في شهر مارس من العام 2018، صرح وكيل وزير الدفاع الأمريكي للأبحاث والهندسة أن القدرات فرط الصوتية ستكون على رأس أولوياته. وفي شهر يوليو 2020، عادت ألين إم لورد، وكيل وزير الدفاع الأمريكي للاستحواذ والاستدامة لتؤكد أن “الأسلحة فرط الصوتية والأنظمة المضادة لها ستبقى من ضمن أعلى أولويات التطوير التكنولوجي بوزارة الدفاع”. فروسيا والصين تدعيان أنهما بدأتا في تشغيل أسلحتهما الفائقة لسرعة الصوت وهما بالتتابع (كينجال) و (دي-إف 17). تقدم هذه الدراسة لمحة عن الأنظمة فرط الصوتية (والمعروفة كذلك بالأنظمة فائقة السرعة)، ثم يدرس جهود كل من روسيا والصين والولايات المتحدة في هذا المجال ويختتم بدراسة سريعة للأثر العملياتي للأنظمة فرط الصوتية.
تُعرَّف الأسلحة فرط الصوتية على أنها الأسلحة التي تبلغ سرعتها ما بين 5 ماخ (5500 كيلومتر في الساعة) و25 ماخ (28000 كيلومتر في الساعة). يوجد اليوم ثلاثة أنواع من الأسلحة التي توصف على أنها فرط صوتية:
١ -المركبات ذات الانزلاق المعزز: وهي صواريخ تحملها وتدفعها صواريخ إلى السرعة القصوى قبل انزلاقها من خارج الغلاف الجوي نحو الهدف. وهذا النظام التسليحي يتفوق على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات IBM بقدرتها على المناورة خلال مرحلة الانزلاق مما يجعل توقع مسارها مستحيلاً واعتراضها صعباً للغاية. أما المركبات ذات الانزلاق المعزز فإنها ستصل إلى أعلى مدى من السرعة فرط الصوتية ومداها عابر للقارات.
٢ -الصاروخ المجنح: فهو الصاروخ الجوال كروز الموجَّه فرط الصوتي. هذه الصواريخ معززة بمحركات نفاثة فرطية تعرف باسم سكرامجيت. هذا النوع من الأسلحة يتطلب إطلاقه الوصول إلى سرعة 5 ماخ حيث إنها تعمل فقط عند بلوغ أو تجاوز هذه السرعة. على الرغم من أن سرعة هذا الصاروخ بين 5 و8 ماخ – وهي سرعة تعتبر بطيئة بالمقارنة بالأسلحة ذات الانزلاق المعزز- إلا أنها تتميز بكونها لا تحتاج إلى محرك صاروخي معزز كبير للوصول إلى الفضاء. ويصل مداها الحالي إلى 2500 كيلومتر.
٣ -الصواريخ المقذوفة فوق الصوتية: وتبلغ سرعتها بين 6 و 8 ماخ ويصل مداها إلى 160 كيلومتر. هذا السلاح يحظى بقدر كبير من الاهتمام لكونه قابلاً للإطلاق من منصات أرضية قائمة أو من مدفعيات البحرية. فعامل الاستفادة من الأنظمة العسكرية القائمة يسرع دخول مثل هذه الأنظمة إلى الخدمة ويخفض من تكاليف تشغيلها.
إن كافة أشكال العلوم والهندسة فرط الصوتية تبقى في غاية الصعوبة. فالصواريخ والطائرات فائقة السرعة تخلق حرارة عالية جدا وتدفقاً عنيفاً للهواء فوق مسار الطيران وهذا ما يتطلب فهماً جديداً للطيران فائٍق السرعة والمواد والتصاميم الجديدة كذلك.
الأنظمة فرط الصوتية الروسية
تدعي روسيا أنها ماضية قدما في تطوير الأسلحة فرط الصوتية لصد مشاريع الولايات المتحدة الرامية إلى تطوير منظومات الدفاع الصاروخية الباليستية وتزايد مخاوفها من تطوير الولايات المتحدة لقدرات استباقية فعالة ضد الأسلحة النووية الروسية.
نتيجة لذلك، تستمر روسيا في برنامجين للأسلحة فرط الصوتية. ففي 28 من ديسمبر 2018، أطلقت صاروخا باليستياً عابراً للقارات مع المركبة المحمولة “أفانغارد” Avangard. وتمكن هذا السلاح عند انفصاله عن الصاروخ الحامل له من المناورة لمسافة 6 آلاف كيلومتر على سرعة 27 ماخ. فقد تم تصميم صاروخ Avangard كمركبة (صاروخ) مستقلة قادرة على الدخول والخروج من الغلاف الجوي عدة مرات، كما أنها تعد (MIRV) حمولة لصاروخ باليستي عابر للقارات. ويعتقد أن هذه المركبات قادرة على حمل الرؤوس الحربية التقليدية أو رأس حربي نووي يزن 2 ميجا طن. وقد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن هذا النظام قد دخل إلى الخدمة. كما طورت روسيا واختبرت الصاروخ الباليستي الذي يطلق جواً (كينجال) Kinzhal والذي أفادت التقارير أن مداه يبلغ ما بين 1500 و 2000 كيلومتر بحمولة 480 كيلوغرام (سواء تقليدية أو نووية) وسرعة محتملة تصل إلى 10 ماخ، إلا أنه، بالنظر لكونه صاروخاً باليستياً، لا يمكنه المناورة بعد إطلاقه من المركبة التي تحمله.
الأنظمة فرط الصوتية الصينية
أعلنت الصين أن جهودها الرامية لتطوير الأنظمة فرط الصوتية تعكس قلقها من عاملي تطوير الولايات المتحدة لأنظمة الدفاع الصاروخية وتصاعد التسلح بالأنظمة فرط الصوتية التي قد تمكن الولايات المتحدة من تنفيذ ضربات وقائية ضد قوة الردع النووي الصيني.
رداً على ذلك، تقوم الصين بتطوير المركبة الانزلاقية فرط الصوتية دي إف – زد إف. هذه المركبة سيحملها مبدئيا صاروخ دي إف 17 (الذي يصل مداه بين 1600 و 2500 كيلومتر)، كما يمكن أن تكون الصين كذلك تخطط لحمله على صاروخ دي إف 21 (الذي يصل مداه بين 1500 و 1700 كيلومتر) و صاروخ دي إف 26 (الذي يبلغ مداه 4000 كيلومتر). ولغرض زيادة مدى هذه الصواريخ، تسعى الصين إلى تطوير صاروخ دي إف 41 (وهو صاروخ باليستي عابر للقارات) والذي سيكون بمقدوره حمل رأس حربي تقليدي أو نووي إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة. كما أن الصين اختبرت بنجاح المركبة الفرط الصوتية ذات القدرات النووية Xing Kong-2 ولكن من المتوقع أن لا تدخل إلى الخدمة قبل العام 2025.
انصبت استثمارات الصين في البنية التحتية وبناء واختبار المركبات فرط الصوتية. ومع نهاية العام 2018، صرح مايكل غريفين، وكيل وزير الدفاع الأمريكي للأبحاث والهندسة، أن “الصين اختبرت أسلحة فرط صوتية أكثر مما اختبرت أمريكا خلال عقد من الزمن”.
الأنظمة فرط الصوتية الأمريكية
كما جاء في بداية هذا الدراسة، فإن اهتمام الولايات المتحدة بالأسلحة فرط الصوتية عاد بقوة على أعلى المستويات في البنتاغون. لكن، وعلى خلاف روسيا والصين، فإن الأنظمة فرط الصوتية الأمريكية ستحمل الأسلحة التقليدية فقط.
فالبحرية الأمريكية تقود مشروع تطوير الضربة الفورية التقليدية والتي تجمع بين مركبة انزلاقية وغواصة معززة بقدرات إطلاق الصواريخ. وعلى الرغم من كون ذلك في مراحل التطوير الأولية، فإن البحرية الأمريكية لا تتوقع دخول هذا المشروع إلى القدرة التشغيلية الأولية قبل 2028. ويسعى الجيش الأمريكي إلى استخدام نفس المركبة الانزلاقية والصاروخ في برنامج الأسلحة فرط الصوتية بعيدة المدى ولكن بخط زمني أسرع. ويأمل الجيش الأمريكي أن يشغل طلقات الذخيرة القتالية بمدى يصل إلى 1400 ميل مع حلول العام 2023.
أما سلاح الجو الأمريكي فقد اختبر بنجاح النموذج الأولي لمركبته الانزلاقية فرط الصوتية كمثال للعرض حيث سيتم دمج الهيكل الانزلاقي بسلاح برنامج الاستجابة السريعة المنطلق جواً AM-183 والذي سينطلق من مقاتلات F-15 أو قاذفات B-52 الاستراتيجية. وتعمل حالياً وكالة مشاريع البحث المتقدم في مجال الدفاع مع سلاح الجو الأمريكي على مشروع مركبة اختبارية معززة قتالية انزلاقية وذلك لتطوير الأنظمة القتالية الانزلاقية المعززة والمنطلقة من الجو. كما أنها تقود مشروع تطوير نماذج أسلحة فرط صوتية نفاثة لأسلحة الإطلاق الجوي الأصغر حجماً.
طورت والولايات المتحدة واختبرت عدداً من طلقات الذخيرة المدفعية فائقة السرعة. ويمكن إطلاق هذه الطلقات من أنظمة المدافع من عيار 155 ميليمتر القائمة مثل مدفع البحرية MK 45 المثبت على المدمرات والطرادات الأمريكية. ووفقا للسلاح المستخدم، يمكن أن يبلغ مدى هذه الطلقات بين 65 و 110 كيلومتر. كما أنها تتوفر على إمكانيات عالية كأسلحة للدفاع الجوي ضد الطائرات والصواريخ الجوالة كروز.
تجارب الدول الأخرى
تقود العديد من الدول الأخرى أبحاث وتطوير الأسلحة فرط الصوتية مثل أستراليا والهند وفرنسا واليابان. فالهند مثلا تتعاون مع روسيا في مشروع تطوير صاروخ كروز BrahMos II فرط الصوتي وتخطط لوصوله إلى القدرة التشغيلية الأولية بين 2025 و 2028. أما أستراليا فتتعاون مع الولايات المتحدة لتطوير أنظمتها فرط الصوتية وتمتلك حالياً سبعة أنفاق هوائية. من جانبها، تتعاون فرنسا مع روسيا وتعمل على تعديل صاروخ ASN4G للطيران فرط الصوتي. أما اليابان فلديها برنامج لكل من الصواريخ الجوالة كروز فرط الصوتية والمقذوفات الانزلاقية فرط الصوتية والتي من المتوقع دخولها للخدمة مع حلول العام 2030 .
مضادات الفرط الصوتية
تعتبر أنظمة الدفاع ضد الأسلحة فرط الصوتية من أكبر التحديات وأعظم الإشكاليات الفنية والتي لا يوجد لها حل حتى الآن. وتعمل وكالة الدفاع الصاروخي الأمريكية على عدد من الحلول التكنولوجية لتطوير قدرات الدفاع ضد الأنظمة فرط الصوتية بما في ذلك الصواريخ الاعتراضية والمقذوفات فائقة السرعة وأنظمة الليزر وذات الترددات الصغيرة والأنظمة الإلكترونية.
الأثر العملياتي
في الوقت الذي تسعى الصين وروسيا إلى تسليح قدراتها فرط الصوتية بالأسلحة النووية، فإن ذلك الهدف لن يؤثر حقاً في واقع ميزان الردع النووي. فصعوبة تتبع مسار هذه الصواريخ خلال تحليقها سيزيد من الشك والضغط على القادة لإطلاق التحذيرات وهذا من شأنه خلق حالة من عدم الاستقرار خلال الأزمات. لكنه، طالما تحلت القيادة في كل بلد بالثقة في قدراتها المؤكدة على تنفيذ الضربة الثانية، فإن الحسابات الأساسية للردع لن تتغير.
في المقابل، تمتلك الأسلحة فرط الصوتية القدرة على إحداث تغيير جذري في الصراعات التقليدية. إن سرعة ودقة وقوة هذه الأسلحة المقترنة بصعوبة الدفاع ضدها تعني أن المنشآت الثابتة الكبيرة قد تكون ضعيفة للغاية أمامها. ومع ذلك، وكما يتضح من خلال عقود من الضربات الأمريكية الدقيقة، فإن المنشآت الثابتة هي بالفعل أكثر عرضة لخطر الصواريخ التقليدية. هذه الأنظمة قد تجبر الجيوش على إعادة التفكير في مفاهيمها الأساسية والعملياتية.
خاتمة
تستثمر كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين بشكل مكثف في الأنظمة فرط الصوتية، وتتبعها في ذلك العديد من الدول لكن بدرجة أقل. فهذا جزء من التوجه العالمي الذي تدفعه التكنولوجيا الصاعدة للثورة الصناعية الرابعة. إن تقارب هذا الكم من التكنولوجيا يوفر قدرات ضربات بعيدة المدى ودقيقة لمجموعة واسعة من الدول وحتى بعض الكيانات الفاعلة خارج نطاق الدولة. في حين من المرجح أن تظل الأسلحة الانزلاقية المعززة باهظة الثمن، فقد تكون صواريخ كروز بديلاً أقل تكلفة. كما ستكون قذائف المدفع فائقة السرعة أقل تكلفة بكثير. وبما أنه يمكن إطلاقها من الأنظمة القائمة حالياً، فقد تكون متاحة في وقت قريب وعلى نطاق واسع.
» توماس إكس هيمز ( باحث في الشؤون العسكرية)