يعيش العالم في الوقت الراهن على وقع سباق تسلح هائل على الصعيدين الكمي والنوعي، نظراً لتسارع التهديدات والمخاطر الأمنية التي تؤثر على مستقبل القوى العظمى ومصالحها، لذلك تتنافس شركات التصنيع العسكري على تصنيع أسلحة فتاكة وبناء أنظمة دفاعية متطورة.
انتشرت في الآونة الأخيرة تقارير تتحدث عن سعي العديد من دول العالم وتهافتها على امتلاك أنظمة دفاعية متطورة من الولايات المتحدة الأمريكية، التي اشتهرت بريادتها في هذا المجال منذ زمن بعيد، ذلك أن أنظمتها الدفاعية أثبتت كفاءتها ونجحت في تبديد المخاوف والتهديدات.
الصناعات الدفاعية الأمريكية كثيرة ومتعددة، وتنتشر في معظم دول العالم على نطاق واسع، ورافق انتشارها جدل كبير للعديد من قوى العالم، في ظل سباق تسلح محموم للمحافظة على أمن وسيادة ومصالح الدول. والتزمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على مدار 30 عاماً بين 1972 و2002، باتفاقية الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، وتعهد الطرفان بموجب الاتفاقية بامتلاك منظومتين فقط للدفاع الصاروخي وألا تحتوي كل منظومة على أكثر من 100 صاروخ، بيد أن تنامي الخطر الإيراني والكوري الشمالي، وكذلك مخاطر استخدام الجماعات المسلحة لأجسام تستطيع اختراق المجال الجوي الأمريكي، دفعت بالولايات المتحدة للانسحاب من الاتفاقية عام 2002، ومن ثم إلى إنهائها فعلياً ليعود للعالم سباق منظومات الدفاع الصاروخي.
وتملك الولايات المتحدة نظاماً دفاعياً شهيراً يسمى «ثاد»، يهدف إلى مواجهة أية تهديدات محتملة من الخارج، وزاد الاهتمام بهذه النظام في السنوات الأخيرة، مع ارتفاع وتيرة التهديدات في مختلف بلدان العالم. فما هي هذه المنظومة الدفاعية التي سطع نجمها في القطاع العسكري؟
ماذا تعني منظومة «ثاد»؟
منظومة «ثاد» THAAD هي اختصار لعبارة Terminal High Altitude Area Defense وتعني منظومة دفاع في المناطق ذات الارتفاعات العالية.
تتميز منظومة «ثاد» بالقدرة على التنقل من موقع لآخر، وفاعليتها في اعتراض الصواريخ الباليستية داخل أو خارج الغلاف الجوي خلال المرحلة النهائية من رحلتها، وتستطيع التصدي للأهداف داخل وخارج الغلاف الجوي حتى ارتفاع 150 كيلومتراً.
تستطيع «ثاد» اعتراض الصواريخ القادمة داخل وخارج الغلاف الجوي للأرض على مسافة 200 كيلومتر، مما يخفف من آثار أسلحة الدمار الشامل قبل وصولها إلى الأرض.
تجعل القدرة على اعتراض الصواريخ داخل وخارج الغلاف الجوي، منظومة «ثاد» الصاروخية جزءاً مهما في إطار مفاهيم الدفاع الصاروخي، كما أن هذا النظام يجمع بين مزايا منظومة الدفاع (أيجيس) exo-atmospheric Aegis لاعتراض الصواريخ خارج الغلاف الجوي وبطاريات صواريخ (باتريوت) Patriot الاعتراضية داخل الغلاف الجوي.
وتستطيع منظومة «ثاد» التمييز بين ما هو حقيقي أو وهمي من الأهداف بفضل معدات الاستشعار عن بعد، والتي تتصل بالأقمار الصناعية، وهي أيضاً من المزايا التي تساعد على توجيه الصواريخ أو إعادة توجيهها أثناء التحليق حسب أي مستجدات.
تبلغ سرعة الصواريخ المستخدمة في هذه المنظومة 8 أضعاف سرعة الصوت.
تعتمد نظرية عمل هذه المنظومة الدفاعية على تحقيق إصابة مباشرة بالهدف المعادي وتدميره، وهو ما يطلق عليه نظرية “اضرب لتقتل”HIT-TO-KILL. وتشبه هذه النظرية إصابة رصاصة برصاصة أخرى بعد إطلاقها، وهو ما يتطلب دقة عالية في التوجيه.
يمكن للمنظومة الأمريكية أن تعمل مع أنواع أخرى من منظومات الدفاع الجوي البري والبحري، كما يمكنها التكامل مع وسائل الدفاع الجوي الطائرة.
تستخدم منظومة «ثاد» لحماية المدن والمنشآت الحيوية ضد الهجمات الصاروخية المعادية.
عناصر «ثاد»
يتكون نظام «ثاد» من قاذف صاروخي متحرك وقذيفة اعتراضية مزودة بمستشعرات وحاسوب قادر على التمييز بين الأهداف الحقيقية والكاذبة، بالإضافة إلى محطة رادار كشف وتتبع، ومركز قيادة وسيطرة متحرك.
تتكون بطارية النظام من تسع عربات مجهزة بقاذفات، تحمل كل منها من سته إلى ثمانية صواريخ، إضافة إلى مركزين للعمليات ومحطة رادار.
توفر كابينة القيادة والتحكم وإدارة المعركة والاتصالات (C2BMC) معلومات تتبع من مناطق إقليمية أخرى وتجمع معلومات واردة من أجهزة الاستشعار عن بعد في أنظمة أيجيس Aegis وباتريوت.Patriot
نظام التحكم في إطلاق الصواريخ هو العمود الفقري للاتصالات السلكية واللاسلكية وإدارة البيانات والمعلومات الواردة من الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار عن بعد المتمركزة في أقاليم أخرى.
تستخدم منظومة «ثاد» الرادار، المعتمد من البحرية الأمريكية والقابل للتنقل (AN/TPY-2)، والذي يقوم بكشف وتتبع صواريخ العدو على مدى يصل إلى 1000 كيلومتر.
تتولى شركة الصناعات الحربية الجوية “لوكهيد مارتين” بالتعاون مع عدة شركات عسكرية أخرى، تصميم وصناعة وتطوير منظومة «ثاد»، وتعود فكرة وتصور هذه المنظومة إلى العام 1987 ذلك حسب الدراسات والتقارير المتخصصة في المجال العسكري، بينما بدأت “لوكهيد مارتن” الأمريكية التي تحظى بحضور خاص في مجال التصنيع الحربي، عملية التصنيع الفعلي للمنظومة الدفاعية منذ عام 2008، بعد برنامج مكثف للتحقق من الكفاءة استمر لسنوات، ونشرت نتائجه علناً.
وقامت منظومة «ثاد» للمرة الأولى باعتراض هدف صواريخ باليستية متوسطة المدى في اختبار أجري في 11 يوليو 2017. ويتم تدريب أفراد قوات الجيش الأمريكي على استخدام المنظومة في مركز تدريب في فورت سيل، أوكلاهوما منذ عام 2010.
كيف يعمل «ثاد»؟
عندما يطلق العدو صاروخاً يكتشفه رادار «ثاد»، فيقوم بنقل المعلومات إلى القيادة والتحكم، وبعدها يعطي نظام ثاد أوامر بشن صاروخ اعتراضي، ليطلق هذا الصاروخ على قذيفة العدو، التي يتم تدميرها في المرحلة النهائية من رحلتها.
أماكن انتشار «ثاد»
تعتبر الإمارات العربية المتحدة أول دولة في العالم تقتني نظام «ثاد»، بعد عقد وقع مع شركة «لوكهيد مارتين» في ديسمبر 2011، وتم تركيب هذه الصواريخ أيضاً في قاعدة «كورجيك» التركية، وتم نشرها كذلك في رومانيا، وتايوان.
وكان أول نشر لبطاريات صواريخ «ثاد» بالخارج إلى جزيرة غوام الأمريكية في عام 2013 رداً على التهديدات الكورية الشمالية للجزيرة. وأعقب ذلك نشر 3 بطاريات صواريخ «ثاد» على التوالي، كما تم نشرها في هواي، وجزيرة ويك.
وتعاقدت كوريا الجنوبية على صفقة لمنظومة «ثاد» حيث أفادت محاكاة أجراها الجنرال كيرتيس سكاباروتي الكوري الجنوبي أن عدد 2 إلى 3 بطاريات من منظومة «ثاد» سوف تكفل حماية لأراضي كوريا الجنوبية ضد أي صواريخ من بيونغ يانغ، لكن لاقت تلك التحركات معارضة من الصين وروسيا بسبب الرادار البعيد المدى المصاحب للمنظومة.
وأثار نشر الجيش الأمريكي لهذه الصواريخ في كوريا الجنوبية للدفاع في مواجهة كوريا الشمالية، احتجاجات من بكين التي تخشى أن تكون أجهزة استشعاراتها قادرة على اختراق الأجواء الصينية والإخلال بتوازن السلطة.
وذكرت مصادر كورية جنوبية أن السفير الصيني في سيؤول رجح أن إتمام تلك الصفقة سوف يؤدي إلى تدمير فوري للعلاقات الثنائية الصينية – الكورية الجنوبية.
لكن تم إتمام الصفقة وبالفعل بدأ نشر العناصر الأولى من منظومة «ثاد» إلى كوريا الجنوبية في 6 مارس 2017، ووصلت المنظومة إلى قدرتها التشغيلية الأولية في 1 مايو 2017.
وفي عام 2019 نشر الجيش الأمريكي نظام الدفاع الجوي «ثاد» في إسرائيل للمرة الأولى، بهدف “إظهار التزام الولايات المتحدة المستمر بدعم أمن إسرائيل الإقليمي”.
وتسعى العديد من دول العالم إلى الحصول على منظومة «ثاد» الدفاعية، حيث تخطط اليابان لنشر نظام الدفاع الصاروخي بهدف حماية أراضيها ومواطنيها من تهديد الصواريخ الباليستية الكورية الشمالية، كما أشارت العديد من التقارير إلى أن تايوان مهتمة للغاية بمنظومة «ثاد». وقد دفع التطور التقني في مجال التصنيع الدفاعي والحربي بلدان العالم الكبرى إلى زيادة النفقات العسكرية بشكل ملحوظ، واختراع وإنتاج أسلحة فتاكة وأنظمة دفاع متطورة، فلم تعد التطورات الصناعية في المجال العسكري تقتصر على دولة محددة بل أصبح لكل دولة في العالم سلاحها ونظامها الدفاعي الخاص وأصبح لكل منظومة دفاعية نظام آخر يوازيه بطريقة العمل أو حتى يتفوق عليه، وعلى الرغم من الصخب الإعلامي الكبير المصاحب للتطورات الصناعية العسكرية في مختلف بلدان العالم، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تبقى الدولة الرائدة في مجال التصنيع الدفاعي والعسكري نظراً لخبرة شركاتها الطويلة في هذا المجال حيث إنها تتصدر قائمة أكبر الشركات المنتجة للسلاح في العالم منذ زمن بعيد.
إكرام بندلة (باحثة في الشؤون العسكرية)