حتى لو “تساهلتْ” الولايات المتحدة، بكل أو بعض ما تطلبه من إيران، فإنّ الواضح والمؤكد أنّ طهران، أي دولة الوليِّ الفقيه، والقرار هنا هو لآية الله العظمى علي خامنئي وليس لأيِّ مسؤولٍ آخر، لن تتخلّى حتى عن بعضٍ من قضاياها الأساسية العسكرية والسياسية والأمنية، وإنها إنْ هي تراجعت عن شيءٍ فإنها لنْ تتراجع ولو بمقدار قيدِ أنملةٍ عن اختراقها لبعض الدول العربية، وهي أربعٌ معروفة، منها اثنتان رئيسيتان هما العراق وسوريا.
إنّ أصحاب القرار بطهران، وفي مقدمتهم خامنئي، بالإمكان أنْ يتنازلوا للرئيس الأمريكي جو بايدن عن بعض الأمور الشكليّة، ولكنهم لا يمكن أنْ يتنازلوا عن أيٍّ من القضايا التي تنتظرها بعض الدول العربية؛ فإيران تحتلُّ الآن فعلياً بلاد الرافدين، إنْ ليس كلها فبعضُها، وتحتلُّ احتلالاً كاملاً سوريا، باستثناء ما تسيطر عليه وما تحتلّه التنظيمات الإرهابية كـ”داعش”، وهي أيضاً تحتلُّ من اليمن ما يسيطر عليه “الحوثيّون” المعروفون بتبعيتهم للوليِّ الفقيه، وأيضاً لحزب الله اللبناني لصاحبه حسن نصر الله تبعيةٌ إلحاقية كاملة.
وهذا يعني أنه لا بدَّ منْ موقفٍ عربيٍ موحدٍ تجاه ما تطلبه إيران، وأنْ يكون هناك موقف عربي واحد من الولايات المتحدة بالنسبة لهذا الأمر، فالمعروف أنّ الأمريكيين بعد التخلّص من صدام حسين قد فتحوا أبواب العراق على مصاريعها لإيران، وأنهم كانوا على وشك الرحيل منه، لو لم تعترضهم بعض المعطيات التي جعلتهم يتريّثون بأخذ هذا القرار، ويقبلون بكل ما كان يفعله الإيرانيّون الذين أصبح قرار هذا البلد قرارهم، وأصبح رئيس العراق (الكردي) ورئيس وزرائه (الشيعي) أيضاً ووزير خارجيته (الكردي) كذلك مجردّ شهودٍ على ما يفعله “الفرس” ببلادهم.. التي هي بلادهم بالفعل رغم أنّ ثلاثتهم من الأكراد الفعليّين الذين لهم كل التقدير والاحترام.
لقد توغّلت إيران الفارسية، وليس الشيعيّة، كثيراً ببلادنا، ويقيناً أنه إنْ لم يتدارك العرب.. عرب الخليج بالدرجة الأولى، فإنه سيأتي يومٌ يفرض علينا الفرس لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وكما كانت عليه الأمور في فترة تاريخية مريضة.. ويجب إدراك أنّ الصراع بهذا المجال ليس سنيّاً – شيعيّاً وأنه صراعٌ قوميٌ أي عربيٌّ فارسيٌّ، وأنّ كل شيءٍ بات واضحاً وضوح الشمس، وأنّ أصدقاءنا الأمريكيين متواطئون بكل معنى التواطؤ!!