬مهمة‭ ‬للغاية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لدعم‭ ‬تايوان‭. ‬وفي‭ ‬تقرير‭ ‬نشره‭ ‬مركز‭ ‬‮«‬الدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والدولية‮»‬‭ ‬الأمريكي،‭ ‬حذر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬المقبلة‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬تخوضها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لن‭ ‬تتمتع‭ ‬فيها‭ ‬واشنطن‭ ‬بميزة‭ ‬القدرات‭ ‬الواضحة‭ ‬على‭ ‬خصومها،‭ ‬بالتالي‭ ‬ستحتاج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬خوض‭ ‬حرب‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬ضد‭ ‬خصم‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيجعلها‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ملحة‭ ‬للاعتماد‭ ‬على‭ ‬قاعدتها‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية،‭ ‬وقد‭ ‬لفت‭ ‬التقرير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬اعتماداً‭ ‬على‭ ‬مخزونات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬دفع‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الساسة‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬الدعوة‭ ‬لإعادة‭ ‬إحياء‭ ‬‮«‬الترسانة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الديمقراطية‮»‬،‭ ‬بغية‭ ‬إعادة‭ ‬ملء‭ ‬المخازن‭ ‬الفارغة،‭ ‬والدفع‭ ‬نحو‭ ‬إشراك‭ ‬قطاع‭ ‬التصنيع‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاج‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬خطة‭ ‬تشغيلية‭ ‬شاملة‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬أعطت‭ ‬دفعة‭ ‬مالية‭ ‬قوية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمقاولي‭ ‬الدفاع‭ ‬في‭ ‬واشنطن،‭ ‬والذين‭ ‬يتطلعون‭ ‬أكثر‭ ‬نحو‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬الأجل،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التطلعات‭ ‬تصطدم‭ ‬بتخوفات‭ ‬متزايدة‭ ‬من‭ ‬احتمالية‭ ‬انخفاض‭ ‬الطلب،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يشكل‭ ‬مُثبطاً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأي‭ ‬توجهات‭ ‬تستهدف‭ ‬بناء‭ ‬مرافق‭ ‬جديدة‭ ‬وتوسيع‭ ‬القدرات‭ ‬الإنتاجية‭. ‬

وعلى‭ ‬المنوال‭ ‬ذاته،‭ ‬أشارت‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬كشفت‭ ‬بوضوح‭ ‬عن‭ ‬حاجة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لسياسة‭ ‬صناعية‭ ‬جديدة‭ ‬لقاعدتها‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية،‭ ‬خاصةً‭ ‬وأن‭ ‬واشنطن‭ ‬تحتاج‭ ‬لتوفير‭ ‬الامدادات‭ ‬لحلفائها‭ ‬حال‭ ‬اندلاع‭ ‬صراع‭ ‬كبير‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الحالية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيشكل‭ ‬معضلة‭ ‬كبيرة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬قدرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬ستكون‭ ‬معرضة‭ ‬للخطر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬خاصةً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬احتمالية‭ ‬اندلاع‭ ‬مواجهات‭ ‬مباشرة‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حول‭ ‬تايوان‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬قلقاً‭ ‬متزايداً‭ ‬لدى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬خوض‭ ‬حرب‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭. ‬

محورية‭ ‬تنويع‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد

تشكل‭ ‬قيود‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬إشكالية‭ ‬جوهرية‭ ‬أمام‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬لزيادة‭ ‬الإنتاج،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬القيود‭ ‬مستحيلة،‭ ‬فبالنسبة‭ ‬لبعض‭ ‬المقاولين‭ ‬من‭ ‬الباطن،‭ ‬ربما‭ ‬يشكل‭ ‬إنتاجهم‭ ‬الدفاعي‭ ‬جزءاً‭ ‬صغيراً‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬إنتاجهم،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هؤلاء‭ ‬مستعدين‭ ‬للتضحية‭ ‬بعلاقاتهم‭ ‬مع‭ ‬العملاء‭ ‬الآخرين‭ ‬الأكثر‭ ‬ربحيةً‭ ‬مقابل‭ ‬زيادة‭ ‬نسبة‭ ‬إنتاجهم‭ ‬المرسل‭ ‬إلى‭ ‬مقاولي‭ ‬الدفاع،‭ ‬لذا‭ ‬ثمة‭ ‬حاجة‭ ‬ملحة‭ ‬لتوسيع‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬للإنتاج‭ ‬الدفاعي،‭ ‬فالاستثمار‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬حجم‭ ‬المعروض‭ ‬من‭ ‬مدخلات‭ ‬التصنيع‭ ‬يشكل‭ ‬محدداً‭ ‬جوهرياً‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاج‭. ‬

كذا،‭ ‬يحتاج‭ ‬البنتاغون‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬رؤية‭ ‬شاملة‭ ‬لسلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬المختلفة،‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬التنبؤ‭ ‬بالمكان‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬به‭ ‬أي‭ ‬إشكاليات‭ ‬مستقبلية،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬تحركات‭ ‬البنتاغون‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬الماضي‭ ‬لوقف‭ ‬تسليم‭ ‬طائرة‭ ‬مقاتلة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬F-35‭ ‬لشركة‭ ‬‮«‬لوكهيد‭ ‬مارتن‮»‬‭ ‬لمدة‭ ‬شهر،‭ ‬بعدما‭ ‬تم‭ ‬اكتشاف‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬الموجود‭ ‬بمحرك‭ ‬هذه‭ ‬الطائرة،‭ ‬والتي‭ ‬تصنعها‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬هانيويل‮»‬‭ ‬الصينية،‭ ‬غير‭ ‬مرخصة‭. ‬

وتحتاج‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬التنسيق‭ ‬الفعال‭ ‬مع‭ ‬مقاولي‭ ‬الدفاع‭ ‬بشأن‭ ‬مستقبل‭ ‬حجم‭ ‬الإنتاج‭ ‬الدفاعي،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تتأثر‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬بزيادة‭ ‬الإنتاج‭ ‬المطلوبة‭ ‬حالياً‭ ‬للحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬ثم‭ ‬تنهار‭ ‬وتيرة‭ ‬الإنتاج‭ ‬عندما‭ ‬تنتهي‭ ‬الحرب،‭ ‬لتجنب‭ ‬تكرار‭ ‬سيناريو‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬الإرهابي،‭ ‬عندما‭ ‬استثمرت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬لإنتاج‭ ‬حوالي‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬هيلفاير‭ ‬سنوياً،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعلن‭ ‬لاحقاً‭ ‬وبشكل‭ ‬مفاجئ‭ ‬عدم‭ ‬حاجتها‭ ‬له‭. ‬

وقد‭ ‬طرحت‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات‭ ‬فكرة‭ ‬الإنتاج‭ ‬المشترك،‭ ‬كأحد‭ ‬الحلول‭ ‬المقترحة‭ ‬لمواجهة‭ ‬القيود‭ ‬الحالية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بزيادة‭ ‬الإنتاج‭ ‬الدفاعي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬حيث‭ ‬تنطوي‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬على‭ ‬تدريب‭ ‬الشركات‭ ‬ومقاولي‭ ‬الدفاع‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الحليفة‭ ‬لواشنطن‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬أنظمة‭ ‬الأسلحة‭ ‬أو‭ ‬مكوناتها،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يوفر‭ ‬سلاسل‭ ‬توريد‭ ‬إضافية‭ ‬وموثوقة،‭ ‬وتعزيز‭ ‬القدرات‭ ‬المشتركة‭ ‬لإنتاج‭ ‬هذه‭ ‬العناصر،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬إنشاء‭ ‬مخزونات‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬مسرح‭ ‬العمليات،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تحديات‭ ‬قائمة‭ ‬ربما‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬نجاح‭ ‬هذا‭ ‬الطرح،‭ ‬أبرزها‭ ‬القيود‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬تبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬العسكرية‭. ‬وفي‭ ‬الختام،‭ ‬تتطلب‭ ‬إعادة‭ ‬ملء‭ ‬مخزونات‭ ‬الأسلحة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬زمني‭ ‬معقول،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الاستعداد‭ ‬لزيادة‭ ‬هذا‭ ‬المخزون،‭ ‬ضخ‭ ‬استثمارات‭ ‬واسعة‭ ‬لتحقيق‭ ‬قدرة‭ ‬إضافية‭ ‬تسمح‭ ‬بزيادة‭ ‬مستويات‭ ‬الإنتاج،‭ ‬لكن‭ ‬يجب‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬المرافق‭ ‬والمصانع‭ ‬الحالية،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬لديها‭ ‬القدرة‭ ‬اللازمة‭ ‬التي‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬توسيع‭ ‬الإنتاج‭ ‬الداخلي،‭ ‬وتتطلب‭ ‬زيادة‭ ‬القدرة‭ ‬الانتاجية‭ ‬داخل‭ ‬المنشآت‭ ‬القائمة‭ ‬زيادةً‭ ‬في‭ ‬مدخلات‭ ‬الإنتاج‭ ‬المختلفة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حجم‭ ‬العمالة‭ ‬الماهرة‭.‬

‮»‬‭ ‬عدنان‭ ‬موسى‭ ‬

مدرس‭ ‬مساعد‭ ‬بكلية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والعلوم‭ ‬السياسية‭ ‬–‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭

Youtube
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض