في مؤتمر دبي الدولي التاسع لقادة الجو الذي عقد بتاريخ 16 نوفمبر 2019، في دبي، والذي ناقش فيه المجتمع الإقليمي والدولي من صناع القرار في مجال القوات الجوية والدفاع الجوي آخر التطورات التي طرأت على الاستراتيجيات والعمليات والتكتيكات والتكنولوجيا، التقت «الجندي» سعادة اللواء (م) خالد البوعينين قائد القوات الجوية الإماراتية السابق، وناقشت معه التغيرات التي طرأت مؤخراً على مشهد الحرب الجوية ومستجداتها، وأدواتها ووسائلها والتهديدات الناشئة والمستقبلية المحتملة وكيفية مواجهتها، وعدداً آخر من القضايا ذات الصلة، وإليك عزيزي القارئ ما دار في هذا الحوار:
ما من شك أنه طرأت في الآونة الأخيرة تغيرات كثيرة وهامة جداً على مشهد الحرب الجوية سواء لجهة أدواتها أو التهديدات الناشئة التي أخذت تُحيق بها، أو التحديات التي تواجهها وما شابه، هل لكم أن تحدثونا عن هذه التغيرات والمؤثرات؟
مع مرور الوقت تتغير كثير من الأشياء وأكثر هذه الأشياء عرضة للتغيير والتطور المعدات والأدوات العسكرية، وأهم أداة دخلت المشهد حديثاً هي طائرات “الدرونز Drones” المسيرة عن بعد أو المركبات الجوية غير المأهولة UAVs التي من المنتظر أن تلعب دوراً فاعلاً في الحروب الجوية المستقبلية، والتي كانت تُستخدم سابقاً لأغراض الاستطلاع والرصد والمراقبة، لكنها في نهاية المطاف تحولت إلى وسائل قتال أيضاً. وبهذا، أصبحت هذه الأنظمة تشكل تهديداً جديداً. لنأخذ على سبيل المثال، طائرات الدرونز التي استخدمها الحوثيون في شن هجمات على أهداف في المملكة العربية السعودية والتي نحتاج الآن إيجاد أنظمة مضادة لصدها ودحرها.
هذا من ناحية، من ناحية أخرى، كان في السابق يستخدم الـ”Cybersecurity الأمن الأثيري أو الإلكتروني”لأغراض الحماية والدفاع عن الشبكات، لكن شهدنا مؤخراً تهديداً جديداً تمثَّلَ بـِ “الهجومات السيبرانية أو الأثيرية (الإلكترونية) Cyber attacks” والاستطلاع السيبراني أصبح جزءاً لا يتجزأ من أي معركة حالياً بما في ذلك المعارك الجوية والدفاع الجوي، وقد لاحظنا مؤخراً تأثير لهذه الهجومات السيبرانية على كثير من المنشآت الحيوية وعلى وسائل الدفاع الجوي على وجه الخصوص في كثير من الأحداث التي تشهدها المنطقة.
الشيء الآخر الذي فرض نفسه أيضاً، تدفق المعلومات بشكل كبير جداً، وأصبح استخدام المعلومات بغاية الأهمية والخطورة في إدارة المعارك. ولا يستطيع الإنسان الآن أن يتخلى عن نظرة كاملة وشاملة لأرض المعركة من ناحية المعلومات وكذلك نقل هذه المعلومات إلى الوحدات القتالية، ما يعني أننا بحاجة إلى بناء وتبني مفهوم جديد يحدد كيفية إرسالنا للمعلومات إلى الوحدات المقاتلة وكيف يمكنها استخدامها بالشكل الأمثل في الوقت الآني لتحقيق الاستفادة القصوى منها.
ولكن كيف يمكن لدول المنطقة التي تعمل على تحديث قواتها المسلحة أن تزود طائراتها وأنظمتها العسكرية الأخرى بقدرات من هذا النوع؟
تستخدم الطائرات العسكرية الآن ما يُعرف بــ“IP base” أي قاعدة بروتوكول الإنترنت الذي يستطيع مشغلو الطائرات أن يستخدموها بنفس الطريقة التي نستخدم فيها شبكة الإنترنت أي أنهم يستطيعون تصفح أي معلومات في هذا العالم ويختارون ويطلبون منها ما يحتاجونه في مهامهم. لذلك يجب أن تحتوي جميع الأنظمة الجوية والبرية والبحرية على قاعدة بروتوكول الإنترنت “IP base” وتستمد معلوماتها منها لاختصار كثير من الوقت والتكاليف الباهظة التي تحتاجها لتعديل معلومة واحدة في الأنظمة الحالية وإرسالها إلى طائرة أخرى أو إلى سفينة قتالية وما شابه من أنظمة، وبهذا نستطيع بوساطة الأنظمة الجديدة التي تعتمد على الـ “IP base” أن نوصل المعلومة التي نريد في حينها إلى أي جندي في ساحة المعركة أو إلى أي مركز قيادة وسيطرة أو إلى أي معدّة أخرى أو طائرة أوسفينة أو غير ذلك، وهذا يكون في الأوقات العادية. ويجب أن نخلق نوعاً من “Cloud system” أو نظام إنترنت جوية تكون فيها جميع الطائرات، بما في ذلك طائرات الاستطلاع، وطائرات التزود بالوقود، المقاتلات، طائرات الهليكوبتر، وجميع الطائرات الأخرى على اختلاف أنواعها مرتبطة بنفس الشبكة كونها جميعها تعمل في مسرح عملياتي واحد. وفي هذا المسرح العملياتي الواحد، يتعين على كل إنسان في قطاعه أن يكون لديه المعلومات الكافية عما يدور فيه حتى يستطيع أن يتأقلم مع المتغيرات في هذا القطاع وأن يستجيب لها بالسرعة الكافية وبفاعلية كبيرة حتى تتحقق الغاية المنشودة.
إلى أي مدى استطاعت قواتنا في دولة الإمارات العربية المتحدة أن ترتقي بإمكانياتها وبقدراتها وبمرونتها للتكيف مع التهديدات الناشئة والتصدي لخطرها، من قبيل أسراب “الدرونز” (طائرات بدون طيار)، كتلك التي تعرضت لها السعودية الشقيقة واضطرت للتعامل معها بتكلفة باهظة بالتصدي لها بصواريخ باتريوت العالية التكلفة مقارنة بالدرونز زهيدة الثمن؟
هذا الموضوع يعتمد بصورة رئيسية على الإجراءات المضادة والتدابير المضادة للإجراءات المضادة. على سبيل المثال “الدرونز” لم تكن موجودة منذ بضع سنوات. لذلك، يتعين علىينا عندما ظهرت أن نطور نظام الدفاع الجوي الذي لدينا. هذه التكنولوجيا فرضت علينا ذلك. وهذه الأدوات، رخيصة والأخطر من هذا أنها بعيدة المدى ودقيقة في الوقت ذاته والأخطر من ذلك أن مقطعها الراداري صغير جداً. كذلك أصبحت هذه “الدرونز” عابرة للحدود. لذا فإن الأمر لا يحتاج إلى تحديث شامل لنظام الدفاع الجوي وحسب، وإنما يحتاج إلى تعاون ثنائي بين الدول المتجاورة وخليجي أيضاً كي نستطيع أن نوفر لقواتنا إنذاراً مبكراً وهذا أمر مهم للغاية. وأنا أؤكد هنا على النظرة الشمولية للموضوع، ونحن ما زلنا في بداية الطريق. وهذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها المنطقة لهجوم بأسراب من الدرونز (الهجوم على أرامكو). والمملكة السعودية كما يعلم الجميع بلد شاسع وكأنها قارّة، وفوجئ إخوتنا السعوديون بوصول هذه الدرونز إلى وسط السعودية، وهذا لسبب بسيط لأننا حتى وقت قريب كنا نقاتل المعارك على خطوط جبهة قتال محددة المعالم، لكن الآن اختلفت الصورة وأصبحت الدولة كلها أرض معركة وأصبحت قوى الشر تستبيح أرض الدولة كلها وأصبح كل شبر من أرض الدولة مستهدف. لذلك، يجب أن تختلف الآن نظرتنا للأمور بناء على هذه المستجدات ومعطياتها. ويكاد يكون من المستحيل على أي دولة- حتى لو كانت مساحتها صغيرة- أن تضع دفاعات جوية ورادارات في كل شبر من أرضها، لكن هنا يأتي دور الإبداع لابتكار وسائل وحلول أخرى بديلة.
نحن في دولة الإمارات ننظر دائماً وأبداً إلى النوعية وليس الكمية عند اختيارنا لأنظمة الأسلحة. لذلك بفضل علاقاتنا السياسية والدولية لدينا من أفضل أنواع الأسلحة في العالم ولا نحتاج إلى المزيد سواء لجهة الكفاءة أو إمكانية الحصول عليها.
بناء على هذه المعطيات والأوضاع المستجدة، ما الذي يتعين علينا أن نفعله في الإمارات؟
في دولة الإمارات بدأت النظرة تتحول من الحصول على هذه الأسلحة المتطورة من الخارج إلى تصنيعها في الداخل على أرض الدولة وبأيدٍ وكفاءات إماراتية. وهذا نضج فكري بالطبع لأن هذه الأسلحة كلها مكلفة. وكما رأينا الآن فإن الهجوم على أرامكو خلق نوعاً جديداً من التهديد المستمر وعلى مدار الساعة.
ما مدى الاستفادة من الأفكار التي يطرحها مؤتمر قادة الجو هذا وما شابهه من مؤتمرات ومنتديات تُعقد على أرض الوطن لإيجاد حلول للتهديدات والمشاكل التي تواجهها منطقتنا؟
ليس هناك من أدنى شك في أن لهذا المؤتمر فوائد كبيرة وجمّة كوننا نستضيف فيها معظم قادة الجو والخبراء والمختصين في العالم ونتبادل الأفكار معهم ونستفيد من خبراتهم الطويلة والعملية ومن دروسهم المستخلصة من ساحات المعارك ومن ثم نلائمها مع احتياجاتنا ومقاساتنا. ولو لا حظت أن معظم القادة المتحدثين هنا شاركوا في حرب الخليج الأولى والثانية جنباً إلى جنب مع قواتنا المسلحة، وهذا ما جعل العلاقة معهم وثيقة وتمتاز بالشفافية والثقة وهذا تطور بالطبع إلى إقامة تعاون استراتيجي سواء على مستوى التصريح السياسي أو على مستوى التنسيق العملياتي، وهذا إنجاز كبير جداً بالطبع. هذا من ناحية، من ناحية ثانية، إن لهذا المؤتمر أهمية بالغة، خاصة أنه مقترن بمعرض دبي للطيران الذي يفتتح بعد يوم واحد فقط من هذا المؤتمر بمشاركة ما يزيد على 1300 شركة مصنعة لمعدات الدفاع ستعرض أحدث تقنياتها هنا وتعرضها علينا. وبما أننا انتقلنا من مبدأ شراء المعدات والتكنولوجيا إلى تصنيعها بأنفسنا فنحن نقوم بدورنا باختيار التكنولوجيا التي تناسبنا وتناسب خطط التصنيع الدفاعي لدينا ومن ثم نقوم بمفاوضات مع الشركات المعنية لنقل هذه التكنولوجيا إلينا من خلال أطر تعاون مشترك يعود بالفائدة على الطرفين.
ونحن في الإمارات كان لدينا أكثر من 25 شركة مستقلة مصنعة لمعدات الدفاع، لكنها كانت تفتقر إلى التنسيق فيما بينها سواءً على مستوى التصنيع أو الدعم المالي أو التخصص، لكن بعد الإعلان عن شركة “إدج EDGE”، تم دمج معظم هذه الشركات وغيرها تحت مظلتها التي أصبحت تحكمها الاستراتيجية الوطنية للتصنيع وكذلك استراتيجية القوات المسلحة للتصنيع. وبهذا أصبح لدينا جهة مُصنِّعة مُوحَّدة باستراتيجية وطنية مُوحَّدة فأصبح نقل التكنولوجيا والتعامل والتخصص أفضل من ذي قبل بكثير. الشيء الآخر أننا قمنا الآن بالدمج بين نقل التكنولوجيا ونقل المعرفة، وهناك فرق كبير جداً بين الاثنين. ففي الوقت الذي نقوم به بنقل التكنولوجيا إلى مصانعنا الوطنية، نقوم بنقل المعرفة إلى الجامعات ومؤسسات التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة، لأن التصنيع يحتاج إلى كوادر علمية وأخرى فنية وكادر من الباحثين لتطوير المنتجات.
ما مدى استعداد هذه الشركات لنقل التقنيات المتقدمة إلينا خاصة وأن بعضها لديها قيود أو تحفظات تجاه ما تُسميه بـِ “التقنيات الحساسة”؟
نحن والحمد لله في دولة الإمارات ليس لدينا مشكلة بهذا الخصوص، اللهم باستثناء أمريكا بسبب قانون ITAR الذي يضع قيوداً على تصدير الأسلحة إلى خارج الولايات المتحدة. لكن معظم تقنياتها متوفرة خارج الولايات المتحدة. فإذا وافقت الولايات المتحدة على بيعنا ما نحتاج من تقنية معينة كان وبه، وإذا لم توافق فهناك كثير من البدائل في السوق.
هل من كلمة تودون توجيهها لقواتنا المسلحة بهذه المناسبة عبر صفحات «الجندي»؟
قواتنا بفضل الله قوات محترفة وقد أثبتت جدارتها في حرب اليمن وفي المهام التي أُنيطت بها في أماكن أخرى من العالم، وقامت هناك بواجبها الوطني سواء كانت هذه المهام قتالية أو لحفظ الأمن والسلام أو إغاثية. ونحن نُصِرُّ ونعمل على تكريس هذه الاحترافية بالكامل لدى قواتنا المسلحة الباسلة. وأود أن أشيد هنا بقيادتنا السياسية الحكيمة التي لم تأل جهداً في تزويد قواتنا المسلحة بأحدث الأسلحة والمعدات في العالم. الآن أصبحت المسؤولية على عاتقنا نحن العسكريين، حيث يجب علينا أن نكون عند حسن ظن قيادتنا وطموحاتها والتي لم تترك مبرراً لأي تقصير لأي منا على الإطلاق. لذلك لا بد لنا وأن نحرز احترافاً عالي المستوى يكون على شكل مبدأ عمليات يُستخدم ويُعمَّم، وكذلك نستثمر في التدريب والأهم من ذلك أن نستثمر في العنصر البشري، بأن نُعِدّ الضابط المُفكِّر والقائد والمُخطِّط، هذا على مستوى الضباط. أما على النسق الأدنى وخاصة مستوى الجندي فيتعين علينا إعداد الجندي الفني المحترف. وهذا ما يوليه مسؤولو قواتنا المسلحة الكثير من الاهتمام والتركيز ويمضون قدماً في التنمية الذاتية للعنصر البشري. ويجب ألا نكتفي فقط بما يُعطى لنا من علم نتلقاه خلال الدورات التي نخضع لها لتطوير قدراتنا، فهناك في هذا العصر مصادر ثرية بالمعلومات مثل الإنترنت ومصادر أخرى يمكن أن نستفيد منها لإثراء معلوماتنا العسكرية بالاطلاع على تجارب الآخرين عبر التاريخ المديد للجيوش والقوات المسلحة المختلفة في شتى أصقاع الأرض وعبر كل الحِقَبْ الزمنية، بما في ذلك حقبة التقدم التكنولوجي الهائل التي نعيشها، وفي مختلف البيئات والظروف.
أجرى اللقاء: محمد فهد الحلبية – تصوير: محمد حسن الشاعر