أعلنت المملكة العربية السعودية في ديسمبر 2018 عن تأسيس تحالف يضم دول عربية وافريقية ذات شواطئ بحرية على البحر الأحمر وخليج عدن، مؤكدةً أن هذا الكيان البحري الجديد يهدف إلى امن واستقرار وحماية التجارة العالمية وحركة الملاحة الدولية. لهذه الغاية، عقد سبعة وزراء خارجية من الدول العربية والأفريقية المعنية اجتماعاً في الرياض، ضم ممثلين ومسؤولين، من مصر وجيبوتي والصومال والسودان واليمن والأردن، حيث وافقوا جميعهم على إنشاء كيان بحري إقليمي يضم الدول المشاركة في ذلك الاجتماع.
كان واضحاً منذ البداية ان هذا الكيان البحري الإقليمي من شأنه ان يؤسس لمنظومة استراتيجية تشمل جوانب عديدة، أهمها استقرار وأمن وتجارة واقتصاد وسياحة وبيئة، فضلاً عن ممر آمن للطاقة العالمية من خلال منع واحباط عمليات القرصنة، ونشاطات الميليشيات التخريبية المُحتملة في أي وقت ضد المرافق البحرية الحيوية للدول المطلة على البحر الأحمر.
كما يؤمن هذا الكيان حيزاً جيوستراتيجياً مشتركاً بين الدول المعنية، بما في ذلك امن مضيق باب المندب، لمنع أي قوى خارجية من لعب دور سلبي او عدواني محتمل يسعى الى الاخلال بتلك المنظومة الاستراتيجية المُشتركة بين الدول المطلة على البحر الأحمر.
الميثاق البحري
استكملت الدول المعنية بتحالف البحر الأحمر خطواتها اللاحقة من خلال توقيع )ميثاق مجلس الدول العربية والإفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن،( في السادس من يناير 2020، من قبل ثماني دول عربية وافريقية، هي: السعودية ومصر والأردن والسودان واليمن واريتريا والصومال الفيدرالية وجيبوتي.
كما تقرر أن يدخل ميثاق تأسيس المجلس حيز التنفيذ بعد 90 يوماً من تاريخ تصديق اربع دول على الأقل عليه، كما سيكون مقر أمانته العامة في العاصمة السعودية مدينة الرياض، وسيكون أول أمين عام لهذا المجلس سعودياً.
أهداف المجلس
تتلخص اهداف مجلس الدول العربية والافريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن بما يلي:
حفظ المصالح الاستراتيجية الحيوية المشتركة لدول المجلس.
مواجهة المخاطر الأمنية الإقليمية المحيطة بدول المجلس.
ضمان افضل مستوىً ممكن في مجالات التعاون التنموي والاقتصادي والامني بين كافة الدول المعنية.
اغتنام الفرص البحرية المتوفرة، والاستفادة من الثروات المعدنية والمرافق الساحلية المُتاحة والعمل على تطويرها في المستقبل.
توفير اقصى درجات الرخاء والاستقرار الإقليمي لشعوب ودول إقليم البحر الأحمر.
ابعاد مخاطر العسكرة الخارجية عن هذه المنطقة، حيث يتوفر لدى كل دولة على حدة قدراتها الدفاعية الذاتية، بتنسيق يضمن الحد المطلوب من قبل دول المجلس من اجل حفظ امن واستقرار خطوط نقل الطاقة والتجارة البحرية المتوجهة عبر البحر الأحمر، غرباً نحو أوروبا وشرقاً نحو آسيا.
تعزيز وتنسيق أدوار ومهام وواجبات الأسلحة البحرية لدول المجلس، بهدف مكافحة الإرهاب والقرصنة ومنع عمليات التهريب والتسلل البحري غير المشروع.
اغتنام الفرص الممكنة لعقد اتفاقيات هادفة بين جميع دول الكيان البحري والسعي لتحقيق استكشافات نفطية جديدة، على غرار ما جرى في البحر الأبيض المتوسط.
العمل على إيجاد شراكة استراتيجية بحرية مستقبلية مع دول مجلس التعاون، من خلال عضوية المملكة العربية السعودية في المجلسين )التعاون الخليجي والبحر الأحمر).
التنسيق والتعاون الجماعي وتوحيد الرؤى البحرية المستقبلية مع الأسلحة البحرية العالمية، الامريكية والأوروبية والهندية والصينية وغيرها، لضمان عدم اغلاق ممرات التجارة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب، من قبل أي قوة بحرية اقليمية عدائية تهدف الى التدخل غير المشروع وزعزعة امن واستقرار منطقة حوض البحر الاحمر.
إيجاد آليات عملية لمنع وتسوية الاختلاف في وجهات النظر داخل دول مجلس البحر الأحمر.
منع عمليات الاستقطاب الإقليمي والدولي الضارة بأمن واستقرار دول المجلس، وتوحيد المصالح الوطنية المشتركة بينها.
الأهمية الدفاعية والأمنية
جاء تأسيس «مجلس تحالف البحر الأحمر العربي – الافريقي”، خطوةً استراتيجيةً مستقبليةً في الاتجاه الصحيح من حيث انه يحدد التهديدات الإقليمية ويوفر المتطلبات الدفاعية والأمنية واللوجستية اللازمة لإنجاحه من قبل الدول الأعضاء. حيث يساهم الجميع في هذا المجلس البحري الإقليمي من منظور توافقي، حسب قدراتها وامكانياتها في متطلبات الامن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية من العالم، من اجل الحد من التأثير السلبي للقوى الإقليمية والارهابية التي تهدد عوامل الامن والاستقرار في دول حوض البحر الاحمر.
قد يكون التهديد الضمني الذي تطلب التسريع بإنشاء وتطوير هذا التجمع البحري العربي – الافريقي المطل على البحر الأحمر هو مبدئياً، الخطر الإيراني العدائي الساعي الى ملء الفراغات الجيو سياسية، واستغلالها ضد الامن العربي والافريقي بمنطقة البحر الاحمر. إذْ جاء هذا الإنجاز العربي – الافريقي، مكملاً لما سبقه من تحالفات جرى الإعلان عنها في حينها بمنطقة الخليج العربي على البعدين العربي الإسلامي واهمها: (التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط – الناتو العربي لمكافحة الإرهاب والتهديدات المحيطة)، و(التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب وتنظيم داعش)، و(التحالف العربي – عاصفة الحزم وإعادة الامل) لمنع التدخل الإيراني السافر من خلال الحوثيين في اليمن وخاصرة الجزيرة العربية من الجنوب.
لتأكيد جدية هذا الإعلان البحري الصادر في ديسمبر2018 ، سارعت المملكة العربية السعودية بإجراء تمرين بحري )الموج الأحمر- (1 حيث شاركت به قطع بحرية من دول تحالف البحر الأحمر، في مقر الاسطول السعودي الغربي. تضمن التمرين عدداً من سيناريوهات متعددة الجوانب وتناول الابعاد والمعاضل الدفاعية والأمنية. كان القصد من ذلك التمرين البحري هو(رفع مستوى الجاهزية القتالية لمختلف انواع العمليات البحرية، وتوحيد المفاهيم التكتيكية للقيادة والسيطرة في المجال البحري المغلق للبحر الأحمر).
لعل منع واحباط التدخلات الإقليمية العسكرية البحرية في حوض البحر الأحمر، وبشكل خاص من قبل ايران، التي تسعى الى شق وفصل الساحل الشرقي العربي عن الساحل الغربي الافريقي للبحر الأحمر، من اجل تنفيذ نواياها الخبيثة وتأمين نفوذها البحري التخريبي غرباً نحو منطقة شرق أفريقيا، هو الدافع الرئيس لإنشاء هذا المجلس العربي – الافريقي.
إذْ يسعى هذا التكتل البحري العربي- الافريقي، من الناحيتين الدفاعية والامنية الى قطع الطريق على الاختراقات البحرية الإقليمية من قبل ايران وغيرها، الساعية الى إنشاء تحالفات ومحطات وموانئ بحرية على الجانب الافريقي للبحر الاحمر، من اجل اضعاف الصلات الاستراتيجية العربية (السعودية واليمنية) مع دول القرن الافريقي.
هذه الصبغة الاستراتيجية والدفاعية والأمنية، العربية – الافريقية، لا يمكن اضفاؤها على كامل حوض البحر الأحمر من اليمن جنوباً الى مصر شمالاً، ومن السعودية والاردن شرقاَ، الى دول القرن الافريقي غرباً، سوى هذا المجلس الذي جاء في الزمان والمكان المناسبين. فهذا المجلس، من شأنه ان يعزز آفاق التعاون والتنسيق وتبادل المعلومات الحيوية للقوات البحرية العربية التابعة للدول المطلة على البحر الأحمر. فضلاً عن انشاء غرفة عمليات بحرية مركزية مشتركة لإدارة شؤون العمليات والتدريب في زمن الحرب والسلم، من اجل مكافحة اعمال القرصنة البحرية والتهريب والاتجار بالبشر. ومن المحتمل ان يتم مستقبلاً، ربط وتشغيل مراكز قيادة وسيطرة فرعية لدول المجلس، مع غرفة العمليات البحرية المركزية، لتوحيد وتحديث صورة الموقف العسكري البحري على مدار الساعة، سعياً الى التعاون والتنسيق البحري مع بحريات الدول الكبرى كالولايات المتحدة واوروبا وغيرها، لدعم منظومة الامن والاستقرار الإقليمي ضد أي مخاطر مستقبلية، اذا لزم الامر.
كما ان من اهم عوامل القوة الدفاعية والأمنية للمجلس، تشكيل قوة واجب بحرية ضاربة مختلطة من كافة دول العالم، لضمان امن البحر الأحمر وما حوله، بدءاً من المحيط الهندي شرقاً الى البحر المتوسط غرباً.
هذه النظرة الاستراتيجية المستقبلية، تتطلب التفكير ببناء منظومة مراقبة وانذار واتصالات بحرية – جوية لدعم العمليات البحرية من الجو، في مجال الدوريات البحرية والكشف عن الاختراقات البحرية وتبادل المعلومات المشتركة حول التهديدات بكافة أنواعها واحجامها ومصادرها.
لخدمة هذا الغرض، لا بد من تخطيط واجراء مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة شاملة، بحيث تركز على افضل الحلول لمعاضل بحرية متعددة، وفي مقدمتها تفعيل عمليات البحث والإنقاذ عند حدوث كوارث طبيعية وصناعية جسيمة تهدد سلامة النقل البحري والسفن في البحر الأحمر.
رؤى مستقبلية
عندما تتنافس التوجهات الدولية والإقليمية نحو استثمار البحار، وتتضارب الاجندة السياسية حول المجالات البحرية العالمية، تبقى الطموحات الإيجابية التعاونية للدول المطلة على البحر الأحمر هي الدافع والمحرك لتحقيق النموذج الافضل لخدمة الأجيال والشعوب في المستقبل، بدلاً من نموذج الصراعات المسلحة والحروب بالوكالة وسياسات الهيمنة والتحكم والتفرد والتدخل، كما تفعل ايران والإرهاب منذ عدة عقود.
هذه الرؤية المستقبلية الواعدة، هي ما تجسد فعلياً من خلال إنشاء )المجلس الأفرو- عربي( للدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن. لعل الكثير من الترتيبات والتحالفات البحرية الناجحة في مناطق العالم الأخرى كانت قد بدأت فكرةً بسيطةً تتناول جوانب محدودة، ثم توسع نطاقها وتطورت مع الزمن، من حيث السياسات والبرامج وتعريف التهديدات ودرء المخاطر القريبة والبعيدة المحيطة بالكيان البحري الإقليمي الموحد.
هنا يبدو ان مكافحة القرصنة والجرائم البحرية والتسلل غير المشروع وتهريب المحظورات ستكون مستقبلاً من اهم توجهات المجلس العربي – الافريقي للبحر الأحمر، فضلاً عن تأمين سبل العيش الكريمة للشعوب التي تعيش على الشواطئ البحرية، عن طريق صيد الأسماك واستخراج الثروات البحرية بكافة أنواعها واشكالها.
بتوقيع ميثاق مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن في السادس من يناير 2020، بدأت فعلاً لا قولاً مرحلةً تاريخيةً مستقبلية جديدة، لمشروع كان حلماً طال انتظاره منذ عام 1956، عندما اتفقت هذه الدول مؤخراً على تأسيس هذا الكيان البحري الإقليمي على البعدين الاستراتيجي والتشغيلي.
فالسعودية ومصر والسودان واليمن والأردن والصومال وإريتريا وجيبوتي، أقدمت اخيراً بجرأة وشجاعة على رسم وبناء حقبة جديدة، تتطلع من خلالها الى تحقيق “مناعة سياسية وأمنية مستقبلية” في سبيل ابطال مفعول اخطار جسيمة قد تعصف بالمنطقة، «اذا ما تُرِك الحبل على الغارب «كما تشاء النوايا العدوانية السيئة الايرانية والارهابية المحيطة بحوض البحر الأحمر.
في المستقبل القريب، سوف تتمخض هذه الخطوة الاستراتيجية، عن رسم مخططات لمسارات مستقبلية عديدة للتعاون والتنسيق في مجالات التنمية المستدامة والسياحة والبيئة وسد الثغرات والفراغات الأمنية وغير ذلك.
لدى تناول هذا السياق المستقبلي، لا بد من ادراك ان ثمة تحديات ديموغرافية وجغرافية واقتصادية تكمن في منطقة البحر الاحمر على الضفتين العربية والافريقية. إذْ يعيش نحو 230 مليون نسمة في دول هذا المجلس، التي تبلغ مساحتها نحو ستة ملايين ونصف المليون كيلومتراً مربعاً، مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الذي لا يتجاوز 1.2 تريليون دولار، الذي تساهم المملكة العربية السعودية فيه بأكثر من 60 في المائة. فمعظم دول مجلس البحر الأحمر، كيانات اقتصادية فقيرة أو محدودة الموارد الاقتصادية والتنموية والدفاعية، لكن الوقت قد حان لرسم خارطة طريق تنموية طويلة المدى من اجل تلك الدول التي تحتاج الى تنمية بشرية واقتصادية جادة.
في الختام، لابد من القول ان أهمية البحر الأحمر تبقى كبيرة مع مرور الوقت، لا سيما وهو يربط بين مضيق حيوي مهم وهو باب المندب، وممر مائي استراتيجي عالمي وهو قناة السويس، حيث يمرّ من خلالهما نحو عشرة في المائة من التجارة العالمية، وأربعة ملايين برميل من النفط يومياً. لكنهما ما زالا مهددان من الناحيتين الأمنية الدفاعية في أي وقت من قبل الغرباء، ما يتسبب بتعطيل التجارة العالمية البحرية مستقبلاً، شرقاً وغرباً نتيجةً لتحديات ومخاطر جسيمة تحيط بدول المنطقة من كافة الاتجاهات.
موسى القلاب (خبير استراتيجي وعسكري)