خالد الزعتر
كاتب ومحلل سياسي

تركيا واستراتيجية القواعد العسكرية

لا يمكن النظر إلى السياسة التركية في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص بعيداً عن مشروع “العثمانية الجديدة”، والذي يهدف إلى العمل على تكريس الوجود العسكري التركي في المناطق التي ترى تركيا أنها ضمن مناطق النفوذ والإرث التاريخيين للدولة العثمانية، وهذا ما تكشفه بشكل رئيسي خطة الانتشار العسكري التركي في المنطقة عبر إقامة القواعد العسكرية، والتي ارتفعت بوتيرة متسارعة عقب وصول حزب العدالة والتنمية الذي صاغ مشروع “العثمانية الجديدة”، إلى الحكم، حيث لم تكن تركيا تملك قواعد عسكرية خارج أراضيها قبل ذلك ما عدا الوجود العسكري في شمالي قبرص الذي يعود إلى العام 1974.
التوسع التركي في إقامة القواعد العسكرية وتحقيق الانتشار العسكري في منطقة الشرق الأوسط هو جزء من مشروع قائم على عدة محاور ضمن رؤية “العثمانية الجديدة”: أولها الانتقال من القوة الناعمة التي كانت تقوم على توظيف جماعة الإخوان المسلمين أداة لها، وذلك بعد السقوط المدوي لهذه الجماعة، إلى التوظيف السياسي والاستثمار في التنظيمات الإرهابية والمرتزقة كما يحدث في ليبيا وسوريا لتمكين أنقرة من إيجاد قاعدة لها على الأرض السورية والليبية. وثانيها سياسة “التتريك” والتي تتوسع تركيا في العمل على تنفيذها في الشمال السوري بشكل خاص. وثالثها التوسع في استراتيجية إقامة “القواعد العسكرية” والتي سعت تركيا إلى التوسع في إقامتها في العراق والشمال السوري والصومال وقطر، إضافة الى محاولة فاشلة في جزيرة سواكن السودانية، والآن العمل على إنشاء قاعدة عسكرية في ليبيا في إطار العلاقات القوية التي تربط أنقرة مع حكومة السراج.
انتقال تركيا من “القوة الناعمة” إلى “الصلبة” هي محاولة لتوظيف العامل العسكري وتطويعه لخدمة أهدافها السياسية وإيجاد أداة “لتكريس الاحتلال التركي” تأمل أنقرة عبرها العمل على توظيفها لتقييد القرار السياسي والعسكري للدولة التي تحتضن القاعدة العسكرية التركية والعمل فيما بعد على توظيف هذا الوجود في السيطرة الكاملة على هذا القرار وتوظيفه في خدمة المصلحة التركية، وهو ما نلاحظه في الحالة القطرية، حيث لعبت القاعدة التركية التي تأسست في الدوحة في التأثير على القرار السياسي القطري وتشكيل ضغط على النظام القطري لتمويل المخططات والمشروعات التركية في المنطقة العربية، فضلاً عن الدعم الاقتصادي المستمر من قطر للاقتصاد التركي المأزوم.
وبالتالي فإن هدف أنقره الرئيسي من “التوسع في إقامة القواعد العسكرية” في منطقة الشرق الأوسط هو محاولة إيجاد بدائل للفشل الذريع لاستراتيجيتها في التوسع السياسي عبر الأذراع الإخوانية وبخاصة عقب سقوط الإخوان في مصر عام 2013، وبالتالي انتقلت تركيا من العمل على تحقيق السيطرة السياسية إلى تحقيق السيطرة العسكرية وذلك عبر القواعد العسكرية.

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض