في يوم التاسع من فبراير 2020، كانت دولة الإمارات على موعد مع مناسبة وطنية عظيمة هي الاحتفاء، الحكومي والشعبي، بعودة القوات الإماراتية الباسلة التي شاركت مع إخوانها من قوات التحالف العربي في عمليتي: “عاصفة الحزم”، و”عودة الأمل” في اليمن الشقيق منذ عام 2015، تحت قيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة. وجاء الاحتفال الذي شارك فيه أصحاب السمو حكام الإمارات، تحت شعار “الصقور المخلصين”، للتأكيد على أمرين: الأول هو التعبير عن الوفاء والعرفان للذين ضحوا من أجل الوطن، والذين قدموا أرواحهم فداء له من الشهداء الأبرار، والأمر الثاني هو الفخر والاعتزاز بقواتنا المسلحة وما أظهرته من بطوله وشجاعة وأخلاق وكفاءة قتالية عالية في أداء المهام التي أناطتها بها القيادة الرشيدة.
إن المشاركة الإماراتية ضمن قوات التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن من الميليشيات المتمردة، تنطوي على الكثير من الدلالات والمعاني المهمة التي تتعلق بسياسة الإمارات وثوابتها، كما تعبر عن دور الإمارات في حفظ السلام والاستقرار وزرع الخير في المنطقة والعالم، وهذا ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي بقوله: “إن جنودنا البواسل الذين شاركوا في مهمة إعادة الأمل في اليمن الشقيق قدموا أسمى آيات الفداء إلى جانب أشقائهم في قوات التحالف العربي وأكدوا للعالم أن مساهمة الإمارات ستبقى دائماً إحدى الركائز الرئيسة لضمان أمن واستقرار المنطقة، وأن انحياز دولتنا إلى الحق وأصحابه راسخ رسوخ الجبال”، وجسدته كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد العلى للقوات المسلحة التي قال فيها إن قواتنا المسلحة كانت وستظل على الدوام قوة سلام واستقرار في المنطقة والعالم، وأن الإمارات دولة تصنع السلام وتزرع الخير وتبث الأمل في أي مكان تذهب إليه.
أولا: التدخل الإماراتي في اليمن.. ثوابت واعتبارات استراتيجية
هناك العديد من الاعتبارات الاستراتيجية والمبدئية التي حكمت الموقف الإماراتي من عملية استعادة الشرعية في اليمن منذ بدايتها والتي يمكن الاشارة الى أهمها في الآتي:
1
الموقف الإماراتي الثابت والمبدئي في دعم القضايا العربية والوقوف الى جانب الاشقاء في أزماتهم: فمنذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971، كان البعد العربي بعداً جوهرياً في سياستها الخارجية ومواقفها على الساحتين الاقليمية والدولية، بفضل الفلسفة الوحدوية للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان، الذي كان يرى أنه “لم تجتمع في أمة من أمم الارض مقومات الوحدة بين شعوبها مثلما اجتمعت للأمة العربية من مقومات تاريخية ودينية ولغوية ومصالح مشتركة”، وليس أدل على ذلك من نص الدستور الإماراتي على “نصرة القضايا العربية المصيرية والتعاون الى أبعد حد ممكن مع جميع الدول العربية في سبيل تحقيق أماني الأمة العربية في الوحدة والحياة الأفضل”، وأن “الاتحاد جزء من الوطن العربي الكبير تربطه به روابط الدين واللغة والتاريخ والمصير المشترك، وشعب الاتحاد شعب واحد وهو جزء من الأمة العربية وأبواب الاتحاد مفتوحة لجميع الأقطار العربية”. وفي أكتوبر 1971 حدد البيان الأميري الأسس العربية للسياسة الخارجية الإماراتية بقوله “السياسة الخارجية لدولتنا الفتية واضحة وصريحة، فهي سياسة عربية من أساسها وأهدافها، تؤمن بوحدة المصير المشترك للأمة العربية وتعمل من أجل تحقيق الحق العربي والأماني القومية، وتسير يداً بيد مع الدول الشقيقة”. وفي شهر ديسمبر 1972، أكد الشيخ زايد، رحمه الله، في كلمته بمناسبة العيد الوطني أن أهداف السياسة الخارجية الإماراتية تتحرك ضمن أربعة مسارات هي: حل الخلافات بين دولة الإمارات العربية والدول المجاورة بالطرق السلمية، وتوسيع الاتحاد وذلك بترك الباب مفتوحاً أمام دول المنطقة التي تريد الانضمام إليه، ودعم القضايا العربية والتنسيق مع الدول العربية الشقيقة في السياسة الخارجية والاقتصادية وفي كل المجالات، والانفتاح على العالم. هذا النهج العربي الأصيل الذي وضع أسسه الشيخ زايد، رحمه الله، استمر ركناً أساسياً من أركان السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، في عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله الذي يرى أن “التكامل والتكافل والتعاون العربي يعد ركيزة اساسية لنهضة شعوبنا العربية وازدهارها”. ومن هنا فقد وقفت دولة الإمارات العربية المتحدة بقوة إلى جانب قضايا العرب المختلفة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وكان لها مواقفها الحاسمة التي يسجلها التاريخ العربي بأحرف من نور ومنها موقفها من حرب أكتوبر عام 1973 التي قال فيها الشيخ زايد، رحمه الله، مقولته الخالدة “إن النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي”.
في هذا السياق، نظرت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى سيطرة الحوثيين على اليمن وسعيهم إلى إقامة دولة طائفية مذهبية، على أنه تهديد لدولة عربية مهمة، ونسخ لهويتها وتهديد لانتمائها العربي، ومن ثم سارعت إلى التدخل لإنقاذ اليمن، الدولة والشعب، من براثن الحوثيين من منطلق مسؤولياتها القومية والعربية.
2
أمن الإمارات جزء من الأمن القومي العربي: منذ نشأتها تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة نفسها جزءاً من الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل، وأن أي تهديد لأمن أي دولة عربية هو تهديد لأمنها. وهذا كان أحد أهم الاعتبارات التي حكمت موقفها من اليمن منذ بداية الاضطرابات فيه عام 2011 وانتهاء بالتدخل العسكري في عام 2015، وهذا ما أشار إليه بوضوح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” في كلمته في مايو 2017 بمناسبة ذكرى توحيد القوات المسلحة، حيث قال سموه “ونحن نحيي ذكرى السادس من مايو.. نتوجه بتحية خاصة لقواتنا التي تنفذ مهامها خارج حدود بلادنا تجسيداً لمبادئنا في نصرة الحق والدفاع عن مصالح وطننا العليا.. ويقيننا بأن أمننا الوطني لا ينفصل عن الأمن في إقليمنا وعالمنا.. من هنا نهضنا بمسؤولياتنا في مواجهة مصادر الخطر في إقليمنا. فشاركنا في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب والتحالف العربي لإحباط محاولة اختطاف اليمن وتغيير هويته العربية وتحويله إلى قاعدة لتهديد أمن المملكة العربية السعودية الذي هو ركن حيوي في بنية أمن دول مجلس التعاون والأمن العربي بأسره”.
والمعنى نفسه أكد عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في كلمته بمناسبة عودة دفعة من قواتنا المسلحة التي شاركت في عملية استعادة الشرعية في اليمن إلى أرض الوطن في نوفمبر 2015، حيث قال سموه “إن مشاركة قواتنا المسلحة الباسلة ضمن عملية عاصفة الحزم وعملية إعادة الأمل بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة في اليمن الشقيق تضيف فصلا جديدا من فصول المجد والعزة إلى تاريخ العسكرية الإماراتية المشهود لها بالتضحيات والإنجازات وتاريخ وطننا الغالي الذي يقف دائما إلى جانب الحق ولا يتردد منذ عهد المغفور له – بإذن الله تعالى – الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” في الوقوف بجانب قضايا أمتنا العربية والذود عن سيادتها وهويتها ومقدرات شعوبها، فقد كان لهذه المشاركة ولا يزال دور حاسم في دحر طموحات الميليشيات الطائفية والمتمردة وانقلابها على الحكومة الشرعية والحفاظ على هوية اليمن وانتمائه العربي الأصيل وإبقائه ما كان دائما عمقا استراتيجيا لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وليس مصدرا للتهديد والخطر كما أرادت العصابات المتمردة ومن يدعمها أو يتحالف معها لكن كيدها رد إلى نحرها منذ اللحظة الأولى التي تم فيها إعلان التحالف العسكري العربي لاستعادة الشرعية وتحرير اليمن من هذه العصابات ومن معها حيث انطوى هذا التحالف على رسالة مهمة مفادها أن العرب لديهم القدرة والإرادة على العمل المشترك لحفظ سيادتهم ووحدة أوطانهم والتصدي لأي محاولة للتدخل في شؤونهم تحت أي شعار أو ذريعة”.
3
الوقوف الى جانب القضايا العادلة: منذ نشأتها، لم تقف دولة الإمارات العربية المتحدة إلى جانب القضايا العربية والاسلامية فقط، وانما تساند أي قضية عادلة، وتدعم أي شعب يتعرض إلى الظلم والعدوان. وقد عبر عن هذا المبدأ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في كلمته بمناسبة يوم الشهيد في شهر نوفمبر من عام 2016 بقوله “ويعد هذ اليوم فرصة حقيقية نحيي خلالها قصص ومآثر شهدائنا الأبرار الذين نالوا الشهادة دفاعا عن الحق والواجب وإعلاء لقيم دولتنا الراسخة وفي مقدمتها التضحية بالنفس في سبيل حماية الوطن وسلامة أراضيه ومساعدة الشقيق وتقديم العون إليه ورفع الظلم والعدوان عنه وهي القيم التي رسخها القائد المؤسس الوالد – الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه”. وفي كلمته بمناسبة الذكرى الحادية والاربعين لتوحيد القوات المسلحة في مايو 2017 قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان “إن ما قام ويقوم به ضباطنا وجنودنا البواسل في معركة الواجب في اليمن الشقيق يسجل دون شك في أنصع صفحات التاريخ الإماراتي والعربي بل والإسلامي والإنساني لأن هدفه بالأساس هو نصرة المظلوم والوقوف إلى جانب الحق وإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة”. والمعنى هنا واضح: حيث انطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة في مشاركتها في التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن من منطلقات مبدئية وأخلاقية تتمثل في نصرة المظلوم والوقوف إلى جانبه ودعم القضايا العادلة والمشروعة في مواجهة العدوان والظلم.
4
اعتبارات استراتيجية: إضافة إلى المبادئ والتوجهات الثابتة السابق الإشارة إليها، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة ذهبت إلى اليمن من منطلقات استراتيجية أو جيوستراتيجية، ولعل أهم هذه الاعتبارات أن موقع اليمن الاستراتيجي يجعله يتحكم في مضيق باب المندب، ذلك الممر الملاحي العالمي الحيوي الذي يمر منه جانب كبير من النفط العالمي بما فيه النفط الخليجي والإماراتي، ومن ثم فإن سيطرة الحوثيين على هذا الممر كان معناه تهديد صادرات النفط الإماراتية والخليجية، ومعناه تهديد ميناء الفجيرة على بحر العرب لنقل النفط الإماراتي بعيداً عن هرمز التي تهدد ايران كل فترة وأخرى بإغلاقه.
5
دعم المملكة العربية السعودية والوقوف إلى جانبها: فقد كان الانقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن، معناه أن الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية قد أصبحت مهددة بشكل مباشر، من قبل الحوثيين ومن يدعمونهم، ومن هنا سارعت دولة الإمارات إلى الوقوف إلى جانب المملكة من منطلق أساسي هو إيمانها بأن أي تهديد للمملكة هو تهديد لأمن دول مجلس التعاون لدول الخليجية العربية برمتها بل وللأمن القومي العربي بشكل عام بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية والروحية للسعودية على الساحتين العربية والإسلامية إضافة إلى الساحة العالمية. وقد أكد على ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في أكثر من مناسبة؛ ففي مناسبة حضوره ختام “تمرين درع الخليج1” في المملكة العربية السعودية في إبريل 2018، قال سموه إن المملكة العربية السعودية تمثل حصناً عربياً إسلامياً منيعاً في مواجهة أي محاولات لتهديد الأمن الإقليمي، أو التدخل في الشؤون الداخلية العربية، أو العبث بمقدرات شعوب المنطقة ومكتسباتها، وأن الإمارات تقف دائماً في خندق واحد إلى جانب السعودية، وأن التحالف الإماراتي- السعودي هو تحالف يقوم على أسس ثابتة وقواعد صلبة من التفاهم والاحترام المتبادَل والعمل المشترك؛ من أجل تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين، وصيانة مرتكزات الأمن القومي العربي في مواجهة أي مخاطر أو تهديدات. وخلال زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر 2016، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان “إن دولة الإمارات آمنت دائماً بأن المملكة العربية السعودية هي عمود الخيمة الخليجية والعربية، وأن أمنها واستقرارها من أمن واستقرار الإمارات، وغيرها من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول العربية الأخرى، وهذا ما يؤكده التنسيق الاستراتيجي الكبير بين البلدين على المستويات كافة، وفي المجالات كلها”، وأضاف ” إن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كان يؤمن، رحمه الله، بالدور المحوري للمملكة العربية السعودية كصمام أمان في المنطقة، وركن أساسي من أركان منظومة الأمن الخليجي والعربي، وهو النهج الذي تعزز وتعمق في عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ويتجسد بوضوح في ما وصلت إليه علاقات البلدين الشقيقين من تطور وتقدم على المستويات كافة، بحيث أصبحت نموذجاً لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الأشقاء، خصوصاً في المنعطفات التاريخية، التي تمر بها منطقة الخليج العربي والمنطقة العربية والعالم”.
6
دعم السلام والاستقرار في العالم: من اهم المبادئ التي تحكم سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة منذ قيامها، دعم السلام والاستقرار والأمن على المستويين الإقليمي والعالمي، والانخراط القوي في أي جهد يهدف إلى تحقيق هذه الأهداف. وهذا كان أحد الجوانب المهمة الذي حكم موقفها من اليمن ودفعها إلى الانخراط بقوة في التعامل مع أزمته منذ 2011. وفي هذا السياق فقد كانت مشاركة الإمارات في التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، في أحد جوانبها، سعياً إلى حفظ استقرار الملاحة الدولية وصيانة مصالح العالم الحيوية وأمنه واستقراره من التهديد على أيدي ميليشيات طائفية مسلحة، بالنظر إلى إن اليمن يتحكم في أحدأهم المضايق البحرية وممرات الملاحة العالمية وهو مضيق باب المندب.
وفي ضوء ما سبق، كان التدخل الإماراتي في اليمن ضمن التحالف العربي تدخلاً حتمياً وضرورياً ولا مفر منه، وهو ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بقوله في نوفمبر 2015 “إننا لم نذهب إلى اليمن لتحقيق مطامع خاصة ولم نعتد على أحد ولم نسع إلى الحرب أو نطلبها فليس هذا نهجنا أو طريقنا بل فرضت علينا فرضا بعد استنفاد كل طرق الحل السلمي وبعد أن أصبح اليمن بموقعه الاستراتيجي المهم وارتباطه الوثيق بمنظومة الأمن القومي العربي في قبضة ميليشيات مسلحة لديها مشروع طائفي مدمر ليس له فقط وإنما للمنطقة كلها.. ولذلك فإن مشاركتنا في التحالف العسكري العربي في اليمن جاءت في إطار مهمة قومية فرضتها علينا مسؤوليتنا القومية والإنسانية واستجابة لطلب من الحكومة الشرعية في اليمن وتنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية”.
وإضافة الى إنه كان حتميا وضروريا، فإن التدخل العسكري الإماراتي والعربي في اليمن، كان شرعيا، لأنه جاء استنادا الى حق الدفاع الشرعي عن النفس الذي يقره ميثاق الامم المتحدة في المادة 51 منه، كما تقره الشريعة الاسلامية، وبطلب مباشر من قبل الحكومة الشرعية في اليمن. واستنادا الى اتفاقية الدفاع العربي المشترك. كما استند التدخل إلى قرارات الامم المتحدة خاصة القرارات أرقام: 2014، و2051، و2140، التي تعتبر أن انقلاب الحوثيين على الشـرعية الدستورية في البلاد مخالفا لقرارات المجتمع الدولي وتحديا لها.
ثانياً: الإداء العسكري… البطولة والكفاءة والانجاز والأخلاق
أثبتت القوات المسلحة الإماراتية في اليمن قدراتها الفائقة على أداء كل المهام في أي مكان وزمان بكفاءة واحترافية عاليتين، وهو ما شهد به القاصي والداني، ولعل ما نقلته وكالة رويترز للأنباء في الثامن والعشرين من يونيو 2016 عن رئيس الأركان الأمريكي السابق الجنرال المتقاعد أنتوني زيني، يكشف عن جانب من هذه الشهادات، حيث قال ” إن الإمارات تمثل قوة عسكرية من الطراز الأول في المنطقة وقدراتها تتزايد على نحو متصاعد مقارنة بما يشير إليه حجمها”، وأضاف أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد أثبتت “القدرة على الصمود في اليمن رغم سقوط ضحايا”.
ولعل كلمة الفريق الركن مهندس عيسى سيف بن عبلان المزروعي نائب رئيس أركان القوات المسلحة القائد المشترك للعمليات المشتركة في اليمن، في الاحتفال بالصقور المخلصين يوم 9 فبراير 2020 قد عرضت بوضوح الإنجازات العسكرية العظيمة لقواتنا المسلحة على أرض اليمن، وأبرزها:
مشاركة القوات المسلحة البرية وحرس الرئاسة والعمليات الخاصة بجميع وحداتها، بأكثر من خمسة عشر ألف جندي في خمس عشرة قوة واجب في مختلف مدن ومحافظات اليمن.
بلغ عدد الطلعات الجوية التي نفذتها القوات المسلحة بجميع أنواع طائراتها في اليمن أكثر من مئة وثلاثين ألف طلعة جوية وأكثر من نصف مليون ساعة طيران على أرض العمليات.
شاركت القوات البحرية، بأكثر من خمسين قطعة بحرية مختلفة وأكثر من ثلاثة آلاف بحَّارٍ مقاتل.
على الرغم من أن أرض العمليات تَبعد أكثر من ثلاثة آلاف ميل، فقد تم تنفيذ أكثر من ألف رحلة بحرية جرى خلالها نقل ملايينِ الأطنان من المعدات إلى اليمن.
تحرير خمسة وثمانين بالمئة من التسعين بالمئة من الأراضي اليمنية المحررة في اليمن من قبضة الحوثيين.
وأهم المدن المحررة من قبل القوات الإماراتية هي: عدن والعَنَد وأبين، ومأرب والمكلا والمخا ومطار الحديدة.
بلغ عدد شهداء قواتنا المسلحة في اليمن مئة وثمانية شهداء.
وبشكل عام يمكن الحديث عن العديد من الملاحظات حول دور الإمارات العسكري في اليمن أهمها:
1
هذا الأداء العسكري الإماراتي في اليمن، لم يتسم بالتفوق والكفاءة والاحترافية فقط، وإنما بالأخلاق كذلك، وهو ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في مناسبة الاحتفاء بعودة القوات من اليمن في 9 فبراير 2020 بقوله: “إن أبناء الوطن كما عهدناهم عبروا عن المعدن الأصيل للإنسان الإماراتي والقيم المترسخة التي زرعها المؤسسون الأوائل في هذا الشعب وهذه الأرض في الوقوف إلى جانب الحق والعدل ونصرة المظلوم ومد يد العون لكل محتاج إلى المساعدة”. ولعل الكلمة التي وجهها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في نوفمبر 2015 الى القوات الإماراتية العائدة من جبهات القتال في اليمن وتلك التي استلمت مكانها هناك، قد عبرت بجلاء عن موقع الاخلاق في رؤية القيادة الإماراتية الى حرب اليمن، فقد كرر سموه ضرورة الالتزام بالأخلاق في هذه الحرب أكثر من مرة، واعتبر أن القوات الإماراتية في اليمن “ضربت أروع المثل في الشجاعة والبطولة والنخوة العربية الأصيلة وكسبت احترام العالم كله لما تميزت به من احترافية وأخلاق تجلت في حرصها على سلامة المدنيين”، وانها “تضحي بكل غال ونفيس دفاعا عن الوطن ودرءا للخطر بعيدا عن حدوده وتعمل بكفاءة واحترافية عالية في كل المناطق والظروف والبيئات وتؤدي مسؤولياتها القومية والأخلاقية والإنسانية بكل شجاعة وإخلاص”، وخاطب سموه الفوج الذي استلم مهامه في اليمن بقوله “إنكم وأنتم تتوجهون إلى اليمن لتستكملوا تطهير الأرض مما بقي من الميليشيات المتمردة إلى جانب إخوانكم من قوات التحالف العربي الأخرى تحملون معكم أخلاق دولة الإمارات العربية المتحدة وقيمها وموروث الآباء والأجداد وأنا على ثقة بأنكم ستؤدون دوركم الوطني والقومي والإنساني بكل شجاعة فأنتم أبناء مدرسة زايد التي تعلمنا فيها جميعا الثبات على المبادئ والصمود في مواجهة التحديات والوقوف دائما إلى جانب الحق”.
2
كما أكد الدور العسكري للإمارات في اليمن أن دولة الإمارات دولة تسامح وتعايش لكنها في الوقت نفسه دولة حسم وعزم حينما يتعلق الأمر بثوابتها أو تهديد أمنها وأمن أشقائها، وهو ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بقوله “نحن دعاة سلام، وخير، ومحبة، لكننا في الوقت ذاته أصحاب عزم وهمّة، حينما يتعلق الأمر بتهديد أمننا، أو أمن أشقائنا”.
3
كما جسد هذا الدور رؤية القيادة الرشيدة التي تقوم على إن المجتمعات القوية هي تلك التي تمتلك إرادة الدفاع عن نفسها في ظل عالم يموج بالتحديات والمخاطر، وهذا ما جسدته كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في كلمته بمناسبة الذكرى الـ 40 لتوحيد القوات المسلحة في عام 2016، حيث قال سموه “إن “المجتمعات التي لا تمتلك القدرة على الدفاع عن نفسها وإرادة التضحية للحفاظ على مصالحها وسيادتها، هي مجتمعات هشة، لا يمكنها الحياة بكرامة في عصر يموج بالمخاطر والمطامع والتهديدات، وقد أثبت المجتمع الإماراتي خلال السنوات الأخيرة، أنه مجتمع صلب ومتماسك وقادر على تحمل التضحيات، وواعٍ بما يجب عمله لدرء الأخطار عن الوطن، وهذا ما ظهر بوضوح في التفافه حول قواته المسلحة ودعمه لها في المهام التي قامت بها خلال السنوات الأخيرة”.
4
إضافة لما سبق، كشف الدور العسكري للإمارات في اليمن عن طبيعة العلاقة الوثيقة التي تجمع بين القوات المسلحة والشعب الإماراتي الواعي الوفي، ولذلك كان شعب الإمارات”خير داعم لقواته المسلحة الباسلة في مهمتها النبيلة في اليمن الشقيق وقدم صورة رائعة في الوطنية والتكاتف والتضامن والوعي.. وهذا ليس غريباً على هذا الشعب الأصيل الذي يلتف دائماً حول قيادته وقواته المسلحة”، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
5
أخيراً، فإن الدور العسكري الإماراتي في اليمن لم يواجه المخطط الطائفي لتغيير الهوية العربية لليمن، ويحفظ الأمن القومي العربي في أحد أهم مناطقه، ويحمي العمق الاستراتيجي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فحسب، وإنما ساهم، كذلك، في حماية الملاحة الدولية في أحد اهم ممراتها وهو مضيق باب المندب الذي سعت ميليشيات الحوثي للتحكم فيه وتهديد الملاحة الدولية وممارسة الابتزاز ضد الدول المختلفة في العالم، خاصة في ظل ما يمثله هذا المضيق من أهمية كبرى لحركة الملاحة الدولية، حيث يقع المضيق قبالة سواحل اليمن وجيبوتي وإريتريا، ويربط بين البحر الأحمر وبحر العرب، ويمر عبره أكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنويا أي حوالي 57 قطعة بحرية يوميا.
ثالثاً: الدور الإنساني والتنموي..
يد تبني وأخرى تحمل السلاح
لم تذهب الإمارات إلى اليمن حاملة السلاح في مواجهة الميليشيات المتمردة فقط، وإنما كذلك الخير والدعم والمساندة التنمية والإنسانية للشعب اليمني الشقيق، وفي هذا السياق جاء إعلان الأمم المتحدة في سبتمبر 2019، حول تبوؤ دولة الإمارات العربية المركز الأول عالمياً، كأكبر دولة مانحة للمساعدات للشعب اليمني في عام 2019. كما تشير الإحصاءات الموثقة إلى أن قيمة مساعدات الإمارات لليمن منذ عام 2015 ولغاية 2019، بلغت أكثر من 22 مليار درهم، كما قدمت الإمارات ضمن خطة الأمم المتحدة الإنسانية لليمن في عام 2019، ما قيمته 367 مليون درهم.
وبلغ عدد المدارس التي أهلتها دولة الإمارات منذ عام 2015، 1400 مدرسة، كما تم تأهيل650 مركزا صحيا في مختلف المحافظات اليمنية.
ولعبت القوات المسلحة الإماراتية في اليمن دوراً مهماً في تأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق الصراع، وإجلاء الآلاف من الجرحى والتكفل بنفقة علاجهم في الخارج.
وساهمت الإمارات في دعم الاقتصاد اليمني، لصالح الشعب اليمني الشقيق، وهو ما أشاد به مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيتفي عام 2018.
هذا الدور الإنساني والتنموي للإمارات في اليمن، عكس ويعكس العديد من الحقائق: أولها أن الإمارات ذهبت إلى اليمن من أجل مصلحة الشعب اليمني وتنميته واستقراره وحقه في الحياة الكريمة بعيداً عن المشروعات الطائفية المشبوهة، وثانيها أن الإمارات تزرع الخير والتنمية في كل مكان تذهب إليه، لأنها عنوان للخير والسلام في كل تحركاتها وسياساتها، وثالثها أن البعد الإنساني والتنموي هو بعد رئيسي وأساسي في سياسة الإمارات الخارجية منذ عهد الشيخ زايد رحمه الله، ولذلك تأتي الإمارات دائماً في المركز الأول عالمياً في مجال المساعدات التنموية الرسمية قياسا لدخلها القومي بنسبة 1,31% ، وهي نسبة تصل إلى نحو ضعف نسبة الـ 0,7% التي حددتها الأمم المتحدة كمقياس عالمي لقياس جهود الدول المانحة، وذلك وفقا لبيانات لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
رابعا: مكافحة الإرهاب
من خلال دورها في اليمن منذ عام 2015، لعبت القوات المسلحة الإماراتية دوراً مهماً أشاد به العالم في مكافحة الإرهاب من خلال التصدي لتنظيم القاعدة في الجنوب اليمني، ومن ثم المساهمة في ضمان الأمن الدولي.
وفي هذا السياق قال مايكل موريل، نائب مدير المخابرات المركزية الأمريكية السابق، في مقال في مجلة “Politico” الأمريكية في الثاني من مايو 2016، إن دور القوات المسلحة الإماراتية في طرد تنظيم القاعدة من جنوب اليمن، يعد “بمثابة درس نموذجي لحل معضلة التعامل مع جماعات إرهابية تسيطر على مناطق مأهولة”، وأضاف، في المقال نفسه، “غالباً ما يتم تصوير دول الخليج السنية في وسائل الإعلام الغربية على أنها غير راغبة في المواجهة المسلحة، وليست قادرة على القتال ولا ترغب في التعامل مع الإرهابيين والمتطرفين، لكن عملية الإمارات في اليمن أثبتت أن أياً من هذه التوصيفات لا ينطبق على أبوظبي”.
وفي سبتمبر 2019 أشادت إليزابيث كاندل الباحثة في جامعة أوكسفورد البريطانية، بجهود المجلس الانتقالي اليمني في مكافحة الإرهاب في اليمن بدعم من دولة الإمارات، وذلك في ندوة حول الإرهاب عقدت في مقر الأمم المتحدة في جنيف. ورصد أحد التقارير أبرز انجازات الحرب على الإرهاب في اليمن التي نفذتها قوات الأمن اليمنية، بدعم وإشراف وإسناد من قبل القوات المسلحة الإماراتية في: دحر الإرهاب في المكلا وتأمين ساحل حضرموت مع حلول فبراير 2018، وطرد الإرهاب من مديرية المنصورة بالعاصمة عدن في منتصف 2016، ودحر الإرهاب من مديرية الحوطة وتأمين كامل محافظة لحج، في أغسطس 2016، ودحر الإرهاب في مديريات محافظة أبين وتأمين 80 من مناطقها خلال الفترة من سبتمبر 2017 حتى 7 مارس 2018، أما في شبوة خلال الفترة من أغسطس 2017 إلى 26 فبراير 2018، وبناء وحدات أمنية متخصصة في مكافحة الإرهاب، والمساهمة في تحرير العديد من الرهائن الغربيين لدى تنظيم القاعدة، مثل: الرهينة البريطاني “روبرت دوجلاس”، والرهينة الأمريكي “داني بورش”، وهو دور حظي بإشادة دولية كبيرة؛ حيث قال وزير الخارجية البريطاني إن القوات الإماراتية تمكنت من تحرير الرهينة البريطاني بعد عملية استخباراتية ناجحة، وشكر الإمارات على مساعدتها، وفي السياق نفسه ثمن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب الدعم الذي قدمته الإمارات في تحرير المواطن الأمريكي.
خامساً: الحفاظ على كيان الدولة الوطنية
منذ عام 2011، تعرضت الدولة الوطنية في العديد من دول المنطقة العربية إلى تهديد جدي من قبل ميليشيات مسلحة، دينية أو طائفية أو غيرها، سعت إلى اختطاف الدولة والسيطرة عليها خدمة لمشروعات طائفية أو دينية تهدد الأمن والاستقرار والهوية للمنطقة برمتها. وكانت اليمن إحدى هذه الدول التي واجهت محاولة الميليشيات الحوثية اختطافها والتحكم فيها وإنشاء دولة طائفية تندرج ضمن المشروع الطائفي في المنطقة. ومن هنا كان التدخل الإماراتي والعربي في اليمن عام 2015 بمثابة إنقاذ للدولة الوطنية في اليمن، في سياق الثوابت الإماراتية الراسخة بدعم كيان الدولة الوطنية باعتبارها صمام الأمن وركيزة الاستقرار الإقليمي في مواجهة محاولات التفكيك والتشتيت لهذه الدولة. وقد أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، إلى هذا المعنى أكثر من مرة خلال السنوات الماضية كان آخرها خلال استقبال سموه للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أبوظبي في نوفمبر 2019 حيث قال حينها “إن الإمارات ومصر شريكتان في دعم السلام والاستقرار في المنطقة العربية والعمل من أجل مصالح شعوبها، والحفاظ على كيان الدولة الوطنية في مواجهة التهديدات التي تتعرض لها”. وخلال السنوات الماضية، كانت سياسة الإمارات، سواء تجاه اليمن أو غيرها من دول المنطقة العربية التي عانت من تبعات أحداث عام 2011، تقوم على الوقوف إلى جانب المؤسسات الوطنية ودعمها والحفاظ عليها، كونها ضمانة لبقاء الدولة الوطنية وصمودها في مواجهة التحديات.
لا شك في إن مهمة الإمارات، العسكرية والإنسانية والتنموية، في اليمن سوف تظل خالدة في ذاكرة شعب الإمارات والشعوب العربية، لما انطوت عليه من معاني ودلالات مهمة، وما تضمنته من دروس وعبر تمثل مصدراً للإلهام للأجيال القادمة، في خدمة الوطن والدفاع عنه والتضحية بالغالي والنفيس من أجله، والوقوف إلى جانب الحق والعدل في مواجهة الظلم والجور والعدوان. ولا شك كذلك في أن الجامعات ومراكز الدراسات والبحوث والأكاديميات العسكرية في الإمارات سوف تتناول بالبحث والدرس والتحليل هذه المهمة من كل جوانبها، لأنها ليست مهمة عادية في تاريخ الإمارات أو العسكرية الإماراتية، وإنما هي مهمة استثنائية من حيث مضمونها ومعانيها ودلالاتها ونتائجها.
» إعداد: هيئة تحرير الجندي