كتاب الجندي 583

استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي

في عصر باتت تنتشر فيه وسائل التواصل الاجتماعي في كل مكان، ثمة مسؤولية ملقاة على عاتق المجتمع الأمني باعتماد استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي ضمن منظومة الاستخبارات الوطنية، ولكنْ لا يتعيَّن فعل ذلك إلا بعد اختبارين مهمين:

الأول أن يقوم هذا الفرع من الاستخبارات على أساس منهجي متين فيما يتعلق بعمليات جمع المعلومات، والإثبات، والتحقق، والفهم، والتطبيق. والثاني أن يعالج بصورة مشروعة الخطر الأخلاقي الذي تنطوي عليه نشاطات استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي. وتقدم هذه الدراسة إطار عمل لكيفية تحقيق ذلك.

الإنترنت والناس

أحدثت شبكة الإنترنت وتطبيقاتها تحولاً سريعاً في حياة الناس، فانتقلت التفاعلات والنقاشات والآراء إلى ساحة جديدة يختلط فيها العام بالخاص، ويجري هذا التحول على نطاق واسع وغير مسبوق، فعلى سبيل المثال تُضاف يوميّاً 250 مليون صورة إلى فيسبوك، و200 مليون تغريدة إلى تويتر، وأربعة مليارات مشاهدة فيديو على يوتيوب.

ويعتمد الاستخدام الفعَّال للمعلومات الاستخبارية المستقاة من مصادر الإنترنت، ومن ذلك مجموعات بيانات وسائل التواصل الاجتماعي، على إيصالها إلى الأشخاص المناسبين بسرعة، وبصورة آمنة، وتقديمها في شكل يجعلها ذات أهمية استراتيجية وعملياتية لصناع القرار.

وتقدم هذه الثورة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على هذا النطاق الواسع فرصاً كبيرة، ولذا يتعيَّن على استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي أن تصبح عضواً كاملاً في مجتمع الاستخبارات ووكالات إنفاذ القانون، ويكمن في صلب هذه العملية شرطان لا يفترقان هما الضرورة والشرعية.

استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي

إن الآمال المعلقة على استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي بصفتها أداةً لإنفاذ القانون، إضافةً إلى استخدامها مصدراً مفتوحاً للمعلومات، يجب أن تُضبَط بما يناسب الواقع، إذ تعتمد أساليب حماية المجتمع على شكل من أشكال القبول والمشاركة الشعبية، فاستراتيجية الأمن القومي في المملكة المتحدة تدرك أن العمل الأمني والاستخباري عموماً يعتمد على الموافقة والتفهم الشعبي، وصولاً إلى الشراكة والمشاركة النشيطة من جانب الأفراد والمجتمع، فعندما لا تحظى جهود الدولة بالقبول أو الثقة، يحدُث للأمن ضرر خَطِر.

ويمكن الوصول إلى القبول الشعبي والحفاظ عليه بأمرين مهمين: الأول هو قدرة جمع المعلومات الاستخباريَّة على أن تقدم إسهاماً ناجحاً وضروريّاً تجاه تحقيق السلامة والأمن، والثاني أن يكون هذاالإسهام متوازناً على نحو يتناسب مع المصالح العامة المرجوَّة، مثل الحق في التمتع بالحياة الخاصة. وإجمالاً يتعيَّن أن يسهم النشاط الاستخباريّ بفاعلية في تحقيق المصلحة العامة، ولا ينتقص منها أو يهدد مصالح أخرى.

وللوفاء بشرط الضرورة، يجب تطوير نظام أكاديمي تطبيقي جديد، هو علم وسائل التواصل الاجتماعي، ويتطلب ذلك بناء علاقات جديدة مع عالم الصناعة والأوساط الأكاديمية، واستثمارات منسقة وطويلة الأجل لبناء قدرات على المستويين التكنولوجي والمنهجي، ويجب مزج التخصصات الأفضل قدرة على فهم السلوك البشري وتفسيره (العلوم الاجتماعية والسلوكية والعلوم السياسية ودراسة الانتخابات والأنثروبولوجيا وعلم النفس الاجتماعي)، مع مناهج البيانات الضخمة اللازمة لفهم وسائل التواصل الاجتماعي. وتُعَدّ الطريقة الوحيدة لكي تصبح تفسيرات سلوك البشر المعتمدة على البيانات، تفسيرات ذات طبيعة بشرية أيضاً، هي من خلال هذا المزج بين تلك التخصصات.

ومن أجل الوفاء بشرط الشرعية يتعيَّن أن يفهم الجمهور ويَقبل على نطاق واسع: لماذا ومتى ووفق أي قيود يجري تنفيذ عمليات استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى أي حكومة ترغب في إجراء تلك العمليات أن تتبنى نهجاً معلناً يرتكز على أساس احترام حقوق الإنسان، والمبادئ المرتبطة بها، كالمساءلة والتناسب والضرورة.

تحديات

وتوجد تحديات كثيرة تجب معالجتها. أولاً، يتعيَّن أن يعكس نشر المعلومات الاستخبارية لوسائل التواصل الاجتماعي الصعوبات العامة في استخدام استخبارات هذه الوسائل، مثل تعقيدات البيانات، وحجمها، وديناميتها، كما أن أي عرض لها يجب أن يقدم مع إجراءات أو محاذير جديدة. ثانياً، يجب أن يُدمج نشر المعلومات الاستخبارية لوسائل التواصل الاجتماعي في القنوات الاستخبارية القائمة مثل الشرطة، وخدمات الاستجابة للطوارئ، وأجهزة الاستخبارات، ومركز تحليل الإرهاب، وغيرها. ثالثاً، يجب أن يخضع نشر المعلومات الاستخبارية لوسائل التواصل الاجتماعي والاحتفاظ بها لأعلى معايير أمن المعلومات وحمايتها. ويتعيَّن تطبيق الضوابط القائمة لضمان عدم الوصول إلى بيانات استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي بغير إذن رسمي، مع تنظيم نشرها، بما في ذلك في الخارج، ذلك أن النشر غير المُنَظَّم لهذه البيانات من شأنه أن يقوض ثقة الرأي العام بهذا الشكل من الاستخبارات. رابعاً، ينبغي التطبيق الفعّال لأساليب عرض البيانات بهدف تحويل المعلومات الاستخبارية المعقدة والمتشابكة في كثير من الأحيان إلى أشكال أوضح، مع الحفاظ على الطبيعة المتشابكة للمعلومات. وتحتاج وكالات إنفاذ القانون، على وجه التحديد، إلى اكتساب مزيد من الخبرة في استخدام أساليب تحليل بيانات استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي لكي تطور قواعد ولوائح تفصيلية لإدارتها على نحو آمن.

معلومات المؤلفين

السير ديفيد أوماند:

أستاذ زائر في قسم دراسات الحرب في كينجز كوليدج لندن

عُيّن في عام 2002 بمنصب المنسق الرئيـسـي للأمن والاستخبارات في بريطانيا

مسؤول عن تقديم تقارير إلى رئيس الوزراء عن الوضع العام لمجتمع الاستخبارات والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب و”الأمن الداخلي”

عمل ثلاث سنوات مستشاراً لوزارة الدفاع البريطانية في مقر حلف شمال الأطلسـي (الناتو) في بروكسل

تلقى تعليمه في أكاديمية جلاسكو، وكلية “كوربس كريستي” بجامعة كامبريدج

جيمي بارتليت:

رئيس برنامج مكافحة العنف والتطرف

مدير مركز تحليل وسائل التواصل الاجتماعي في مركز ديموس البحثي

كارل ميلر:

شريك في مركز ديموس

باحث في المركز الدولي للتحليل الأمني، في كينجز كوليدج لندن

الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية

سنة النشر: 2014

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض