كان تصويت البريطانيين على خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي في الثالث والعشرين من يونيو عام 2016 أحد أهم الأحداث الجيوسياسية التي شهدها العالم منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وهدم جدار برلين، في بدايات العقد الأخير من القرن العشرين، لاسيما أنه مثَّل تحولاً جوهرياً في مسيرة الاتحاد الأوروبي، الذي ظل مثالاً ونموذجاً للوحدة الاقتصادية الأكثر نجاحاً منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين حتى أن قرر البريطانيون ترك الاتحاد.
منذ إعلان نتيجة الاستفتاء دخلت بريطانيا في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لإبرام اتفاق شامل يمهد لخروجها بشكل سلس، ومن دون أن يترتب على ذلك خسائر كبيرة للطرفين. وقد توصل الطرفان بالفعل لاتفاق من هذا النوع، وكان الموعد المحدد للخروج وفقاً له، هو 29 مارس 2019، لكن الاتفاق لم يلق قبولاً في البرلمان البريطاني، وهو ما أدى إلى تعثر عملية الخروج، وتأجيل موعد إتمامها مرات عدة، وكان الغرض من ذلك هو اتاحة الفرصة لمزيد من التفاوض بين الطرفين، من أجل تعديل البنود التي كانت تثير حفيظة معارضي الاتفاق داخل البرلمان البريطاني.
لكن مع حلول الساعة 23:00 بتوقيت غرينتش يوم الجمعة، الموافق 31 يناير 2020، غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي رسمياً، وبعد 47 عاماً من عضويتها فيه. وبرغم أن بريطانيا كان أمامها خيارات عديدة بشأن الخروج من الاتحاد، بما يتراوح بين البقاء في الاتحاد الأوروبي، والخروج من دون اتفاق، لكنها اختارات الخيار الأصعب، ففضلت الخروج من دون اتفاق، أو ما يسمى “الخروج الخشن”. ويحمل هذا الأمر الكثير من الدلالات سواءً بالنسبة للاقتصاد البريطاني أو اقتصاد الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو بشكل عام، في ظل العلاقات الاقتصادية القوية بين الطرفين، والتي ستتأثر سلباً بهذا الخروج. فالاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول لبريطانيا، باستحواذه على نحو 45,3% من صادراتها، ونحو 43,3% من وارداتها، وبقيمة إجمالية للتبادل التجاري بينهما تصل إلى 479 مليار دولار سنوياً. ويعني ذلك أن الاتحاد الأوروبي ظل يستحوذ على 44,3% من إجمالي التجارة الخارجية لبريطانيا حتى عام 2016، أي في العام الذي قرر فيه البريطانيون الخروج من الاتحاد في استفتائهم.
ووفق مؤسسة “كيه بي إم جي” الدولية (KPMG)، العاملة في مجال التدقيق والخدمات الضريبية والاستشارات، فنحو 5500 شركة في المملكة المتحدة تمارس أعمالها التجارية في دول الاتحاد الأوروبي؛ وفي المقابل هناك أكثر من 8000 شركة من دول الاتحاد الأوروبي تقوم بالتجارة في المملكة المتحدة. ولذلك فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي له تأثيره السلبي بالتأكيد على الاقتصاد البريطاني، وعلى العلاقات الاقتصادية البريطانية مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ودولة الإمارات العربية المتحدة من بينها. ولمعرفة تلك الآثار فإنه يتعين التفرقة بين مرحلتي تطور مهمتين، أولاهما هي مرحلة ما بعد الاستفتاء، وهي تغطي الفترة المنقضية منذ إعلان نتائج الاستفتاء في عام 2016 حتى الآن، والثانية هي مرحلة ما بعد الخروج، أي منذ نهاية يناير 2020 فصاعداً.
المرحلة الأولى: ما بعد الاستفتاء
• الاقتصاد البريطاني ما بعد الاستفتاء
وضع إعلان نتائج استفتاء عام 2016، نقطة البداية لظهور التداعيات السلبية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على اقتصادها، وكذلك على اقتصاد الاتحاد الأوروبي، والاقتصاد العالمي. فقد شهدت الأسواق المالية الأوروبية تقلبات حادة، وخسرت نحو 3 تريليونات دولار بنهاية اليوم التالي للاستفتاء. كما تراجعت العملة الأوروبية “اليورو” بنسبة 4,5%، وفقد الجنيه الاسترليني نحو 14% من قميته، ما أدى إلى تسجيل العملة البريطانية إلى أدنى مستوى لها خلال 31 عاماً.
كما أدت حالة عدم اليقين بشأن الانفصال إلى تراجع مؤشرات ثقة المستثمرين في مناخ الأعمال البريطاني إلى 95 نقطة فور الإعلان عن نتائج الاستفتاء، كأدنى مستوى منذ عقود. وظل المؤشر أدنى من 100 نقطة في معظم الفترات منذ ذلك الحين حتى الآن، كما أنه سجل 94 نقطة كمستوى متدن جديد في الربع الثالث من عام 2019. وقد انعكست حالة الضبابية التي أحاطت بالاقتصاد البريطاني منذ بداية الحديث عن الانفصال، فظهرت بوادر التباطؤ عليه حتى قبل إجراء الاستفتاء، فتراجع معدل نموه من نحو 2,9% عام 2014، إلى 2,3% عام 2015، ثم إلى 1,8% عام 2016. ثم تواصل تراجعه إلى أن وصل إلى 1,3% عام 2018. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى بلوغه 1,2% عام 2019.
تراجعت مؤشرات الاستثمار في بريطانيا بوضوح، بسبب استفتاء عام 2016، حيث انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردات إليها إلى 91,7 مليار دولار عام 2017، مقارنة مع 192 مليار دولار عام 2016، والمعتمد على بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية بالمملكة المتحدة. فارتفعت تدفقات الاستثمار المباشر الخارجة من بريطانيا إلى 91,4 مليار دولار عام 2017، مقارنة بتدفقات صافية بقيم سالبة في السنوات السابقة، وصلت إلى -27,7 مليار دولار عام 2016.
وهذا التطور المثير للانتباه يشير إلى أن بريطانيا فقدت بعض جاذبيتها للاستثمار لأسباب عدة، ترتبط جميعها بخروجها من الاتحاد الأوروبي، فمن جهة أصبح المستثمرون غير واثقين من قدرة الأسواق البريطانية على استيعاب استثماراتهم، ومن ناحية ثانية، فإنهم باتوا أكثر تفضيلاً للبحث عن أسواق بديلة، تمكنهم من المحافظة على وجودهم داخل الاسواق الاوروبية بعد إتمام عملية الخروج.
• العلاقات الاقتصادية البريطانية الخليجية ما بعد الاستفتاء
انعكست نتائج الاستفتاء على التجارة الخارجية لبريطانيا، ففي عام 2016، الذي أجري فيه الاستفتاء بلغت قيمة التبادل التجاري لبريطانيا مع العالم إلى 1,047,9 مليار دولار، مقارنة مع 1,096,6 مليار دولار عام 2015، بقيمة تراجع مطلقة بلغت 48,7 مليار دولار، وبنسبة تصل إلى 4,4%. وبرغم ارتفاع التبادل التجاري لبريطانيا في عامي 2017 و2018، لكنه ظل أقل من مستواه في عام 2014، الذي بلغ 1,205,4 مليار دولار.
والملاحظ من خلال المؤشرات، هو أن التراجع الذي حدث في إجمالي التجارة الخارجية لبريطانيا بين عامي 2015 و2016، كان سببه الرئيسي هو تراجع قيمة صادرات بريطانيا، بنسبة تصل إلى 11,8% بين العامين، في الوقت الذي استمرت فيه وارداتها في النمو، حيث أنها ارتفعت بنسبة 6,1% في نفس الوقت. ويعود ذلك إلى أن حالة الضبابية التي أثيرت حول مستقبل الاقتصاد البريطاني جعلت الشركاء التجاريين أكثر قلقاً بشأن مستقبل علاقاتهم وتجارتهم مع بريطانيا، الأمر الذي جعلهم أقل إقبالاً على الاستيراد منها، وأكثر تفضيلاً للاستيراد من أسواق بديلة، خشية أن يتسبب خروجها بريطانيا من الاتحاد إلى اختناق أسواقهم بعدم وصول سلعها إليها بعد إتمام الخروج من الإتحاد.
وقد انعكست الآثار السلبية التي ظهرت على الاقتصاد البريطاني في مرحلة ما بعد استفتاء الخروج الأوروبي على العلاقات الاقتصادية لبريطانيا مع دول الخليج العربية، بما فيها دولة الإمارات العربية المتحدة. فبرغم بلوغ التبادل التجاري بين بريطانيا ودول المجلس 28 مليار دولار عام 2018، مرتفعاً عن مستواه البالغ 27,6 مليار دولار عام 2017، لكنه ظل منخفضاً بشكل واضح عن مستواه قبل الاستفتاء. فبينما كانت قيمته تتخطى الـ 30 مليار دولار قبل الاستفتاء، لكنه انخفض إلى أقل من ذلك المستوى في السنوات التالية حتى الآن، كجزءٍ من تراجع التجارة الخارجية لبريطانيا بشكل عام.
وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية بين بريطانيا ودولة الإمارات، فإن تبادلهما التجاري الثنائي تراجع في عام 2016 الذي أجري فيه الاستفتاء إلى 10,5 مليار دولار، منخفضاً من نحو 12,3 مليار دولار عام 2014، و11,7 مليار دولار في عام 2015، وبرغم أنه ارتفع إلى نحو 12,3 مليار دولار عام 2018، لكنه لم يتجاوز مستواه فيما قبل الاستفتاء.
أما بشأن الميزان التجاري بين الطرفين، فإنه يميل دائماً لصالح بريطانيا، التي تحقق فائضاً تجارياً مستمراً تجاه الإمارات، وقد بلغ هذا الفائض نحو 7,9 مليار دولار في عام ٢٠١٨
المرحلة الثانية: ما بعد الخروج
كل ما بدا من مظاهر سلبية على أداء الاقتصاد البريطاني منذ الاستفتاء، حتى نهاية شهر ينانير 2020، لم يكن ناتج عن عوامل وتغيرات حقيقية، بل كان نتاج هواجس وتخوفات لدى المستثمرين والمؤسسات الاقتصادية، بشأن ما يمكن أن يسفر عنه الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي. لكن ما سيطرأ من تغيرات على أداء الاقتصاد البريطاني في المرحلة الثانية، التي انطلقت مطلع فبراير 2020، سيكون ناتج عن عوامل حقيقة، وقواعد جديدة للعلاقات الاقتصادية بين الطرفين.
لكن تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد البريطاني خلال مرحلة ما بعد الخروج تعتمد على ما اتفق عليه الطرفان بشأن كيفية اتمام عملية الخروج، أو بمعنى أدق الخطوات التي سيتم من خلالها انهاء هذا الخروج. وفي هذا السياق، فإن الطرفين اتفقا على أن تكون هناك فترة انتقالية تمتد حتى نهاية شهر ديسمبر 2020، عبر فك الارتباط بين الطرفين، والتفاوض على اتفاق للتجارة الحرة بين الطرفين، وبنهايتها سيكون قد تم الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.
وبهذا المعنى، يمكن القول إن بريطانيا مازالت عملياً -حتى الآن- جزءاً من الاتحاد الأوروبي، وأنه خلال عام 2020 لن يتغير شيء فيما يتعلق بعلاقاتها الاقتصادية مع دول الاتحاد. لكن نهاية شهر ديسمبر المقبل ستكون هي المحطة الأكثر أهمية في تاريخ تلك العلاقات. فبحلول ذلك التاريخ إما أن يكون الطرفان قد أبرما اتفاقاً للتجارة الحرة بينهما، يكون هو الأساس لعلاقاتهما الاقتصادية المستقبلية؛ وإما أن تنتهي الفترة الانتقالية بدون إبرام الاتفاق المزمع. وهذا الأمر مرجح بكل كبير، سيما وأن الاتحاد الأوروبي سيكون أكثر تشدداً مع بريطانيا، مادامت أنها أصرت على الخروج قبل إبرام الاتفاق، وهذا ما أكدته رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لين، في وقت سابق، بقولها إنه “من المستحيل إبرام الطرفين اتفاقاً بهذه الكيفية، في حال قررت بريطانيا الخروج”. يأتي ذلك على الرغم من أن المفوضية الأوربية قد اتخذت خطوات عملية، عبر توصيتها – في الثالث من فبراير 2020- لمجلس الاتحاد باستئناف التفاوض مع بريطانيا على الخطوات المقبلة
وبالتالي، يتبقى أمام بريطانيا في هذه الحالة خياران، فإما أن تطلب من الاتحاد تمديد الفترة الانتقالية لمواصلة التفاوض، وإما أن تضطر لترك الاتحاد بدون اتفاق، لتخضع سلعها ومنتجاتها – في حينه – للقواعد الجمركية وغير الجمركية التي تخضع إليها سلع ومنتجات الدول التي لا يربطها بالاتحاد أي اتفاقيات تجارية. وإذا حدث ذلك، فإنه سيكون نقطة تحول بالنسبة للاقتصاد البريطاني. ويتطابق ذلك مع تحذيرات بنك إنجلترا (البنك المركزي للملكة المتحدة)، بقوله “إن وصول بريطانيا إلى أسواق الاتحاد الأوروبي يمكن أن يقل بشكل جوهري بعد خروجها من الاتحاد، وسيضر ذلك بالنمو الاقتصادي خلال فترة طويلة”. وهو أمر منطقي في ظل ما يعنيه الخروج قبل التوصل لاتفاق تجارة حرة بين الطرفين، كما حدث، حيث يعني ذلك أن بريطانيا ستترك الوحدة الجمركية الأوروبية والسوق الأوروبية الموحدة، التي تضم دول الاتحاد المتبقية البالغ عددها 27 دولة، بجانب آيسلندا والنرويج وليشتنشتاين وسويسرا، وسيفضي ذلك إلى خسارة المنتجات، وكذلك الشركات، البريطانية، سوقاً يقدر حجم سكانه بنحو 446 مليون نسمة، وهي تعد ثالث أكبر سوق في العالم بعد الصين والهند.
وعلى اعتبار أن بريطانيا ستظل خلال المرحلة الانتقالية متمتعة بمزايا البقاء ضمن “الاتحاد الجمركي” مع الاتحاد الأوروبي، والتمتع بالتجارة معه دون رسوم جمركية على الواردات. والوصول الكامل لرأس المال في الأسواق الأوروبية، وكذلك مواصلة البريطانيين الذين يعملون ويقيمون في دول الاتحاد، البالغ عددهم 1,3 مليون شخص، عملهم والبقاء في مواقع إقامتهم، وكذلك الاحتفاظ بالأوروبيين الذين يعملون ويقيمون في بريطانيا، البالغ عددهم 3 ملايين شخص كما هم، فإن انقضاء الفترة الانتقالية وعدم التوصل لاتفاق مع يتعلق بالتجارة الحرة مع الاتحاد سيعني حرمانها من تلك المزايا، بداية من مطلع يناير 2021. ومن شأن هذا الأمر أن يؤدي إلى انكماش الاقتصاد البريطاني بنسبة تصل إلى 8% خلال السنوات الثلاث الأولى بعد الخروج، وفق تقديرات بنك انجلترا. وسيعني أيضاً حدوث ارتفاع ملحوظ في معدلات البطالة في بريطانيا.
كما ستفقد بريطانيا موقعها كمركز مالي رئيسي بالنسبة للاقتصادات الأوروبية، ويتوقع تراجع تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليها إلى نحو 25 مليار دولار بحلول عام 2022، مقارنة بنحو 192 مليار دولار سنوياً قبيل إجراء الاستفتاء، وهو ما من شأنه أن يفقدها كذلك مكانتها باعتبارها الوجهة الرئيسية للاستثمار الأجنبي في أوروبا لصالح دول أوروبية أخرى في الاتحاد، كألمانيا وفرنسا. كما يتوقع أن تتراجع قيم الأصول البريطانية (كالمنازل والعقارات التجارية والأسهم وغيرها)، بنسبة تتراوح بين 20% و30%، وأن يفقد الجنيه الإسترليني نحو 5% من قيمته في أول عامين بعد الخروج.
العلاقات الاقتصادية بين بريطانيا ودول الخليج ما بعد الخروج
ستكون بريطانيا عقب خروجها من الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع باقي دول العالم، بما فيها دول الخليج العربية، ووفق صحيفة فايننشال تايمز، فإن بريطانيا تمتلك الفرصة لإبرام أكثر من 750 معاهدة واتفاقية شاملة، مع 168 دول خارج القارة الأوروبية، ومن بين هذه الاتفاقيات بطبيعة الحال يحوذ الشق الاقتصادي على الجانب الأكبر، لاسيما وأن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي كانت تحرمها من التفاوض مع أطراف من خارج الاتحاد بشأن الاتفاقات التجارية بشكل خاص. وذلك فإن بريطانيا ستسعى بعد خروجها من الاتحاد، وبخاصة بداية من عام 2021، بعد انقضاء الفترة الانتقالية، إلى الاستفادة من تلك الفرص، لتعويض التراجع في علاقاتها الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي، وستجد بريطانيا في دول المجلس عاملاً مساعداً لها في تحقيق ذلك، نظراً لدورها الاقتصادي وإمكاناتها وفرص نموها الواعد مستقبلاً، بجانب الإمكانات المالية الكبيرة لها.
لكن الصعوبات الاقتصادية التي ستواجهها بريطانيا بخروجها من الاتحاد الأوروبي يتوقع أن تبقى جاسمة على علاقاتها التجارية مع دول مجلس التعاون، بما فيها الإمارات، والتي لا يتوقع أن تشهد أي نمو يذكر في هذا الإطار، ولاسيما في السنوات الأولى، بسبب حالة الانكماش التي سيتعرض لها الاقتصاد البريطاني على المستوى الكلي، بل إن السنوات الأولى قد تشهد تراجعاً صافياً في التبادل التجاري بين الجانبين.
وبالتزامن مع ذلك، وفيما تيعلق بالعلاقات الاستثمارية بين الجانبين، فبينما ستتسعى بريطانيا إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في منطقة الخليج العربية، كما أعلنت فور إجراء الاستفتاء عام 2016، بتأكيدها عزمها ضخ نحو 37,6 مليار دولار من الاستثمارات في 15 قطاعاً اقتصادياً خليجياً خلال الخمس سنوات المقبلة، لكن الآثار السلبية لخروجها من الاتحاد، ستقف في وجه مساعيها تلك، لاسيما أن الشركات البريطانية ستكون مجبرة على استعادة جزء من استثماراتها الخارجية إلى أراضي الوطن، لتعويض انسحاب الاستثمارات الأوروبية من هناك. ولذلك، لا يتوقع أن تشهد الاستثمارات البريطانية في دول الخليج العربية ارتفاعاً ملحوظاً عن مستواها البالغ نحو 25,6 مليار دولار حالياً، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على استثماراتها في الإمارات، البالغة نحو 19,8 مليار دولار.
وفي المقابل، فمن المتوقع أن يتسبب شره الأسواق البريطانية للاستثمارات الأجنبية، تعويضاً لخروج الاستثمارات الأوروبية، في ارتفاع الاستثمارات الخليجية هناك، والتي يبلغ مستواها الحالي نحو 130 مليار دولار، وفق بيانات اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي.
علي أبوالخير باحث متخصص في الاقتصاد الدولي