ينطلق الكتاب من فرضية رئيسية تتمثل في أن الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل مع قضايا الانتشار النووي وأزماته، ليس من منطلق ما تخلّفه هذه القضايا والأزمات على النظام العالمي لمنع الانتشار النووي، وإنما من منظور ما تشكله تلك الأزمات من تهديد لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية ولأمن حلفائها؛ حتى إن ترتب على السياسة الأمريكية المتَّبَعة في هذا الشأن تقويض أسس النظام العالمي لمنع الانتشار النووي ومصداقيته. ويدرس الكتاب الأزمة النووية الإيرانية بصفتها نموذجاً للسياسة الأمريكية المتبعَة في هذا الشأن. ويخلص الكتاب إلى مجموعة من النتائج يمكن بلورتها على النحو الآتي:
أولاً: فيما يتعلق بالإدارة الأمريكية لأزمات الانتشار النووي
أ. ليس هناك ضرر في خلق بيئة تفرض فيها بعض الدول الأكثر قوةً قيوداً مستقلةً بشأن منع الانتشار النووي؛ بهدف الحد بفاعلية من إجراءات نقل التقنية العسكرية التي تُستخدم في صنع السلاح النووي، والعمل على عدم زيادة أعضاء النادي النووي. ولكن المشكلات تنشأ عندما تستغلُّ تلك الدول قضية منع الانتشار النووي لتحقيق مصالح وأهداف خاصة؛ وهذا ما عكسته السياسة الأمريكية تجاه قضايا الانتشار النووي وأزماته، التي تعاملت معها وأدارتها خلال المدَّة اللاحقة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر.
ب. في الوقت الذي اتخذت فيه الولايات المتحدة الأمريكية – في ظل إدارة الرئيس جورج بوش الابن- موقفاً خطابيّاً ضد انتشار الأسلحة النووية بصفة عامة، واتهمت الدول المعادية لها بانتهاك معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية بسعيها إلى امتلاك السلاح النووي؛ فإن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ليست بعيدة عن انتهاك أحكام المعاهدة؛ وقد تجلّى ذلك بشكل واضح في تعاونها النووي مع الهند، وهي دول نووية غير موقِّعةٍ على معاهدةَ منع انتشار الأسلحة النووية، كما تجلى في اتخاذها كثيراً من الخطوات الهادفة إلى تطوير أسلحة نووية جديدة.
ثانياً: فيما يتعلق بالإدارة الأمريكية للأزمة النووية الإيرانية
أ. لم تنجح إدارة الرئيس جورج بوش الابن في إدارة الأزمة، وجَعْل إيران تتخلَّى عن أنشطتها النووية، خاصة تلك المتعلقة بتخصيب اليورانيوم؛ وقد وضعت الإدارة الأمريكية هدف تغيير النظام الإيراني سبيلاً وحيداً لوقف طموحات إيران النووية، والتخلص من التهديد الذي تمثله إيران. وعندما أخفقت في تحقيق هذا الهدف، عانت سياستها المتَّبعة في هذا الموضوع قدراً كبيراً من التخبُّط؛ لأنها لم تدرس البدائل الأخرى بشكل جيد، واتضح هذا التخبُّط بشكل كبير حين انتقلت من دبلوماسية تغيير النظام إلى دبلوماسية تغيير سياسات النظام في إطار إدارتها للأزمة.
ب. جاء باراك أوباما، الرئيس الأمريكي، بمقاربة جديدة للتعامل مع إيران، قوامها الاستعداد غير المشروط للحوار مع قادتها لحل أزمتها النووية؛ ومجمل القضايا العالقة بين البلدين أيضاً. صحيح أن هذه المقاربة تمثل تغييراً ملحوظاً في السياسة الأمريكية تجاه إيران مقارنةً بسياسة الإدارة السابقة، ولكن من الصعب النظر إلى دعوة باراك أوباما إلى الحوار مع إيران بأنها ستكون تساهلاً من جانب الإدارة الأمريكية إزاء إيران، أو تقديم تنازلات من طرف واحد؛ فالرئيس الأمريكي عندما طرح هذه المقاربة أكد أن ذلك ينبع من منطلق السعي إلى بناء القوة الأمريكية، واستعادة نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية عبر سياسات جديدة.
ج. جوهر المقاربة الأمريكية الجديدة إزاء إيران سيقوم على الأرجح على سياسة العصا والجزرة معاً؛ إذ أكد الرئيس أوباما – إلى جانب دعوته للحوار- أن جميع الخيارات لا تزال قائمة؛ ما يعني أن سيناريو العقوبات سيكون الأرجح في حال فشل الحوار. ولكن أوباما رأى أنه من الأفضل في المرحلة الأولى إعطاء الأولوية لـ «الجزرة» على حساب العصا، بعكس السياسة التي اتبعتها إدارة جورج بوش الابن. ومع ذلك تبقى التساؤلات مفتوحة بشأن أي نوع من «الجزر» ستكون إدارة أوباما مستعدة لتقديمه إلى إيران؟ وعلى حساب مَن؟
د. لا شك أن الدول العربية طرف رئيسـي معنيٌّ بالسياسة الأمريكية لإدارة الرئيس باراك أوباما تجاه إيران؛ ومن ثمَّ فإن أي حوار أمريكي مع إيران يجب أن يهم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في المقام الأول؛ لأنه يمس صميم معادلة توازن القوى وقضية الأمن في منطقة الخليج.
ثالثًا: أوجه الاختلاف والتشابه في الإدارة الأمريكية لأزمات الانتشار النووي
تناول الكتاب حالات وأزمات محدَّدة تعاملت معها الولايات المتحدة في إطار سياستها تجاه قضايا الانتشار النووي، وقد تشابهت تلك الحالات والأزمات في وجهين رئيسيين هما:
أ. أن كل حالة من الحالات التي تم تناولها توضِّح أن العامل الأمريكي كان العامل المسيطر الذي يؤثر في التطورات النووية الخاصة بها، سواء في مصلحتها أو ضدها؛ فبغضِّ الطرف عمَّا إذا كانت كل هذه الحالات تمثل مشكلة انتشار نووي أم لا، وسواء أكانت الأنشطة النووية ترتبط باستخدامات سلمية للطاقة النووية، أم هي محاولات عسكرية لامتلاك الأسلحة النووية، فإنها قد تأثرت بالسياسة الأمريكية بصورة أو بأخرى.
ب. تأثرت السياسة الأمريكية، في تعاملها مع كل حالة من الحالات التي تناولها الكتاب، بمدركات التهديد والتوجهات السياسية المتصلة بعلاقاتها مع الدول محل تلك الحالات. وقد كانت التوجهات السياسية مؤثرة بشكل أكبر في حالات كالعراق، إضافة إلى إسرائيل والهند؛ حيث تم تحريف مدركات التهديد بفعل نمط العلاقات، أو تشابك المصالح.
وفي النهاية يخلص المؤلف إلى أن إدارة الرئيس جورج بوش الابن لم تستفِد كثيراً من تجربتها مع كوريا الشمالية في إدارة الأزمة النووية مع إيران؛ فكوريا الشمالية استطاعت خلال وقف المفاوضات الوصول إلى مرحلة امتلاك السلاح النووي؛ ومن ثمَّ جعلت سقف التفاوض معها أعلى من السابق بكثير. ومثل هذا السيناريو يمكن أن يتحقق في حالة إيران في ظل توافر عاملين: الأول، إذا كانت هناك رغبة إيرانية حقيقية في امتلاك السلاح النووي، وليس الاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية كما تدَّعي. والثاني، إذا لم تحدث إدارة باراك أوباما تغييرات جدِّية في أسلوب إدارة الأزمة بشكل يختلف عن أسلوب إدارة جورج بوش الابن.