كتاب العدد 605

الحرب الهجينة: اتجاه أكاديمي سائد

مع أن مفهوم “الحرب الهجينة” قد أبصر النور منذ سنوات خلت، فإنه لم يلقَ رواجاً وشيوعاً إلا عندما استخدمه حلف شمال الأطلسي (الناتو) وطوَّعَه في عام 2014، ومنذ هذا الوقت ازداد الإقبال الأكاديمي عليه من دون مقدمات. وقد أدى شيوع المصطلح ورواجه إلى مسارعة الباحثين إلى ركوب الموجة السائدة، في الوقت الذي لم يجتذب فيه سوى اهتمام سطحي ضئيل بمفهومه، وبالظاهرة التي طُبّق عليها. ومن هنا تسعى هذه الدراسة إلى فهم أسباب انتشار هذا المصطلح وتأثيره في مجال الدراسات الاستراتيجية.

وكانت مشاة البحرية الأمريكية أول من أطلق هذا المصطلح في نحو عام 2007، ثم لاقى رواجاً وشيوعاً على الساحة العالمية عندما استخدمه حلف شمال الأطلسي (الناتو) في معرض حديثه عن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وانخراطها في الحرب الأهلية بشرق أوكرانيا في عام 2014. ومنذ ذلك الحين حضر المفهوم باستمرار في مؤلَّفات الأكاديميين والمتخصصين ونقاشاتهم المتعلقة بروسيا أو مستقبل الحرب، أو كليهما. ومع انتشار المصطلح على نطاق واسع، ازداد اللبس والغموض المحيطان بدلالاته، ويبدو اليوم أنه لا مجال لاستخدام المصطلح من دون فهم تاريخ نشأته، والتغييرات التي طالت معناه ومدلوله.

النقد

ومع أن المصطلح ما زال شائعاً ورائجاً لدى الأكاديميين والمتخصصين بالشأنين السياسي والعسكري، فقد زادت الانتقادات الموجهة إليه، بل يمكن القول إن شعبيته بدأت تتراجع. وقد يربط بعضهم بين المصطلح وبداية الحرب الروسية على أوكرانيا، ولكن يبدو الآن أن هذا المفهوم “الحرب الهجينة”، الذي ازداد تركيزه على الجوانب غير العسكرية من الصراع، لا شأن له بنهج روسيا في الحرب، برغم أن الأعمال الروسية في أوكرانيا منذ عام 2014 إلى عام 2021 قد عُدَّت من أولى صور “الحرب الهجينة”. ولكن هذا المفهوم قد بدأ بالأفول قبل ذاك، وقد يُعزَى ذلك إلى دينامياته الداخلية في المقام الأول.

مفهوم «الحرب الهجينة»

وتشير هذه الدراسة إلى أن مفهوم “الحرب الهجينة” قد يعد اتجاهاً سائداً، وظاهرةً قويةً وبعيدة الأثر، إلا أنه في طريقه إلى الزوال. ومع أن المفهوم قد لا يختفي تماماً من النقاشات الأكاديمية، فإنه قد فقد كثيراً من رونقه وجاذبيته، ولا يعني هذا أن علينا أن نتجاوزه ونطوي صفحته، بل إن زيادة الإقبال على استخدام مفهوم، قيل إنه مغلوط وفاسد، ينبغي أن تشجعنا على التأمل في صوغه واستخدامه في الدراسات الاستراتيجية، لأن فهم سبب شيوعه ورواجه وأثر ذلك في البحوث قد يساعدنا على التوصل إلى استنتاجات أبعد أثراً بشأن أهمية المفاهيم ودورها في هذا المجال.

ويُعد مفهوم “الحرب الهجينة” خير مثال لتفهم متى تلقى المفاهيم شيوعاً ورواجاً، فعلى الرغم من أنه قد أبصر النور منذ عام 2007 تقريباً، فإنه لم يسترعِ اهتمام أيٍّ من الأكاديميين قبل عام 2014. ولكن بعدما استخدم الناتو المفهوم في وصف أعمال روسيا في أوكرانيا، كثُر تردُّده على الألسنة باطراد.

وقد أضحى المصطلح بين عشية وضحاها خير توصيف للأعمال الروسية في أوكرانيا، وسياستها الخارجية عموماً، كما يعد هذا المصطلح بمنزلة الأساس الذي تستند إليه التكهنات المتعلقة بسيناريوهات التدخلات الروسية في الأماكن الأخرى مستقبلاً، وبمستقبل الحرب عموماً.

الدراسة

ومن هذا المنطلق، تنظر الدراسة إلى تلك اللحظة من عام 2014 عندما راج مفهوم “الحرب الهجينة” وشاع، وما كان لذلك من آثار وتبعات، وتوضح في البداية المقصود بالمفاهيم الرائجة والشائعة، ولماذا تعد جديرة بالبحث والدراسة، ويتطرق القسم الثاني من الدراسة إلى نشأة المفهوم، وتطويع الناتو له في عام 2014، ويُلقي القسم الثالث نظرةً مفصَّلة إلى تأثير هذا المدلول الجديد للمفهوم في البحوث الأكاديمية، الذي تناولته الدراسات والمؤلَّفات التي نُشرت منذ عام 2014 إلى عام 2021، وتزعم الدراسة أن شيوع مفهوم “الحرب الهجينة” ورواجه قد أدى إلى تسييس البحوث الأكاديمية، وحال دون تعمُّق الباحثين في دراسة المفهوم والظاهرة التي طُبّق عليها.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا القسم قد بيّن ما كسبه المفهوم نفسه من زخم وتأثير، ومن ثم فإن النظر من منظوري الشيوع والرواج يعيننا على فهم الاستخدام الواسع النطاق للمفهوم بفضل دينامياته الداخلية، لا بسبب التمويل. وتتطرق الدراسة أيضاً إلى انعكاسات الطرح العام للمفهوم على صوغ المفاهيم الأخرى، واستخدامها في مجال الدراسات الاستراتيجية عموماً.

معلومات الكتاب

اسم الكتاب: الحرب الهجينة: اتجاه أكاديمي سائد

المؤلفة: كيارا ليبيسلر

الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية

تاريخ النشر: 2022

معلومات المؤلفة

الدكتورة كيارا ليبيسلر

مُحاضِرة في جامعة لايدن الهولندية

نائبة رئيس تحرير مجلة الدراسات الاستراتيجية

حاصلة على دكتوراه في دراسات الحرب

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض