war concept OK

تأثير الإبداع العسكري على سير الحروب

على‭ ‬مدار‭ ‬التاريخ‭ ‬العسكري،‭ ‬احتل‭ ‬الابتكار‭ ‬مكانة‭ ‬متميزة‭. ‬فقد‭ ‬سعت‭ ‬الجيوش‭ ‬تاريخياً‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬طرق‭ ‬لدمج‭ ‬الأسلحة‭ ‬وأساليب‭ ‬القتال‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬عملياتها‭ ‬العسكرية‭ ‬لتوظيف‭ ‬عنصر‭ ‬المفاجئة‭ ‬ضد‭ ‬العدو‭ ‬وتعزيز‭ ‬فرص‭ ‬النصر‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الخبرة‭ ‬التاريخية‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬المؤسسات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬سعت‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬ممارساتها‭ ‬القديمة‭ ‬دون‭ ‬تحديث‭ ‬كان‭ ‬مآلها‭ ‬الانهيار‭ ‬والفشل‭. ‬ونظراً‭ ‬لأهمية‭ ‬ودور‭ ‬الابتكار‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬فاعلية‭ ‬المؤسسات‭ ‬العسكرية،‭ ‬فإنه‭ ‬سوف‭ ‬يتم‭ ‬تناول‭ ‬المفهوم‭ ‬ومحركاته‭ ‬الرئيسية،‭ ‬وكذلك‭ ‬أنواعه‭ ‬وأبعاده،‭ ‬مع‭ ‬عرض‭ ‬لأبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬المعارك‭ ‬السابقة‭ ‬أو‭ ‬منظومات‭ ‬الأسلحة‭ ‬الجديدة‭.‬

أولاً‭: ‬فهم‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭ ‬

يمكن‭ ‬تعريف‭ ‬الابتكار‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬قدرة‭ ‬المرء‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬شيء‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬الوجود،‭ ‬أو‭ ‬توليد‭ ‬أفكار‭ ‬جديدة‭ ‬تتمتع‭ ‬بتقدير‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الآخرين،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يتضمن‭ ‬كذلك‭ ‬تقديم‭ ‬الأفكار‭ ‬أو‭ ‬العمليات‭ ‬القائمة‭ ‬بالفعل‭ ‬بطريقة‭ ‬مختلفة‭. ‬وبشكل‭ ‬عام،‭ ‬لكي‭ ‬يكون‭ ‬المرء‭ ‬مبدعاً‭ ‬ومبتكراً،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتجاوز‭ ‬المنتج‭ ‬أو‭ ‬الفكرة‭ ‬الكامنة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬عليها‭ ‬المفاهيم‭ ‬أو‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬السابقة‭. ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للمنتج‭ ‬المبتكر‭ ‬قيمة‭ ‬جوهرية‭ ‬عالية‭ ‬بسبب‭ ‬أصالته‭ ‬وتفرده‭. ‬وفي‭ ‬المجال‭ ‬العسكري،‭ ‬تتعدد‭ ‬تعريفات‭ ‬الإبداع،‭ ‬ويتمثل‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬التعريفات‭ ‬شيوعاً‭ ‬للإبداع‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬تغيير‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬سير‭ ‬الحرب‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬زيادة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الفعالية‭ ‬العسكرية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينعكس‭ ‬في‭ ‬تحسن‭ ‬نتائج‭ ‬وأداء‭ ‬الجيش‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‮»‬‭. ‬ويساهم‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬طريقة‭ ‬أداء‭ ‬الوظائف‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬الفعالية‭ ‬العسكرية‭. ‬وبشكل‭ ‬أكثر‭ ‬دقة،‭ ‬يتضمن‭ ‬الابتكار‭ ‬‮«‬تطوير‭ ‬تقنيات‭ ‬وتكتيكات‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬وهياكل‭ ‬عسكرية‭ ‬جديدة‮»‬‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬التكيف‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬طريقة‭ ‬شن‭ ‬الخصوم‭ ‬للحروب‭. ‬

ويُعرِّف‭ ‬ستيفن‭ ‬روزن‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬التغيير‭ ‬في‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يقاتل‭ ‬بها‭ ‬أحد‭ ‬أفرع‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬أو‭ ‬إنشاء‭ ‬فرع‭ ‬جديد،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬المفاهيم‭ ‬العملية،‭ ‬أي‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬كيفية‭ ‬توظيف‭ ‬الأسلحة‭ ‬لتحقيق‭ ‬النصر‭ ‬العسكري،‭ ‬وفضلاً‭ ‬عما‭ ‬سبق،‭ ‬يندرج‭ ‬ضمن‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬أحد‭ ‬أفرع‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬بفرع‭ ‬آخر،‭ ‬أو‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬مفاهيم‭ ‬قديمة،‭ ‬وربما‭ ‬عن‭ ‬سلاح‭ ‬كان‭ ‬مهيمناً‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬تاريخية‭ ‬سابقة‭. ‬

وتعرف‭ ‬دراسة‭ ‬لمؤسسة‭ ‬راند‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭: ‬‮«‬يتجلى‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطوير‭ ‬مفاهيم‭ ‬حربية‭ ‬جديدة‭ ‬و‭/‬أو‭ ‬وسائل‭ ‬جديدة‭ ‬لدمج‭ ‬التكنولوجيا‭. ‬قد‭ ‬تتضمن‭ ‬الوسائل‭ ‬الجديدة‭ ‬لدمج‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬عقيدة‭ ‬أو‭ ‬تكتيكات‭ ‬أو‭ ‬تدريباً‭ ‬أو‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬لأحد‭ ‬أفرع‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‮»‬‭.‬

ويتفق‭ ‬المنظرون‭ ‬العسكريون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الابتكارات‭ ‬العسكرية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬ليست‭ ‬متطابقة‭ ‬بالضرورة‭. ‬فقد‭ ‬يستخدم‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬جديدة،‭ ‬أو‭ ‬قديمة،‭ ‬ولكن‭ ‬بطريقة‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬استراتيجية‭ ‬الخصم‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭. ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬فإن‭ ‬الابتكار‭ ‬التكنولوجي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعيق‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أدى‭ ‬ظهور‭ ‬العصر‭ ‬النووي‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬‮«‬الانتقام‭ ‬الهائل‮»‬‭ ‬وتطوير‭ ‬لنظريات‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬النووي،‭ ‬والتي‭ ‬تسببت‭ ‬فعلياً‭ ‬إلى‭ ‬ركود‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭.‬

وبناءً‭ ‬على‭ ‬التعريفات‭ ‬السابقة‭ ‬وكذلك‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬تُعرّف‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬تغيير‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العقائد‭ ‬أو‭ ‬التنظيم‭ ‬المؤسسي‭ ‬أو‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والذي‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬الفعالية‭ ‬القتالية‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭.‬

ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬اختلافاً‭ ‬بين‭ ‬المنظرين‭ ‬العسكريين‭ ‬حول‭ ‬درجة‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬يحدثه‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري،‭ ‬إذ‭ ‬يبالغ‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬تقديره‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات،‭ ‬بحيث‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬أمن‭ ‬الإبداع‭ ‬العسكري‭ ‬يتطلب‭ ‬تغييراً‭ ‬كبيراً‭ ‬عن‭ ‬الممارسات‭ ‬الماضية،‭ ‬وبصورة‭ ‬تجعل‭ ‬الأساليب‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬شن‭ ‬الحرب‭ ‬عقيمة‭ ‬وغير‭ ‬صالحة‭ ‬للاستخدام‭ ‬أو‭ ‬التوظيف‭. ‬ووفقاً‭ ‬لهذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬فإن‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭ ‬يتطلب‭ ‬تغييراً‭ ‬شاملاً‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬العسكري،‭ ‬بل‭ ‬ويذهب‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ابتكار‭ ‬فرع‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭. ‬ويرى‭ ‬أنصار‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬أن‭ ‬الابتكار‭ ‬لا‭ ‬يتطلب‭ ‬إدخال‭ ‬تغييرات‭ ‬جزئية،‭ ‬ولكن‭ ‬تحولات‭ ‬راديكالية،‭ ‬ولذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬ثورة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬العسكرية‮»‬‭. ‬

وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬فإن‭ ‬البعض‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يبنى‭ ‬على‭ ‬إدخال‭ ‬تعديلات‭ ‬جزئية‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والتكتيكيات‭ ‬والعقائد‭ ‬العسكرية‭ ‬القائمة‭. ‬وفي‭ ‬الواقع‭ ‬العملي،‭ ‬فإن‭ ‬كلا‭ ‬الشكلين‭ ‬من‭ ‬التغيير‭ ‬يحدث‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفال‭ ‬أهمية‭ ‬الابتكارات‭ ‬الجزئية‭. ‬

ثانياً‭: ‬محركات‭ ‬الابتكار

يثور‭ ‬جدال‭ ‬بين‭ ‬المنظرين‭ ‬العسكريين‭ ‬حول‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬لتعزيز‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري،‭ ‬فبينما‭ ‬يذهب‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحفز‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري،‭ ‬يذهب‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬إلى‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬الاعتبارات‭ ‬والضرورات‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬العسكرية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭. ‬وفي‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬فإن‭ ‬كلا‭ ‬العاملين‭ ‬يمثلان‭ ‬محركاً‭ ‬للابتكار‭ ‬العسكري‭. ‬ففي‭ ‬أوقات‭ ‬الصراعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬تلعب‭ ‬الاعتبارات‭ ‬العملية‭ ‬دوراً‭ ‬في‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬السلم،‭ ‬تلعب‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬دوراً‭ ‬رئيسياً‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬هذين‭ ‬العاملين،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬عوامل‭ ‬أخرى‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬المؤسسات‭ ‬العسكرية‭ ‬للابتكار،‭ ‬مثل‭ ‬التهديد‭ ‬الخارجي،‭ ‬وضعف‭ ‬الموارد،‭ ‬أو‭ ‬وجود‭ ‬قيادة‭ ‬للدولة‭ ‬تؤمن‭ ‬بأهمية‭ ‬التغيير‭. ‬ويمكن‭ ‬تفصيل‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭: ‬

1

التكنولوجيا‭ ‬بالشراكة‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭:‬‭ ‬تعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬دعماً‭ ‬للابتكار‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العسكري،‭ ‬وتحرص‭ ‬عليه‭ ‬باستمرار‭ ‬عبر‭ ‬تطوير‭ ‬شراكات‭ ‬مع‭ ‬كبرى‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭. ‬ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬‮«‬مبادرة‭ ‬الابتكار‭ ‬الدفاعي‮»‬‭ ‬الأمريكية،‭ ‬إذ‭ ‬تركز‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬حالياً‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬على‭ ‬الاستحواذ‭ ‬التكنولوجي‭ ‬بالشراكة‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭. ‬

وتتمثل‭ ‬أبرز‭ ‬مشاريعها‭ ‬في‭ ‬‮«‬مجلس‭ ‬ابتكار‭ ‬الدفاع‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬يعمل‭ ‬بالشراكة‭ ‬مع‭ ‬جيف‭ ‬بيزوز،‭ ‬مالك‭ ‬شركة‭ ‬أمازون،‭ ‬والفيزيائي‭ ‬الفلكي‭ ‬نيل‭ ‬ديجراس‭ ‬تايسون،‭ ‬وكذلك‭ ‬‮«‬وحدة‭ ‬ابتكار‭ ‬الدفاع‭ ‬التجريبية‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تتمثل‭ ‬مهمتها‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬العلاقات‭ ‬وإبرام‭ ‬العقود‭ ‬مع‭ ‬الشركات‭ ‬في‭ ‬وادي‭ ‬السيليكون،‭ ‬والتي‭ ‬تحتضن‭ ‬كبرى‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الأمريكية‭. ‬ولذلك‭ ‬يُنظر‭ ‬إلى‭ ‬العلماء‭ ‬والمهندسين‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬يساهمون‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬السلم‭.‬

2

الاعتبارات‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬المعركة‭:‬‭ ‬يكون‭ ‬القادة‭ ‬العسكريون،‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الحرب،‭ ‬في‭ ‬الخطوط‭ ‬الأمامية‭ ‬للمعارك،‭ ‬وهم‭ ‬أدوار‭ ‬ووكلاء‭ ‬للابتكار‭ ‬والتغيير،‭ ‬ويتم‭ ‬ذلك‭ ‬لاعتبارات‭ ‬تتعلق‭ ‬بالبقاء،‭ ‬فنظراً‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬طريقة‭ ‬للتنبؤ‭ ‬الكامل‭ ‬بما‭ ‬سيفعله‭ ‬خصم‭ ‬يتبع‭ ‬أساليب‭ ‬ديناميكية‭ ‬ومتطورة‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬ضباب‭ ‬الحرب‮»‬،‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬عملية‭ ‬للتكيف‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬والرد‭ ‬عليه‭. ‬ويأخذ‭ ‬هذا‭ ‬التكيف‭ ‬أشكالاً‭ ‬كثيرة‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬السعي‭ ‬لاقتناء‭ ‬أسلحة‭ ‬جديدة،‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬تكتيكات‭ ‬وتقنيات‭ ‬وإجراءات‭ ‬جديدة‭.‬

ولن‭ ‬تغني‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬قادة‭ ‬عسكريين‭ ‬يتمتعون‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬عملية‭ ‬وجديدة‭ ‬للمشكلات،‭ ‬أي‭ ‬يكونوا‭ ‬مبتكرين‭ ‬وقابلين‭ ‬للتكيف‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬السريعة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مربكة‭. ‬ويسمح‭ ‬الفكر‭ ‬الإبداعي‭ ‬للقادة‭ ‬بمفاجئة‭ ‬خصومهم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬إحباط‭ ‬تكتيكاتهم‭ ‬المفاجئة‭.  ‬ولذلك،‭ ‬يرى‭ ‬البعض،‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الحرب،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الفن،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للقواعد‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬محل‭ ‬الموهبة‭. ‬ولذا،‭ ‬فإن‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬القتال‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات‭ ‬يتطلب‭ ‬خيالاً‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬القادة،‭ ‬الذين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يمتلكوا‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬والاستعداد‭ ‬لتحمل‭ ‬المخاطر‭.‬

3

المناورات‭ ‬العسكرية‭ ‬المشتركة‭: ‬يؤكد‭ ‬بيتر‭ ‬روزن‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الفوز‭ ‬بالحرب‭ ‬التالية‮»‬‭ (‬Winning the Next War‭)‬،‭ ‬كيف‭ ‬أجرت‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬وسلاح‭ ‬مشاة‭ ‬البحرية‭ ‬عمليات‭ ‬محاكاة‭ ‬للمعارك‭ ‬العسكرية‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الحربين‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬كوسيلة‭ ‬للتنبؤ‭ ‬بالحاجات‭ ‬المستقبلية‭ ‬المحتملة‭ ‬للجيش،‭ ‬وتوليد‭ ‬الدعم‭ ‬الكافي‭ ‬بين‭ ‬القادة‭ ‬العسكريين‭ ‬على‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬تطويرها‭.‬

4

التهديد‭ ‬الخارجي‭: ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬تهديد‭ ‬خارجي‭ ‬كبير‭ ‬يهدد‭ ‬أمن‭ ‬الدول‭ ‬يحفز‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬التاريخية‭ ‬على‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭. ‬وقد‭ ‬تجلى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أوقات‭ ‬الحرب‭ ‬والسلم،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬فيها‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬حديثاً‭ ‬من‭ ‬هزيمة‭ ‬أو‭ ‬انتصار‭ ‬عسكري‭. ‬

وتشمل‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬الابتكار‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬التهديد‭ ‬الخارجي‭ ‬تكتيكات‭ ‬قوات‭ ‬العاصفة‭ ‬الألمانية‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭. ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تدريب‭ ‬بعض‭ ‬الجنود‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬الألماني‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬التسلسل‭ ‬خلف‭ ‬خطوط‭ ‬العدو‭ ‬وتنفيذ‭ ‬عمليات‭ ‬تخريبية‭ ‬ضد‭ ‬خنادق‭ ‬العدو‭.‬

5

الاعتبارات‭ ‬الداخلية‭:‬‭ ‬يرى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المنظرين‭ ‬العسكريين‭ ‬أن‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬ناتج‭ ‬عن‭ ‬توجيهات‭ ‬من‭ ‬قيادة‭ ‬الدولة،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تمتلك‭ ‬رؤية‭ ‬تؤمن‭ ‬بأهمية‭ ‬الابتكار‭ ‬وتحرص‭ ‬عليه‭. ‬ويكون‭ ‬ذلك‭ ‬عادة‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬القادة‭ ‬العسكريين‭ ‬المتفهمين‭ ‬لأهمية‭ ‬الابتكار‭. ‬

فعادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬عوامل‭ ‬كابحة‭ ‬للابتكار‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الكبرى،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المؤسسات‭ ‬العسكرية،‭ ‬إذ‭ ‬يميل‭ ‬القائمون‭ ‬عليها‭ ‬إلى‭ ‬مقاومة‭ ‬أي‭ ‬ممارسات‭ ‬جديدة‭ ‬تعارض‭ ‬المألوف‭ ‬الذي‭ ‬سار‭ ‬عليه‭ ‬العمل‭ ‬داخل‭ ‬المنظمة‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬سنوات،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬التقييمات‭ ‬الأولية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تأثيراته‭ ‬ستنعكس‭ ‬بالإيجاب‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬المنظمة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬ولذا،‭ ‬فإن‭ ‬القاعدة‭ ‬العامة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الابتكار‭ ‬يلاقى‭ ‬عادة‭ ‬معارضة‭ ‬مؤسسية‭ ‬قوية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تثبيطه،‭ ‬ولا‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬هذا‭ ‬العامل،‭ ‬سوى‭ ‬وجود‭ ‬إيمان‭ ‬قوي‭ ‬بأهمية‭ ‬الابتكار‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬قيادة‭ ‬الدولة‭. ‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬ترى‭ ‬بعض‭ ‬الأدبيات‭ ‬العسكرية‭ ‬أن‭ ‬الحوافز‭ ‬للابتكار‭ ‬قد‭ ‬ترتبط‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬الأخرى،‭ ‬بوجود‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الأسلحة‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬على‭ ‬الميزانية‭ ‬والموارد،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬نتاج‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬توزيع‭ ‬الموارد‭ ‬داخل‭ ‬نفس‭ ‬السلاح‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثالثة،‭ ‬فإن‭ ‬الابتكار‭ ‬يكون‭ ‬عادة‭ ‬له‭ ‬بعد‭ ‬مؤسسي،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬يرتبط‭ ‬بوجود‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬المؤسسة‭ ‬بصورة‭ ‬تشجع‭ ‬على‭ ‬الابتكار‭ ‬وتحض‭ ‬عليه‭.‬

وقامت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬بإجراء‭ ‬تغييرات‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬لتسريع‭ ‬عملية‭ ‬الابتكار‭ ‬داخل‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭. ‬ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬إنشاء‭ ‬مكتب‭ ‬‮«‬وكيل‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬للأبحاث‭ ‬والهندسة‮»‬‭ ‬داخل‭ ‬مكتب‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع،‭ ‬و«إنشاء‭ ‬القيادة‭ ‬المستقبلية‭ ‬للجيش‭ ‬الأمريكي‮»‬،‭ ‬ونشر‭ ‬استراتيجية‭ ‬جديدة‭ ‬وطموحة‭ ‬لعلوم‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭. ‬وتتميز‭ ‬هذه‭ ‬التغييرات‭ ‬بتركيز‭ ‬متجدد‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬الابتكارات‭ ‬الإرباكية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬للجيش‭ ‬الأمريكي‭.‬

ثالثاً‭: ‬الابتكار‭ ‬التدريجي‭ ‬والجذري

درس‭ ‬المؤرخون‭ ‬وعلماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬نظرية‭ ‬الابتكار‭ ‬منذ‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬عندما‭ ‬قدم‭ ‬عالم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬‮«‬جوزيف‭ ‬شومبيتر‮»‬‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬التدمير‭ ‬الإبداعي‮»‬‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وكان‭ ‬يقصد‭ ‬به‭ ‬‮«‬عملية‭ ‬الطفرة‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬تُحدِث‭ ‬ثورة‭ ‬مستمرة‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تدمير‭ ‬البنية‭ ‬القديمة‭ ‬مع‭ ‬خلق‭ ‬بنية‭ ‬أخرى‭ ‬جديدة،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬تتكرر‭ ‬بطريقة‭ ‬مستمرة‮»‬‭.‬

وركزت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المؤلفات‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬على‭ ‬الابتكارات‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬غير‭ ‬العسكرية‭. ‬لكن‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬التسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬بدأ‭ ‬الباحثون‭ ‬بجدية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬نظرية‭ ‬للابتكار‭ ‬العسكري‭. ‬كما‭ ‬بُذلت‭ ‬جهود‭ ‬كبيرة‭ ‬للتمييز‭ ‬بين‭ ‬مفهوم‭ ‬الابتكار‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬السلم‭ ‬وزمن‭ ‬الحرب،‭ ‬وكذا‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬التغيير‭ ‬التكنولوجي‭ ‬مقابل‭ ‬التغيير‭ ‬المؤسسي‭ ‬كمصادر‭ ‬محتملة‭ ‬للإبداع‭ ‬العسكري‭.‬

وبذلت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2004‭ ‬جهود‭ ‬نظرية‭ ‬لمحاولة‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مفهوم‭ ‬واحد‭ ‬للابتكار‭ ‬العسكري‭. ‬واقترح‭ ‬الكابتن‭ ‬البحري‭ ‬المتقاعد‭ ‬تيري‭ ‬بيرس،‭ ‬بعد‭ ‬دراسة‭ ‬أفكار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬منظري‭ ‬الابتكار‭ ‬الآخرين،‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بوضع‭ ‬إطار‭ ‬جامع‭ ‬للابتكار‭ ‬العسكري‭ ‬يأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭. ‬وصنّف‭ ‬الإطار‭ ‬النظري‭ ‬الذي‭ ‬وضعه‭ ‬الابتكار‭ ‬وفقاً‭ ‬لأربع‭ ‬فئات‭ ‬أساسية،‭ ‬تمثل‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الابتكار،‭ ‬ولكن‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬منهج‭ ‬وتداعيات‭ ‬مختلفة‭. ‬ويمكن‭ ‬تفصيل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭: ‬

1

الابتكار‭ ‬التدريجي‭:‬‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الابتكار‭ ‬عندما‭ ‬تطرأ‭ ‬تغيرات‭ ‬محدودة‭ ‬أو‭ ‬تحسينات‭ ‬على‭ ‬مكونات‭ ‬الأجهزة‭ ‬أو‭ ‬البرامج‭ ‬الحالية،‭ ‬وذلك‭
‬بهدف‭ ‬جعل‭ ‬الأشياء‭ ‬القائمة‭ ‬حالياً‭ ‬تعمل‭ ‬بصورة‭ ‬أفضل،‭ ‬مع‭ ‬بقاء‭ ‬المعرفة‭ ‬حول‭ ‬واجهة‭ ‬النظام‭ ‬ثابتة‭ ‬ولا‭ ‬تتغير‭. ‬ويندرج‭ ‬تحت‭ ‬هذه‭ ‬الفئة،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تحديث‭ ‬نظم‭ ‬الأسلحة‭. ‬ويتمتع‭ ‬الابتكار‭ ‬التدريجي‭ ‬بأهمية‭ ‬كبيرة،‭ ‬نظراً‭ ‬لأن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬التحسينات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬إجراؤها‭ ‬في‭ ‬الجيوش‭ ‬المختلفة‭ ‬تندرج‭ ‬ضمن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭. ‬كما‭ ‬تخضع‭ ‬بيروقراطية‭ ‬الجيش‭ ‬نفسها‭ ‬للابتكار‭ ‬التدريجي،‭ ‬أي‭ ‬إدخال‭ ‬تعديلات‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬عملها‭ ‬وهياكلها‭ ‬المؤسسية،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مفيد‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمنظمات‭ ‬الكبيرة‭ ‬لأنه‭ ‬يسمح‭ ‬بتطويرها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬استمراريتها‭ ‬وفاعليتها‭.‬

2

الابتكار‭ ‬النمطي‭: ‬يحدث‭ ‬الابتكار‭ ‬النمطي‭ ‬عندما‭ ‬تتغير‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬لكن‭ ‬تظل‭ ‬المبادئ‭ ‬الحالية‭ ‬الحاكمة‭ ‬لعمل‭ ‬النظام‭ ‬دون‭ ‬تغيير‭. ‬ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬التحوّل‭ ‬من‭ ‬الواجهة‭ ‬التناظرية‭ (‬Analogue‭) (‬أي‭ ‬يدوية‭) ‬إلى‭ ‬واجهة‭ ‬رقمية‭ (‬أي‭ ‬مؤتمتة‭) ‬لملاحة‭ ‬السفينة،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الابتكار‭ ‬النمطي‭ ‬يقدم‭ ‬تقنية‭ ‬جديدة‭ ‬لإنجاز‭ ‬نفس‭ ‬المهمة‭ ‬القديمة‭. ‬ويحدث‭ ‬هذا‭ ‬بشكل‭ ‬متكرر،‭ ‬ولكن‭ ‬بوتيرة‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬الابتكار‭ ‬التدريجي‭. ‬ويتم‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬بواسطة‭ ‬نفس‭ ‬القوة‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬التابعة‭ ‬للجيش‭.‬

3

الابتكار‭ ‬الجذري‭: ‬يقصد‭ ‬به‭ ‬التغير‭ ‬في‭ ‬مكونات‭ ‬النظام،‭ ‬وكذلك‭ ‬الواجهة‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭. ‬ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬حاملة‭ ‬الطائرات‭ ‬أو‭ ‬الدبابة‭ ‬أو‭ ‬الطائرة‭ ‬أو‭ ‬الغواصة،‭ ‬فهي‭ ‬كلها‭ ‬أمثلة‭ ‬على‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الجديدة‭ ‬بطرق‭ ‬جديدة‭ ‬لإنتاج‭ ‬شيء‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موجوداً‭ ‬في‭ ‬السابق‭. ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬الابتكارات‭ ‬الجذرية‭ ‬نادرة‭. ‬

ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القيود‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬الابتكار‭ ‬الجذري‭ ‬قوية،‭ ‬مثل‭ ‬حاجتها‭ ‬إلى‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬نسبياً‭ ‬لتطويرها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أنها‭ ‬تتطلب‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬موارد‭ ‬مالية‭ ‬ضخمة‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬فقد‭ ‬تمكنت‭ ‬مؤسسات‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬العسكرية،‭ ‬والقاعدة‭ ‬الصناعية‭ ‬الدفاعية‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬ابتكارات‭ ‬جذرية‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬فهمه‭ ‬عن‭ ‬الابتكار‭ ‬الجذري‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يغير‭ ‬المفاهيم‭ ‬الكبرى‭ ‬السائدة‭ ‬حول‭ ‬الحرب‭. ‬بمعنى‭ ‬آخر،‭ ‬أنه‭ ‬يتم‭ ‬تطوير‭ ‬سلاح‭ ‬جديد‭ ‬وذلك‭ ‬لتعزيز‭ ‬قدرة‭ ‬الجيش‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بمهامه،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬تصنيع‭ ‬حاملات‭ ‬الطائرات‭ ‬لدعم‭ ‬السفن‭ ‬الحربية،‭ ‬والدبابات‭ ‬لتعزيز‭ ‬سلاح‭ ‬المشاة‭ ‬والطائرات‭ ‬كمراقبين‭ ‬أماميين‭. ‬

ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬الابتكار‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تقديمها‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬التدريجية‭ ‬والنمطية‭ ‬والجذرية،‭ ‬تعتبر‭ ‬جميعها‭ ‬ابتكارات‭ ‬هدفها‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬استدامة‭ ‬الأجهزة‭ ‬والأنظمة‭. ‬وبعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬فهي‭ ‬خطوات‭ ‬تطورية‭ ‬ويمكن‭ ‬اعتبارها‭ ‬أيضاً‭ ‬ابتكارات‭ ‬صغيرة‭ ‬ومتوسطة‭ ‬وكبيرة‭ ‬على‭ ‬التوالي،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬درجة‭ ‬التعقيد‭. ‬وبالنسبة‭ ‬للجيش،‭ ‬تعزز‭ ‬الابتكارات‭ ‬المستدامة‭ ‬الطرق‭ ‬الحالية‭ ‬للحرب‭.‬

4

الابتكار‭ ‬الهندسي‭: ‬تحدث‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الابتكارات‭ ‬عندما‭ ‬يتم‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الحالية،‭ ‬ولكن‭ ‬يتم‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬أو‭ ‬هندسة‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬النظام،‭ ‬أي‭ ‬عندما‭ ‬يتم‭ ‬استخدام‭ ‬الأشياء‭ ‬الحالية‭ ‬بطرق‭ ‬جديدة‭. ‬وباللغة‭ ‬العسكرية،‭ ‬يمكن‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يسميها‭ ‬أيضاً‭ ‬ابتكاراً‭ ‬عقائدياً‭. ‬ويمثل‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬استخدام‭ ‬حاملة‭ ‬الطائرات‭ ‬والمقاتلات‭ ‬والاتصالات‭ ‬اللاسلكية،‭ ‬أو‭ ‬الدبابات‭ ‬والطائرات‭ ‬وأجهزة‭ ‬الراديو‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬ضمن‭ ‬الابتكارات‭ ‬المعمارية‭. ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬الابتكار‭ ‬المعماري‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬التطورات‭ ‬النمطية‭ ‬أو‭ ‬الجذرية‭ ‬المتعددة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬ربط‭ ‬مكونات‭ ‬جديدة‭ ‬ببعضها‭ ‬بعضاً‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الابتكارات‭ ‬المعمارية‭ ‬مستدامة،‭ ‬ومعظمها‭ ‬كذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬استثنائية‭ ‬قليلة،‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬حدوث‭ ‬نوعية‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الابتكارات‭ ‬وهي‭: ‬الابتكار‭ ‬الإرباكي‭ (‬Disruptive Innovation‭).‬

مجالات‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭: ‬

يمكن‭ ‬تصنيف‭ ‬مجالات‭ ‬الابتكار‭ ‬العسكري‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭: ‬

1

الابتكار‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العقائد‭ ‬العسكرية‭: ‬يأتي‭ ‬ضمن‭ ‬العقائد‭ ‬العسكرية‭ ‬المبتكرة،‭ ‬والتي‭ ‬غيرت‭ ‬من‭ ‬مجريات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المعارك‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬الخاطفة‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬طورها‭ ‬الألمان‭ ‬وطبقوها‭ ‬بنجاح‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬وكان‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬الاستطلاع‭ ‬الجوي‭ ‬والأرضي‭ ‬لتحديد‭ ‬الثغرات‭ ‬في‭ ‬دفاعات‭ ‬العدو،‭ ‬ثم‭ ‬تركيز‭ ‬القوات‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭.‬

وكان‭ ‬العنصر‭ ‬الرئيسي‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬سرعة‭ ‬نقل‭ ‬القوات،‭ ‬والمفاجأة،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬نوافذ‭ ‬الفرص‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تلوح‭ ‬أثناء‭ ‬سير‭ ‬المعارك،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬نشر‭ ‬قوات‭ ‬سريعة‭ ‬الحركة‭ ‬تتوغل‭ ‬بعمق‭ ‬في‭ ‬الخطوط‭ ‬الخلفية‭ ‬للعدو‭. ‬ويتمثل‭ ‬الهدف‭ ‬الأساسي‭ ‬لهذه‭ ‬القوة‭ ‬هو‭ ‬تدمير‭ ‬ليس‭ ‬قوات‭ ‬العدو،‭ ‬بل‭ ‬مراكز‭ ‬القيادة‭ ‬وخطوط‭ ‬الإمداد‭ ‬وتهديد‭ ‬خطوط‭ ‬الانسحاب‭. ‬وكان‭ ‬مفتاح‭ ‬النجاح‭ ‬الثالث‭ ‬هو‭ ‬التأثير‭ ‬النفسي‭ ‬للقوات‭ ‬الألمانية‭ ‬سريعة‭ ‬الحركة‭. ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬تسببت‭ ‬الحرب‭ ‬الخاطفة‭ ‬في‭ ‬انهيار‭ ‬قطاعات‭ ‬كاملة‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬التي‭ ‬تقاتل‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الدبابات‭ ‬اخترقتها‭ ‬من‭ ‬نقطة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭.‬

وأفضل‭ ‬اختبار‭ ‬للإبداع‭ ‬العسكري‭ ‬هو‭ ‬تحقيق‭ ‬المفاجأة،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬خداع‭ ‬مبتكرة‭ ‬للغاية‭ ‬وتنفيذها‭ ‬بمهارة‭. ‬ويجب‭ ‬على‭ ‬القادة‭ ‬العسكريين‭ ‬أن‭ ‬يضعوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬العدو‭ ‬وأن‭ ‬يفكروا‭ ‬في‭ ‬المسار‭ ‬الأقل‭ ‬احتمالية‭ ‬لتوقع‭ ‬العدو‭. ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬التاريخية‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973،‭ ‬والتي‭ ‬نجح‭ ‬فيها‭ ‬المخطط‭ ‬العسكري‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬عقلية‭ ‬إسرائيل‭ ‬بصورة‭ ‬تامة،‭ ‬وتمكن‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬خداع‭ ‬ناجحة‭ ‬للغاية‭. ‬

فقد‭ ‬كان‭ ‬التفكير‭ ‬العسكري‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬لن‭ ‬تشن‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬نظيرتها‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬امتلاك‭ ‬مقاتلات‭ ‬أحدث‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬توجيه‭ ‬ضربات‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وأن‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬ضعيف،‭ ‬وأن‭ ‬القوات‭ ‬السورية‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬أسوأ‭ ‬حالاً،‭ ‬ولذلك،‭ ‬فإن‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬استبعدت‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا‭ ‬بشن‭ ‬هجوم‭ ‬عسكري‭ ‬مشترك‭ ‬ضدها‭. ‬ولذلك‭ ‬عندما‭ ‬شنّت‭ ‬مصر‭ ‬وسوريا‭ ‬هجوماً‭ ‬مشتركاً‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬تحييد‭ ‬عناصر‭ ‬التفوق‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬مثّل‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭ ‬مفاجأة‭ ‬استراتيجية‭ ‬وإخفاقاً‭ ‬عسكرياً‭ ‬كبيراً‭ ‬لها‭.‬

ويأتي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬كذلك‭ ‬نجاح‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1973‭ ‬من‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬المفاهيم‭ ‬العسكرية‭ ‬الراسخة،‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬الدفاع‭ ‬المتحرك‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬اعتمد‭ ‬عليه‭ ‬الإسرائيليون،‭ ‬ويقوم‭ ‬على‭ ‬توقع‭ ‬هجوم‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬اتجاه‭ ‬واحد،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬توجيه‭ ‬كامل‭ ‬قوة‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لتدمير‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬التي‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬عبور‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬واختراق‭ ‬خط‭ ‬بارليف‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬واحدة،‭ ‬ولتجاوز‭ ‬ذلك،‭ ‬قامت‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬باختراق‭ ‬الدفاعات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬خط‭ ‬المواجهة‭ ‬بالكامل،‭ ‬مما‭ ‬أربك‭ ‬حسابات‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ووضعها‭ ‬في‭ ‬مأزق‭ ‬لعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬اتجاه‭ ‬دفع‭ ‬الاحتياطي‭. ‬

ومن‭ ‬ثم‭ ‬نجحت‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬إثبات‭ ‬فشل‭ ‬نظام‭ ‬الدفاع‭ ‬المتحرك،‭ ‬الذي‭ ‬تتبناه‭ ‬العقيدة‭ ‬العسكرية‭ ‬الغربية،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬معمولاً‭ ‬به‭ ‬بكل‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬ولذلك‭ ‬بدأت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬تعديل‭ ‬فكر‭ ‬الدفاع‭ ‬المتحرك‭ ‬في‭ ‬العقيدة‭ ‬الغربية،‭ ‬لتخرج‭ ‬للعالم،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1976،‭ ‬بعقيدة‭ ‬عسكرية‭ ‬جديدة‭ ‬تعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الدفاع‭ ‬النشط‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬يقسم‭ ‬الاحتياطيات‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬احتياطيات‭ ‬لمواجهة‭ ‬الاختراقات‭ ‬المتعددة‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬خط‭ ‬المواجهة،‭ ‬ولتتبناه‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭.‬

وطورت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مطلع‭ ‬التسعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬مصطلحاً‭ ‬جديداً‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الثورة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬العسكرية‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يعكس‭ ‬تحولاً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬العقيدة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فقد‭ ‬استندت‭ ‬إلى‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬تنفيذ‭ ‬ضربات‭ ‬جوية‭ ‬دقيقة،‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬جمع‭ ‬الاستخبارات‭ ‬عن‭ ‬جيش‭ ‬الخصم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أدوات‭ ‬التجسس‭ ‬المختلفة،‭ ‬وأخيراً‭ ‬‮«‬القيادة‭ ‬والسيطرة‮»‬‭. ‬وكان‭ ‬التطبيق‭ ‬العملي‭ ‬لهذه‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1991،‭ ‬واستمرت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬نفس‭ ‬العقيدة‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬التالية،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬أبرزها‭ ‬حرب‭ ‬أفغانستان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2002،‭ ‬والحرب‭ ‬ضد‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003‭.‬

وسادت‭ ‬هذه‭ ‬العقيدة‭ ‬العسكرية‭ ‬لسنوات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ظهرت‭ ‬عقيدة‭ ‬مناوئة،‭ ‬اتسمت‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬بالابتكار،‭ ‬وحلت‭ ‬محلها،‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬الحروب‭ ‬الهجينة‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬الحرب،‭ ‬التي‭ ‬تبنتها‭ ‬قيادة‭ ‬الأركان‭ ‬العامة‭ ‬الروسية،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬تعريفها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬نشاطات‭ ‬خفية‭ ‬أو‭ ‬قابلة‭ ‬للإنكار،‭ ‬تدعمها‭ ‬قوات‭ ‬تقليدية،‭ ‬أو‭ ‬نووية‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬السياسة‭ ‬الداخلية‭ ‬للبلدان‭ ‬المستهدفة،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬يدخل‭ ‬ضمن‭ ‬أهدافها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬ومدركاته‭. ‬

وتستخدم‭ ‬هذه‭ ‬العقيدة‭ ‬العسكرية‭ ‬الجديدة‭ ‬خليطاً‭ ‬من‭ ‬التكتيكات‭ ‬المختلفة،‭ ‬والتي‭ ‬تتضمن‭ ‬استخدام‭ ‬القوات‭ ‬التقليدية‭ ‬لدعم‭ ‬القوات‭ ‬غير‭ ‬النظامية،‭ ‬أو‭ ‬حمايتها‭. ‬وتتهم‭ ‬روسيا‭ ‬بتوظيف‭ ‬هذه‭ ‬التكتيكات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وجورجيا‭. ‬وفي‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬تحديداً،‭ ‬وظفت‭ ‬روسيا‭ ‬حرب‭ ‬العصابات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دعم‭ ‬الانفصاليين‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬البلاد،‭ ‬ولكنها‭ ‬اضطرت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬استعمال‭ ‬القوات‭ ‬التقليدية‭ ‬لدعم‭ ‬التكتيكات‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭ ‬لضمان‭ ‬ألا‭ ‬تهزم‭ ‬الحركة‭ ‬الانفصالية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬2014‭.‬

2

الابتكار‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬توظيف‭ ‬الأسلحة‭:‬‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬والجيوش‭ ‬العربية‭ ‬استخدمت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬12300‭ ‬دبابة‭ ‬ومدرعة‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭. ‬وتم‭ ‬تدمير‭ ‬نحو‭ ‬2600‭ ‬منها‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬3‭ ‬أسابيع‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬القوات‭ ‬المصرية‭ ‬بتدمير‭ ‬أغلب‭ ‬الدبابات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬عبر‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الدبابات،‭ ‬ولكن‭ ‬استخدمت،‭ ‬عوضاً‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬صواريخ‭ ‬‮«‬ماليوتكا‮»‬‭ ‬الموجهة‭ ‬وقواذف‭ ‬الرمانات‭ ‬‮«‬آر‭ ‬بي‭ ‬جي‭ ‬7‮»‬‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬الدبابات‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬وحقق‭ ‬هذا‭ ‬التكتيك‭ ‬نجاحاً‭ ‬كبيراً،‭ ‬فقد‭ ‬تمكن‭ ‬جندي‭ ‬مصري‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬23‭ ‬دبابة‭ ‬و3‭ ‬مركبات‭ ‬مدرعة‭.‬

3

الابتكار‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المؤسسي‭: ‬يتمثل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬وحدات‭ ‬عسكرية‭ ‬جديدة‭ ‬استجابة‭ ‬لتهديدات‭ ‬جديدة‭ ‬أو‭ ‬فرص‭ ‬محتملة‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تطرأ‭ ‬على‭ ‬سير‭ ‬المعارك‭ ‬العسكرية‭. ‬ويأتي‭ ‬ضمن‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬محاولة‭ ‬الصين‭ ‬توظيف‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لأغراض‭ ‬عسكرية،‭ ‬إذ‭ ‬يرى‭ ‬المخططون‭ ‬العسكريون‭ ‬الصينيون‭ ‬أن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬سوف‭ ‬يتفوق‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬النيران‭ ‬وقوة‭ ‬الآلات‭ ‬والقوة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬القتال،‭ ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬الذكاء‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬العامل‭ ‬الحاسم‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬نتيجة‭ ‬المعركة‭. ‬

وفي‭ ‬ضوء‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬طوّر‭ ‬جيش‭ ‬التحرير‭ ‬الصيني‭ ‬نظريات‭ ‬ومفاهيم‭ ‬جديدة‭ ‬لما‭ ‬يسميه‭ ‬‮«‬العمليات‭ ‬الذكية‮»‬‭ (‬intelligentised operations‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والآلة،‭ ‬وتم‭ ‬تقديم‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الذكاء‭ ‬الهجين‭ ‬للإنسان‭ ‬والآلة‮»‬‭ (‬Human-machine hybrid intelligence‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬يعتقد‭ ‬المنظرون‭ ‬العسكريون‭ ‬الصينيون‭ ‬أن‭ ‬طبيعة‭ ‬الحرب‭ ‬تشهد‭ ‬تحولاً‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الشبكية‭ (‬Network-centric Warfare‭) ‬إلى‭ ‬‮«‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الخوارزميات‮»‬‭ (‬algorithm-centric warfare‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬ستشمل‭ ‬استخدام‭ ‬حرب‭ ‬الأسراب‭ ‬الذكية‭ ‬وحرب‭ ‬التحكم‭ ‬الإدراكي‭. ‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬الوضع‭ ‬السابق،‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬جيش‭ ‬التحرير‭ ‬الشعبي‭ ‬الصيني‭ ‬بتطوير‭ ‬أنظمة‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يركز‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬القيادة‭ ‬والتحكم،‭ ‬بما‭ ‬يستتبعه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬القيادة‭ ‬والسيطرة‭ ‬في‭ ‬الجيش‭ ‬الصيني‭.‬

ويدخل‭ ‬ضمن‭ ‬الابتكارات‭ ‬المؤسسية‭ ‬اتجاه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬قوات‭ ‬فضائية،‭ ‬وذلك‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬لقدرات‭ ‬فضائية‭ ‬تشك‭ ‬واشنطن‭ ‬أنها‭ ‬ستؤدي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬امتلاك‭ ‬قدرات‭ ‬عسكرية‭ ‬فضائية‭ ‬هجومية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬رغبة‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬تفوق‭ ‬تكنولوجي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الفضاء‭ ‬يفوق‭ ‬البلدين‭.‬

4

الابتكار‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تطوير‭ ‬أسلحة‭ ‬جديدة‭:‬‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬تطوير‭ ‬الرادار‭ ‬لاكتشاف‭ ‬المقاتلات‭ ‬المهاجمة‭. ‬فقد‭ ‬أدى‭ ‬توظيف‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬بحث‭ ‬الجيوش‭ ‬عن‭ ‬طرق‭ ‬لتوفير‭ ‬الإنذار‭ ‬المبكر‭ ‬لحظة‭ ‬اقترابها،‭ ‬وإرشاد‭ ‬المقاتلات‭ ‬لاعتراضها،‭ ‬بل‭ ‬وتوجيه‭ ‬نيران‭ ‬المدفعية‭ ‬المضادة‭ ‬للمقاتلات‭ ‬لتدمير‭ ‬مقاتلات‭ ‬الخصم‭. ‬وبدأ‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬اقترابات‭ ‬مختلفة‭ ‬لتطوير‭ ‬رادارات‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1918‭. ‬واستمرت‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬وجربت‭ ‬خلالها‭ ‬طرق‭ ‬مختلفة‭. ‬

وكانت‭ ‬هناك‭ ‬طريقتان‭ ‬أساسيتان‭ ‬لاكتشاف‭ ‬الأشياء‭ ‬البعيدة،‭ ‬وهما‭ ‬الطريقة‭ ‬الأولى‭: ‬طرق‭ ‬أحادية‭ ‬الاتجاه‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬التقاط‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الطاقة‭ ‬المنبعثة‭ ‬من‭ ‬الهدف‭. ‬والطريقة‭ ‬الثانية،‭ ‬في‭ ‬اتجاهين،‭ ‬أو‭ ‬ذهاباً‭ ‬وإياباً‭. ‬وتضمنت‭ ‬التقنيات‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬الثانية‭ ‬إرسال‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الطاقة‭ ‬وتجميع‭ ‬ما‭ ‬يعكسه‭ ‬الكائن‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬تعقبه‭. ‬وكان‭ ‬التركيز‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الأولى،‭ ‬أي‭ ‬على‭ ‬الأنظمة‭ ‬أحادية‭ ‬الاتجاه،‭ ‬لأنها‭ ‬بدت‭ ‬أبسط‭ ‬وأكثر‭ ‬عملية‭. ‬وتمثلت‭ ‬أنواع‭ ‬الطاقة‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬المقاتلة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تقييمها‭ ‬من‭ ‬الأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء‭ ‬والحرارة‭ ‬إلى‭ ‬الصوت‭ ‬وموجات‭ ‬الراديو‭.‬

وخطا‭ ‬البرنامج‭ ‬خطوة‭ ‬مهمة‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1926‭ ‬عندما‭ ‬أصبح‭ ‬الرائد‭ ‬ويليام‭ ‬ر‭. ‬بلير‭ ‬الضابط‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬قسم‭ ‬الأبحاث‭ ‬والهندسة‭ ‬في‭ ‬سلاح‭ ‬الإشارة،‭ ‬بالجيش‭ ‬الأمريكي‭. ‬ولعب‭ ‬بلير‭ ‬دوراً‭ ‬أساسياً‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬الترددات‭ ‬الصوتية‭ ‬وتركيز‭ ‬موارد‭ ‬جهاز‭ ‬الإشارة‭ ‬على‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الحرارية‭ ‬وترددات‭ ‬الراديو‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1930،‭ ‬أصبح‭ ‬بلير‭ ‬مديراً‭ ‬لمختبرات‭ ‬جهاز‭ ‬الإشارة،‭ ‬وهو‭ ‬كيان‭ ‬جديد‭ ‬تم‭ ‬إنشاؤه‭ ‬حينها‭. ‬

ونجحت‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬الاستخدام‭ ‬المحتمل‭ ‬لموجات‭ ‬الراديو‭ ‬المنعكسة‭ ‬كطريقة‭ ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬المقاتلات‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1930،‭ ‬وذلك‭ ‬بالصدفة،‭ ‬فقد‭ ‬وجد‭ ‬علماء‭ ‬البحرية‭ ‬أن‭ ‬الطائرات‭ ‬العابرة‭ ‬خلقت‭ ‬تداخلاً‭ ‬ملحوظاً‭ ‬في‭ ‬الإشارات‭ ‬المرسلة‭ ‬في‭ ‬الاختبارات‭. ‬وواجه‭ ‬المشروع‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬صعوبات‭ ‬فنية‭ ‬هائلة‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التغلب‭ ‬عليها‭ ‬إلا‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬1936‭. ‬وقامت‭ ‬مختبرات‭ ‬جهاز‭ ‬الإشارة‭ ‬بتطوير‭ ‬هوائيات‭ ‬جديدة،‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬أصغر‭ ‬وأفضل‭ ‬من‭ ‬سابقتها‭. ‬وتعمل‭ ‬هوائيات‭ ‬الإرسال‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬وتركيز‭ ‬الإشارة‭ ‬التي‭ ‬ترسلها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬هوائيات‭ ‬الاستقبال‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬حساسية‭ ‬في‭ ‬التقاط‭ ‬الإشارات‭ ‬العائدة‭ ‬الخافتة‭. ‬وبعد‭ ‬عدة‭ ‬تجارب‭ ‬دخل‭ ‬الخدمة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1939،‭ ‬وحمل‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬إس‭ ‬سيه‭ ‬آر‭ ‬268‮»‬‭ (‬SCR-268‭).‬

ويندرج‭ ‬ضمن‭ ‬الابتكارات‭ ‬الجديدة‭ ‬منظومة‭ ‬القبة‭ ‬الحديدية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬والتي‭ ‬تقوم‭ ‬بإطلاق‭ ‬صاروخ‭ ‬باتجاه‭ ‬الهدف‭ ‬المقصود،‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬إصابته‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬حيث‭ ‬ينفجر‭ ‬صاروخ‭ ‬المنظومة‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬الجسم‭ ‬المستهدف،‭ ‬وتتمتع‭ ‬المنظومة‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬اعتراض‭ ‬دفعة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬وطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭ ‬بشكل‭ ‬متزامن،‭ ‬وفقاً‭ ‬للمسؤولين‭ ‬الإسرائيليين‭. ‬ونظراً‭ ‬لإمكانيات‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة،‭ ‬تعاقدت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬شرائها‭. ‬

ومن‭ ‬ضمن‭ ‬الأسلحة‭ ‬الجديدة،‭ ‬والتي‭ ‬تركت‭ ‬تداعيات‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬هو‭ ‬تطوير‭ ‬المركبات‭ ‬المسيرة،‭ ‬والتي‭ ‬يتم‭ ‬توجيهها‭ ‬عن‭ ‬بعد‭. ‬وتوسعت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬وتوظيفها‭ ‬في‭ ‬شن‭ ‬هجمات‭. ‬وكان‭ ‬استخدام‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بصورة‭ ‬أساسية،‭ ‬والتي‭ ‬وظفتها‭ ‬في‭ ‬شن‭ ‬هجمات‭ ‬ضد‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭. ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬بدأت‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬امتلاك‭ ‬طائرات‭ ‬مسيرة،‭ ‬وتوسعت‭ ‬فيها‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬تقوم‭ ‬كبرى‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬بإنتاج‭ ‬مقاتلات‭ ‬مسيرة‭.‬

ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬تطوير‭ ‬المنصات‭ ‬المسيرة‭ ‬على‭ ‬المقاتلات،‭ ‬بل‭ ‬امتد‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬ابتكار‭ ‬طائرات‭ ‬مسيرة‭ ‬تقوم‭ ‬بتزويد‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬بالوقود،‭ ‬إذ‭ ‬يسعى‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلى‭ ‬امتلاك‭ ‬وحدات‭ ‬صغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬والتي‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تتفوق‭ ‬على‭ ‬أقرانها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬قدراتها‭ ‬القتالية،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تستطيع‭ ‬التحليق‭ ‬لمسافات‭ ‬طويلة‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬72‭ ‬ساعة‭ ‬دون‭ ‬توقف‭. ‬

وقامت‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬بروكس‭ ‬ديناميكس‮»‬‭ ‬النرويجية‭ ‬بتطوير‭ ‬طائرة‭ ‬مسيرة‭ ‬صغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬بلاك‭ ‬هورنيت‭ ‬نانو‮»‬،‭ ‬مخصصة‭ ‬للاستطلاع،‭ ‬يبلغ‭ ‬طولها‭ ‬6‭ ‬بوصات،‭ ‬ويصل‭ ‬وزنها‭ ‬لأقل‭ ‬من‭ ‬أونصة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬رصدها،‭ ‬ويمكنها‭ ‬الطيران‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ميل‭ ‬ولمدة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬25‭ ‬دقيقة،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬تجهيزها‭ ‬بثلاث‭ ‬كاميرات‭ ‬لمنح‭ ‬الجنود‭ ‬رؤية‭ ‬شاملة‭ ‬أثناء‭ ‬بقائهم‭ ‬بأمان‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬يختبئون‭ ‬فيه،‭ ‬وتوفير‭ ‬معلومات‭ ‬استخباراتية‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الفعلي‭.‬

الختام

يتضح‭ ‬من‭ ‬العرض‭ ‬السابق‭ ‬أن‭ ‬الابتكار‭ ‬كان‭ ‬رفيق‭ ‬التاريخ‭ ‬العسكري،‭ ‬وساهم‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬فاعلية‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬ولعب‭ ‬دوراً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬سير‭ ‬المعارك‭. ‬ومع‭ ‬تطور‭ ‬قطاع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المدنية،‭ ‬وإدراك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الدول‭ ‬لأهمية‭ ‬الابتكار،‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تتجه‭ ‬المؤسسات‭ ‬العسكرية‭ ‬لاستثمار‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬مواردها‭ ‬لتعزيز‭ ‬الابتكار،‭ ‬سواء‭ ‬بالشراكة‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬أو‭ ‬بصورة‭ ‬مستقلة‭. ‬

المصادر‭ ‬والمراجع‭:‬

لواء‭ ‬دكتور‭: ‬سمير‭ ‬فرج،‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬73‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬صدى‭ ‬العرب،‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2020،‭ ‬https‭://‬bit.ly/2R6oOe9

كيف‭ ‬تقوم‭ ‬منظومة‭ ‬القبة‭ ‬الحديدية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬باعتراض‭ ‬الصواريخ؟،‭ ‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‭ ‬عربي،‭ ‬يوليو‭ ‬2014،‭ ‬https‭://‬cnn.it/3cLaqAf‭ ‬

أندرو‭ ‬رادن،‭ ‬الحرب‭ ‬الهجينة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬البلطيق‭: ‬التهديدات‭ ‬والاستجابات‭ ‬المحتلمة،‭ ‬راند،‭ ‬2017،‭ ‬ص‭ ‬ص‭ ‬5‭ ‬–‭ ‬6‭.‬

معركة‭ ‬الدبابات‭ ‬في‭ ‬سيناء‭: ‬جندي‭ ‬واحد‭ ‬يدمر‭ ‬23‭ ‬دبابة،‭ ‬سبوتنيك،‭ ‬9‭ ‬أكتوبر‭ ‬2019،‭ ‬https‭://‬bit.ly/3wr711s

Milan Vegi‭, ‬On Military Creativity‭, ‬Joint Forces Quarterly‭, ‬70‭, ‬3rd quarter 2013‭, ‬p‭. ‬83‭.‬

Michael Mcnerney‭ (‬2005‭) ‬Military innovation during war‭: ‬Paradox or paradigm‭?, ‬Defense‭ & ‬Security Analysis‭, ‬21:2‭, ‬p‭. ‬202‭.‬

Ibid‭., ‬p‭. ‬202‭.‬

Michael C‭. ‬Horowitz‭, ‬What Is A Military Innovation and Why It Matters‭, ‬October 9‭, ‬2020‭, ‬https‭://‬bit.ly/39IA1I6‭ ‬

Daniel M‭. ‬Gerstein‭, ‬The Military’s Search for Innovation‭, ‬The Rand Blog‭, ‬August 13‭, ‬2018‭, ‬https‭://‬bit.ly/2QRWnAh‭ ‬

Nina Kollars‭, ‬Genius and Mastery in Military Innovation‭, ‬Survival‭, ‬59‭: ‬2‭, ‬2017‭, ‬p‭. ‬125‭. ‬

Milan Vegi‭, ‬op.cit‭., ‬p‭. ‬88‭.‬

Michael Mcnerney‭, ‬op.cit‭., ‬p‭. ‬205‭.‬

Tor Bukkvoll‭, (‬2015‭) ‬Military Innovation Under Authoritarian Government‭ ‬–‭ ‬the Case of Russian Special Operations Forces‭, ‬Journal of Strategic Studies‭, ‬38:5‭, ‬pp‭. ‬614‭ ‬–‭ ‬615‭.‬

George M‭. ‬Dougherty‭, ‬Accelerating Military Innovation Lessons from China and Israel‭, ‬Joint Forces Quarterly‭, ‬98‭, ‬3rd Quarter‭, ‬2020‭, ‬pp‭. ‬10‭ ‬–‭ ‬11‭.‬

Barry Scott‭, ‬Naluahi Kaahaaina and Christopher Stock‭, ‬Innovation in the Military‭, ‬Small Wars Journal‭, ‬October 2‭, ‬2019‭, ‬https‭://‬bit.ly/3rGTGOE‭ ‬

Milan Vegi‭, ‬op.cit‭., ‬pp‭. ‬87‭ ‬–‭ ‬88‭.‬

Anthony Cordesman‭, ‬The Real Revolution in Military Affairs‭, ‬CSIS‭, ‬August 5‭, ‬2014‭, ‬https‭://‬bit.ly/3cRZWzc‭ ‬

Elsa B Kania‭ (‬2019‭) ‬Chinese Military Innovation in the AI Revolution‭, ‬The RUSI Journal‭, ‬164:5-6‭, ‬26-34‭, ‬pp‭. ‬28‭ ‬–‭ ‬29‭.‬

Wendy Rejan‭, ‬Radar‭, ‬in‭; ‬Jon T‭. ‬Hoffman‭ (‬ed‭.), ‬A History of INNOVATION U.S‭. ‬Army Adaptation in War and Peace‭, (‬Washington‭; ‬CENTER‭ ‬OF MILITARY HISTORY‭, ‬2009‭), ‬pp‭. ‬17‭ ‬–‭ ‬18‭. ‬

Ibid‭., ‬pp‭. ‬20‭ ‬–‭ ‬23‭.‬

US Army demonstrates autonomous resupply with UAVs at recent AEWE‭, ‬Jane’s International Defence Review‭, ‬April 2021‭.‬

Prox Dynamics‭, ‬https‭://‬bit.ly/39FeSP9

Youtube
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض