يحيى التليدي
كاتب وباحث سياسي
Yahya Al Talidi
Writer and Political Researcher

الشرق الأوسط وحروب الجيل الرابع

التقدم العلمي والتقني الذي نلحظه في كل المجالات، ليس بالضرورة أنه لصالح البشرية، فهناك تطورات في الحروب والصراعات، ومن ذلك الجيل الرابع من الحروب، أو الحروب الهجينة التي تتحدث عن استراتيجيات متكاملة لإضعاف الخصوم وإسقاط الدول وخلق الفوضى والحرب السيبرانية وأسلحة الذكاء الاصطناعي وحروب الفضاء، وكما تستخدمها القوى العظمى في صراعاتها، فهي كذلك سلاح للقوى الطموحة حول العالم لفرض الهيمنة وبسط النفوذ.

هذه الحروب المتطورة لها أبعاد متعددة ومجالات مختلفة، وليست عسكرية فحسب، بل هي اقتصادية وثقافية ودينية وتجارية وإعلامية وسيبرانية، وتتداخل فيها الآيديولوجيات والهويات والأعراق والطوائف، ويتم فيها تحريض الشعوب واستقطاب الجماعات والأحزاب لضرب استقرار الدول وتفتيت المجتمعات. وهي لا تلغي الحروب التقليدية، ولكنها تخفف من أعبائها وتستبقها عبر إضعاف الخصوم وإرهاق الدول وزعزعة الاستقرار وضرب اللُّحمة الوطنية للشعوب.

الميليشيات المسلحة وتنظيمات الإرهاب وجماعات الإسلام السياسي، كلها أدوات في هذه الحروب الجديدة والمتطورة، وبغض النظر عن طبيعة الخطاب الذي تطرحه هذه جميعاً، فهو في النهاية يُستخدم لتمرير مواقفها في استهداف الأوطان، ويستطيع القارئ استحضار بعض النماذج بسهولة في هذا السياق، فما شهدته منطقة الشرق الأوسط من أزمات، تشير بوضوح لاستخدام هذا النوع من الحروب، فالعراق وسوريا ولبنان واليمن لا تحتاج إلى دليل، وأزمة ليبيا والسودان وتونس وإثيوبيا تؤكد نفس الفكرة وتشير لذات التصور.

هذا الاختلال في موازين القوى لا يهدد دول المنطقة والدول العربية فحسب، بل هو أوسع وأكبر من ذلك بكثير، فمخاوف الدول الواقعة بين روسيا وأوروبا أو على أطرافهما ظاهرة، ويتحدث عنها الإعلام، ويرصدها المتابع، ومخاوف اليابان ودول المحيطين الهندي والهادئ من الصين وكوريا الشمالية وصراعات النفوذ هناك، ظاهرة ومنشورة، ويصح هذا في أزمات إفريقيا وأمريكا الجنوبية، بمعنى أنها اختلالات شاملة وكبرى وليست مقصورة على منطقة بعينها.

أخيراً، فقراءة مثل هذه الاختلالات في توازنات القوى دولياً وإقليمياً، ورصد تطورات حروب الجيل الرابع أو الحرب السيبرانية أو نحوها من الظواهر، مؤثرة في الرصد والتصور والتحليل.

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض