الموضوع الديني 604

القعقاع بن عمرو التميمي

سنتناول في هذا الباب موضوعاً عسكرياً إسلامياً، نلقي الضوء فيه إما على قائد عسكري إسلامي كانت له صولات وجولات في ساحات المعارك، وإما على معركة إسلامية خالدة.. وفي هذا العدد سلنتقي مع القائد العسكري الفذ:

قال عنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «لن يهزم جيش فيه القعقاع»
وقال أيضاً: «صوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف رجل»

القعقاع بن عمرو التميمي فارس وقائد مسلم، وبطل عربي مشهور، شهد حروب الردة والفتوحات الإسلامية، وقد أبلى بلاء عظيماً في معركتي القادسية واليرموك وغيرهما من معارك المسلمين، ظهرت ملامح شخصيته بوضوح شديد في الفتوحات، فقد كان شجاعاً مِقداماً ثابتاً في أرض المعارك، وبجوار شجاعته وشدة بأسه على الأعداء كان شديد الذكاء، وذا حنكة عسكرية في إدارة المعارك، وظهر ذلك في معركة القادسية، ولا يختلف المؤرخون على فروسيته.

القعقاع وحروب الردة

كان للقعقاع بن عمرو رضي الله عنه دور كبير في حروب الردة، فقد أرسله أبو بكر الصديق رضي الله عنه للإغارة على علقمة بن علاثة العامري وكان قد أسلم ثم ارتد عن الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته عسكر علقمة في بني كعب يريد غزو المدينة المنورة فبلغ ذلك الصّديق رضي الله عنه، فبعث إليه سرية بقيادة القعقاع بن عمرو وقال له «يا قعقاع سر حتى تغير على علقمة بن علاثة، لعلك تأخذه لي أو تقتله»، فخرج القعقاع على رأس هذه السرية، وكان علقمة مستعداً دائماً، وعندما أقبلت عليه سرية القعقاع، هرب علقمة على فرسه ولم يستطع أحد اللحاق به.

القعقاع والفتوحات الإسلامية في العراق

بعد أن انتهى خالد بن الوليد رضي الله عنه من قتال مسيلمة الكذاب، أتاه كتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه يأمره بالتوجه إلى العراق، وبعد وصول الرسالة قرأها خالد على جنده، فرجع أكثر الجيش ولم يبقَ معه إلى القليل، فطلب خالد المدد من أبي بكر فأمده برجل واحد وهو القعقاع بن عمرو، فتعجب الصحابة من ذلك وقالوا لأبي بكر: أتمد رجلاً قد انفض عنه جنوده برجل واحد؟ فقال لهم «لا يهزم جيش فيه مثل هذا»، وفي رواية أخرى «صوت القعقاع بن عمرو في الجيش خير من ألف رجل».

معركة ذات السلاسل

وهي بداية معارك المسلمين في العراق، سار خالد بن الوليد ومعه المدد الذي أرسله له أبو بكر الصديق وهو القعقاع بن عمرو، وانضم لهم المثنى بن حارثة الشيباني فكان مجموع الجيش ثمانية عشر ألف مقاتل، فأرسل خالد رسالة إلى هرمز يدعوه فيها إلى الإسلام أو الجزية أو القتال، فلما قدم الكتاب على هرمز جمع جموع جيشه وخرج مسرعاً بهم إلى كاظمة، وكان هرمز قد اتفق مع بعض جنوده على الغدر بخالد وقتله عند المبارزة ليكسر شوكة المسلمين، فخرج إليه خالد، وهجم على هرمز واحتضنه، وفي تلك اللحظة خرجت المجموعة الفارسية التي اتفق معهم هرمز وهجموا على خالد وهو مشتبك مع هرمز وأحاطوا به من كل جانب، فخرج إليهم القعقاع بسرعة كبيرة، وحسن تقدير، وأزاح هذه الحامية عن خالد بن الوليد، وكان خروج القعقاع إيذاناً ببدء القتال بين الطرفين، ولم يجد المسلمون صعوبة في التغلب على الجيش الفارسي الذي تحطمت نفسيته بمقتل قائدهم هرمز.

معركة القادسية

كان للقعقاع بن عمرو في معركة القادسية دور كبير وبارز، وابتكر خططاً حربية كان لها أثر في هزيمة الفرس، فقد قدم القعقاع على المسلمين من الشام في اليوم الثاني من أيام القادسية وهو يوم أغواث، وعمد عند وصوله إلى تقسيم جيشه إلى أعشار لإيهام الفرس أن جموعاً كثيرة وصلت معه، فكان هذا كفيل بتحطيم عزائم الجيش الفارسي.

استمر القتال حتى بزغ نور شمس اليوم الرابع وهو يوم القادسية، والناس على مواقعهم لم تغمض لهم عين، وقد نال منهم التعب والجهد بعد ليلة قتال شديدة، وكان القعقاع بن عمرو من أكثر الناس إدراكاً لما أصاب المسلمين في تلك الليلة من تعب وجهد، ولكنه رأى بعين القائد الخبير أنه لا بد لهذه الحرب أن تنتهي، ولا بد من مواصلة الحرب والقتال حتى ينزل الله نصره على عباده المؤمنين، فسار القعقاع بين المسلمين يشد من أزرهم ويحثهم على الثبات ومواصلة القتال، قائلاً: «اصبروا ساعة واحملوا فإن النصر مع الصبر فأثروا الصبر على الجزع»، كانت كلماته مسموعة ونافذة ويدل هذا على مكانته الكبيرة بين المسلمين، فما أن حثهم القعقاع على مواصلة القتال، حتى اجتمع عدة من الرؤساء وقصدوا رستم، واستطاع القعقاع ومن معه إحداث فجوة في صفوف الجيش الفارسي، فحمل بعض المسلمين على من يليهم من الفرس، حملة واحدة واقتتلوا، حتى انتصفت الشمس في كبد السماء، وكان أول من تراجع تحت ضغط المسلمين هو الهرمزان والجناح الذي يقوده، وانفرج القلب، وهبت ريح عاصفة اقتلعت خيمة رستم وألقت بها في النهر، وتقدم القعقاع ومن معه حتى وصلوا سرير رستم، وكان رستم قد هرب واختبأ تحت بغل من بغاله، ورأى هلال بن علفة التميمي هذا البغل فضربه بسيفه فقطع حباله، فوقع الحمل على رستم، فحمل عليه هلال وقتله ثم نادى المسلمين قتلت رستم ورب الكعبة، وعندما انتشر خبر مقتل رستم عند الجيش الفارسي، وهنت عزيمتهم وضعفت قوتهم القتالية، ورأى الجالينوس فعرف خطر المواصلة في المعركة وأمر الفرس بالانسحاب، فعبر الردم من استطاع من الفرس، أما المربَّطون بالسلاسل فقد أصابهم الخوف والهلع فرموا أنفسهم في نهر العتيق ووخزهم المسلمون برماحهم فغرقوا جميعاً ولم ينجُ منهم أحد. وقد وجه سعد بن أبي وقاص اثنين لملاحقة من هرب من الفرس وهما القعقاع بن عمرو وشرحبيل بن السمط وقد أنجز القائدان ما أوكل إليهما.

معركة اليرموك

حضر القعقاع بن عمرو التميمي معركة اليرموك، وكان أميراً على كردوس من الكراديس، والكردوس هي الكتيبة وفيها ألف مقاتل، وكان القعقاع على كردوس أهل العراق ومكانه في قلب جيش المسلمين، وكان للقعقاع بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل شرف بدء القتال، فحملا على العدو، ثم حمل خالد بن الوليد بقلب جيش المسلمين، وبدأ القتال بين المسلمين والروم، حتى انتصر المسلمون نصراً كبيراً، وصار جنود الروم يفرون من المعركة وجنود الإسلام يثخنونهم قتلاً وأسْراً.

فتح دمشق

بعد هزيمة الروم في معركة اليرموك، سار أبو عبيدة بن الجراح إلى دمشق، وحاصروها من جميع أبوابها، فنزل خالد بن الوليد ومعه القعقاع بن عمرو على الباب الشرقي من أبواب دمشق، ونزل أبو عبيدة على باب الجابية الكبير، ونزل يزيد بن أبي سفيان على باب الجابية الصغير، ونزل عمرو بن العاص على باب توما، ونزل شرحبيل بن حسنة على باب الفراديس. وقد حاصر المسلمين دمشق واستخدموا المنجنيقات، وصمد الروم أمام هذا الحصار، على أمل أن يصل إليهم المدد من هرقل، وقد أرسل هرقل بالفعل إليهم الإمدادات، ولكن المسلمين الذين بين حمص ودمشق تصدوا لهذه الإمدادات ومنعوها من التقدم إلى دمشق، وقد استمر حصار المسلمين خلال الشتاء، وحدث غفلة من حرس الروم، استغلها خالد بن الوليد واختار عدداً من الرجال الأشداء الذين من بينهم القعقاع بن عمرو لاقتحام أسوار دمشق، ولما صار الليل، جمع خالد الرجال الذين اختارهم لتسلق أسوار دمشق. وبالفعل تمكن القعقاع ومن معه من الرجال من الصعود إلى أسوار دمشق، ثم أخذو بالتكبير، فكان ذلك إيذاناً بدخول المسلمين إلى دمشق، وفور سماع جيش المسلمين تكبيرات خالد والقعقاع ومن معهم تقدموا نحو الباب، وتسلق الكثير منهم الحبال التي نصبها القعقاع ومن معه على أسوار دمشق، أما خالد ومن معه فقد وثبوا على حراس الباب وقتلوهم، وقطعوا أقفال الباب بسيوفهم، ثم فتحوه للمسلمين، وقتل من الروم مقتلة ثم طلبوا الصلح من المسلمين، وبعد هذ الفتح العظيم وقف القعقاع بن عمرو التميمي وهو من الفرسان الذين تسلقوا أسوار دمشق، ليتحدث عن هذه المعركة، ويصف فتحهم للباب الشرقي لدمشق عنوةً.

إعداد: نادر نايف محمد

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض