لعبت الأقمار الاصطناعية العسكرية دوراً كبيراً في حرب الخليج الثانية، حيث استخدمت قوات التحالف الأقمار الاصطناعية في جمع المعلومات وتحليلها، حيث سمحت بتحقيق المراقبة المستمرة والاستطلاع لمسرح الحرب ومسرح العمليات، كما تم توظيف الأقمار الاصطناعية في الاتصالات، وتحديد المواقع. وتوسعت الدول بعد ذلك في استخدامها، حتى باتت تلعب دوراً رئيسياً داخل الجيوش المختلفة، بل واتجهت بعض الدول مؤخراً إلى تأسيس قوة فضائية مستقلة.
يسعى هذا الملف إلى توضيح أبرز الاستخدامات العسكرية للأقمار الاصطناعية، والبرامج الدولية والإقليمية الرئيسية، بالإضافة إلى توضيح الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية التي شرعت القوى الكبرى في تطويرها، وأخيراً بيان فرص اندلاع حرب في الفضاء الخارجي.
الاستخدامات العسكرية
تستخدم الأقمار الاصطناعية في المجالات العسكرية لتحقيق طائفة واسعة من الأهداف، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:
1 الإنذار المبكر: يمكن استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد في الأقمار الاصطناعية العسكرية في الكشف المبكر عن الصواريخ العابرة للقارات، كالصواريخ الباليستية، والصواريخ التي يتم إطلاقها من غواصات، والتي تحتاج إلى عدة دقائق لبلوغ وإصابة الهدف، كما يتم استخدام الأقمار الاصطناعية في تتبع تحركات الأسطول، ومراقبة خطوط الإمداد والقيادة للعدو، ومراقبة الأنشطة في القواعد الجوية، واعتراض الاتصالات الميدانية، والتحذير من إمكانية قيام العدو بعمليات عسكرية. ومن جهة أخرى، يتم توظيف الأقمار في تقدير الأضرار الناجمة عن القصف الجوي أو النووي. أما في أوقات السلم، فيتم استخدامها في مراقبة المواقع النووية، لمراقبة الالتزام بالمعاهدات المتعلقة بالحد من التسلح ونزع السلاح. ويلاحظ أن القمر الاصطناعي العسكري الروسي «رورسات» (RORSAT)، وهو قمر صناعي لاستطلاع المحيطات، يستخدم من قبل الجيش الروسي في تتبع مجموعات حاملة الطائرات الأمريكية في أعالي البحار، كما يمكن لموسكو توظيف البيانات الواردة من القمر الاصطناعي لكي تشن هجوماً جوياً ضدها.
2 الاستطلاع الإلكتروني: يتم تحديد مواقع الدفاع الجوي ورادارات الصواريخ الدفاعية للدول المعادية باستخدام الأقمار الاصطناعية العسكرية. ويأتي من الأمثلة في هذا الإطار أقمار «فريت» (FERRET) الأمريكية، وهي أقمار مخصصة لأغراض الاستطلاع الإلكتروني، وتحلق على ارتفاع يراوح بين 250 و400 كم.
3 التجسس على الاتصالات: توظف الأقمار العسكرية كذلك في التنصّت على اتصالات العدو العسكرية. ويلاحظ أن هذه النوعية من القمار العسكرية يمكن نشرها في مدارات مختلفة حول الأرض، وذلك بخلاف الأقمار العسكرية المخصصة لالتقاط صور للمواقع العسكرية، على سبيل المثال، والتي يتم عادة نشرها في مدارات قريبة من الأرض.
4 الاتصالات العسكرية: تأمين الاتصالات اللاسلكية المشفرة بعيدة المدى بين مراكز القيادة والسيطرة وقادة الوحدات الميدانية في مسارح العمليات، مثل الأقمار العسكرية من نوعية «فيه سات»(VSAT) المستخدم في سلاح الإشارة. كما يتم استخدام الاتصال بالليزر، سواء للربط بين الأقمار الاصطناعية، أو بين القمر الاصطناعي والمقاتلات. ولايزال الاتصال بالليزر بين القمر الاصطناعي والمحطات الأرضية أمراً صعباً، نظراً لأن السحب يمكن أن تؤثر عليها، ومن ثم تضعف الاتصال، أو تقطعه تماماً.
كما تمتلك الأقمار الاصطناعية القدرة على نقل صور تلفزيونية لمسرح العمليات، لكي تتمكن القيادات العسكرية من متابعة ما يحدث في مسرح المعركة لحظة وقوعه، مما يساعد على اتخاذ القرارات السليمة في الوقت الصحيح، وتأمين الاتصالات، وزيادة إحكام السيطرة على مناطق القتال.
5 توجيه المقاتلات والصواريخ الذكية: تعتمد المقاتلات على معلومات «تحديد المواقع العالمي» (GPS) وهو عبارة عن نظام أمريكي مكون من 24 قمراً اصطناعياً، تحمل جميعها ساعات متزامنة بدرجة عالية من الدقة، وتساعد الطائرات في تحديد موقعها، وفي حالة التشويش على هذه النظم، فإنه يصعب على المقاتلات تحديد وضعها، كما يصعب على الذخائر الموجهة بالأقمار الصناعية إصابة أهدافها.
6 استخبارات الجغرافية المكانية (GEOINT): هي استخبارات يتم الحصول عليها من خلال استغلال وتحليل الصور ومعلومات الجغرافيا المكانية التي يتم التقاطها من خلال صور الأقمار الاصطناعية.
وتتألف استخبارات الجغرافيا المكانية من التخصصات الفرعية التالية:
• تحليل الصور: وهي عملية تحليل الصور التي يتم جمعها من خلال الأقمار الاصطناعية لتحديد الميزات ووصف النشاط وتفسير ما يحدث في مكان معين على سطح الأرض. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك هو تصوير الأهداف العسكرية الأرضية، وتحديد بصماتها. وعلى سبيل المثال، فإن القمر الاصطناعي «أجو» (AGO) هو المسؤول عن التقاط الصور لصالح الجيش الأسترالي والوكالات الحكومية الأخرى.
• معلومات وخدمات الجغرافيا المكانية: وهي مزيج من المعلومات حول موقع محدد والسمات المرتبطة بالخصائص الطبيعية، أو التي هي من صنع الإنسان.
البرامج العسكرية للقوى الكبرى
تمتلك القوى الكبرى أعداداً ضخمة من الأقمار الصناعية العسكرية، وفيما يلي قائمة بأسماء الدول التي تمتلك أكبر عدد من الأقمار الاصطناعية:
1- الولايات المتحدة: تمتلك واشنطن حوالي 123 قمراً صناعياً عسكرياً، وجاء إطلاق أول قمر صناعي عسكري في الولايات المتحدة في الخمسينات من القرن العشرين، وكان أول مشروع لإطلاق قمر صناعي عسكري يسمى «النظام التسليحي 117 إل»، وكانت الأقمار الصناعية الأولى تستخدم بهدف مراقبة الأرض والتقاط صور لها، وجاءت مشاريع الأقمار العسكرية الأمريكية الأولى تحت أسماء «كورونا» (Corona)، و»كانيون» (Canyon)، و»أكواكود» (Aquacade) و»أوريون» (Orion)، و»ماجنوم» (Magnum)، و»ترامبت» (Trumpet)، بينما كان آخر قمر صناعي تم إطلاقه هو القمر الاصطناعي عريض النطاق «دبليو جيه إس 9» (WGS-9)، والذي تم بناؤه بواسطة شركة بوينج الأمريكية، وكان تاسع قمر يتم إطلاقه كجزء من مشروع تابع القوات الجوية الأمريكية مكون من عشرة أقمار اصطناعية مخصصة للاتصالات العسكرية.
2 روسيا: تحوز روسيا حوالي 74 قمراً اصطناعياً عسكرياً. وبدأت موسكو في ظل الاتحاد السوفييتي برنامجها لبناء محطة فضائية عسكرية في الستينيات، وعُرف البرنامج باسم «ألمظ» (Almaz)، حيث كانت تفضل استخدام المحطات الفضائية بدلاً من الأقمار الاصطناعية. وكان البرنامج نشطاً في الفترة الممتدة من عام 1973 وحتى عام 1976 مع إنشاء ثلاث محطات تسمى «ساليوت 2»، و»ساليوت3»، و»ساليوت5». وتراجعت روسيا عن برنامج بناء محطات فضائية لصالح امتلاك أقمار اصطناعية، نظراً لأن تكاليف صيانتها مقارنة بالأقمار الصناعية كانت مرتفعة. وفي 16 مارس 1962، أطلقت روسيا أول قمر صناعي لها باسم «كوزموس 1». وفي 2 ديسمبر 2017، أطلقت روسيا أحدث قمر صناعي عسكري لها تحت اسم «كوزموس 2524»، وذلك لاستخدامه في اكتشاف وتوفير الإنذار المبكر، وكذلك تعقب وتدمير الصواريخ التي قد تهاجمها.
3 الصين: تمتلك حوالي 68 قمراً اصطناعياً مخصصاً للاستخدام العسكري. ويعود برنامج الفضاء الصيني إلى الخمسينيات من القرن الماضي. يُطلق على الأقمار الصناعية التي يديرها الجيش اسم «ياوجان» (Yaogan). وقد تم إطلاق «ياوجان 30 دي»(Yaogan 30D)، و»ياوجان 30 إيه» و»ياوجان 30 إف» في 24 نوفمبر 2017. ويعتقد أن الثلاثة هي أقمار تجريبية مخصصة لجمع المعلومات الاستخبارية. يمتلك جيش التحرير الشعبي الأقمار الاصطناعية ويديرها.
البرامج الفضائية الإقليمية
أصبحت برامج الفضاء جزءاً لا يتجزأ من برنامج أي دولة للتصنيع والتحديث العلمي والنمو الاقتصادي، وفيما يلي سوف يتم تناول بقدر من التفصيل البرنامج الفضائي لدولتي الإمارات ومصر، وذلك على النحو التالي:
دولة الإمارات العربية المتحدة
أطلقت دولة الإمارات في العام 2009 «دبي سات1» وهو قمر صناعي للاستشعار عن بُعد، ثم أطلقت في عام 2013 القمر الصناعي الثاني «دبي سات2»، وأخيراً، تم إطلاق «خليفة سات» في أكتوبر 2018 ليكون بذلك ثالث قمر اصطناعي يطوّره «مركز محمد بن راشد للفضاء» في دبي، وتم وضع القمر في مدار منخفض حول الأرض على ارتفاع 613 كيلومتراً تقريباً.
وما يميز «خليفة سات» أنه تم تصنيعه بأيدي فريق من المهندسين الإماراتيين بنسبة 100 ٪، لتصبح بذلك الإمارات الدولة العربية الأولى، التي تمتلك تقنيات بناء أقمار صناعية بشكل كامل ومستقل عن أي دعم خارجي، وقد قام القمر بالتقاط صور عالية الدقة وإرسال البيانات الفضائية بمواصفات تتوافق مع أعلى معايير الجودة في قطاع الصور الفضائية بدقة تبلغ 0,7 متر بانكروماتي (2,89م) ضمن نطاقات متعددة.
وفي عام 2014، أسست وكالة الإمارات للفضاء كهيئة اتحادية عامة، وتم إنشاؤها بموجب مرسوم بقانون اتحادي رقم 1 لسنة 2014، وتختص الوكالة باقتراح السياسات والاستراتيجيات والتشريعات والخطط المتعلقة بمجال القطاع الفضائي واعتمادها من مجلس الوزراء، وتقديم المشورة والإرشاد للبرامج الوطنية الفضائية، ودعم البحوث والدراسات في المجالات النظرية والتطبيقية الخاصة بالفضاء، وتوثيق المعلومات ونشرها، والعمل على تنمية الكوادر البشرية ودعم الأنشطة التعليمية في مجال الفضاء واستقطاب الكفاءات الوطنية للقطاع الفضائي، وتوفير الفرص والبعثات العلمية في مجال القطاع الفضائي، بالتنسيق مع الجهات المختصة في الدولة وخارجها، والعمل على إنشاء مشاريع استثمارية في مجال القطاع الفضائي وإدارتها على أسس اقتصادية.
وخلال عقدين من الزمان، أطلقت دولة الإمارات «الثريا 1» (2000)، و«الثريا 2» (2003)، و«الثريا 3» (2008)، و«دبي سات 1» (2009)، و«الياه 1» (2011)، و«الياه 2» (2012)، و«دبي سات 2» (2013)، و«نايف 1» (2017)، و«الياه 3» (يناير 2018)، و«خليفة سات» (أكتوبر 2018)، و«ماي سات 1» (نوفمبر 2018).
وفي إطار البرنامج الفضائي العسكري لدولة الإمارات، خططت الإمارات لإطلاق قمرين صناعيين عسكريين، وهما «فالكون آي 1» و«فالكون آي2». وخططت دولة الإمارات لوضع قمر المراقبة «فالكون آي 1» في المدار حول الأرض في عام 2019، وذلك من خلال إطلاقه باستخدام صاروخ «فيغا»، إيطالي الصنع، من قاعدة غويانا الفرنسية. غير أنه بعد حوالي دقيقتين من إقلاع الصاروخ حصل خلل ضخم أدى إلى فشل المهمة. ودمر في الجو لتجنب سقوطه فوق منطقة مأهولة في غويانا. وكان هذا أول فشل يُمنى به «فيغا» بعد 14 عملية إطلاق ناجحة قام بها هذا الصاروخ الفضائي خفيف الوزن منذ دخوله الخدمة في المركز الفضائي الغوياني في 2012.
وكان الهدف من وضع القمر «فالكون آي 1» في المدار «تلبية حاجات القوات المسلحة في الإمارات العربية المتحدة من جهة، وتوفير صور للسوق التجارية من جهة أخرى. وبلغت زنة القمر الصناعي حوالي 1200 كيلوجرام عند الإقلاع وكان مفترضاً وضعه في مدار يبعد 611 كيلومتراً عن الأرض. وطوّر هذا القمر الصناعي كونسورسيوم تقوده أيرباص للدفاع والفضاء وتاليس ألينيا سبايس.
ثم قامت الإمارات في ديسمبر 2020، بالتخطيط لإطلاق «فالكون آي 2»، وكان من المفترض أن يتم إطلاقه بواسطة صاروخ فيغا أيضاً، لكنه أطلق في نهاية المطاف بواسطة الصاروخ الروسي «سويوز».
وتعمل الإمارات على تطوير قدراتها في المجال العسكري وفي مجال الفضاء. ففي شهر أكتوبر، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» إن دولة الإمارات تطور قمراً اصطناعياً باسم «إم.بي.زد-سات» بهدف تقديم صور عالية الدقة، وذلك في إطار الجهود المبذولة لتطوير القدرات العلمية والتكنولوجية. وسيكون هذا هو ثاني قمر صناعي إماراتي يتم تطويره وبناؤه بالكامل من قبل فريق من المهندسين الإماراتيين بعد «خليفة سات» الذي أُطلق في 2018.
جمهورية مصر العربية
تم اعتماد برنامج الفضاء المصري الذي وضعه «مجلس بحوث الفضاء» في مايو 1999، وأسند تنفيذ مراحله الأولى إلى «الهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء» إلى أن تم إنشاء وكالة الفضاء المصرية. تضمن البرنامج المصري للفضاء بناء وإطلاق ثلاثة أقمار مخصصة للاستشعار عن بعد، وهي «إيجبت سات1» و«إيجبت سات2» والقمر «ديزرت سات» المخصص لاستكشاف الموارد في الصحراء المصرية.
وقد تم تنفيذ القمر الأول «إيجبت سات1» بالتعاون مع شركة يوجناي الفضائية الأوكرانية، وتم إطلاق القمر في 17 أبريل 2007 من قاعدة بايكونور في كازاخستان على متن الصاروخ دنيبر، كما تم تنفيذ البنية الأرضية للتشغيل والتحكم في الأقمار وتتكون من محطة استقبال في أسوان ومحطة تحكم ومركز للتشغيل الفضائي في القاهرة الجديدة. واستمر القمر الاصطناعي في عمله في المدار مدة ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، وهو ما تجاوز عمره الافتراضي الأساسي، والمقدر بثلاث سنوات، حيث انقطع الاتصال به في 19 يوليو 2010.
وتوقف البرنامج الفضائي المصري بعد نجاح إطلاق وتشغيل القمر الأول. فقد كان من المخطط أن يبدأ تصنيع القمر الثاني «إيجبت سات2» محلياً اعتباراً من 2007 تمهيداً للإطلاق في 2012، إلا أن ذلك لم يتم وتوقف البرنامج لعدة سنوات.
وعانى البرنامج المصري من عدة عقبات، أبرزها نقص التمويل، حيث إن الدولة خصصت له حوالي خمسة ملايين جنيه سنوياً، في حين يشير الخبراء إلى أنه يحتاج إلى ميزانية تفوق ذلك بعدة أضعاف، كما أن المهندسين العاملين في المشروع قد تركوا وظائفهم للعمل في الدول الأجنبية بمرتبات تفوق نظيرتها المصرية.
وفي عام 2015، بذلت جهود لإعادة تفعيل البرنامج الفضائي المصري، حيث قامت مصر بالإعلان عن تطوير القمر الاصطناعي «مصر سات 2» بالتعاون مع الصين، وجرى إطلاقه في أوائل عام 2017، والذي يستخدم في إرسال صور وبيانات فضائية للتطبيقات البيئية، إضافة إلى تحديد المساحات الزراعية والتخطيط العمراني والأرصاد الجوية والإغاثة في حالات الكوارث.
وفي عام 2019، اطلقت مصر قمرين صناعيين مصريين بنسبة 100 % دون الاستعانة بأي خبرة أجنبية وهما «كيوب سات» و «نارسكيوب1» في يوليو وسبتمبر، وهما من نوعية «كيوب سات»، أي الأقمار الاصطناعية صغيرة الحجم، بالإضافة إلى «إيجيبت سات آيه» الذي انطلق في فبراير 2019 لرصد الظواهر الفلكية والطبيعية.
وفي نوفمبر 2019 أطلقت مصر قمر «طيبة 1» لأغراض الاتصالات، وهو من الأقمار الكبيرة، حيث يصل وزنه إلى 5,6 طن، وسيوفّر على الحكومة المصرية كلفة خدمات البث الفضائي التي تتم عبر شبكات المحمول في مصر، والتي كانت تستأجرها من خلال التعاقد مع دول أجنبية، حيث تستطيع القاهرة من خلال هذا القمر تأكيد استقلالها في التحكم في شبكة الاتصالات، كما أنه سيستخدم في المجال العسكري لدعم شبكة القيادة والسيطرة والمواصلات الإشارية الاستراتيجية عالية التشفير والآمنة بين مختلف وحدات القوات المسلحة داخل الدولة وخارجها على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
كما شرعت مصر في تنفيذ مشروع أقمار تجريبية بالتعاون مع الجانب الألماني لإطلاق سلسلة من 4 أقمار اصطناعية في الفضاء، وهي أقمار متوسطة الحجم يبلغ وزنها 50 الى 70 كجم وذلك لدعم أغراض البحث العلمي ومشروعات التنمية. وفي يونيو 2020، تداولت أنباء عن تعاقد مصر مع إيطاليا على صفقة أسلحة تضمنت راداراً عسكرياً فضائياً.
القوة الفضائية العسكرية:
نظراً لتصاعد الصراع بين القوى الكبرى في مجال الفضاء الخارجي، اتجه بعضها لتأسيس قوة فضائية مستقلة لتكون فرعاً جديداً داخل القوات المسلحة. وتتمثل أبرز دولتين تبنتا هذا النهج هما الولايات المتحدة وفرنسا، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1 الجهود الأمريكية: اعتمد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في ديسمبر 2019 تمويل هيئة عسكرية جديدة مختصة بالفضاء تحمل اسم «قوة الفضاء الأمريكية». وتعد القوة العسكرية هي الأولى التي يتم انشاؤها في البلاد منذ أكثر من 70 عاماً، وتندرج ضمن القوات الجوية الأمريكية. وسيتم تمويل إنشاء قوة الفضاء مبدئياً بـ 40 مليون دولار خلال عامها الأول. كما ستضم قوة الفضاء 16 ألفاً من أفراد القوات الجوية والموظفين المدنيين. ولا تختص هذه القوة بإرسال جنود إلى الفضاء، ولكن ستتمثل مهمتها الرئيسية في حماية الممتلكات الأمريكية في الفضاء، مثل مئات الأقمار الصناعية المستخدمة في الاتصالات والمراقبة.
وقد تأسست «القيادة الفضائية الأمريكية» لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة في العام 1985 للتنسيق بين العمليات الفضائية لمختلف فروع القوات المسلحة الأمريكية، لكن تم حلها عام 2002 بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية. وتشكل النسخة الجديدة من هذه القيادة الخطوة الأولى من رد إدارة ترامب على القدرات العسكرية المتعاظمة لكل من روسيا والصين لإرباك العمليات الفضائية الأمريكية، من خلال عمليات التشويش الإلكتروني، وإسقاط الأقمار الصناعية من الأرض وغير ذلك.
ويتمثل الهدف النهائي، هو إنشاء قوة فضائية كفرع سادس من القوات المسلحة التابعة للقوات الجوية الأمريكية، والتي ستقوم بتنظيم وتدريب وتجهيز فيلق من مشغلي الفضاء العسكريين. وتكشف تصريحات المسؤولين الأمريكيين عن مخاوفهم من أن تتمكن روسيا والصين من امتلاك أسلحة تمكنها من استهداف الأقمار الاصطناعية الأمريكية، فقد صرح قائد القيادة الفضائية الأمريكية الجنرال جون ريموند، أن خصوم الولايات المتحدة يعتقدون أن الفضاء يمكن أن يكون كعب أخيل بالنسبة للجيش الأمريكي، وهو ما يريدون استغلاله، مضيفاً: «نحن الأفضل في العالم في الفضاء اليوم، لكن مستوى تفوُّقِنا يتناقص.. لن يكون الفضاء كعب أخيل»، وذلك في إشارة إلى مخاوف واشنطن من أن تقوم البلدان بالتشويش على الأقمار الاصطناعية الأمريكية، أو حتى تدميرها، بما يؤدي إلى إصابة الجيش الأمريكي بالشلل، نظراً لاعتماده بصورة أساسية على الأقمار الاصطناعية في تنفيذ العمليات العسكرية.
ونظراً للأدوار بالغة الأهمية التي تلعبها الأقمار الاصطناعية العسكرية الأمريكية، فقد تصور بعض المحللين أن يؤدي استهدافها من قبل روسيا أو الصين إلى اندلاع حرب نووية كبرى، أي أن الجيش الأمريكي سينظر إلى تدمير أقماره الاصطناعية بأنها محاولة تمهيدية لشن حرب نووية أكبر تستهدفه، ومن ثم، فإن هذا سوف يدفعه إلى الرد عبر إطلاق الأسلحة النووية ضد الدولة المهاجمة. وعلى الرغم من تشكيك بعض المحللين العسكريين في مدى معقولية مثل هذا السيناريو، فإنه يعكس في الوقت ذاته محورية الدور الذي تقوم به الأقمار الاصطناعية للجيش الأمريكي.
2 الجهود الفرنسية: أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يوم 13 يوليو2020، تشكيل قوة فضائية عسكرية، لتكون جزءاً من القوة الجوية للجيش الفرنسي، إذ يرغب الجيش الفرنسي في تطوير أقمار صناعية عسكرية، يمكن تسليحها بمدافع رشاشة، وأسلحة ليزر، وذلك لحماية حماية الصناعية المدنية والعسكرية الموجودة حالياً في مداراتها، خاصة في ظل المخاوف من أن يتحول الفضاء إلى جبهة حرب جديدة بين الدول الكبرى، كما تواجه الأقمار الصناعية العسكرية في الفضاء طائفة جديدة من التهديدات، مثل محاولات الاستحواذ عليها من قوة معادية، أو التشويش عليها، أو حتى الهجمات الإلكترونية، التي يمكن أن تقود للسيطرة عليها من طرف آخر.
وترغب باريس في إطلاق قوة فضائية عسكرية، تضم أقماراً صغيرة، مجهزة بكاميرات وأجهزة رادار تمكنها من كشف الأقمار المعادية، وتدميرها بأسلحة متطورة تمكنها من أداء تلك المهمة في الفضاء. ولفتت فلورنس بارلي، وزيرة الدفاع الفرنسية، إلى أنه في حالة تعرض الأقمار الصناعية للتهديد، فإن القوة الفضائية ستقوم بتدمير الأهداف المعادية، باستخدام أشعة الليزر أو باستخدام الأسلحة الأخرى، التي تشمل أقماراً متناهية الصغر يمكن إطلاقها ضد تلك الأهداف. ووفقاً للوزيرة الفرنسية، فإنه من المقرر أن تبدأ تلك الأقمار الصناعية العسكرية، القيام بدوريات عسكرية في الفضاء بحلول عام 2023.
الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية
لم يسبق أن قامت دولة بمهاجمة قمر صناعي لدولة أخرى بشكل متعمد، وإن كان من الشائع أن تقوم الدول أحياناً بالتشويش على البث الإذاعي عبر الأقمار الصناعية. غير أن الولايات المتحدة وروسيا والصين قامت جميعها باختبار أسلحة متقدمة تعمل بالطاقة الحركية مضادة للأقمار الصناعية، وأثبتت الولايات المتحدة أنه يمكنها تعديل صاروخ اعتراضي لاستخدامه في وضعية مضادة للأقمار الصناعية. إن أي دولة يمكنها إطلاق أسلحة نووية بواسطة صواريخ باليستية متوسطة المدى يكون لديها القدرة الكامنة لمهاجمة الأقمار الصناعية في المدار الأرضي المنخفض.
ولا تمتلك الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية القدرة على شل قدرة الجيوش المعادية على العمل في ساحة المعركة فقط، بل إنها تهدد أيضاً الاستخدامات المدنية للفضاء، أي أنها يمكن أن توجه ضربة خطيرة للقوة العسكرية والاقتصادية للقوى الرئيسية في النظام الدولي في وقتي السلم والحرب. وتتمثل أبرز الجهود في هذا الإطار في التالي:
1 روســـيا
استثمرت موسكو وقتاً واهتماماً كبيراً في تطوير الأسلحة والنظم المضادة للأقمار الصناعية، والتي يتمثل أبرزها في التالي:
أ- الصواريخ الباليستية: طور الجيش الروسي الصاروخ «آيه 042 نودول 14» (14 A 042 Nudol)، وهو من الصواريخ الباليستية الاعتراضية، والتي تتمتع بالقدرة على إسقاط الصواريخ الباليستية المعادية، وكذلك الأقمار الصناعية. وأكمل نودول سبعة اختبارات حتى الآن. فقد تم إجراء أول اختبار في أواخر عام 2015، كما أجرت روسيا آخر اختبار طيران لنظامها الصاروخي الجديد المضاد للأقمار الاصطناعية في ديسمبر 2018، وذلك وفقاً لتقرير استخباراتي أمريكي، حيث طار الصاروخ المضاد للأقمار الاصطناعية لمدة 17 دقيقة و1864 ميلاً قبل أن ينزل بنجاح في المنطقة المستهدفة.
ب- الأسلحة الليزرية: يعتقد أن موسكو تعمل على ترقية أقمار «كرونا للمراقبة الفضائية الضوئية» (Krona optical space surveillance system)عبر إمدادها بـ «جهاز ليزر كالينا» (Kalina laser dazzler)، والذي يهدف إلى تعمية أو إتلاف أجهزة الاستشعار البصرية لأقمار التجسس الصناعية الأجنبية. كما تمتلك روسيا كذلك سلاحاً ليزرياً آخر هو «بيرسفت» (Peresvet)، والقادر على تدمير الأقمار الصناعية في المدار الأرضي المنخفض.
ج- أنظمة التشويش: تستثمر روسيا في أنظمة تشويش عبر الأقمار الصناعية، والتي تعطل تدفق البيانات بين الأقمار الصناعية ومحطاتها الأرضية. وقامت روسيا في أكثر من مرة بعمليات تشويش على «نظام تحديد المواقع العالمي» (GPS) داخل وحول روسيا وكذلك حول القواعد العسكرية الروسية في سوريا. ويؤدي تعطيل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) إلى زيادة صعوبة قيام الطيارين، والأسلحة الموجهة ذاتياً، بتحديد مواقعهم. ويأخذ التشويش عدة أشكال منها التشويش على إشارة نظام تحديد المواقع العالمي، فضلاً عن تعطيل قدرة المستخدمين من الحصول على أي بيانات على الإطلاق، وانتحال المواقع وإرسال بيانات مزيفة حول الموقع.
د- مقذوفات منشورة في الفضاء: اتهمت بريطانيا والولايات المتحدة روسيا باختبار إطلاق مقذوف، يبدو أنه سلاح، في الفضاء، مشيرة إلى إنه قد يُستخدم لاستهداف أقمار صناعية في مداراتها. واتهمت بريطانيا روسيا بأن مثل هذه التصرفات تهدد الاستخدام السلمي للفضاء وتهدد بالتسبب في حطام قد يشكل تهديداً لأقمار صناعية وأنظمة فضائية يعتمد عليها العالم. ويلاحظ أن معاهدة الفضاء الخارجي تنص على أن من حق الجميع استكشاف الفضاء الخارجي لأغراض سلمية فقط، كما تنص المعاهدة على أنه لا يجب نشر أسلحة في الفضاء أو في مدارات حول الأرض.
هـ – المقاتلات: أعلن قائد القوات الجوية الروسية ألكسندر زيلين، في عام 2009، عن تطوير نسخة جديدة من «ميج –31» للدفاع الفضائي. والتي تستطيع أن تحمل صاروخاً مضاد للأقمار الاصطناعية، حيث تصعد «ميج» إلى الطبقات العليا من الجو لتطلق الصاروخ المضاد للأقمار الاصطناعية، وتعتقد الاستخبارات العسكرية الأمريكية أن هذا السلاح سوف يدخل الخدمة، بعد انتهاء كافة التجارب عليه، بحلول عام 2022.
-2 الولايات المتحدة
تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على الفضاء لتحقيق تفوقها العسكري على الأرض، ولذا توقع بعض الاستراتيجيين الأمريكيين أن الخصوم المحتملين سيحاولون تحييد مزايا الولايات المتحدة من خلال مهاجمة أقمارها الصناعية. كما أوصوا أيضاً بأن يبذل الجيش الأمريكي كل ما في وسعه لحماية الموجودات الفضائية الأمريكية مع الاحتفاظ بقدرة على تعطيل أو تدمير الأقمار الصناعية التي يستخدمها الخصوم للاستخبارات أو الاتصالات أو الملاحة أو الاستهداف.
وعلى الرغم من صعوبة حدوث مثل هذا السيناريو، فإن بعض المراقبين يقدمون أسوأ السيناريوهات المحتملة من أجل دعم الحجج المؤيدة لامتلاك الولايات المتحدة للقدرات الهجومية الفضائية المضادة. وقد يكون هناك اهتمام متزايد في بعض البلدان الأخرى بحروب الفضاء بسبب هذه الحجج. وقد اعتمدت واشنطن في عام 2006 برنامجاً فضائياً جديداً لتطوير الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية، وذلك لإعادة استئناف الجهود السابقة في هذا الإطار.
فقد تم اختبار أول سلاح أمريكي مضاد للأقمار الصناعية في أكتوبر 1959، حيث تم إطلاق «صاروخ باليستي من القاذفة «بي – 47» (B-47) التابعة للقوات الجوية الأمريكية، وذلك لإسقاط القمر الاصطناعي «إكسبلورر 6» (Explorer VI). وكان هذا البرنامج يعرف باسم «بولد أوريون». وكان المحرك الأساسي لتطوير هذه النوعية من الأسلحة حينها هو إطلاق الاتحاد السوفييتي أول قمر صناعي، ممثلاً في سبوتنيك، في عام 1957.
وفي عام 1962، وافق روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع في عهد الرئيس الأمريكي آنذاك جون إف كينيدي، على تطوير صاروخ «نايكي زيوس» (Nike-Zeus)، وذلك لاستخدامه في إسقاط الأقمار الصناعية. وتم اختباره في عام 1963، لإسقاط أجسام فضائية على ارتفاع 150 ميلاً. كما واصلت الحكومة الأمريكية تطوير نوع مختلف من صاروخ «ثور»، والذي يمكن أن يضرب أهدافاً تصل إلى ارتفاع 400 ميل تقريباً.
وأطلقت مقاتلة أمريكية من طراز «إف– 15» صاروخ «آيه إس إم – 135» (ASM-135) لتدمير قمر اصطناعي يستخدم في المراقبة الشمسية في عام 1985. واعتبرت هذه التجربة هي آخر تجربة لأسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية حتى أطلقت الصين سلاحها الأول في عام 2007. فبعدها بعام، أي في عام 2008، استخدمت البحرية الأمريكية صاروخ «إس إم – 3» (SM-3)، لاعتراض الصواريخ الباليستية، لتدمير قمر استطلاع قديم.
ويمتلك الجيش الأمريكي حالياً بعض الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، بما في ذلك قاعدة صواريخ اعتراضية أرضية مقرها في ألاسكا وهاواي. وتم تطوير الصواريخ الاعتراضية الموجودة في القاعدتين في الأصل لإسقاط الرؤوس الحربية للصواريخ الباليستية الموجهة إلى أمريكا أثناء مرورها عبر المدار الأرضي المنخفض.
وقد تظهر طائرة الفضاء غير المأهولة من طراز «بوينج إكس – 37 بي» (Boeing X-37B) أيضاً في الحرب الأمريكية ضد الأقمار الاصطناعية، حيث أفادت بعض التقارير أن الطائرة خلال مهمة عرفت باسم «أوه تي في -5» (OTV-5)، وهي مهمة استغرقت 780 يوماً، أطلقت ثلاثة مكعبات صغيرة في المدار. وتقترح بعض التحليلات أن هذه المكعبات يمكن أن تكون جزءاً من برنامج أبحاث للحرب المضادة للأقمار الاصطناعية.
-3 الصين
أعلنت وزارة الخارجية الصينية في يناير عام 2007 أن الصين قد قامت بإجراء تجربة في الفضاء الخارجي، وهي التجربة التي اعتبرها المسؤولون الأجانب ووسائل الإعلام الأجنبية بأنها اختبار مضاد للأقمار الصناعية.
كما أطلقت الصين صاروخاً في مايو عام 2013 والذي قالت بكين عنه إنه كان في مهمة بحثية، غير أن التحليل التفصيلي لصور التقطتها الأقمار الصناعية قدم أدلة جديدة على أن الصاروخ الذي أطلقته الصين كان في الواقع اختباراً على سلاح جديد مضاد للأقمار الصناعية يطلق من منصة إطلاق متحركة، والذي يمكنه أن يصل إلى مدار على ارتفاع 36 ألف كيلومتر من سطح الأرض، وهو ما يمثل تطوراً مهماً في قدرات الصين المضادة للأقمار الاصطناعية.
وقدّر تقرير «تقييم التهديدات العالمية» الصادر عن مجتمع الاستخبارات الأمريكية في عام 2018 أن الصين أجرت أبحاثاً حول أسلحة الطاقة الموجهة لاستخدامها كأسلحة مضادة للأقمار الاصطناعية. كما قدرت وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، أن الصين ستكون قد انتهت من تطوير نظام أسلحة ليزرية مضاد للأقمار الصناعية يتم إطلاقها من قواعد أرضية بحلول عام 2020. كما تعمل الصين أيضاً على تطوير أجهزة التشويش الأرضية لتعطيل تدفقات البيانات بين الأقمار الاصطناعية ومحطاتها الأرضية، وهي قدرة مهمة يمكن استخدامها ضد خصم تنتشر قواته على مسافات طويلة مثل الولايات المتحدة.
-4 الهنـــد
أعلنت الحكومة الهندية في عام 2019 اختبار إطلاق صاروخ مضاد للأقمار الاصطناعية بنجاح، وكان القمر الاصطناعي المدمر واحداً من الأقمار الاصطناعية الهندية والذي يدور حول الأرض على بعد 300 كيلومتر، وكان القمر الاصطناعي المصغر أطلق قبل شهر لهذا الغرض، وأطلق الصاروخ المضاد للأقمار الاصطناعية من قاعدة في الساحل الشرقي للهند.
وعلى الرغم من أن التجربة الهندية مهمة، فإنه من الملاحظ أن قدرات الهند في هذا المجال لاتزال متواضعة مقارنة بغيرها من الدول التي تمتلك صواريخ مضادة للأقمار الاصطناعية، إذ إن القمر الاصطناعي الهندي كان يحلق في المدار المنخفض من الأرض، بينما أجرت الدول الأخرى تجارب على إسقاط أقمار اصطناعية تحلق في مدارات مرتفعة.
صعوبات حرب الفضاء
تعني حروب الفضاء حالياً تقليل أو تعطيل قدرات الأقمار الاصطناعية المعادية على العمل، بما يتسبب في إرباك الخصم، نظراً لأن الجيوش حالياً تعتمد عليها في أداء أدوار مهمة لا غنى عنها، كالاتصالات والملاحة والمراقبة، وفي المقابل، تستطيع القوة المهاجمة من الاحتفاظ بقدرتها على تشغيل أصولها الفضائية الخاصة بحرية وأمان.
على الرغم مما يثار عن إمكانية نشوب حرب في الفضاء، فإن هناك قيوداً مادية، تحد من مثل هذه الحرب، وهو ما يرتبط بالتالي:
1 مساحات شاسعة لا يمكن السيطرة عليها: يبلغ حجم الفضاء بين المدار الأرضي المنخفض والمدار الثابت بالنسبة للأرض حوالي 200 تريليون كيلومتر مكعب، فيما يزيد على حجم الكرة الأرضية بأكثر من 190 مرة، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان على أي دولة أن تتمكن من امتلاك القدرات اللازمة للسيطرة على هذه المساحة الهائلة.
2 القيود على الحركة: يمكن للطائرات والدبابات والسفن في حدود الغلاف الجوي أن تتحرك في أي اتجاه، فيما لا تتاح هذه الحرية للأقمار الاصطناعية، وذلك بسبب جاذبية الأرض، فهي إما تتحرك في مسار دائري وإما بيضاوي، كما أن قدرتها على المناورة محدودة، فهي تتحرك ببطء كبير نسبياً.
ولكن على الجانب الآخر، فإن الأمر المتوقع أن يحدث سباق تسلح بين القوى الكبرى، وتحديداً الولايات المتحدة وروسيا والصين في مجال امتلاك الأسلحة القادرة على إسقاط الأقمار الاصطناعية، ولعل الاتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة وروسيا تؤشر إلى أن سباق التسلح هذا قد بدأ فعلاً.
فقد اتهمت قوة الفضاء الأمريكية روسيا بنشر «سلاح مقذوف» في مدار قريب من الأرض بالقرب من قمر اصطناعي أمريكي مخصص للتجسس. وعلى الرغم من أنه لم يتم تدمير أي شيء، فإن الولايات المتحدة كانت تشكو منذ أكثر من عام من استخدام روسيا لسلسلة جديدة من الأقمار الاصطناعية، التي يمكن أن تتجسس على الأقمار الاصطناعية الأمريكية، حيث يمكن استخدامها كأسلحة. ومن جانبهم، يجادل الروس بأن الولايات المتحدة قد طورت أسلحة أرضية معقدة قادرة على مهاجمة شبكة الأقمار الصناعية للدول المناوئة لها في وقت الحرب.
ولعل ما يغذي مثل هذا الصراع أنه في الوقت الحالي، لا توجد قوانين تحظر نشر الأسلحة التقليدية في مدار حول الأرض، سواء من النوع الذي يمكن أن يستهدف أجساماً أخرى في الفضاء، أو من النوع الذي يمكن أن يصيب أهدافاً أرضية. كما أن معاهدة الفضاء لعام 1967 قد جرمت نشر أسلحة الدمار الشامل في الفضاء، ولكنها لم تجرم نشر الأسلحة التقليدية، أو التقنيات الفضائية مزدوجة الاستخدام.
ومن جهة ثانية، تشعر روسيا بالغضب من إصدار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أبريل 2020 أمراً تنفيذياً بالتنقيب عن المعادن في القمر، وذلك على الرغم من غياب اتفاقية دولية واضحة حول هذا الأمر، وهو ما دفع روسيا إلى الإعلان عن قيامها بالتعاون مع الصين من أجل بناء محطة أبحاث فضائية على القمر، وهو ما يهدد بتصعيد الصراع بين الجانبين.
وختاماً، يمكن القول إن الصراع المستقبلي في الفضاء سوف يتجاوز الغلاف الجوي للأرض ليشمل محاولة السيطرة على الثروات الاقتصادية الموجودة في الأجرام السماوية القريبة من الأرض، مثل القمر والمريخ، وغيرهما، وفي حين أن التكنولوجيات اللازمة للقيام بذلك لم يتم تطويرها بالكامل بعد، فإنه من المتوقع أن يتم تطويرها خلال بضع عقود. ولعل إعلان دولة الإمارات أول مهمة عربية إلى المريخ تحت اسم مسبار الأمل يكشف عن إدراك قيادة الدولة الرشيدة لأهمية المشاركة في الجهود الرامية لاستكشاف الفضاء والمشاركة في الفرص الاقتصادية التي يطرحها، خاصة وأن القانون الدولي للفضاء لا ينص على أي قواعد واضحة لاستغلال الفضاء، سوى إعطاء الأفضلية لمن وصل أولاً.