يعتبر تاريخ السادس من يناير من كل عام أحد التواريخ المهمة في مسيرة تكوين وتطور القوات المسلحة الإماراتية، ففي هذا اليوم تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بذكرى توحيد القوات الجوية والدفاع الجوي، والذي يعرف باسم «يوم الوحدة»، والذي يوافق تشكيل أول قيادة للجناح الجوي في قوات دفاع أبوظبي عام 1974. ويمثل هذا الاحتفال احتفاءً بالمسيرة الطويلة الحافلة بالإنجازات للقوات الجوية والدفاع الجوي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك بإنجازات القوات المسلحة بشكل عام، والتي اضطلعت منذ تأسيس الدولة بدور بارز في حماية مقدراتها، والدفاع عن أمنها الوطني في مواجهة كل الأخطار والتهديدات.
ويحظى الاحتفال بيوم الوحدة السادس والأربعين هذا العام بأهمية خاصة، بالنظر إلى أنه يوافق الذكرى الخمسين لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي كان الاحتفال بيوبلها الذهبي لحظة فارقة، ليس فقط لأنه يمثل تتويجاً لمسيرة حافلة من الإنجازات غير المسبوقة التي جعلت منها معجزة تنموية وحضارية وإنسانية تسعى كثير من الدول والشعوب إلى محاولة تقليدها والاقتداء بها، وإنما أيضاً لأن قيادتها الرشيدة جلعت من هذا التاريخ والاحتفال نقطة انطلاق نحو مسيرة جديدة من النهضة الشاملة خلال العقود الخمسة المقبلة، وصولاً إلى تحقيق هدفها الطموح بأن تكون دولة الإمارات الدولة رقم واحد في جميع المؤشرات التنموية والحضارية بحلول العام 2071
دلالات ومعاني
تشكل فكرة الوحدة أو الاتحاد الفكرة المحورية التي شكلت وعي وفكر القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي آمن منذ البداية بأن مصير إمارات «الساحل المتصالح» وبقاءها وتطورها يتجلى في وحدتها، لذلك لم يتوان عن لعب الأدوار التي كان من شأنها إنجاح الوحدة وتعزيزها بين هذه الإمارات، وظل يعمل بدأب وإصرار وعزيمة لا تلين حتى تحقق الحلم بإعلان قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر عام 1971، وهي الدولة التي أصبحت خلال عقود قليلة من تأسيسها المبارك تمثل النموذج والقدوة لكل دول العالم في كيفية تحقيق الوحدة وترسيخها وبناء الدولة النموذج القادرة على النمو والتطور وتحقيق الرخاء والازدهار.
وضمن هذا السياق، كانت رؤية المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد طيب الله ثراه، حاسمة وواضحة في ضرورة توحيد القوات المسلحة الإماراتية كأساس لترسيخ البنيان الاتحادي، فلا مجال لذلك من دون وجود قوات مسلحة موحدة وقادرة على الدفاع عن كيان الاتحاد وحماية مكتسباته، ومن هنا كان قرار توحيد القوات الجوية والدفاع الجوي في العام 1974، والذي مهد بدوره لقرار توحيد القوات المسلحة الباسلة في السادس من مايو عام 1976، وهي الخطوة المهمة التي أكملت البنيان الاتحادي وعززت قواعده ورسخت جذوره، لتنطلق بعد ذلك مسيرة التحديث والتطوير التي شهدتها القوات المسلحة الإماراتية حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم من قوة وتطور وكفاءة واحترافية يشيد بها القاصي والداني.
ولاشك في أن قرار توحيد القوات الجوية والدفاع الجوي خاصة، وقرار توحيد القوات المسلحة عامة، ينطوي على دلالة بالغة الأهمية في فكر القيادة الإماراتية الرشيدة، وهي أن الأمن الوطني جزء لا يتجزأ، وأن وحدة البنيان العسكري هو الأساس القوي للبنيان الاتحادي كله، ومن هنا كان إصرار الشيخ زايد رحمه الله على استكمال خطوات توحيد القوات المسلحة الإماراتية وأفرعها الرئيسية كأساس للانطلاق نحو مسيرة التطوير والتحديث والبناء وتعزيز مفهوم الهوية والانتماء إلى الأرض الواحدة والشعب الواحد في مواجهة التحديات المشتركة.
مسيرة تطور حافلة
تشكل القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي مكوناً أساسياً وتشكيلاً رئيسياً ضمن تشكيلات القوات المسلحة الإماراتية، ووصلت اليوم إلى مستوى من التطور والكفاءة والمهنية ما جعل القاصي والداني يشيد بكفاءتها في مختلف الميادين القتالية، بعد أن شهدت مسيرة حافة من التطورات المستمرة المدفوعة برغية ومتابعة القيادة الرشيدة وحرصها الدائم على التطوير المستمر لقواتنا المسلحة لتكون قادرة على حماية تراب الوطن وحماية مكتسباته في ظل ما تشهده المنطقة والعالم من تحديات متعاظمه.
وكانت بداية النشأة للقوات الجوية سابقة على تأسيس دولة الاتحاد، حيث تأسست في الثالث عشر من مايو عام 1968 باسم جناح الجو ضمن تشكيل القوات البرية لقوات دفاع أبوظبي، وانضمت إليه في التاريخ نفسه أولى الطائرات من نوع «آيلندر» بريطانية الصنع، وفي السادس عشر من يوليو عام 1972 تم اعتماد مسمى سلاح الجو، وفي السادس من يناير عام 1974 تشكلت أول قيادة للجناح الجوي في قوات دفاع أبوظبي وهو التاريخ الذي يتم الاحتفال به سنوياً بيوم الوحدة للقوات الجوية والدفاع الجوي.
أما الدفاع الجوي فقد بدأ في عام 1974 بتشكيل أول مجموعة دفاع جوي، وكانت تضم مجموعة مدفعية 20 ملم مجرورة، وفي عام 1980 تم تغيير المسمى إلى قيادة الدفاع الجوي، وبتاريخ 10/07/1975 شكلت بطارية 30 ملم، وفي السادس من نوفمبر 1984 أطلق عليها اسم كتيبة 35 ملم م/ط، بعد ذلك أطلق عليها اسم كتيبة سعد بن أبي وقاص. وفي تاريخ 28/06/1987 تم دمج القوات الجوية وقيادة الدفاع الجوي تحت قيادة واحدة تحمل مسمى قيادة القوات الجوية والدفاع الجوي.
وقد شهدت القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي مسيرة تطوير مستمرة، تركزت في المجالات التالية:
1 - تمتلك الإمارات اليوم النسخة الأحدث على مستوى العالم من مقاتلات «إف 16» المعروفة بـ «بلوك 60» التي تتمتع بالرادار الأحدث عالمياً بالإضافة إلى طائرات هليكوبتر أباتشي وشينوك ومقاتلات ميراج 2000 9- المطورة خصيصاً لدولة الإمارات من حيث أنظمتها وقدراتها القتالية. ومؤخراً (مطلع ديسمبر 2021) وقعت دولة الإمارات اتفاقاً بقيمة إجمالية قدرها 16 مليار يورو لشراء 80 طائرة رافال من الجيل الجديد، ضمن صفقة تاريخية تهدف إلى استبدال 60 طائرة من طراز ميراج 2000-9، والأنظمة الحديثة من الطائرات من دون طيار والصواريخ المرتبطة بها.
وتمثل موافقة الولايات المتحدة في شهر نوفمبر 2020 على بيع مقاتلات «إف-٣٥» وطائرات مسيرة مسلحة من طراز «إم كيو 98» لدولة الإمارات، تطوراً مهماً في مسيرة تحديث منظومة تسليح القوات الجوية الإماراتية، خاصة وأن الولايات المتحدة لا توافق على بيع هذه النوعية من الطائرات إلا بعد تأكدها من أن هذه الدولة تمتلك القدرات التكنولوجية التي تمكنها من تشغيلها بكفاءة عالية وأنها داعم رئيسي لجهود تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
وفي مجال الدفاع الجوي، تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة أحدث أنظمة الدفاع الصاروخي بما في ذلك نظام الدفاع الجوي «هوك»، ونظام الدفاع الصاروخي الأمريكي (ثاد) «Thaad»، الذي كانت الإمارات أول دولة في المنطقة تحصل عليه، والنسخة المتطورة من النظام الدفاعي الصاروخي باتريوت « Pac 3».
2 - برامج التدريب والتأهيل المستمرة التي يتم توفيرها لأفراد القوات المسلحة الإماراتية في هذا المجال، حيث تحرص القيادة الرشيدة، حفظها الله، على توفير أفضل فرص التدريب والتأهيل لمنتسبي القوات المسلحة الباسلة. ومن الخطوات المهمة التي اتخذت في هذا الصدد إنشاء الكليات والمعاهد العسكرية المعنية بتطوير القدرات والكفاءات المواطنة المختصة بميادين العمل العسكري كافة، ولاسيما القوات الجوية. وهو توجه بدأ مبكراً منذ العام 1977، عندما وجه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه بإعداد دراسة لتطوير القوات الجوية لدولة الإمارات، وقد كان أحد مجالات التطوير في القوات الجوية هو إنشاء مدرسة للطيران تستطيع أن تلبي احتياجات القوات الجوية من الطيارين المواطنين، وفي سنة 1980 انضم الفريق أول (آنذاك) صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى القوات الجوية، بعد أن تخرج من أكاديمية ساند هيرست، وأخذ على عاتقه القيام بهذه المهمة، حيث تم إنشاء مدرسة الطيران الجوية في قاعدة الظفرة الجوية (أبوظبي) في يونيو 1982، للقيام بمهمة إعداد طيارين أكفاء لمواكبة التطور السريع في مجال الطيران العسكري بمختلف تخصصاته. وفي عام 1984 تم تحويل المدرسة إلى كلية للطيران سميت بالكلية الجوية، وكانت آنذاك تحت قيادة الرائد طيار سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث أراد أن تكون نواة لتدريب الطلبة المرشحين وتخريجهم ضباطاً طيارين أكفاء في عملهم وعلمهم للعمل في خدمة وطنهم. وفي 1996 تم افتتاح المباني الجديدة للكلية الجوية بالعين وذلك برعاية وحضور صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، وتم تغيير اسم الكلية إلى كلية خليفة بن زايد الجوية. وقد ساهمت هذه الكلية، ولا تزال، في تدريب أعداد كبيرة من المرشحين الطيارين والملاحين من أبناء الوطن ومن الدول الشقيقة وفق مناهج وبرامج دراسية مستندة إلى أفضل الأسس وأكثرها تطوراً وحداثة مجالات التدريب الجوي عالمياً.
3 - الاحتكاك مع المدارس العسكرية في مختلف دول العالم بهدف رفع كفاءة الطيارين الإماراتيين ومساعدتهم على التعرف إلى أحدث أساليب التدريب والتأهيل العالمية. وهناك العديد من برامج التدريب المشترك التي تجريها القوات الجوية الإماراتية مع الأشقاء والاصدقاء، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، التدريب المشترك الجوي الإماراتي المصري «زايد» الذي يتم بانتظام بمشاركة عناصر من القوات الجوية الإماراتية والمصرية وعلى أرض البلدين. كما تشارك القوات الجوية الإماراتية في العديد من التدريبات المشتركة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك مناورات الاتحاد الحديدي وNative Fury، ويتم إجراء كلاهما في الإمارات. كما انضمت الإمارات إلى التدريبات متعددة الأطراف وواسعة النطاق التي استضافتها الولايات المتحدة، مثل تدريبات العلم الأحمر الجوية السنوية في نيفادا. ولا يقتصر الأمر على ذلك، حيث تشارك القوات الجوية الإماراتية في مناورات مشتركة مع شركاء آخرين، مثل فرنسا والأردن والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة.
مواقف مشرفة
نجحت القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي خلال العقود القليلة الماضية في أن تثبت كفاءتها وقدراتها القتالية والمهنية العالية بمستويات أشاد بها العالم كله، وذلك بفضل الدعم اللامحدود من القيادة الإماراتية الرشيدة، وما توفر لها من قدرات تسليحية متطورة وبرامج تأهيل وتدريب مبنية على أحدث الأسس العلمية والمعرفية، والتي أهلت الضباط والجنود الإماراتيين المنتسبين لها للتعامل مع أحدث التقنيات في مجال العتاد والسلاح، ما أوجد قوة جوية عصرية قادرة على مواجهة التحديات والدفاع عن الوطن وحمايته، وتتمتع بأقصى درجات اليقظة والقدرة والجاهزية للذود عن مصالح الوطن وصون أمنه ورخائه واستقراره.
وبرزت هذه الاحترافية والكفاءة القتالية للقوات الجوية الإماراتية في الكثير من المواقع والمهام القتالية التي شاركت فيها، حيث شاركت هذه القوات بكفاءة عالية في جهود مكافحة الإرهاب ضد تنظيم داعش كجزء من التحالف الدولي ضد التنظيم، وأيضاً ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب باليمن. كما أظهرت هذه القوات درجة عالية من الاحترافية والكفاءة خلال حرب اليمن الأخيرة التي خاضتها دولة الإمارات العربية المتحدة دعماً للشرعية ونصرة الأشقاء العرب، وأصبحت مضرب الأمثال في المهنية والاحترافية القتالية العالية بشهادة كل من تعاونوا معها.
الخاتمة
إن توحيد القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي أو يوم الوحدة الذي تحتفل به دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم هو يوم من أيام الوطن المجيدة، وهو مناسبة مهمة ليس فقط للاحتفال بالإنجازات المشرفة التي سطرتها قواتنا الجوية وقوات الدفاع الجوي والمستوى المتطور الذي وصلت إليه، والذي أصبح يحظى بالتقدير العالمي، وإنما أيضاً للاحتفال بقواتنا المسلحة الباسلة بكل أفرعها وقياداتها وضباطها وجنودها، فهذه القوات هي السياج الحامي للإمارات ومصالحها وترابها، وهي اليد القوية التي تواجه كل من تسول له نفسه الإضرار بهذا الوطن أو مصالحه. وبطبيعة الحال لم يكن لهذه القوات أن تصل إلى هذا المستوى من المهنية والتطور لولا الدعم اللامحدود من قبل القيادة الإماراتية الرشيدة، منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي عمل على توحيد هذه القوات لتكون دعامة قوية لبنيان الاتحاد الراسخ، وصولاً للقيادة الرشيدة الحالية، ممثلة في صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي عملت بدأب وإصرار ومتابعة حثيثة على توفير كل ما من شأنه أن يعزز من قوة وكفاءة واحارافية قواتنا المسلحة الباسلة.
ومع بدء دولة الإمارات خمسينيتها الجديدة وانطلاقتها الطموحة نحو المستقبل، تقف القوات المسلحة الإماراتية داعمة بقوة لهذا الطموح الإماراتي المشروع نحو تبوؤ المركز الأول عالمياً في جميع المؤشرات التنموية العالمية، معاهدة الشعب الإماراتي والقيادة الرشيدة بأن تكون على مستوى الكفاءة والاحترافية التي تسمح لها بحماية مسيرة النهضة والاتحاد المباركة ودعمها وصولاً إلى تحقيق مبتغاها في أن تكون الإمارات رقم واحد عالمياً.
وقد أصبحت القوات الجوية والدفاع الجوي بفضل توجيهات القيادة الرشيدة تتمتع بأقصى درجات اليقظة والقدرة والجاهزية للذود عن حمى الوطن وصون أمنه ورخائه واستقراره، وكل هذا التطور والتحديث المستمر قد جعل من قواتنا الجوية ودفاعنا الجوي قوة ضاربة ذات استراتيجية قادرة على الردع والدفاع عن تراب الوطن وسيادته وثرواته.
عملت دولة الإمارات العربية المتحدة على مدى السنوات الخمسين الماضية على تطوير قواتها المسلحة ومدها بأحدث الأسلحة والمعدات على الساحة الدولية، فضلاً عن التطور الكبير الذي لحق بالصناعات العسكرية الإماراتية، بحيث غدت هذه الصناعات تحظى بالاحترام والتقدير على الساحة الإقليمية والدولية، نظراً لكفاءتها وجدية الدولة في رعايتها والاهتمام بها والتخطيط الجيد لها على المستوى المتوسط والطويل، فضلاً عن شراكاتها الفاعلة مع الشركات العالمية البارزة في مجال التسليح على المستويين الإقليمي والعالمي.
ومنذ توحيد قواتنا المسلحة في السادس من مايو عام 1976، تمثل هذه القوات حصن الوطن، وتجسد توجهاته ومبادئه الراسخة في نصرة الحق ودعم السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، وإحدى الأدوات المهمة لتنفيذ أهداف ومبادئ سياستها الخارجية.
د. فتوح هيكل (مدير الأبحاث في تريندز للبحوث والاستشارات(