587 Web Analysis A1

هل تنجح الولايات المتحدة في استغلال أزمة تايوان لبناء تحالف آسيوي ضد الصين؟

أدت زيارة رئيسة مجلس الشيوخ الأمريكي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان إلى استفزاز الصين بقدر كبير، خاصة مع اتجاه إدارة الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، إلى التخلي عملياً وبشكل تدريجي عن سياسة «الصين الواحدة»، وكذلك استراتيجية الغموض الاستراتيجي لصالح استراتيجية جديدة قوامها إعلان بايدن صراحة أن بلاده سترسل قوات أمريكية للدفاع عن جزيرة تايوان، في حالة إذا ما سعت بكين لضمها بالقوة المسلحة.

ردت الصين بشكل حازم على ذلك من خلال القيام بمناورات عسكرية حول الجزيرة، والتي هدفت من خلالها إلى التأكيد على قدرتها على فرص حصار بحري عليها، وأن واشنطن لن تستطيع التدخل لمساعدتها، أو دعمها عسكرياً، حتى لا تدخل في حرب مباشرة مع الصين.
وسعت واشنطن لتوظيف رد الفعل الصيني ضد المحاولات الأمريكية الداعمة لاستقلال الجزيرة من خلال تبرير قيامها بإجراءات متعددة هدفت في النهاية إلى إبطاء وتيرة الارتقاء الصيني إلى مصاف الدول الكبرى، وذلك من خلال تعزيز الدعم العسكري إلى تايوان، أو من خلال فرض حظر على تصدير بعض التقنيات التكنولوجية فائقة التقدم، بالإضافة إلى محاولة تعبئة الدول الأوروبية خلفها في مواجهة بكين.
وإلى جانب الإجراءات سالفة الذكر، فقد تمثلت أهم التحركات الأمريكية في مساعيها لإحياء تحالفات آسيوية متعددة في مواجهة بكين، أملاً من واشنطن في أن تساهم هذه التحركات في تطويق الصين بأحلاف عسكرية في محيطها المباشر بصورة تحجم صعودها إلى مصاف الدول الكبرى. وفي هذا الإطار، سوف يتم تناول أبعاد المحاولات الأمريكية لتشكيل تحالفات مناوئة للصين، فضلاً عن توضيح أبرز التحديات التي تواجهها في هذا الإطار.

تحالفات أمريكية لتطويق الصين
نشطت الولايات المتحدة في بناء عدة تحالفات عسكرية وسياسية وتقنية لمواجهة الصعود الصيني، ويمكن توضيح أبرز محاولتين على النحو التالي:
1. تحالف «الرقاقة 4»: اقترحت واشنطن على كوريا الجنوبية الانضمام إلى تحالف أشباه الموصلات الذي يعرف باسم «الرقاقة 4» (Chip 4)، والذي يضم إلى جانب البلدين كلاً من تايوان واليابان. وتنظر بكين إلى هذا التحالف باعتباره موجهاً لها، ويستهدف منعها من الحصول على الرقائق المتقدمة للاستخدامات المدنية والعسكرية على حد سواء. وحتى مطلع أكتوبر 2022، أكدت كوريا الجنوبية أنها مترددة في الانضمام إلى هذا التحالف.
ويرجع أهمية التنافس في هذا المجال إلى حقيقة أن نصيب الولايات المتحدة من إنتاج أشباه الموصلات قد تراجع من حوالي 37 % إلى 12 % حالياً، في حين أن نصيب الصين قد ارتفع إلى حوالي 9 % بعد أن كان حوالي 3.7 % فقط.
وفي يوليو 2022، أفاد محللون أن الشركة الصينية الدولية لتصنيع أشباه الموصلات (SMIC) أصبحت تصنع رقائق «7 نانومتر» في مصانعها منذ 2021، وهي تقنية كانت تقتصر فقط على شركات كبرى مثل سامسونج وإنتل، ولم يتوقع أحد أن تكسر الشركة الصينية حاجز 7 نانومتر بهذه السرعة، فقد كانوا يعتقدون أن الصين سوف تستغرق سنوات قبل أن تتمكن من إنتاج هذه النوعية من أشباه الموصلات. ويلاحظ أن «أكثر من 70 % من عائدات أشباه الموصلات و90 % من الرقائق (عالمياً) مبنية على تقنيات معالجة 7 نانومتر والتي أصبحت الصين قادرة على إنتاجها».
وكما أوضح الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في سبتمبر 2022، فإن الولايات المتحدة ستحتاج إلى مكونات إلكترونية متقدمة «لأنظمة أسلحة المستقبل التي ستعتمد بشكل متزايد على الرقائق الإلكترونية»، ولذلك اعتبر الرئيس بايدن خلال افتتاحه موقع مصنع لأشباه الموصلات في ولاية أوهايو (شرق)، أن تصنيع هذه المكونات الإلكترونية هو مسألة «أمن قومي»، لا سيما في مواجهة الطموحات الصينية، وخاصة بعدما أشار إلى أن الولايات المتحدة «لا تنتج حالياً أياً من أشباه الموصلات المتطورة هذه في أمريكا اليوم»، فضلاً عن زعم وسائل إعلامية أمريكية بأن الصين قد طورت برنامجها للصواريخ فرط الصوتية والصواريخ العادية عبر شراء العديد من المنتجات التكنولوجية المتخصصة، مثل البرامج المتقدمة، التي تنتجها الشركات الأمريكية الممولة من البنتاغون، عن طريق الموزعين الخاصين أو الهيئات البحثية.
2. تفعيل تحالف الكواد: تسعى واشنطن لتفعيل تحالف الحوار الأمني الرباعي، المعروف اختصاراً باسم تحالف الكواد، والذي يضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، ويهدف إلى مواجهة توسع نفوذ الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. واكتسب التحالف قوة دافعة في أعقاب الاشتباكات الحدودية بين الهند والصين في 2020 وبعد تصعيد في المواجهات الدبلوماسية والتجارية بين أستراليا وبكين.
ويسعى التحالف إلى تقديم بدائل عن الصين في مجالات مثل، مكافحة كورونا والإغاثة من الكوارث والأمن المعلوماتي. كما يسعى التحالف كذلك إلى إجراء مناورات بحرية مشتركة كجزء من تدريبات «مالابار» الثنائية القائمة بين الولايات المتحدة والهند. وشاركت الدول الأربع في تدريبات مالابار 2020 ما عزز صورة المجموعة على أنها تحالف عسكري، وأكدت الصين أن التحالف تجمع على غرار منظمات الحرب الباردة يسعى لاحتواء الصين.

صعوبات قائمة أمام واشنطن
على الرغم من المحاولات الأمريكية المستميتة لتشكيل تحالف ضد الصين، فإنها لاتزال تواجه تحديات في هذا الإطار، وهو ما يمكن تفصيله في التالي:
1- تردد كوريا الجنوبية في الانضمام لتحالف «الرقاقة 4»: تخشى كوريا الجنوبية من الانضمام إلى التحالف «الرقاقة 4» خوفاً من أن يتسبب ذلك لها في خلاف مع الصين، وهي أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية، خاصة إذا ما تحوّل التحالف إلى قوة مناهضة للصين، خاصة وأنه يضم إلى جانب الولايات المتحدة اليابان وتايوان، والأخيرة تسعى إلى الانفصال عن الصين، في حين أن طوكيو تتبنى نهج واشنطن المناوئ لبكين.
ومن جهة أخرى، تخشى سيئول من أن انضمامها إلى التحالف قد يؤدي إلى رد فعل قوي من بكين، على غرار إجراءات الانتقام الاقتصادي التي اتخذتها بعد نشر نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي «ثاد» في كوريا الجنوبية عام 2017، كما أن الأخيرة تصدر حوالي 60 % من منتجاتها لأشباه الرقائق إلى الصين في 2021، بينما تعتمد كبرى الشركات المصنعة، مثل «سامسونج» للإلكترونيات و«إس كيه هاينكس»، على تصميم الرقائق ومعدات التصنيع الأمريكية، وهو ما يجعل كوريا الجنوبية في موقع حرج نسبياً.
ولكن في المقابل، فإنه، وقبل أيام من قيام الرئيس الأمريكي بايدن بتوقيع قانون الرقائق، قام وزير خارجية كوريا الجنوبية، بارك جين، بلقاء نظيره الصيني، وانج يي، في تشينغداو، حيث سعى الأول للتأكيد للأخير أن اللقاء الذي سيجمع بين سيئول وواشنطن حول سلاسل إمداد أشباه الموصلات لا يستهدف إقصاء أو استبعاد أي دولة محددة، في إشارة إلى الصين تحديداً.
كما دعت كوريا الجنوبية، في 3 أغسطس 2022، إلى التهدئة وإجراء حوار للحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين، بعد تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين بسبب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان. ويتمايز ذلك عن الموقف الياباني، الذي كان أكثر انحيازاً للموقف الأمريكي، حيث دعا إلى الوقف الفوري للمناورات العسكرية الصينية.

2- حياد الهند المزعج لواشنطن: تعد الهند «العضو الحيوي والحاسم في التحالف الرباعي»، كما صرح في نوفمبر 2021، كيرت كامبل، المسؤول عن الأمن القومي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في البيت الأبيض، غير أنه من الواضح أن الهند ليست على استعداد للذهاب بعيداً في معاداتها للصين، وتأسيس أحلاف عسكرية مناوئة للأخيرة.
وقد وضح ذلك في تصريحات وزير الخارجية الهندي، هارش فاردان شرينغلا، والذي علّق فور الإعلان عن تحالف أوكوس العسكري بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، في أواخر 2021، أنه «ليس له صلة بالتحالف الرباعي، ولن يكون له أي تأثير على عملها»، وقد جاء ذلك التصريح قبل سفر رئيس الوزراء الهندي، مودي، إلى واشنطن لحضور أول قمة له ضمن الكواد، في رسالة صريحة إلى واشنطن بأن نيودلهي لن تكون جزءاً من أي تحالف عسكري مناهض لبكين.

ومن جهة أخرى، فإن قبول الهند بتحويل الكواد إلى تحالف عسكري سوف يعني توسيع اعتمادها على الولايات المتحدة كشريك أمني رئيسي، وهو ما لا يتسق مع السياسة الدفاعية الهندية، إذ لاتزال روسيا هي المصدر الرئيسي للأسلحة إلى الهند. فقد وقع البلدان اتفاقية تعاون دفاعي مدته عشر سنوات (2021 – 2031) بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، خلال القمة السنوية الحادية والعشرين بين الهند وروسيا، والتي عقدت في نيودلهي في ديسمبر 2021.
ولا يقتصر التعاون العسكري بين الهند وروسيا، بل يمتد كذلك إلى الصين، وذلك على الرغم من توتر العلاقات بين بكين ونيودلهي، فقد شاركت كل من الهند والصين مع روسيا في تدريبات عسكرية سنوية، والتي عرفت في نسختها لعام 2022 باسم «فوستوك (الشرق) 2022»، والتي امتدت خلال الفترة من 1 وحتى 7 سبتمبر 2022، وتضمنت تدريبات مشتركة للسفن الحربية في بحر اليابان حاكت التصدي لمجموعة سفن تكتيكية لعدو مفترض، كما حلقت قاذفة استراتيجية بعيدة المدى لساعات في إطار كشف جاهزية وحدات الدفاع الجوي المشاركة في التدريبات.

وتكشف كل هذه المواقف عن رغبة الهند في ضبط خلافاتها مع الصين، ومنعها من التصعيد. ولعل ما يؤكد ذلك، إعلان وزارتا دفاع الهند والصين، في 9 سبتمبر 2022، سحب القوات التابعة لكلا البلدين من منطقة جوجرا هوتسبرينجز، المعروفة في الصين باسم جيانان دابان، والمتنازع عليها بين البلدين، وذلك في محاولة للحد من التوترات على طول الحدود المتنازع عليها في جبال الهيمالايا.
ومن جانب آخر، فإن الهند لاتزال مترددة للغاية في تشكيل تحالف مع الغرب. ففي الواقع، ينظر الكثيرون في الهند إلى الولايات المتحدة على أنها شريك غير موثوق فيه. وتعود جذور هذه الصورة إلى الحرب الباردة في أعقاب التعاون الأمريكي مع باكستان، خصم الهند الإقليمي ونبذ الغرب للهند بعد التجارب النووية التي أجرتها عام 1974.

الخاتمة
يمكن القول إن واشنطن تسعى إلى تطوير تحالفات عسكرية وتقنية تسعى إلى تحجيم الصين وعرقلة محاولتها الرامية إلى تطوير نفسها كقوة عظمى عسكرية وتقنية، خاصة بعدما تمكنت بكين من تحقيق تفوق تكنولوجي واضح في بعض المجالات، مثل إنتاج الصواريخ الفرط صوتية، أو حتى امتلاك القدرة على تطوير رقائق إلكترونية فائقة التطور. ويبدو أن الهند وكوريا الجنوبية تبديان تردداً في الانضمام إلى التحالفات الأمريكية، وذلك ليس فقط بسبب احتفاظهما بعلاقات تجارية قوية مع بكين، ولكن نظراً لأن السياسات الأمريكية تجاه الصين قد لا تؤدي إلى الاستقرار الإقليمي بالضرورة، فهي قد تؤدي إلى رفع التوترات بين دول المنطقة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يتوقع أن تستسلم الولايات المتحدة للتردد الهندي والكوري الجنوبي، وتعمد إلى رفع الضغوط عليهما، خاصة على كوريا الجنوبية، وإن كان تمكن الصين من تطوير رقائق متقدمة يثير التساؤل حول جدوى تحالف «الرقاقة 4».

» د. شادي عبدالوهاب (باحث عسكري واستراتيجي)

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض