تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على دول الخليج العربية (1)

خروج‭ ‬بريطانيا من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬وتأثيره‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج

كان‭ ‬تصويت‭ ‬البريطانيين‭ ‬على‭ ‬خروج‭ ‬بلادهم‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬الثالث‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الأحداث‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬وهدم‭ ‬جدار‭ ‬برلين،‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬العقد‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬لاسيما‭ ‬أنه‭ ‬مثَّل‭ ‬تحولاً‭ ‬جوهرياً‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬مثالاً‭ ‬ونموذجاً‭ ‬للوحدة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الأكثر‭ ‬نجاحاً‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬قرر‭ ‬البريطانيون‭ ‬ترك‭ ‬الاتحاد‭.‬

منذ‭ ‬إعلان‭ ‬نتيجة‭ ‬الاستفتاء‭ ‬دخلت‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬لإبرام‭ ‬اتفاق‭ ‬شامل‭ ‬يمهد‭ ‬لخروجها‭ ‬بشكل‭ ‬سلس،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬خسائر‭ ‬كبيرة‭ ‬للطرفين‭. ‬وقد‭ ‬توصل‭ ‬الطرفان‭ ‬بالفعل‭ ‬لاتفاق‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع،‭ ‬وكان‭ ‬الموعد‭ ‬المحدد‭ ‬للخروج‭ ‬وفقاً‭ ‬له،‭ ‬هو‭ ‬29‭ ‬مارس‭ ‬2019،‭ ‬لكن‭ ‬الاتفاق‭ ‬لم‭ ‬يلق‭ ‬قبولاً‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬البريطاني،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تعثر‭ ‬عملية‭ ‬الخروج،‭ ‬وتأجيل‭ ‬موعد‭ ‬إتمامها‭ ‬مرات‭ ‬عدة،‭ ‬وكان‭ ‬الغرض‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬اتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التفاوض‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تعديل‭ ‬البنود‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تثير‭ ‬حفيظة‭ ‬معارضي‭ ‬الاتفاق‭ ‬داخل‭ ‬البرلمان‭ ‬البريطاني‭.‬
لكن‭ ‬مع‭ ‬حلول‭ ‬الساعة‭ ‬23‭:‬00‭ ‬بتوقيت‭ ‬غرينتش‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة،‭ ‬الموافق‭ ‬31‭ ‬يناير‭ ‬2020،‭ ‬غادرت‭ ‬بريطانيا‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬رسمياً،‭ ‬وبعد‭ ‬47‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬عضويتها‭ ‬فيه‭. ‬وبرغم‭ ‬أن‭ ‬بريطانيا‭ ‬كان‭ ‬أمامها‭ ‬خيارات‭ ‬عديدة‭ ‬بشأن‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الاتحاد،‭ ‬بما‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اتفاق،‭ ‬لكنها‭ ‬اختارات‭ ‬الخيار‭ ‬الأصعب،‭ ‬ففضلت‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اتفاق،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ “‬الخروج‭ ‬الخشن‭”. ‬ويحمل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدلالات‭ ‬سواءً‭ ‬بالنسبة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬البريطاني‭ ‬أو‭ ‬اقتصاد‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ومنطقة‭ ‬اليورو‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬القوية‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬والتي‭ ‬ستتأثر‭ ‬سلباً‭ ‬بهذا‭ ‬الخروج‭. ‬فالاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬هو‭ ‬الشريك‭ ‬التجاري‭ ‬الأول‭ ‬لبريطانيا،‭ ‬باستحواذه‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬45‭,‬3‭% ‬من‭ ‬صادراتها،‭ ‬ونحو‭ ‬43‭,‬3‭% ‬من‭ ‬وارداتها،‭ ‬وبقيمة‭ ‬إجمالية‭ ‬للتبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بينهما‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬479‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬سنوياً‭. ‬ويعني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ظل‭ ‬يستحوذ‭ ‬على‭ ‬44‭,‬3‭% ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬التجارة‭ ‬الخارجية‭ ‬لبريطانيا‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬قرر‭ ‬فيه‭ ‬البريطانيون‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬في‭ ‬استفتائهم‭.‬
ووفق‭ ‬مؤسسة‭ “‬كيه‭ ‬بي‭ ‬إم‭ ‬جي‭” ‬الدولية‭ (‬KPMG‭)‬،‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التدقيق‭ ‬والخدمات‭ ‬الضريبية‭ ‬والاستشارات،‭ ‬فنحو‭ ‬5500‭ ‬شركة‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬تمارس‭ ‬أعمالها‭ ‬التجارية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي؛‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬8000‭ ‬شركة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬تقوم‭ ‬بالتجارة‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭. ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬خروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬له‭ ‬تأثيره‭ ‬السلبي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البريطاني،‭ ‬وعلى‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬البريطانية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية،‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬بينها‭. ‬ولمعرفة‭ ‬تلك‭ ‬الآثار‭ ‬فإنه‭ ‬يتعين‭ ‬التفرقة‭ ‬بين‭ ‬مرحلتي‭ ‬تطور‭ ‬مهمتين،‭ ‬أولاهما‭ ‬هي‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستفتاء،‭ ‬وهي‭ ‬تغطي‭ ‬الفترة‭ ‬المنقضية‭ ‬منذ‭ ‬إعلان‭ ‬نتائج‭ ‬الاستفتاء‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬والثانية‭ ‬هي‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الخروج،‭ ‬أي‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬يناير‭ ‬2020‭ ‬فصاعداً‭.‬
المرحلة‭ ‬الأولى‭: ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستفتاء
•‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البريطاني‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستفتاء
وضع‭ ‬إعلان‭ ‬نتائج‭ ‬استفتاء‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬نقطة‭ ‬البداية‭ ‬لظهور‭ ‬التداعيات‭ ‬السلبية‭ ‬لخروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬على‭ ‬اقتصادها،‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬اقتصاد‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬والاقتصاد‭ ‬العالمي‭. ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬الأسواق‭ ‬المالية‭ ‬الأوروبية‭ ‬تقلبات‭ ‬حادة،‭ ‬وخسرت‭ ‬نحو‭ ‬3‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار‭ ‬بنهاية‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬للاستفتاء‭. ‬كما‭ ‬تراجعت‭ ‬العملة‭ ‬الأوروبية‭ “‬اليورو‭” ‬بنسبة‭ ‬4‭,‬5‭%‬،‭ ‬وفقد‭ ‬الجنيه‭ ‬الاسترليني‭ ‬نحو‭ ‬14‭% ‬من‭ ‬قميته،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تسجيل‭ ‬العملة‭ ‬البريطانية‭ ‬إلى‭ ‬أدنى‭ ‬مستوى‭ ‬لها‭ ‬خلال‭ ‬31‭ ‬عاماً‭.‬
كما‭ ‬أدت‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬بشأن‭ ‬الانفصال‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬مؤشرات‭ ‬ثقة‭ ‬المستثمرين‭ ‬في‭ ‬مناخ‭ ‬الأعمال‭ ‬البريطاني‭ ‬إلى‭ ‬95‭ ‬نقطة‭ ‬فور‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬نتائج‭ ‬الاستفتاء،‭ ‬كأدنى‭ ‬مستوى‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭. ‬وظل‭ ‬المؤشر‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الفترات‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬سجل‭ ‬94‭ ‬نقطة‭ ‬كمستوى‭ ‬متدن‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2019‭. ‬وقد‭ ‬انعكست‭ ‬حالة‭ ‬الضبابية‭ ‬التي‭ ‬أحاطت‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬البريطاني‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الانفصال،‭ ‬فظهرت‭ ‬بوادر‭ ‬التباطؤ‭ ‬عليه‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬إجراء‭ ‬الاستفتاء،‭ ‬فتراجع‭ ‬معدل‭ ‬نموه‭ ‬من‭ ‬نحو‭ ‬2‭,‬9‭% ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬إلى‭ ‬2‭,‬3‭% ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬1‭,‬8‭% ‬عام‭ ‬2016‭.‬‭ ‬ثم‭ ‬تواصل‭ ‬تراجعه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬1‭,‬3‭% ‬عام‭ ‬2018‭. ‬وتشير‭ ‬تقديرات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬بلوغه‭ ‬1‭,‬2‭% ‬عام‭ ‬2019‭.‬
تراجعت‭ ‬مؤشرات‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬بوضوح،‭ ‬بسبب‭ ‬استفتاء‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬حيث‭ ‬انخفضت‭ ‬تدفقات‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬المباشر‭ ‬الواردات‭ ‬إليها‭ ‬إلى‭ ‬91,7‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬192‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬والمعتمد‭ ‬على‭ ‬بيانات‭ ‬مكتب‭ ‬الإحصاءات‭ ‬الوطنية‭ ‬بالمملكة‭ ‬المتحدة‭. ‬فارتفعت‭ ‬تدفقات‭ ‬الاستثمار‭ ‬المباشر‭ ‬الخارجة‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬إلى‭ ‬91‭,‬4‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬مقارنة‭ ‬بتدفقات‭ ‬صافية‭ ‬بقيم‭ ‬سالبة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬السابقة،‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ -‬27‭,‬7‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬عام‭ ‬2016‭. ‬
وهذا‭ ‬التطور‭ ‬المثير‭ ‬للانتباه‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بريطانيا‭ ‬فقدت‭ ‬بعض‭ ‬جاذبيتها‭ ‬للاستثمار‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة،‭ ‬ترتبط‭ ‬جميعها‭ ‬بخروجها‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬فمن‭ ‬جهة‭ ‬أصبح‭ ‬المستثمرون‭ ‬غير‭ ‬واثقين‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الأسواق‭ ‬البريطانية‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬استثماراتهم،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية،‭ ‬فإنهم‭ ‬باتوا‭ ‬أكثر‭ ‬تفضيلاً‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬أسواق‭ ‬بديلة،‭ ‬تمكنهم‭ ‬من‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬وجودهم‭ ‬داخل‭ ‬الاسواق‭ ‬الاوروبية‭ ‬بعد‭ ‬إتمام‭ ‬عملية‭ ‬الخروج‭.‬
•‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬البريطانية‭ ‬الخليجية‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الاستفتاء
انعكست‭ ‬نتائج‭ ‬الاستفتاء‭ ‬على‭ ‬التجارة‭ ‬الخارجية‭ ‬لبريطانيا،‭ ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬الذي‭ ‬أجري‭ ‬فيه‭ ‬الاستفتاء‭ ‬بلغت‭ ‬قيمة‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬لبريطانيا‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬1‭,‬047‭,‬9‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬1‭,‬096‭,‬6‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬بقيمة‭ ‬تراجع‭ ‬مطلقة‭ ‬بلغت‭ ‬48‭,‬7‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وبنسبة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬4‭,‬4‭%. ‬وبرغم‭ ‬ارتفاع‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬لبريطانيا‭ ‬في‭ ‬عامي‭ ‬2017‭ ‬و2018،‭ ‬لكنه‭ ‬ظل‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬مستواه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬الذي‭ ‬بلغ‭ ‬1‭,‬205‭,‬4‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬
والملاحظ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المؤشرات،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬التراجع‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬إجمالي‭ ‬التجارة‭ ‬الخارجية‭ ‬لبريطانيا‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2015‭ ‬و2016،‭ ‬كان‭ ‬سببه‭ ‬الرئيسي‭ ‬هو‭ ‬تراجع‭ ‬قيمة‭ ‬صادرات‭ ‬بريطانيا،‭ ‬بنسبة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬11‭,‬8‭% ‬بين‭ ‬العامين،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬استمرت‭ ‬فيه‭ ‬وارداتها‭ ‬في‭ ‬النمو،‭ ‬حيث‭ ‬أنها‭ ‬ارتفعت‭ ‬بنسبة‭ ‬6‭,‬1%‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭. ‬ويعود‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حالة‭ ‬الضبابية‭ ‬التي‭ ‬أثيرت‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البريطاني‭ ‬جعلت‭ ‬الشركاء‭ ‬التجاريين‭ ‬أكثر‭ ‬قلقاً‭ ‬بشأن‭ ‬مستقبل‭ ‬علاقاتهم‭ ‬وتجارتهم‭ ‬مع‭ ‬بريطانيا،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعلهم‭ ‬أقل‭ ‬إقبالاً‭ ‬على‭ ‬الاستيراد‭ ‬منها،‭ ‬وأكثر‭ ‬تفضيلاً‭ ‬للاستيراد‭ ‬من‭ ‬أسواق‭ ‬بديلة،‭ ‬خشية‭ ‬أن‭ ‬يتسبب‭ ‬خروجها‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬إلى‭ ‬اختناق‭ ‬أسواقهم‭ ‬بعدم‭ ‬وصول‭ ‬سلعها‭ ‬إليها‭ ‬بعد‭ ‬إتمام‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الإتحاد‭.‬
وقد‭ ‬انعكست‭ ‬الآثار‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬استفتاء‭ ‬الخروج‭ ‬الأوروبي‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لبريطانيا‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭. ‬فبرغم‭ ‬بلوغ‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬بريطانيا‭ ‬ودول‭ ‬المجلس‭ ‬28‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬مرتفعاً‭ ‬عن‭ ‬مستواه‭ ‬البالغ‭ ‬27‭,‬6‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬عام‭ ‬2017،‭ ‬لكنه‭ ‬ظل‭ ‬منخفضاً‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬عن‭ ‬مستواه‭ ‬قبل‭ ‬الاستفتاء‭. ‬فبينما‭ ‬كانت‭ ‬قيمته‭ ‬تتخطى‭ ‬الـ‭ ‬30‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬قبل‭ ‬الاستفتاء،‭ ‬لكنه‭ ‬انخفض‭ ‬إلى‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬المستوى‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬التالية‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬كجزءٍ‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬التجارة‭ ‬الخارجية‭ ‬لبريطانيا‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭.‬
وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬بريطانيا‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات،‭ ‬فإن‭ ‬تبادلهما‭ ‬التجاري‭ ‬الثنائي‭ ‬تراجع‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬الذي‭ ‬أجري‭ ‬فيه‭ ‬الاستفتاء‭ ‬إلى‭ ‬10‭,‬5‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬منخفضاً‭ ‬من‭ ‬نحو‭ ‬12‭,‬3‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬و11‭,‬7‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬وبرغم‭ ‬أنه‭ ‬ارتفع‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬12‭,‬3‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬مستواه‭ ‬فيما‭ ‬قبل‭ ‬الاستفتاء‭. ‬
أما‭ ‬بشأن‭ ‬الميزان‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬فإنه‭ ‬يميل‭ ‬دائماً‭ ‬لصالح‭ ‬بريطانيا،‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬فائضاً‭ ‬تجارياً‭ ‬مستمراً‭ ‬تجاه‭ ‬الإمارات،‭ ‬وقد‭ ‬بلغ‭ ‬هذا‭ ‬الفائض‭ ‬نحو‭ ‬7‭,‬9‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬‮٢٠١٨‬
المرحلة‭ ‬الثانية‭: ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الخروج
كل‭ ‬ما‭ ‬بدا‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البريطاني‭ ‬منذ‭ ‬الاستفتاء،‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬ينانير‭ ‬2020،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ناتج‭ ‬عن‭ ‬عوامل‭ ‬وتغيرات‭ ‬حقيقية،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬نتاج‭ ‬هواجس‭ ‬وتخوفات‭ ‬لدى‭ ‬المستثمرين‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسفر‭ ‬عنه‭ ‬الخروج‭ ‬البريطاني‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬سيطرأ‭ ‬من‭ ‬تغيرات‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية،‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬مطلع‭ ‬فبراير‭ ‬2020،‭ ‬سيكون‭ ‬ناتج‭ ‬عن‭ ‬عوامل‭ ‬حقيقة،‭ ‬وقواعد‭ ‬جديدة‭ ‬للعلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭.‬
لكن‭ ‬تداعيات‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البريطاني‭ ‬خلال‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الخروج‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬اتفق‭ ‬عليه‭ ‬الطرفان‭ ‬بشأن‭ ‬كيفية‭ ‬اتمام‭ ‬عملية‭ ‬الخروج،‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬أدق‭ ‬الخطوات‭ ‬التي‭ ‬سيتم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬انهاء‭ ‬هذا‭ ‬الخروج‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬فإن‭ ‬الطرفين‭ ‬اتفقا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬فترة‭ ‬انتقالية‭ ‬تمتد‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬2020،‭ ‬عبر‭ ‬فك‭ ‬الارتباط‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬والتفاوض‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬للتجارة‭ ‬الحرة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬وبنهايتها‭ ‬سيكون‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬الخروج‭ ‬البريطاني‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬
وبهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬بريطانيا‭ ‬مازالت‭ ‬عملياً‭ -‬حتى‭ ‬الآن‭- ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وأنه‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬لن‭ ‬يتغير‭ ‬شيء‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بعلاقاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭. ‬لكن‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬المقبل‭ ‬ستكون‭ ‬هي‭ ‬المحطة‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات‭. ‬فبحلول‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الطرفان‭ ‬قد‭ ‬أبرما‭ ‬اتفاقاً‭ ‬للتجارة‭ ‬الحرة‭ ‬بينهما،‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬الأساس‭ ‬لعلاقاتهما‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المستقبلية؛‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬الفترة‭ ‬الانتقالية‭ ‬بدون‭ ‬إبرام‭ ‬الاتفاق‭ ‬المزمع‭. ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬مرجح‭ ‬بكل‭ ‬كبير،‭ ‬سيما‭ ‬وأن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬سيكون‭ ‬أكثر‭ ‬تشدداً‭ ‬مع‭ ‬بريطانيا،‭ ‬مادامت‭ ‬أنها‭ ‬أصرت‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬قبل‭ ‬إبرام‭ ‬الاتفاق،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكدته‭ ‬رئيسة‭ ‬المفوضية‭ ‬الأوروبية،‭ ‬أورسولا‭ ‬فون‭ ‬دير‭ ‬لين،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق،‭ ‬بقولها‭ ‬إنه‭ “‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬إبرام‭ ‬الطرفين‭ ‬اتفاقاً‭ ‬بهذه‭ ‬الكيفية،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬قررت‭ ‬بريطانيا‭ ‬الخروج‭”. ‬يأتي‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المفوضية‭ ‬الأوربية‭ ‬قد‭ ‬اتخذت‭ ‬خطوات‭ ‬عملية،‭ ‬عبر‭ ‬توصيتها‭ – ‬في‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬2020‭- ‬لمجلس‭ ‬الاتحاد‭ ‬باستئناف‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬بريطانيا‭ ‬على‭ ‬الخطوات‭ ‬المقبلة
وبالتالي،‭ ‬يتبقى‭ ‬أمام‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬خياران،‭ ‬فإما‭ ‬أن‭ ‬تطلب‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬تمديد‭ ‬الفترة‭ ‬الانتقالية‭ ‬لمواصلة‭ ‬التفاوض،‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬تضطر‭ ‬لترك‭ ‬الاتحاد‭ ‬بدون‭ ‬اتفاق،‭ ‬لتخضع‭ ‬سلعها‭ ‬ومنتجاتها‭ – ‬في‭ ‬حينه‭ – ‬للقواعد‭ ‬الجمركية‭ ‬وغير‭ ‬الجمركية‭ ‬التي‭ ‬تخضع‭ ‬إليها‭ ‬سلع‭ ‬ومنتجات‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يربطها‭ ‬بالاتحاد‭ ‬أي‭ ‬اتفاقيات‭ ‬تجارية‭. ‬وإذا‭ ‬حدث‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬سيكون‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬بالنسبة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬البريطاني‭. ‬ويتطابق‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬تحذيرات‭ ‬بنك‭ ‬إنجلترا‭ (‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬للملكة‭ ‬المتحدة‭)‬،‭ ‬بقوله‭ “‬إن‭ ‬وصول‭ ‬بريطانيا‭ ‬إلى‭ ‬أسواق‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقل‭ ‬بشكل‭ ‬جوهري‭ ‬بعد‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وسيضر‭ ‬ذلك‭ ‬بالنمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭”. ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬منطقي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬الخروج‭ ‬قبل‭ ‬التوصل‭ ‬لاتفاق‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬كما‭ ‬حدث،‭ ‬حيث‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬بريطانيا‭ ‬ستترك‭ ‬الوحدة‭ ‬الجمركية‭ ‬الأوروبية‭ ‬والسوق‭ ‬الأوروبية‭ ‬الموحدة،‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬المتبقية‭ ‬البالغ‭ ‬عددها‭ ‬27‭ ‬دولة،‭ ‬بجانب‭ ‬آيسلندا‭ ‬والنرويج‭ ‬وليشتنشتاين‭ ‬وسويسرا،‭ ‬وسيفضي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬خسارة‭ ‬المنتجات،‭ ‬وكذلك‭ ‬الشركات،‭ ‬البريطانية،‭ ‬سوقاً‭ ‬يقدر‭ ‬حجم‭ ‬سكانه‭ ‬بنحو‭ ‬446‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬وهي‭ ‬تعد‭ ‬ثالث‭ ‬أكبر‭ ‬سوق‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬الصين‭ ‬والهند‭.‬
وعلى‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬بريطانيا‭ ‬ستظل‭ ‬خلال‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬متمتعة‭ ‬بمزايا‭ ‬البقاء‭ ‬ضمن‭ “‬الاتحاد‭ ‬الجمركي‭” ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬والتمتع‭ ‬بالتجارة‭ ‬معه‭ ‬دون‭ ‬رسوم‭ ‬جمركية‭ ‬على‭ ‬الواردات‭. ‬والوصول‭ ‬الكامل‭ ‬لرأس‭ ‬المال‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وكذلك‭ ‬مواصلة‭ ‬البريطانيين‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬ويقيمون‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد،‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬1‭,‬3‭ ‬مليون‭ ‬شخص،‭ ‬عملهم‭ ‬والبقاء‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬إقامتهم،‭ ‬وكذلك‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بالأوروبيين‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬ويقيمون‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬3‭ ‬ملايين‭ ‬شخص‭ ‬كما‭ ‬هم،‭ ‬فإن‭ ‬انقضاء‭ ‬الفترة‭ ‬الانتقالية‭ ‬وعدم‭ ‬التوصل‭ ‬لاتفاق‭ ‬مع‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتجارة‭ ‬الحرة‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬سيعني‭ ‬حرمانها‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المزايا،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬مطلع‭ ‬يناير‭ ‬2021‭. ‬ومن‭ ‬شأن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انكماش‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البريطاني‭ ‬بنسبة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬8‭% ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الثلاث‭ ‬الأولى‭ ‬بعد‭ ‬الخروج،‭ ‬وفق‭ ‬تقديرات‭ ‬بنك‭ ‬انجلترا‭. ‬وسيعني‭ ‬أيضاً‭ ‬حدوث‭ ‬ارتفاع‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭.‬
كما‭ ‬ستفقد‭ ‬بريطانيا‭ ‬موقعها‭ ‬كمركز‭ ‬مالي‭ ‬رئيسي‭ ‬بالنسبة‭ ‬للاقتصادات‭ ‬الأوروبية،‭ ‬ويتوقع‭ ‬تراجع‭ ‬تدفقات‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة‭ ‬إليها‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬25‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬مقارنة‭ ‬بنحو‭ ‬192‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬سنوياً‭ ‬قبيل‭ ‬إجراء‭ ‬الاستفتاء،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يفقدها‭ ‬كذلك‭ ‬مكانتها‭ ‬باعتبارها‭ ‬الوجهة‭ ‬الرئيسية‭ ‬للاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬لصالح‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الاتحاد،‭ ‬كألمانيا‭ ‬وفرنسا‭. ‬كما‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تتراجع‭ ‬قيم‭ ‬الأصول‭ ‬البريطانية‭ (‬كالمنازل‭ ‬والعقارات‭ ‬التجارية‭ ‬والأسهم‭ ‬وغيرها‭)‬،‭ ‬بنسبة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬20‭% ‬و30‭%‬،‭ ‬وأن‭ ‬يفقد‭ ‬الجنيه‭ ‬الإسترليني‭ ‬نحو‭ ‬5‭% ‬من‭ ‬قيمته‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬عامين‭ ‬بعد‭ ‬الخروج‭.‬
العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬بريطانيا‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الخروج
ستكون‭ ‬بريطانيا‭ ‬عقب‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬علاقاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬باقي‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية،‭ ‬ووفق‭ ‬صحيفة‭ ‬فايننشال‭ ‬تايمز،‭ ‬فإن‭ ‬بريطانيا‭ ‬تمتلك‭ ‬الفرصة‭ ‬لإبرام‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬750‭ ‬معاهدة‭ ‬واتفاقية‭ ‬شاملة،‭ ‬مع‭ ‬168‭ ‬دول‭ ‬خارج‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬يحوذ‭ ‬الشق‭ ‬الاقتصادي‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الأكبر،‭ ‬لاسيما‭ ‬وأن‭ ‬عضوية‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬كانت‭ ‬تحرمها‭ ‬من‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬أطراف‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الاتحاد‭ ‬بشأن‭ ‬الاتفاقات‭ ‬التجارية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭. ‬وذلك‭ ‬فإن‭ ‬بريطانيا‭ ‬ستسعى‭ ‬بعد‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وبخاصة‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬بعد‭ ‬انقضاء‭ ‬الفترة‭ ‬الانتقالية،‭ ‬إلى‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الفرص،‭ ‬لتعويض‭ ‬التراجع‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وستجد‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬عاملاً‭ ‬مساعداً‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك،‭ ‬نظراً‭ ‬لدورها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وإمكاناتها‭ ‬وفرص‭ ‬نموها‭ ‬الواعد‭ ‬مستقبلاً،‭ ‬بجانب‭ ‬الإمكانات‭ ‬المالية‭ ‬الكبيرة‭ ‬لها‭.‬
لكن‭ ‬الصعوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬ستواجهها‭ ‬بريطانيا‭ ‬بخروجها‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬جاسمة‭ ‬على‭ ‬علاقاتها‭ ‬التجارية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الإمارات،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬أي‭ ‬نمو‭ ‬يذكر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى،‭ ‬بسبب‭ ‬حالة‭ ‬الانكماش‭ ‬التي‭ ‬سيتعرض‭ ‬لها‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البريطاني‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الكلي،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬قد‭ ‬تشهد‭ ‬تراجعاً‭ ‬صافياً‭ ‬في‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭.‬
وبالتزامن‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬وفيما‭ ‬تيعلق‭ ‬بالعلاقات‭ ‬الاستثمارية‭ ‬بين‭ ‬الجانبين،‭ ‬فبينما‭ ‬ستتسعى‭ ‬بريطانيا‭ ‬إلى‭ ‬ضخ‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربية،‭ ‬كما‭ ‬أعلنت‭ ‬فور‭ ‬إجراء‭ ‬الاستفتاء‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬بتأكيدها‭ ‬عزمها‭ ‬ضخ‭ ‬نحو‭ ‬37‭,‬6‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬قطاعاً‭ ‬اقتصادياً‭ ‬خليجياً‭ ‬خلال‭ ‬الخمس‭ ‬سنوات‭ ‬المقبلة،‭ ‬لكن‭ ‬الآثار‭ ‬السلبية‭ ‬لخروجها‭ ‬من‭ ‬الاتحاد،‭ ‬ستقف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬مساعيها‭ ‬تلك،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬الشركات‭ ‬البريطانية‭ ‬ستكون‭ ‬مجبرة‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬استثماراتها‭ ‬الخارجية‭ ‬إلى‭ ‬أراضي‭ ‬الوطن،‭ ‬لتعويض‭ ‬انسحاب‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأوروبية‭ ‬من‭ ‬هناك‭. ‬ولذلك،‭ ‬لا‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬الاستثمارات‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬ارتفاعاً‭ ‬ملحوظاً‭ ‬عن‭ ‬مستواها‭ ‬البالغ‭ ‬نحو‭ ‬25‭,‬6‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬حالياً،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬ينطبق‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬استثماراتها‭ ‬في‭ ‬الإمارات،‭ ‬البالغة‭ ‬نحو‭ ‬19‭,‬8‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬
وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬فمن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتسبب‭ ‬شره‭ ‬الأسواق‭ ‬البريطانية‭ ‬للاستثمارات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬تعويضاً‭ ‬لخروج‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأوروبية،‭ ‬في‭ ‬ارتفاع‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬هناك،‭ ‬والتي‭ ‬يبلغ‭ ‬مستواها‭ ‬الحالي‭ ‬نحو‭ ‬130‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وفق‭ ‬بيانات‭ ‬اتحاد‭ ‬غرف‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭. ‬

علي‭ ‬أبوالخير  ‬باحث‭ ‬متخصص‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الدولي

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض