كتاب العدد 606

العالم مقلوباً رأساً على عقب

شهِدت أمريكا وبلدان العالم الحر موجة من الابتهاج في عام 1991 بعد أن خرجت ظافرة من الحرب الباردة. وجاء التعبير الكلاسيكي عن المزاج الجيوسياسي السائد في تلك الحقبة في كتاب فرانسيس فوكوياما “نهاية التاريخ والإنسان الأخير”، الذي ذكر أن هيمنة الديمقراطية ورأسمالية السوق الحر على العالم مؤبَّدة وحتمية.

 ولم يبدُ أن الصين مستثناة من ذلك، فبرغم أن الحزب الشيوعي الصيني ظلَّ يحكمها، وظلَّت بذلك تسمي نفسها بلداً شيوعياً، فقد كان الحزب نفسه يقوده دينج شياو بينج ذو الشخصية العملية، الذي اشتهر بمقولة “لا يهم إن كان القط أسود أو أبيض، ما دام يصطاد الفئران”. وفعلاً أمر دينج بقتل مئات الطلاب والعمال، وربما الآلاف، المتظاهرين من أجل الديمقراطية في ميدان تيانانمن ببكين، وفي مختلف أنحاء البلاد في يومَي الرابع والخامس من يونيو 1989. (وتُقدِّر السفارة الأمريكية ببكين أعداد القتلى بما يتراوح بين 500 و2600 فرد، وأفادت تقارير أن معظم القتلى سقطوا على جادَّة شانجان خارج الميدان). ولكنَّه طمأن زعماء العالم أن ذلك كان مجرد سياسة داخلية يجب ألا تمنعهم ـــ في أي حال من الأحوال ـــ من الاستفادة من الأجور المنخفضة جداً في الصين عند استخدامها موقعاً إنتاجيّاً يُصدَّر منه إلى الأسواق العالمية، ومن بيع منتجاتهم في السوق الصينية المتنامية.

موتورولا أولى الشركات إلى الصين

وكان روبرت جالفين، رئيس مجلس إدارة شركة موتورولا، الرئيس التنفيذي لها، وابن مؤسسها، أول من فعل ذلك، إذ أخبرني ذات مرة أن حادث ميدان تيانانمن قد أوجد فرصة عظيمة لشركته، وقال إن الصينيين كانوا في أمسّ الحاجة إلى الاستثمار والتكنولوجيا، وكانوا على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة لجذب الشركات الأجنبية، بسبب كل الدعاية السلبية التي كانت مرتبطة بذلك الحادث، فسارعَ إلى بكين، وعرض إقامة مصانع لشركة موتورولا في الصين شريطة أن تحتفظ موتورولا بنسبة 100% من ملكية الأعمال. وكانت السياسة الصينية السائدة تشترط إقامة شركات مشتركة مع شركاء صينيين، ولكنَّ دينج، كما توقَّع جالفين، منح موتورولا استثناءً، ما عجّل بنقلها إنتاجها إلى الخارج، من الولايات المتحدة إلى الصين، ثم حذا الرؤساء التنفيذيون الأمريكيون والعالميون الآخرون حذوه.

ولم تعارض الحكومات الغربية ذلك، بل جرى العكس تماماً، إذ دعا بل كلينتون، الرئيس الأمريكي، إلى “الانخراط” في تلك العملية. وفيما يتعلق باحتمال فرض الصين رقابة على شبكة الإنترنت التي كانت جديدة وقتئذٍ، سخِر كلينتون من أن “ذلك سيكون على الأرجح ضرباً من العبث”، وأيَّدته في ذلك شارلين بارشفسكي، الممثلة التجارية الأمريكية، التي قالت إن من “البدهي” أن تؤدي الإنترنت إلى تحرير الصين، فلن تستطيع الحكومة السيطرة على المحتوى، ولا على الولوج إلى الشبكة التي ستُحدث التغيير الأعمق في الصين لتُلقي ضغطاً كبيراً على القيادة الصينية.

انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية

وفي عام 2001 ساندت الحكومة الأمريكية انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وكانت الحجة الرئيسية المؤيدة لهذه الخطوة تتمثل في أن أكبر خطر محتمل يواجه العالم لن ينبع من التطور السريع في الصين، بل من فشلها الاقتصادي، وغالباً ما أُتبِع هذا النوع بتقييم آخر، وهو ما جاء على لسان روبرت زوليك، النائب السابق لوزير الخارجية الأمريكي، الذي أكد أن الولايات المتحدة وحلفاءها يريدون أن تكون الصين “شريكاً مسؤولاً في النظام العالمي”، وقد توقع معظم الخبراء أن تدفع قواعد هذه المُنظَّمة بالصين إلى اتباع نهج ليبرالي، لتصبحَ “شريكاً مسؤولاً في النظام العالمي الحر”، ولكنهم خسروا هذا الرهان، فلم تَسِر الصين على هذا النهج اقتصادياً، أو سياسياً، بل على العكس، لقد زاد تدخل الدولة في التجارة.

ويتناول كلايد بريستويتز الخبير البارز في شؤون العولمة وشؤون آسيا في هذا الكتاب، الذي يتَرَفَّع عن الميول الحزبية والانتقادات المغرضة، أهمَ التحديات التي ينطوي عليها النهج الصيني، ويحدد الاستراتيجيات التي ينبغي لأمريكا والعالم الحر أن ينتهجها لمعالجة هذه التحديات، ويقول كلايد إن هذه الاستراتيجيات ينبغي أن تكون أكثر حنكةً وشمولاً من مجرد حرب تجارية ضيقة موجهة، ويدعو إلى اعتماد استراتيجيات يمكن للولايات المتحدة، وحلفائها تنفيذها من دون انتهاك القانون الدولي، أو القانون المحلي.

معلومات الكتاب

اسم الكتاب: العالم مقلوباً رأساً على عقب

المؤلف: كلايد بريستويتز

الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية

سنة النشر: 2024

معلومات المؤلف

كلايد بريستويتز

مؤسس “معهد الاقتصاد الاستراتيجي”، ورئيسه

شغل قبل ذلك منصب مستشار الرؤساء الأمريكيين رونالد ريجان، وجورج دبليو بوش، وبِل كلينتون، وباراك أوباما

كان عضواً بالمجلس الاستشاري في كل من “مركز إندونيسيا للدراسات الدولية”، ووزارة الصناعة والعمل الإسرائيلية

 

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض