» إعداد: هيئة تحرير «الجندي»
في 17 فبراير من عام 2020، أعلنت «الهيئة الاتحادية للرقابة النووية”، وهي الجهة الرقابية المسؤولة عن تنظيم القطاع النووي في دولة الإمارات العربية المتحدة، عن إصدار رخصة تشغيل الوحدة الأولى لمحطة «براكة» للطاقة النووية للأغراض السلمية، إيذاناً بالبدء في إنتاج أول «ميجاواط» من الكهرباء باستخدام الطاقة النووية. وبذلك تكون دولة الإمارات هي الدولة العربية الأولى التي تنتج الطاقة النووية للأغراض التنموية. ما يمثل إنجازاً حضارياً جديداً للدولة يؤكد ريادتها في مجال العمل على تطوير الطاقة المتجددة بشكل عام (الإمارات مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة إيرينا)، والطاقة النووية على وجه الخصوص.
وفي هذا السياق، أشار كل من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى الدلالات المهمة لهذه النقلة النوعية في مجال انتاج الطاقة ومعانيها التنموية والحضارية؛ حيث قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد “محطة جديدة وصلتها الإمارات كأول دولة عربية ستبدأ في تشغيل محطات الطاقة النووية السلمية.. أصدرت الدولة اليوم الرخصة الأولى لتشغيل أولى هذه المحطات في براكة والتي ستبدأ العمل قريباً، تتوالى الإنجازات بسواعد أيدي أبناء الإمارات”، فيما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان “مرحلة جديدة من الحراك التنموي تشهدها مسيرة نهضتنا مع إصدار رخصة تشغيل أولى محطات براكة للطاقة النووية السلمية تزيدها قوة ومتانة، والقوة الأكبر هي الكفاءات الوطنية التي نفخر بها، جهودنا متواصلة استعداداً للخمسين سنة القادمة وخططنا ماضية في تأمين احتياجات الدولة من الطاقة”.
ومن المعروف أن مسيرة البرنامج النووي الإماراتي السلمي قد بدأت في شهر أبريل من عام 2008، حيث تم إصدار وثيقة “سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة المتبعة لتقييم وإمكانية تطوير برنامج للطاقة النووية السلمية في الدولة”. وفي عام 2009 تأسست “الهيئة الاتحادية للرقابة النووية” لتتولى المسؤولة عن تنظيم القطاع النووي، كما تم تأسيس “مؤسسة الإمارات للطاقة النووية”، وتم اختيار الشركة الكورية للطاقة الكهربائية “كيبكو” للطاقة النووية لتكون المقاول الرئيسي لمحطات الطاقة النووية في الإمارات، وذلك في عقد قيمته 75 مليار درهم (20 مليار دولار)، لبناء 4 مفاعلات نووية على أن تتراوح النسبة المعتمدة لتخصيب اليورانيوم المستخدم في المفاعلات السلمية بين 3 إلى 4%، ولا تتجاوز 5%.
وقد جاء اختيار هذه الشركة “كيبكو”، انطلاقاً من معايير صارمة، واستناداً إلى أنها من الشركات الرائدة عالمياً في هذا المجال، واستغرقت عملية الاختيار عاماً كاملاً ومن قبل فريق من 75 خبيراً دولياً في مجال الطاقة.
وفي 2010 تم تسليم طلب رخصة إنشاء المحطتين الأولى والثانية في “براكة”، وفي يوليو 2012 تم الحصول على الرخصة من الهيئة الاتحادية للرقابة النووية، ومن ثم انطلقت الأعمال الانشائية في المحطة الأولى.
وفي 2018 استكملت الإنشاءات في المحطة الأولى لبراكة كما حصلت الدفعة الأولى من مشغلي المفاعلات ومديري تشغيل المفاعلات على ترخيص تشغيل المفاعلات من الهيئة الاتحادية للرقابة النووية في يوليو 2019.
دلالات حضارية
ينطوي البرنامج النووي الإماراتي للأغراض السلمية على العديد من الدلالات الحضارية لعل أهمها:
١
الدلالة الأولى لهذه الخطوة هي أن دولة الإمارات العربية المتحدة دائماً في المقدمة، وصاحبة السبق التنموي في المنطقة العربية بل وفي منطقة الشرق الأوسط، ولذلك فإنها ليست فقط الدولة الأولى التي تنتج الطاقة النووية، ولكنها الدولة الأولى التي تمتلك برنامجاً فضائياً يهدف إلى الوصول إلى المريخ وبناء مستعمرة عليه بحلول عام 2071، وهي الدولة العربية الأولى في التنمية البشرية، وفي التنافسية الدولية، وفي تمكين المرأة، وفي الاهتمام بالشباب، وفي استشراف المستقبل، وغيرها.. الخ.
٢
دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال هذه الخطوة، تبعث الأمل في المنطقة العربية، في استخدام الطاقة النووية للأغراض التنموية وفق معايير أمان عالمية، وبدون خوف أو قلق من المخاطر التي يمكن أن تنتج عن الطاقة النووية بشكل عام، في حال عدم توفر معايير الأمان الكافية في انتاجها. حيث كان الانطباع السائد حول المنطقة إنها غير قادرة على امتلاك مفاعلات نووية لأغراض التنمية مع توفير معايير الأمان المتوفرة لمثل هذه المفاعلات في الدول المتقدمة، لكن الإمارات تقدم من خلال برنامجها النووي صورة مختلفة للعالم، وهي صورة دولة عربية استطاعت ان تمتلك برنامجاً نووياً بمعايير عالمية بشهادة المؤسسات الدولية المعنية.
٣
تؤكد دولة الإمارات، من خلال برنامجها النووي للأغراض السلمية، أن استخدام الطاقة النووية لأغراض التنمية ليس حكراً على الدول المتقدمة أو على دول بذاتها دون غيرها، وإنما يمكن لدولة عربية شرق أوسطية أن تنخرط بقوة وثقة ومصداقية في هذا المضمار. وهذا ما تريد أن تثبته الإمارات دائماً في نهجها التنموي بشكل عام؛ حيث تؤكد أن التقدم متاح للجميع ولكل من يمتلك أسبابه ومقوماته ويعمل للوصول إليه بقوة وثقة وإصرار، وإنه لا مستحيل مع قوة الإرادة والثقة في النفس، وهو ما يعبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في كتابه “ومضات من فكر”، حيث يقول إن المستحيل”هو أكبر سجن صنعه الإنسان لنفسه، وكلمة اخترعها من لا يريدون العمل، أو كلمة اخترعها لنا من لا يريدوننا أن نعمل، وهو كلمة يستخدمها بعض الناس لوضع حد لطموحاتهم، وأحلامهم وتطلعاتهم”.
٤
تبعث دولة الإمارات عبر برنامجها النووي السلمي رسالة مهمة إلى العالم الخارجي مفادها: أن الطاقة النووية يمكن ان تكون عنواناً للبناء والتنمية وخدمة الناس وليست مصدراً للصراع والخطر والتهديد، في منطقة الشرق الأوسط. وإنه يمكن تحقيق المعادلة الصعبة في المنطقة: انتاج طاقة نووية سلمية دون إثارة مخاوف العالم من الانتشار النووي. ولعل برنامج الإمارات النووي السلمي يمثل، بهذا المعنى، فاتحة خير للتوسع في الاستخدام السلمي والتنموي للطاقة النووية، في المنطقة بشكل عام، لأنه يمثل نموذجاً لباقي الدول في المنطقة، من حيث كفاءة الإنجاز ومعايير الأمان وبناء الثقة والمصداقية مع العالم.
٥
يؤكد البرنامج النووي الإماراتي مصداقية دولة الإمارات العربية المتحدة على الساحة الدولية، وثقة العالم فيها وفي سياساتها وتوجهاتها التي تدعم الأمن والاستقرار على الساحتين الإقليمية والدولية، وهو ما يعبر عن نفسه في الترحيب الكبير في العالم ببرنامجها النووي وفي المقدمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وموافقة الكثير من الدول في الشرق والغرب على توقيع اتفاقيات تعاون نووي معها، وفي هذا السياق وقعت الإمارات أكثر من 13 اتفاقية ومعاهدة دولية منها اتفاقية الضمانات الشاملة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية والبروتوكول الإضافي لاتفاقية الضمانات الشاملة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية ومعاهدة الأمان النووي ومعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية بالإضافة إلى 123 اتفاقية للتعاون النووي السلمي مع دول مختلفة في العالم.
فضلاً عما سبق، فإن هناك العديد من الشهادات الدولية التي صدرت حول البرنامج النووي الإماراتي من متخصصين ومسؤولين، تؤكد ما تحظى به الدولة من مصداقية عالمية؛ ففي المذكرة التي بعثها إلى وزير الخارجية بالموافقة على اتفاقية التعاون بين حكومتي الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات العربية المتحدة بشأن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية في مايو 2009، قال الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما “لقد درست الاتفاقية المقترحة والآراء والتوصيات والبيانات من الجهات ذات الاختصاص وقررت أن تنفيذ هذه الاتفاقية التي من شأنها أن تعزز الدفاع والأمن المشترك ولن تشكل مخاطرة غير معقولة”. فيما قال الدكتور هانز بليكس المدير الأسبق للوكالة الدولية للطاقة الذرية “لقد شكلت العقلانية والتصميم والالتزام بمعايير السلامة وعدم الانتشار، والفاعلية والبعد الاقتصادي عناصر وركائز مؤثرة للغاية، ويولِّد المشروع قريباً مقداراً هائلاً من الكهرباء للمنازل والصناعة والنقل من دون انبعاثات لغاز ثاني أكسيد الكربون، والمشروع يقدِّم معياراً ذهبياً ويعزّز قناعتي بأن الطاقة النووية ستظل إجابة رئيسية على طلب توليد الطاقة الكهربائية النظيفة والآمنة”.
٦
يعكس هذا البرنامج طبيعة نظرة دولة الإمارات إلى المستقبل واستعدادها للتعامل معه؛ حيث تدرك أن متطلبات التنمية المستدامة في المستقبل تختلف عن متطلباتها خلال المرحلة الحالية، وأن النفط طاقة نافذة ومن ثم لا بد من الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، من خلال مصادر أخرى للطاقة وبناء اقتصاد متنوع يعتمد على المعرفة. ويمثل الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط محدداً رئيسياً من محددات نظرتها إلى المستقبل وصياغتها لخططها واستراتيجياتها التنموية بشكل عام، وكثيراً ما يتحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن هذه القضية في لقاءاته مع الشباب، بشكل خاص.
حاجات تنموية ملحة
على الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة من الدول المنتجة للنفط والغاز، وعضو في منظمة أوبك، فإن هذا لا ينفي حاجتها لتنويع مصادر الطاقة والبحث عن مصادر جديدة متجددة ونظيفة، بل إن هذا البحث يعد امراً حيوياً وأساسياً لاستدامة التنمية فيها للأجيال الحالية والمستقبلية، وهو ما انتبهت إليه الدولة منذ سنوات، وعملت وفقاً له وصاغت خططها التنموية للمستقبل. وفي هذا السياق، فإن برنامج الإمارات النووي للأغراض السلمية يمثل حاجة تنموية ملحة أكدتها دراسات معمقة وتقديرات علمية دقيقة، وذلك استناداً إلى الكثير من الاعتبارات لعل أهمها:
1
الزيادة الكبيرة والمطردة لعدد السكان في الدولة، ومن ثم زيادة الحاجة إلى الطاقة في المستقبل بشكل كبير، وفي هذا السياق قالت مؤسسة “فيتش سوليوشنز Fitch Solutions” البريطانية للأبحاث والدراسات في تقرير لها أن عدد سكان دولة الإمارات العربية المتحدة سوف ينمو خلال العقد المقبل بنسبة 8,6%، ليصل إلى 10,6 مليون نسمة بحلول عام 2029. وهذه الزيادة من المهم الاستعداد لها بخطط تنموية تتوافق مع متطلباتها واحتياجاتها خاصة في مجال الطاقة.
2
تزايد الحاجة إلى المزيد من تحلية المياه، التي تعتمد عليها دولة الإمارات بشكل أساسي في توفير المياه الصالحة للشرب، حيث إن نحو 90% من المياه المستهلكة في الدولة تأتي من محطات التحلية. وهذه التحلية تحتاج إلى مزيد من الطاقة، ومن ثم مزيد من تنويع مصادر الحصول على هذه الطاقة.
3
الحاجة إلى مزيد من الطاقة في المستقبل، ومصادر الطاقة الحالية لن تلبي الاحتياجات خلال العقود القادمة، وهو ما أكدته دراسة أجريت في عام 2007، وقد أثبتت أن إمدادات الكهرباء المتوفرة حالياً لن تلبي الاحتياجات المستقبلية للدولة. وفي هذا السياق يتوقع أن يتضاعف الطلب على الكهرباء في دولة الإمارات بحلول العام 2020 ليصل إلى 40 ألف ميجاواط.
4
الإمارات اختارت الطاقة النووية لتوفير حاجتها المستقبلية من الطاقة لعدد من الأسباب أهمها: أن الطاقة النووية يمكنها توليد كميات كبيرة وثابتة من كهرباء الحمل الأساسي على مدار 24 ساعة و365 يوماً في العام، بغض النظر عن الأحوال الجوية. كما أن الطاقة النووية يمكنها تقليل الانبعاثات الكربونية في الدولة وتنويعها لإمدادات الطاقة وزيادة أمنها، وتوفير طاقة اقتصادية صديقة للبيئة وموثوقة لعدد السكان المتنامي فيها.
5
الحفاظ على البيئة يمثل مبرراً أساسياً من مبررات اللجوء إلى الطاقة النووية للأغراض السلمية أو التنموية، حيث تشير التقديرات إلى أن التشغيل التام للمحطات الأربع في “براكة”، سيحد من انبعاث 21 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، وهو ما يعادل إزالة 3,2 مليون سيارة من الطرقات سنوياً. وفي هذا السياق تخطط دولة الإمارات لأن تصل نسبة الطاقة النظيفة إلى 27% من إجمالي الطاقة المستهلكة بحلول عام 2021، وتهدف استراتيجية الإمارات للطاقة إلى زيادة نسبة الطاقة النظيفة إلى 50% بحلول عام 2050. وتنبع أهمية ذلك من الأهمية الكبيرة التي توليها دولة الإمارات للبيئة في إطار رؤيتها لاستدامة التنمية، وفي هذا السياق خصصت الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021محوراً تحت عنوان: بيئة مستدامة وبنية تحتية متكاملة ضمنته 11 مؤشراً أهمها: مؤشر جودة الهواء، ونسبة النفايات المعالجة من إجمال بالنفايات المنتجة، نسبة إسهام الطاقة النظيفة، ومؤشر ندرة المياه، وغيرها.
6
العمل على بناء الكوادر الوطنية المدربة والمؤهلة في مجال الطاقة النووية، وفي هذا السياق عملت “مؤسسة الإمارات للطاقة النووية” على توفير منح دراسية للطلبة الإماراتيين في أهم الجامعات داخل دولة الإمارات وخارجها، فضلاً عن برامج تدريبية متطورة، وقد وصل عدد خريجي برنامج “رواد الطاقة” الذي أطلقته المؤسسة في العام 2009 إلى نحو 350 طالباً وطالبة، كما حرصت المؤسسة على استقطاب الكفاءات الإماراتية للعمل في تطوير البرنامج النووي السلمي الإماراتي والتي وصلت نسبتها إلى60% من الموظفين.
وتشجع القيادة الإماراتية الكوادر المواطنة بشكل كبير وتدفعها على الأمام في هذا المجال، وهو ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة خلال استقباله في نوفمبر 2019 أول مجموعة من الكفاءات الإماراتية التي حصلت على ترخيص الهيئة الاتحادية للرقابة النووية كمديري تشغيل ومشغلي مفاعلات نووية، حيث أعرب سموه عن ثقته بمقدرة الكفاءات الإماراتية على تطوير مشروع محطات “براكة” للطاقة النووية السلمية وجعله نموذجاً يُحتذى به من قبل كافة مشاريع الطاقة النووية الجديدة في العالم، لما يتمتع به من دعم المجتمع الدولي النووي فيما يخص الشفافية التشغيلية، ومواصفات السلامة والأمان العالمية.
والواقع أن هذا نهج إماراتي ثابت في التعامل مع المشروعات التنموية الكبرى، حيث الحرص دائماً على بناء كوادر مواطنة ونقل التكنولوجيا الحديثة إليها بحيث تكون قادرة مع مرور الوقت على تحمل مسؤولية هذه المشروعات بشكل كامل.
7
يندرج البرنامج النووي الإماراتي ضمن استراتيجية وطنية أكبر للطاقة في المستقبل، هي استراتيجية الطاقة 2050 التي تم إطلاقها في عام 2017، وتستهدف رفع مساهمة الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة المنتجة في الدولة من 25% إلى 50%، وتأخذ في اعتبارها ان النمو السنوي على الطاقة يعادل 6%، وتعمل على خفض الانبعاثات الكربونية من عملية إنتاج الكهرباء بنسبة 70% في 2050. ووفق هذه الاستراتيجية يتضمن خليط الطاقة عام 2050 الآتي: 44% من الطاقة النظيفة، و38 %من الغاز، و12 %من الفحم النظيف، و6 %من الطاقة النووية.
8
دعم شعبي: حرصت دولة الإمارات على أن يكون برنامجها النووي مدعوماً من قبل الشعب، وفي هذا السياق أكد استطلاع للرأي أجرته شركة أبحاث السوق العالمية المستقلة “نيلسن” في عام 2018 أن 82% من المشاركين في الاستطلاع من المواطنين الإماراتيين عن تأييدهم استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية في إنتاج الكهرباء، في حين أكد 91% إدراكهم لأهمية الدور المهم الذي تلعبه الطاقة النووية السلمية في دعم مسيرة تطوّر وازدهار دولة الإمارات.
وبشكل عام، فقد لخص الرئيس التنفيذي لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية، عند إعلان إنشائها في 2009، الأبعاد التنموية للبرنامج النووي الإماراتي في أربعة أبعاد هي: العامل الاقتصادي، حيث إن محطات الطاقة النووية التي تدار بشكل جيد تعتبر من بين أفضل مصادر إنتاج الكهرباء فعاليةً، والعامل البيئي، حيث إن محطات الطاقة النووية لا تؤدي إلى انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، وتعتبر من أدوات مقاومة تغير المناخ، والبعد الثالث هو أمن الإمدادات حيث تتمتع محطات الطاقة النووية بجاهزية عالية للعمل (تتجاوز نسبة 90%) ويمكن للعديد من محطات الطاقة النووية العمل لفترة 18-24 شهراً بعد تزويدها بالوقود النووي لمرة واحدة. والبعد الرابع هو التطوير الصناعي حيث من شأن برنامج للطاقة النووية أن ينشئ صناعات جديدة، ويخلق فرص عمل ذات قيمة عالية، ويعزز التنمية الاقتصادية المستدامة في كافة أنحاء دولة الإمارات.
توجه عالمي
عندما انطلقت الإمارات في برنامجها النووي للأغراض التنموية، كانت تدرك بوضوح التوجهات العالمية في هذا الخصوص، وقامت بدراسة دقيقة لواقع الطاقة النووية على المستوى الدولي، ونصيب هذه الطاقة في مزيح الطاقة العالمي في المستقبل، وفي هذا السياق يمكن الإشارة على الآتي:
من خلال الطاقة النووية والمتجددة، تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة على التماشي مع التوجهات العالمية في هذا الخصوص، حيث يتراجع نصيب الوقود الإحفوري “النفط والغاز” في مزيج الطاقة العالمي بشكل مطرد، ويتزايد الحديث في السنوات الماضية عن وصول العالم إلى “ذروة الوقود الأحفوري”، التي ستبدأ بعدها الطاقة الأحفورية، في التراجع التدريجي عن وضعها المهيمن السابق في مزيج الطاقة العالمي، وفي هذا السياق تبرز الطاقة المتجددة والنظيفة كأحد البدائل المهمة للوقود الأحفوري، وقد أشار تقرير نشرته وكالة بلومبيرج في يوليو 2016 إلى أن مصادر الطاقة المتجددة ستجذب بحلول عام 2040 استثمارات تصل إلى 7,8 تريليون دولار، ووفقاً لتقرير “آفاق الطاقة العالمية” الصادر عن وكالة الطاقة الدولية في عام 2017؛ أدى الانتشار السريع في استخدام تقنيات الطاقة النظيفة إلى تخفيض تكاليف المنشآت الجديدة للطاقة الشمسية بنسبة 70%، وتكاليف طاقة الرياح بنسبة 25%، وتكاليف البطاريات بنسبة 40%، ولذلك يقول التقرير أنه بحلول عام 2040 ستستحوذ مصادر الطاقة المتجددة على ثلثي الاستثمارات العالمية في محطات توليد الكهرباء، وفي السياق نفسه يشير تقرير “آفاق الطاقة العالمية” عام 2018 إلى أن قطاع الطاقة المتجددة، سيقود النمو في مجال توليد الطاقة الكهربائية بنسبة قد تصل إلى 64% في عام 2050.
الإمارات حينما اتجهت إلى بناء برنامج نووي لإنتاج الطاقة لأغراض التنمية، لم تكن تسير في اتجاه معاكس للتوجه العالمي العام، حيث “يوجد اليوم ما يقرب من 440 محطة للطاقة النووية قيد التشغيل في 30 دولة، و60 محطة أخرى قيد الإنشاء في 15 دولة”.
ووفقاً لمنظمة “وورلد نيوكليرأسوسييشن” فإن هناك 17 دولة في العالم تعد من أكثر البلدان استخداماً للمحطات النووية في توليد الطاقة وهي: الولايات المتحدة ولديها 100 مفاعل نووي، وفرنسا ولديها 58 مفاعلاً نووياً، واليابان ولديها 50 مفاعلاً نووياً، وروسيا ولديها 33 مفاعلاً نووياً، وكوريا الجنوبية ولديها 23 مفاعلاً نووياً، وكندا ولديها 20 مفاعلاً نووياً، والهند ولديها 20 مفاعلاً نووياً، وبريطانيا ولديها 18 مفاعلاً نووياً، والصين ولديها 17مفاعلاً نووياً، وأوكرانياً ولديها 15 مفاعلاً نووياً، وألمانيا ولديها 9 مفاعلات نووية، وإسبانيا ولديها 8 مفاعلات نووية، والسويد، ولديها 10 مفاعلات نووية، وبلجيكا ولديها 7 مفاعلات نووية، وجمهورية التشيك، ولديها 6 مفاعلات نووية، إضافة إلى سويسرا، ولديها 5 مفاعلات نووية.
وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية هناك العديد من البرامج والخطط لإنتاج الطاقة النووية للأغراض التنموية في الكثير من دول المنطقة مثل: المملكة العربية السعودية والأردن ومصر، وتدرس كلٌّ من المغرب وتونس والجزائر، خياراتها في هذا الصدد.
وفي فبراير 2020 قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن هناك حاليا 28 دولة جديدة تدرس التوسع في الاعتماد على الطاقة النووية وأن هذه الدول تلعب دوراً رئيسياً في الانتقال العالمي للطاقة النظيفة، وتحتاج غلى طاقة منخفضة الكربون لتعزيز النمو الاقتصادي مع الوفاء بالأهداف المناخية على السواء.
مبادئ ومعايير عالمية
حرصت دولة الإمارات على توفير كل المعايير والعوامل التي تؤكد سلمية برنامجها النووية من ناحية، وأمنه من ناحية أخرى. ففي أبريل 2008 أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة وثيقة “سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة المتبعة لتقييم وإمكانية تطوير برنامج للطاقة النووية السلمية في الدولة”، متضمنة سياستها في مجال معايير السلامة والشفافية والأمان، وذلك من خلال ستة عناصر أساسية هي:
الشفافية التشغيلية التامة.
أعلى معايير حظر الانتشار النووي.
ترسيخ أعلى معايير السلامة والأمن.
التنسيق المباشر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والالتزام بمعاييرها.
عمل شراكات مع حكومات الدول المسؤولة والمؤسسات ذات الخبرة المناسبة.
ضمان استدامة الطاقة النووية على المدى البعيد.
وهذه الركائز تتمحور حول تطوير البرنامج مع وضع السلامة وحظر الانتشار النووي، والامتناع عن التخصيب المحلي لليورانيوم أو إعادة معالجة الوقود النووي.
وفي إطار مراعاة اشتراطات الأمان القصوى، كان هناك تدقيق كبير في اختيار مكان محطة براكة النووية في منطقة الظفرة في أبوظبي، التي تقع جنوب غرب مدينة الرويس وتبعد عنها نحو 53 كيلومتراً. ولم يكن هذا الاختيار عشوائياً وإنما لأسباب موضوعية وفنية تتعلق بالبيئة وتوفر اشتراطات الأمان، وهو ما أشارت إليه “مؤسسة الإمارات للطاقة النووية”، مؤكدة أن اختيار منطقة الظفرة يعود إلى “الظروف المواتية من حيث الأمن والإنشاء وطرق الإخلاء، والقرب من موارد المياه، والقرب من شبكة الكهرباء اللازمة لعمليات الإنشاءات”، ومن المعايير الأخرى التي تم أخذها في الاعتبار”التاريخ الزلزالي للمنطقة، والبُعد عن المناطق الكبرى المأهولة بالسكان، والقرب من البنية التحتية ذات الصلة بالصناعة والنقل، والقدرة على الحد من الآثار البيئية المتوقعة”.
إضافة لما سبق، فقد اتخذت دولة الامارات العديد من الخطوات لتعزيز أمن برنامجها النووي، وتأكيد سلميته وشفافيته، لعل أهمها:
إنشاء الهيئة الاتحادية للرقابة النووية، كجهة اتحادية مستقلة تتولى مسؤولية الإشراف على السلامة النووية والأمن والحماية الإشعاعية والضمانات وتطبيق أفضل المعايير والممارسات الدولية في الدولة.
إنشاء المجلس الاستشاري الدولي، وهو الجهة المفوضة بعمل التقييم المستقل للبرنامج النووي السلمي الإماراتي، ويرفع تقاريره مباشرةً إلى قيادات دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد تأسس المجلس لتزويد البرنامج النووي السلمي الإماراتي بنخبة من الخبراء الدوليين ذوي الخبرة في مجالات السلامة والأمن النووي وحظر الانتشار النووي وتنمية الموارد البشرية.
مجلس مراجعة السلامة النووية. وقد أنشأته مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، في يوليو عام 2010 لتقديم مراجعة مستقلة للسلامة والكفاءة في مراحل الإنشاء والتشغيل لمحطة براكة للطاقة النووية. وساهم المجلس في عمل مراجعة السلامة الخاصة بطلبات الرخصة الإنشائية للمحطة.
وتندرج تحت هذا المجلس أربع لجان تعمل مع المؤسسة على الجوانب التالية: العمليات والسلامة والتدريب، والشؤون الرقابية والأمنية والإشرافية، وإدارة الإنشاءات والمشاريع، والهندسة والتصميم.
عملت دولة الإمارات على التعاون الوثيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقام خبراء من الوكالة بزيارة الإمارات في مناسباتٍ عدة لتقييم المكونات الرئيسية للبرنامج النووي السلمي الإماراتي. كما تتعاون الدولة مع الجمعية العالمية لمشغلي الطاقة النووية، التي تتولى مسؤولية تحسين مستوى السلامة في كل محطات الطاقة النووية في العالم، وتشارك مؤسسة الإمارات للطاقة النووية بانتظام في ورش العمل والفعاليات والبرامج التدريبية واجتماعات استعراض الأقران التي تجريها الجمعية.
ونتيجة لما سبق، فازت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية في شهر فبراير من عام 2015 بالمرتبة الأولى من الجائزة العالمية لإدارة المخاطر لعام 2015 في “فئة بناء القدرات لإدارة المخاطر” وذلك عن التزام المؤسسة بأعلى المعايير العالمية للسلامة والجودة وإدارة المخاطر، وتصدر هذه الجائزة عن “معهد إدارة المخاطر” في المملكة المتحدة.
وفي نوفمبر 2016، قالت “بعثة الخدمة الاستشارية الدولية للحماية المادية”، التي شكّلتها “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بناء على دعوة من دولة الإمارات، أن “النموذج الذي قدمته دولة الإمارات يعزز بقوة قيمة إعداد وتطبيق وثائق دليل الأمن النووي الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والحاجة إلى التبادل المستمر للخبرات والممارسات”. وقد جاء هذا التقييم بعد مهمة للبعثة استمرت 10 أيام، قامت خلالها بمراجعة الإطار التشريعي والرقابي للأمن النووي في الدولة، كما أجرت فحصاً شاملاً على الحماية المادية للمواد النووية والمرافق النووية وأمن المواد المشعة.