isolated Jihadi

الجهود الدولية لمكافحة التـطرف الرقمي

تمثل‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬لمكافحة‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬الرقمي‭ ‬ضرورة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬الدوليين،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬تصاعد‭ ‬التوظيف‭ ‬السلبي‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والإرهابية‭ ‬للثورة‭ ‬الاتصالية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الفكر‭ ‬المتطرف‭ ‬والتجنيد‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والتخطيط‭ ‬والإعداد‭ ‬للقيام‭ ‬بالأعمال‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬الأبرياء‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬حول‭ ‬العالم‭.‬

يشير‭ ‬التطرف‭ ‬الرقمي‭ ‬إلى‭ ‬المحتوى‭ ‬الذي‭ ‬يحرض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توظيف‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬والهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬والخدمات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬المرتبطة‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬وبث‭ ‬واستقبال‭ ‬وإنشاء‭ ‬المواقع‭ ‬والخدمات‭ ‬التي‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬ترويج‭ ‬المواد‭ ‬الفكرية‭ ‬المغذية‭ ‬للتطرف‭ ‬الفكري‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬العنف،‭ ‬ووفقاً‭ ‬لهذا‭ ‬المفهوم،‭ ‬فإن‭ ‬أدوات‭ ‬التطرف‭ ‬الرقمي،‭ ‬تشمل‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬

1‭ ‬ – وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭:‬‭ ‬بأنواعها‭ ‬المختلفة،‭ ‬والتي‭ ‬تشير‭ ‬الإحصائيات‭ ‬إلى‭ ‬تزايد‭ ‬أعداد‭ ‬مستخدميها‭ ‬بصورة‭ ‬لافتة،‭ ‬فوفقاً‭ ‬لتقرير‭ ‬أصدرته‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬Hootsuite‮»‬‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬الإنترنت‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬فإن‭ ‬عدد‭ ‬المستخدمين‭ ‬النشيطين‭ ‬لمختلف‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬ارتفع‭ ‬ليسجل‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر2020‭ ‬حوالي‭ ‬4‭.‬14‭ ‬مليار‭ ‬مستخدم‭ ‬نشط،‭ ‬بما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬نصف‭ ‬سكان‭ ‬العالم،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الأدوات‭ ‬التي‭ ‬تلجأ‭ ‬إليها‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والإرهابية‭ ‬لنشر‭ ‬أفكارها‭ ‬وتحقيق‭ ‬أهدافها،‭ ‬خاصة‭ ‬أنها‭ ‬تتسم‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬والفاعلية،‭ ‬وتسمح‭ ‬بإنشاء‭ ‬وتبــادل‭ ‬المحتــوى‭ ‬الرقمي‭ ‬المتطرف‭ ‬بكل‭ ‬سهولة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬القواعد‭ ‬والقوانين‭ ‬المنظمة‭ ‬لها،‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬تمثل‭ ‬الوسيلة‭ ‬الأسرع‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬المحتوى‭ ‬الرقمي‭ ‬المتطرف،‭ ‬وانتقاله‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬لأخرى،‭ ‬والأهم‭ ‬أيضاً‭ ‬أنها‭ ‬تتسم‭ ‬بالمجانية،‭ ‬فلا‭ ‬يحتاج‭ ‬نشر‭ ‬محتوى‭ ‬رقمي‭ ‬متطرف‭ ‬إلى‭ ‬إمكانات‭ ‬مادية،‭ ‬فيكفي‭ ‬الاشتراك‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المواقع،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تأسيس‭ ‬مجموعة‭ ‬أو‭ ‬عدة‭ ‬مجموعات‭ ‬تقوم‭ ‬بنشر‭ ‬محتوى‭ ‬متطرف‭ ‬أو‭ ‬يحرض‭ ‬على‭ ‬العنف‭. ‬

2‭ ‬ – تطبيقات‭ ‬المراسلة‭:‬‭ ‬تمثل‭ ‬أحد‭ ‬الخيارات‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬تلجأ‭ ‬إليها‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة،‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬أفكارها‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬عناصرها،‭ ‬ويأتي‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬هذه‭ ‬التطبيقات‭ ‬‮«‬تليجرام‭ ‬ماسينجر‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬يتم‭ ‬توظيفه‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬الإرهابي‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬كمنتدى‭ ‬تنسيقي‭ ‬مركزي،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التطبيق‭ ‬يتمتع‭ ‬بمزايا‭ ‬نسبية‭ ‬أهمها‭ ‬أنه‭ ‬يتيح‭ ‬إمكانية‭ ‬إنشاء‭ ‬دردشات‭ ‬المجموعة‭ ‬مع‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬مستخدم‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬تطبيق‭ ‬‮«‬واتساب‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يحدد‭ ‬عدد‭ ‬المستخدمين‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬الدردشة‭ ‬بـ256‭ ‬شخصاً‭ ‬على‭ ‬الأكثر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬منه‭ ‬التطبيق‭ ‬الأكثر‭ ‬خطورة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنشر‭ ‬المحتوى‭ ‬الرقمي‭ ‬المتطرف‭. ‬

3‭ ‬ – التطبيقات‭ ‬الإلكترونية‭: ‬اتجهت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والتنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬إلى‭ ‬التطبيقات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التي‭ ‬تتيحها‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬أفكارها‭ ‬المتطرفة‭ ‬والترويج‭ ‬لأيديولوجياتها،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬فإن‭ ‬تطبيق‭ ‬‮«‬يورو‭ ‬فتوى‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬أطلقه‭ ‬المجلس‭ ‬الأوروبي‭ ‬للإفتاء‭ ‬والبحوث‭ (‬ECFR‭)‬،‭ ‬إحدى‭ ‬أذرع‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬التطبيقات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تنزيلها‭ ‬بشكل‭ ‬متكرر‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬حالة‭ ‬الإغلاق‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬جائحة‭ ‬‮«‬Covid-19‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬أنحاء‭ ‬أوروبا‭ ‬إلى‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التطبيق‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬بعض‭ ‬الفتاوى‭ ‬والاستفسارات‭ ‬الدينية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وهولندا‭ ‬والسويد‭ ‬وفنلندا‭ ‬وآيرلندا،‭ ‬لكن‭ ‬لوحظ‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬أن‭ ‬المحتوى‭ ‬الذي‭ ‬ينشره‭ ‬هذا‭ ‬التطبيق‭ ‬يروج‭ ‬لبعض‭ ‬الأفكار‭ ‬المتطرفة‭ ‬ويحرص‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬والاستخبارات‭ ‬الأوروبية‭ ‬إلى‭ ‬مطالبة‭ ‬شركتي‭ ‬جوجل‭ ‬وآبل‭ ‬بإغلاقه،‭ ‬ووصل‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬‮«‬هانز‭ ‬جاكوب‭ ‬شندلر‮»‬،‭ ‬مدير‭ ‬مشروع‭ ‬مكافحة‭ ‬التطرف‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬اتهم‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬بالفشل‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬المحتوى‭ ‬المتطرف،‭ ‬نتيجة‭ ‬استمرار‭ ‬هذا‭ ‬التطبيق‭ ‬الذي‭ ‬ينتشر‭ ‬بصورة‭ ‬كبيرة‭ ‬بين‭ ‬أوساط‭ ‬الجاليات‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭. ‬

ومن‭ ‬التطبيقات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تحظى‭ ‬بالانتشار‭ ‬بصورة‭ ‬لافتة‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬2020،‭ ‬تطبيق‭ ‬‮«‬كلوب‭ ‬هاوس‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬تطبيقات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والذي‭ ‬يمكن‭ ‬دخوله‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعوة‭ ‬فقط،‭ ‬ويسمح‭ ‬للأعضاء‭ ‬بالانضمام‭ ‬إلى‭ ‬غرف‭ ‬افتراضية‭ ‬لإجراء‭ ‬مناقشات‭ ‬صوتية‭ ‬حول‭ ‬مختلف‭ ‬الموضوعات‭. ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الكتابة،‭ ‬فإن‭ ‬النظام‭ ‬الأساسي‭ ‬لهذا‭ ‬التطبيق‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الصوت،‭ ‬وليس‭ ‬النص،‭ ‬مما‭ ‬يجعله‭ ‬يبدو‭ ‬وكأنه‭ ‬‮«‬بودكاست‮»‬‭ ‬تفاعلي‭ ‬أو‭ ‬مكالمة‭ ‬جماعية،‭ ‬كما‭ ‬يتيح‭ ‬لمستخدميه‭ ‬إجراء‭ ‬محادثات‭ ‬صوتية‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬غرف‭ ‬مغلقة،‭ ‬وإقامة‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الغرف‭ ‬الحوارية‭ ‬بداخله‭. ‬وتكمن‭ ‬خطورة‭ ‬هذا‭ ‬التطبيق‭ ‬بالأساس‭ ‬من‭ ‬احتمال‭ ‬توظيفه‭ ‬بشكل‭ ‬سلبي‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والإرهابية‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الأفكار‭ ‬الهدامة‭ ‬التي‭ ‬تزعزع‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمعات‭. ‬

التطرف‭ ‬الرقمي‭ ‬وتصاعد‭ ‬الإرهاب

لا‭ ‬يمكن‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬ظاهرة‭ ‬التطرف‭ ‬الرقمي‭ ‬التي‭ ‬تجد‭ ‬رواجاً‭ ‬وانتشاراً‭ ‬كبيرين‭ ‬في‭ ‬المنصات‭ ‬الرقمية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وبين‭ ‬تصاعد‭ ‬خطر‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬فالتنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬النشء‭ ‬والشباب‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬الأزمات‭ ‬والصراعات‭ ‬وتسعى‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإغراءات‭ ‬لتجنيدهم‭ ‬وتحريضهم‭ ‬على‭ ‬العنف،‭ ‬تمثل‭ ‬العامل‭ ‬الرئيسي‭ ‬وراء‭ ‬استمرار‭ ‬خطر‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬مخاطر‭ ‬التطرف‭ ‬الرقمي‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬المحتوى‭ ‬الإلكتروني‭ ‬الذي‭ ‬يروج‭ ‬للأفكار‭ ‬والأيديولوجيات‭ ‬التي‭ ‬تغذي‭ ‬العنف‭ ‬وتحرض‭ ‬على‭ ‬الكراهية،‭ ‬وإنما‭ ‬تتضمن‭ ‬أيضاً‭ ‬الجوانب‭ ‬التالية‭:‬

1‭ ‬ – استهداف‭ ‬النشء‭ ‬والشباب‭ ‬باعتبارهم‭ ‬الأكثر‭ ‬قابلية‭ ‬للانجذاب‭ ‬إلى‭ ‬الفكر‭ ‬المتطرف‭:‬‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تلجأ‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والإرهابية‭ ‬إلى‭ ‬توظيف‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الفكر‭ ‬المتطرف‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع،‭ ‬وتحديداً‭ ‬بين‭ ‬فئة‭ ‬النشء‭ ‬والشباب،‭ ‬والذين‭ ‬يعتبرون‭ ‬الأكثر‭ ‬قابلية‭ ‬لتقبل‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الأفكار،‭ ‬إما‭ ‬بسبب‭ ‬نقص‭ ‬الوعي‭ ‬والمعرفة‭ ‬وإما‭ ‬نتيجة‭ ‬ميلهم‭ ‬إلى‭ ‬المغامرة،‭ ‬وليس‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الذين‭ ‬انضموا‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬الإرهابي‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بأيديولوجيته‭ ‬الفكرية‭ ‬المتطرفة،‭ ‬وإنما‭ ‬كانت‭ ‬لديهم‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬المغامرة‭ ‬وخوض‭ ‬تجارب‭ ‬جديدة‭ ‬عليهم‭. ‬

وفي‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬تشير‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة،‭ ‬وخاصة‭ ‬‮«‬القاعدة‮»‬‭ ‬و«داعش‮»‬‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬النشء‭ ‬والشباب،‭ ‬وتستغل‭ ‬انشغالهم‭ ‬المستمر‭ ‬بوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والتطبيقات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬ومنصات‭ ‬التراسل‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬عليهم‭ ‬و‮«‬غسل‭ ‬أدمغتهم‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬محتوى‭ ‬رقمي‭ ‬متطرف‭. ‬وحسب‭ ‬تقرير‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬‮«‬أكاديمية‭ ‬الإعلام‭ ‬الجديد‮»‬‭ ‬بدبي‭ ‬حول‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬%79‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المختلفة‭ ‬للاطلاع‭ ‬على‭ ‬الأخبار‭ ‬اليومية،‭ ‬كما‭ ‬يصل‭ ‬متوسط‭ ‬استخدام‭ ‬الفرد‭ ‬يومياً‭ ‬لوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬3‭-‬5‭ ‬ساعات‭ ‬يومياً،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬منهم‭ ‬هدفاً‭ ‬سهلاً‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬‮«‬صيداً‭ ‬ثميناً‮»‬‭ ‬لاجتذابهم‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والإرهابية‭. ‬ويُعدّ‭ ‬‮«‬تويتر‮»‬‭ ‬أهم‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الأكثر‭ ‬سهولة‭ ‬ومرونةً‭ ‬في‭ ‬الاستخدام،‭ ‬وبات‭ ‬الوسيلةَ‭ ‬المفضلةَ‭ ‬لدى‭ ‬الأفراد‭ ‬والمنظمات‭ ‬التي‭ ‬تستخدمه‭ ‬لإغراء‭ ‬المقاتلين‭ ‬الأجانب‭ ‬المحتملين‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬داعش‮»‬،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭.‬

2‭ ‬ – التجنيد‭ ‬الإلكتروني‭:‬‭ ‬تلجأ‭ ‬المنظمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬إلى‭ ‬الشبكة‭ ‬العنكبوتية‭ ‬لاصطياد‭ ‬ما‭ ‬أمكن‭ ‬من‭ ‬مؤيدين‭ ‬لتعظيم‭ ‬نشاطاتها‭ ‬وتوسيع‭ ‬شبكة‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬فمع‭ ‬انهيار‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬وما‭ ‬تبعه‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬قوته‭ ‬البشرية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬التي‭ ‬خاضها‭ ‬أو‭ ‬نتيجة‭ ‬انسحاب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أعضائه‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يعودوا‭ ‬مقتنعين‭ ‬بأيديولوجيته‭ ‬وأفكاره،‭ ‬بدأ‭ ‬التنظيم‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬التجنيد‭ ‬الإلكتروني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كسب‭ ‬أعضاء‭ ‬جدد،‭ ‬وتحديداً‭ ‬فئة‭ ‬النشء‭ ‬والشباب‭. ‬وجاءت‭ ‬جائحة‭ ‬‮«‬كوفيد19‮»‬‭ ‬لتشكل‭ ‬فرصة‭ ‬لتنظيمي‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬و«القاعدة‮»‬‭ ‬لتجنيد‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأنصار‭ ‬والمؤيدين‭ ‬والأتباع،‭ ‬فاستغلتا‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬صاحبت‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة،‭ ‬الحجر‭ ‬المنزلي،‭ ‬والتعليم‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬والعمل‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬وتزايد‭ ‬عدد‭ ‬الساعات‭ ‬التي‭ ‬يقضيها‭ ‬الطلاب‭ ‬والموظفون‭ ‬والأشخاص‭ ‬العاديون‭ ‬بوجه‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬المخطط،‭ ‬بل‭ ‬والأخطر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أن‭ ‬تنظيم‭ ‬‮«‬داعش‮»‬‭ ‬أصبح‭ ‬يستغل‭ ‬المنصات‭ ‬الرقمية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وخاصة‭ ‬‮«‬فيسبوك‮»‬‭ ‬و«تويتر‮»‬‭ ‬في‭ ‬تجنيد‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬الذئاب‭ ‬المنفردة‮»‬،‭ ‬وتحريضها‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بعمليات‭ ‬إرهابية،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬في‭ ‬الأعوام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭. ‬

3‭ ‬ – التحريض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬وبث‭ ‬الكراهية‭: ‬إن‭ ‬توظيف‭ ‬المنصات‭ ‬الرقمية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والتطبيقات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬في‭ ‬التحريض‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬وبث‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة،‭ ‬وإنما‭ ‬يمتد‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬والغرب‭ ‬بوجه‭ ‬عام،‭ ‬فالعمل‭ ‬الإرهابي‭ ‬الذي‭ ‬استهدف‭ ‬مسجدين‭ ‬وسط‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬كرايست‭ ‬تشرش‮»‬‭ ‬في‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬وأدى‭ ‬إلى‭ ‬مقتل‭ ‬نحو‭ ‬خمسين‭ ‬وإصابة‭ ‬العشرات‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬2019‭ ‬هو‭ ‬نتاج‭ ‬لخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬الذي‭ ‬يتبناه‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬ضد‭ ‬الجاليات‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭. ‬فقد‭ ‬قام‭ ‬منفذ‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬الإرهابية‭ ‬ببثها‭ ‬على‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتم‭ ‬تداولها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬عالمياً‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬حظرها،‭ ‬لتؤكد‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬غياب‭ ‬المعايير‭ ‬والضوابط‭ ‬المنظمة‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬مكافحة‭ ‬بثّ‭ ‬محتويات‭ ‬متطرفة‭ ‬وإرهابية‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬خلصت‭ ‬إليه‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬أعدتها‭ ‬مؤسسة‭ ‬‮«‬أماديو‭ ‬أنطونيو‮»‬‭ ‬الألمانية‭ ‬التي‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المتطرفين‭ ‬حينما‭ ‬يقوموا‭ ‬ببث‭ ‬جرائمهم،‭ ‬فإنهم‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬جذب‭ ‬اهتمام‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والإنترنت‭.‬

4‭ ‬ – الإعداد‭ ‬لتنفيذ‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية‭:‬‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تستغل‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والتنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التطبيقات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬في‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬عناصرها‭ ‬والإعداد‭ ‬لتنفيذ‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الإرهابية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حذر‭ ‬منه‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬‮«‬حالة‭ ‬واتجاهات‭ ‬الإرهاب‭ ‬لعام‭ ‬2020‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتطبيقات‭ ‬المراسلة،‭ ‬أسهمت‭ ‬بدور‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬التخطيط‭ ‬والتنفيذ‭ ‬للهجمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تقنيات‭ ‬التشفير‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬عملياً‭ ‬على‭ ‬السلطات‭ ‬تتبع‭ ‬الاتصالات‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت،‭ ‬ما‭ ‬أعطى‭ ‬غطاء‭ ‬للإرهابيين‭ ‬للتخطيط‭ ‬لعملياتهم‭ ‬بحرية‭.‬

الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬التطرف‭ ‬الرقمي،‭ ‬والإرهاب‭ ‬المصاحب‭ ‬له،‭ ‬يمثل‭ ‬أحد‭ ‬التهديدات‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأنه‭ ‬يمثل‭ ‬استنزافاً‭ ‬مستمراً‭ ‬لقدرات‭ ‬الدول‭ ‬وتهديد‭ ‬أمنها‭ ‬الشامل‭ ‬وإنهاك‭ ‬اقتصادها،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضاً‭ ‬لأنه‭ ‬يندرج‭ ‬ضمن‭ ‬حروب‭ ‬الجيل‭ ‬الرابع‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬جعل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬مفرغة‭ ‬من‭ ‬الأزمات،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬للفضاء‭ ‬الرقمي‭ ‬كوسيلة‭ ‬لإحياء‭ ‬الصدام‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭ ‬وصراع‭ ‬الحضارات‭ ‬والإساءة‭ ‬إلى‭ ‬المقدسات‭ ‬الدينية،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬التصدي‭ ‬للتطرف‭ ‬الرقمي‭ ‬والإرهاب‭ ‬المصاحب‭ ‬له‭ ‬بات‭ ‬يمثل‭ ‬أولوية‭ ‬لدى‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬وهناك‭ ‬بالفعل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التحركات‭ ‬الإيجابية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭:‬

1‭ ‬ – تبنى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أبريل‭ ‬2021‭ ‬قيوداً‭ ‬مشددة‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لإزالة‭ ‬المحتوى‭ ‬المرتبط‭ ‬بالإرهاب‭ ‬على‭ ‬منصاتها،‭ ‬حيث‭ ‬أعطى‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوروبي‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬لدول‭ ‬الاتحاد‭ ‬لفرض‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬على‭ ‬المنصات‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬إزالة‭ ‬الرسائل‭ ‬والصور‭ ‬ومقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬‮«‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الإرهابي‮»‬‭ ‬خلال‭ ‬ساعة‭ ‬فقط‭. ‬ويمهد‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬الطريق‭ ‬لتطبيق‭ ‬هذه‭ ‬القيود‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬العام‭ ‬المقبل‭ ‬2022‭. ‬وهذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الأوروبية‭ ‬تستجيب‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬لمطالب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬بضرورة‭ ‬التحرك‭ ‬لفرض‭ ‬رقابة‭ ‬مشددة‭ ‬على‭ ‬المنصات‭ ‬الرقمية‭ ‬والتطبيقات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تستخدم‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الجماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والإرهابية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬التجنيد‭ ‬أو‭ ‬التمويل‭ ‬أو‭ ‬التخطيط‭ ‬لشن‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬الإرهابية‭.‬

2‭ ‬ – ‮«‬نداء‭ ‬كرايست‭ ‬شيرش‮»‬،‭ ‬للقضاءِ‭ ‬على‭ ‬المحتوى‭ ‬الإرهابي‭ ‬والمتطرف‭ ‬العنيف‭ ‬على‭ ‬الإنترنت،‭ ‬والذي‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الاجتماع‭ ‬الذي‭ ‬ضم‭ ‬رئيسة‭ ‬وزراء‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬‮«‬جاسيندا‭ ‬آردرن‮»‬،‭ ‬والرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬‮«‬إيمانويل‭ ‬ماكرون‮»‬‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬مايو‭ ‬2019‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬وحضره‭ ‬قادة‭ ‬دول‭ ‬ورؤساء‭ ‬تنفيذيون‭ ‬لشركاتٍ‭ ‬تكنولوجية،‭ ‬وتعهدوا‭ ‬خلاله‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬القضاءِ‭ ‬على‭ ‬المحتوى‭ ‬الإرهابي‭ ‬والمتطرف‭ ‬العنيف‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭. ‬وتُعد‭ ‬قمة‭ ‬‮«‬كرايست‭ ‬شيرش‮»‬‭ ‬محاولة‭ ‬لتقييد‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬التطرف‭ ‬والتحريض‭ ‬على‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الهجمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬‮«‬كرايست‭ ‬شيرش‮»‬‭ ‬في‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2019‭. ‬وقد‭ ‬شكل‭ ‬هذا‭ ‬النداء‭ ‬البداية‭ ‬لتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬لمكافحة‭ ‬المحتويات‭ ‬الإرهابية‭ ‬والمتطرفة‭ ‬العنيفة‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭.‬

3‭ ‬ – فرض‭ ‬غرامات‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬مزودي‭ ‬خدمة‭ ‬الإنترنت،‭ ‬قدمت‭ ‬المفوضية‭ ‬الأوروبية،‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2018،‭ ‬اقتراحاً،‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬مبادرات‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬لتعزيزِ‭ ‬التعاون‭ ‬التطوعي‭ ‬لمقدمي‭ ‬الخدمات،‭ ‬لوقف‭ ‬نشر‭ ‬المحتوى‭ ‬الإرهابي‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬تلك‭ ‬الخاصة‭ ‬بمنتدى‭ ‬الإنترنت،‭ ‬التابع‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬ووحدة‭ ‬الإحالة‭ ‬لمحتويات‭ ‬الإنترنت،‭ ‬التابعة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬مطالب‭ ‬أوروبية‭ ‬عديدة‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬فرض‭ ‬غرامات‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬مزودي‭ ‬الخدمة،‭ ‬بهدف‭ ‬إجبارهم‭ ‬على‭ ‬إزالة‭ ‬المحتوى‭ ‬غير‭ ‬القانوني،‭ ‬ومنع‭ ‬إعادة‭ ‬التحميل،‭ ‬في‭ ‬أسرع‭ ‬وقت،‭ ‬مثل‭ ‬القانون‭ ‬الألماني‭ ‬الخاص‭ ‬بحماية‭ ‬الحقوق‭ ‬على‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ (‬NetzDG‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬مكافحة‭ ‬التحريض،‭ ‬ونشر‭ ‬الأخبار‭ ‬الوهمية،‭ ‬على‭ ‬شبكاتِ‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والذي‭ ‬تم‭ ‬اعتماده‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2017‭.‬

4‭ ‬ – إطلاق‭ ‬منتدى‭ ‬الإنترنت‭ ‬التابع‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2015،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتعاونِ‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬‮«‬يوتيوب‮»‬‭ ‬و»تويتر‮»‬‭ ‬و»مايكروسوفت‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬التصدي‭ ‬للمحتوى‭ ‬الذي‭ ‬يحرض‭ ‬على‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب،‭ ‬ويقوم‭ ‬هذا‭ ‬المنتدى‭ ‬بجمع‭ ‬‮«‬بصمات‭ ‬رقمية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬رموز‮»‬‭ ‬للمحتوى‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬مؤشرات‭ ‬أنه‭ ‬ذو‭ ‬طابع‭ ‬متطرف‭ ‬أو‭ ‬إرهابي،‭ ‬وبمجرد‭ ‬تحديد‭ ‬المحتوى،‭ ‬يتم‭ ‬منع‭ ‬تحميل‭ ‬الصور‭ ‬أو‭ ‬مقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭. ‬وتستهدف‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬تشجيع‭ ‬شركات‭ ‬الإنترنت‭ ‬على‭ ‬تكثيف‭ ‬جهودها‭ ‬الخاصة‭ ‬برصد‭ ‬المحتوى‭ ‬الرقمي‭ ‬المتطرف‭ ‬على‭ ‬منصاتها،‭ ‬وإزالته‭ ‬بأقصى‭ ‬سرعة‭. ‬

5‭ ‬ – الجهود‭ ‬العربية‭ ‬لمكافحة‭ ‬التطرف‭ ‬الرقمي‭:‬‭ ‬تفاعلت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬مكافحة‭ ‬التطرف‭ ‬الرقمي،‭ ‬وهناك‭ ‬بالفعل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬الرائدة‭ ‬والمهمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬تجربة‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬مركز«صواب‮»‬‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2015،‭ ‬وهو‭ ‬مبادرة‭ ‬تفاعلية‭ ‬للتراسل‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬تهدف‭ ‬الى‭ ‬دعم‭ ‬جهود‭ ‬التحالف‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬حربه‭ ‬ضد‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب،‭ ‬ويتطلع‭ ‬المركز‭ ‬إلى‭ ‬إيصال‭ ‬أصوات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬وغير‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬ممن‭ ‬يرفضون‭ ‬ويقفون‭ ‬ضد‭ ‬الممارسات‭ ‬الإرهابية‭ ‬والأفكار‭ ‬الكاذبة‭ ‬والمضللة‭ ‬التي‭ ‬يروجها‭ ‬أفراد‭ ‬التنظيم،‭ ‬كما‭ ‬يعمل‭ ‬مركز‭ ‬صواب‭ ‬على‭ ‬تسخير‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬والإعلام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تصويب‭ ‬الأفكار‭ ‬الخاطئة‭ ‬ووضعها‭ ‬في‭ ‬منظورها‭ ‬الصحيح‭. ‬وهناك‭ ‬أيضاً‭ ‬مبادرة‭ ‬‮«‬المركز‭ ‬العالمي‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفكر‭ ‬المتطرف‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬اعتدال‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬أطلقته‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2017،‭ ‬والذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬مكافحة‭ ‬المحتوى‭ ‬المتطرف‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اعتراض‭ ‬تحميل‭ ‬أي‭ ‬محتوى‭ ‬متطرف‭ ‬وإزالته‭. ‬

في‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬التحرك‭ ‬الدولي‭ ‬المتسارع‭ ‬لمواجهة‭ ‬التطرف‭ ‬الرقمي‭ ‬بمظاهره‭ ‬السابق‭ ‬الإشارة‭ ‬إليها،‭ ‬وفرض‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬على‭ ‬المنصات‭ ‬الرقمية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والتطبيقات‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬والحيلولة‭ ‬دون‭ ‬إساءة‭ ‬استغلالها‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬والجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬يمثل‭ ‬ضرورة‭ ‬لتعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬الدوليين،‭ ‬لأنه‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬نشر‭ ‬المحتوى‭ ‬المتطرف‭ ‬والإرهابي،‭ ‬ويسد‭ ‬ثغرات‭ ‬قائمة‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات‭ ‬أمام‭ ‬تجنيد‭ ‬الشباب‭ ‬والزج‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬وصراعات‭ ‬باسم‭ ‬الدين،‭ ‬والأهم‭ ‬أنه‭ ‬يتصدى‭ ‬لمحاولات‭ ‬نشر‭ ‬الكراهية‭ ‬والصدام‭ ‬بين‭ ‬الأديان‭ ‬والثقافات‭. ‬

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض