قد يكون للشعوب نوع أدبي وطني كما للعرب شعرهم، وقد يكون للدول علامتها التجارية المشهورة، ولكن قلّما يكون للدول رياضتها الوطنية الخاصة. إلا أن الإمارات، التي اعتادت التميّز والنجاح في جميع المجالات، استطاعت أن تحجز رياضتها الخاصة، حيث تبنّت الدولة رياضة الجوجيتسو ليصبح اسم هذه الرياضة مرتبطاً باسم الإمارات. وفيما شهدت الهند ولادة هذه الرياضة، لم تجد الجوجيتسو وطنا لهاً إلى حين وصولها إلى أرض أبوظبي، وذلك بعد رحلةٍ مرت خلالها على اليابان والبرازيل.
» الجندي – خاص
ومنذ وصولها لأرض الوطن وجدت الجوجيتسو الأب الراعي لها في أبوظبي، حيث دعم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة تطوير هذه الرياضة ودمجها في جميع مفاصل المجتمع الإماراتي، حتى إطلاق بطولة أبوظبي العالمية لمحترفي الجوجيتسو في عام 2009، لتكون أهم البطولات العالمية في رياضة الجوجيتسو .
ثمّ وجّه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتأسيس اتحاد الإمارات للجوجيتسو عام 2012، حيث يعمل الاتحاد على تشريع القوانين ووضع السياسات المرتبطة برياضة الجوجيتسو من أجل تحقيق رؤية الاتحاد وأهدافه. وفور تأسيسه، بدأ اتحاد الإمارات للجوجيتسو وضع الخطط العملية وطرح المبادرات والفعاليات المجتمعية الرامية لترسيخ حضور اللعبة في المجتمع، وتشجيع مواطني الدولة وسكانها على ممارسة هذه الرياضة نظراً لأثرها الكبير على تحسين لياقة الجسم والأخلاق الحميدة التي تتبناها اللعبة.
وانطلق برنامج الجوجيتسو المدرسي في عام 2008 بمبادرةٍ من دائرة التعليم والمعرفة (مجلس أبوظبي للتعليم سابقاً)، بهدف إدخال رياضة الجوجيتسو إلى المدارس الحكومية في أبوظبي والعين والمنطقة الغربية. وبعد مشاركة 14 مدرسة فقط في بداية البرنامج، توسّع البرنامج ليشمل حوالي 167 مدرسة في أبوظبي حتى عام 2019، وتجاوز عدد الطلبة المشاركين 78,000 طالباً وطالبة.
ووصل حضور رياضة الجوجيتسو في الإمارات حدود الفضاء هذا العام، ممثلاً برائد الفضاء سلطان النيادي، والذي أكّد على دور رياضة الجوجيتسو في تسهيل التدريبات التحضيرية التي خضع لها برفقة زميله هزّاع المنصوري الذي وصل إلى محطة الفضاء الدولية. وبرزت أهمية الجوجيتسو بالنسبة للنيادي خلال اختبارات الطرد المركزي المعروفة بصعوبتها، إذ يختبر جسد الإنسان خلالها آثار التسارع العالي ما قد يؤدي لفقدان الوعي نتيجة التغييرات البدنية التي ترافق هذا الضغط. إلا أن النيادي لم يكن جديداً على مثل هذه التغيّرات بفضل الخبرات التي راكمها خلال مسيرته في رياضة الجوجيتسو، خاصةً من حيث طريقة التعامل مع الضغط المتغيّر والذي يشبه الضغط الذي يفرضه الخصم على بساط المنافسة.
وانطلاقاً من إيمانه بارتباط رياضة الجوجيتسو بجميع مفاصل الحياة، وعلاقتها العضوية بالرياضات الأخرى، يسجل اتحاد الإمارات للجوجيتسو حضوراً مميزاً في مختلف الفعاليات المجتمعية والوطنية والرياضية .
وتوسّع حضور الدولة على أجندة الجوجيتسو العالمية، حتى باتت أبوظبي العاصمة الدولية للعبة، كونها تحتضن المقر الرسمي للاتحادين الآسيوي والدولي للجوجيتسو. ويواصل اتحاد الإمارات للجوجيتسو لعب دوره المحوري في هذا السياق، وذلك باستضافة وتنظيم أهم البطولات العالمية، وعلى رأسها بطولة أبوظبي العالمية لمحترفي الجوجيتسو وبطولة العالم للجوجيتسو التي نظمها الاتحاد الدولي للعبة واستضافها اتحاد الإمارات. وإلى جانب البطولات الدولية ينظم الاتحاد البطولات المحلية المتعاقبة، والتي تستقطب مشاركاتٍ ضخمة من الأندية المحلية.
ولا يعد تبني مجتمع الإمارات لرياضة الجوجيتسو بالأمر المستغرب، إذ وجد أهل الإمارات المعروفون بقيمهم النبيلة في رياضة الجوجيتسو خير نشاطٍ بدني يجسد قيمه أهم عناصر الهوية الإماراتي، ووجدوا فيها السبيل المثالي لترجمة جرأتهم، حيث تتطلب هذه الرياضة من اللاعب دخول بساط المنافسة بشجاعة وحكمة ليتمكن من مواجهة خصمه وتحقيق الفوز. وكما في كل الرياضات النبيلة، فإن المنافسة بين الرياضيين على بساط المنافسة تنمي الروح الرياضية وقيم الاحترام التي تغرسها الرياضة في نفوس لاعبيها.
ولعل أحد العوامل التي أسهمت في تجذّر رياضة الجوجيتسو في المجتمع الإماراتي هي احتضان هذا أبناءه لقيم التسامح التي تحضّ الرياضة عليها، فالمجتمع الذي يحتضن أفراداّ من أكثر من 200 جنسية، ويعيش أفراده في ظل الوطن الواحد، جسّد هذه القيمة على بساط المنافسة، فلا فرق بين اللاعبين على البساط مهما اختلفت خلفياتهم الثقافية، لأن الحكم الأهم هو الأداء الممتاز وهو السبيل الوحيد للفوز. وأكّدت أبوظبي مراراً على عمق ارتباط رياضة الجوجيتسو بقيمة التسامح، وكان آخرها استضافة اتحاد الإمارات للجوجيتسو لمنافسات بطولة العالم للجوجيتسو على أرض مبادلة أرينا في نوفمبر 2019، حيث انطلقت منافسات اليوم الأول للبطولة بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للتسامح.