على الرغم من الجدل الذي أثارته اتفاقية السلام الإماراتية الإسرائيلية، وتصاعد النهج الديماغوجي في أكثر من مكان، والذي ابتليت به منطقتنا العربية، حيث تغلب العواطف والعنتريات الفارغة، على لغة المنطق والتعقل، إلا أن وقفة موضوعية أمام هذه الاتفاقية، وأبعادها المحتملة، تبرهن أنها كانت خطوة استراتيجية جريئة وكبيرة في الاتجاه الصحيح لحل القضية التي لم يصل إلى وفاقها الغير، حيث أنها قد تؤسس لعملية سياسية بامتياز يأمل منها جميع المعتدلين والراغبين في السلام لنقل المنطقة من حالة الحروب والدمار والموت المجاني، إلى مرحلة جديدة عنوانها بناء شرق أوسط جديد تتعاون فيه جميع الأطراف من أجل تسييد لغة الحوار والسلام، بدلاً من الصراع الأزلي الذي دفعت خلاله الشعوب العربية ضريبة كبيرة من دماء أبنائها وإمكاناتها المادية.
سنوات عديدة من النزاعات والحروب المنظمة التي لم تقدم شيئاً للقضية الفلسطينية بل كلما طالت المدة صنعت تعقيدات متراكمة لا حل لها بل أضحت خطراً على القضية وعلى السلام العربي الشامل الذي يتطلع إليه جيل المستقبل من الشباب العربي الذي مل وتعب من الصراعات والانتهاكات للحقوق بدلاً من سلام عادل فيه إثبات للحقوق وتثبيط للصراع يمكن من خلاله صناعة سلام عادل لجميع الأطراف تضع من خلاله الحرب أوزارها وتصنع مستقبل مشرق فيه من التنمية والحضارة والعلم والمعرفة بما يعود على الإنسانية بالخير والسلام.
والحقيقة أن الخطوة الإماراتية الشجاعة إن دلت على شيء فإنما تدل على مجموعة أمور أهمها تمسك الإمارات بنهج السلام والعمل بإخلاص من أجل مستقبل آمن ومشرق لكل شعوب المنطقة، لا سيما وأن دروس التاريخ تثبت دائماً أن كل الحروب مهما كانت طويلة، لابد أن تفضي بأطرافها إلى الحوار، للوصول إلى قواسم مشتركة وتحقيق مصالح الأطراف المتناحرة كلها وهو ما تدركه دولة الإمارات التي لم تتخل يوماً عن التزاماتها القومية وإنما جعلت بوصلة سياستها المصالح الوطنية والقومية العليا.
ومن هنا كان إصرار دولة الإمارات العربية المتحدة على إيقاف قرار الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، يمهد ذلك لانطلاقة جديدة لمسيرة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، تنهي معاناة الشعب الفلسطيني وتؤسس لتعاون إسرائيلي عربي لتطوير المنطقة وتحسين ظروفها بدلاً من الصراع القديم، الذي أثبت عقمه كسبيل للوصول إلى الحقوق المشروعة الفلسطينية، من حل للدولتين ووقف ضم الأراضي الفلسطينية التي فيها حقن لدماء الشعب الفلسطيني الذي أنهك في صراعات دموية لا تنتهي.