هل يتحول الفضاء إلى ساحة للصراع العسكري بين الدول الكبرى خلال السنوات القادمة؟ سؤال أصبح يتردد بقوة على ألسنة المراقبين والمتخصصين وهم يراقبون ذلك الاندفاع الخطير نحو عسكرة الفضاء والتنافس حول السيطرة عليه، خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والتطور المتسارع في مجال أسلحة الفضاء أو تلك التي تتخذ من الفضاء هدفاً لها.
وتمثل الخطوة الأمريكية بإنشاء سلاح مستقل للفضاء ضمن فروع القوات المسلحة الأمريكية، حدثاً كبيراً ومنعطفاً مهماً في هذا المجال، لأنه سوف يدفع قوى عديدة أخرى، وخاصة الصين وروسيا، إلى تعزيز برامجها في هذا الشأن، ويجعل قوى عالمية أخرى تدخل هذا المجال بجدية خلال الفترة القادمة.
الخيال يتحول إلى حقيقة.. الفضاء ساحة للحروب
وفقاً للجنرال والمنظّر العسكري الألماني الشهير كارل فون كلاوزفيتز (1780-1831م)، فإن الحرب مثل “الحرباء”، في إشارة إلى تغييرها لجلدها باستمرار وعدم ثباتها على وتيرة واحدة، والتحولات التي تلحق بطبيعتها وأسلحتها والميادين التي تُخاض فيها . ولذلك فإن الحروب مرت بالعديد من المراحل أو الأجيال، كما يقول الخبراء العسكريون، كان الجيل الأول يتسم بالحشد الكبير للقوات والمواجهات المباشرة بين الجيوش في أرض معركة محدّدة، وتميز الجيل الثاني بالاعتماد على القوة النارية أكثر من الاعتماد على حشد أعداد كبيرة من الجنود، أما الجيل الثالث فقد ظهر في الحرب العالمية الثانية، وتميز بالتطور الكبير للمدرعات والاعتماد الأكبر على القوات الجوية وسرعة الحركة والمفاجأة، فيما يتسم الجيل الرابع بالعمل على ضرب العدو من الداخل من خلال إثارة القلاقل والتمرد والتشجيع على الحروب الأهلية والطائفية والعرقية وغيرها.
وضمن هذا السياق تأتي حروب الفضاء التي يضعها المتخصصون ضمن الجيل الخامس من الحروب، إضافة الى الحروب السيبرانية والاقتصادية وحروب البيئة وغيرها. وثمة تطور كبير لحروب الفضاء ما جعلها مجالاً للتنافس والصراع خاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية من جانب وكل من روسيا والصين من جانب آخر، ما يثير مخاوف المختصين من تأثيراتها الخطيرة على أمن العالم واستقراره، فضلاً عن تداعياتها على طبيعة المسلّمات المستقرة حول الحروب بشكل عام.
في عام 2009 صدر كتاب مهم للكاتب الأمريكي جورج فريدمان تحت عنوان “المئة عام المقبلة”، توقع فيه اشتداد حروب الفضاء، وأن ” تتم السيطرة السياسية والعسكرية على الأرض، عن طريق الفضاء”. ويبدو أن فريدمان قد بنى توقعه على أسس قوية ومعطيات دقيقة، لأن ما يشهده العالم اليوم هو اندفاع حقيقي نحو عسكرة الفضاء وخوض الحروب منه.
وعلى الرغم من أن الحديث عن حروب الفضاء ليس جديداً وإنما يعود إلى سنوات طويلة ماضية، ومثالها البارز هو “حرب النجوم” الأمريكية، في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان (1981 ـ 1989) والتي كان لها دور مهم في انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، فإن هناك الكثير من الاعتبارات التي تجعل هذه الحروب في طريقها للتحول إلى واقع، حتى إن البعض يرى أن “الحرب في الفضاء قد تكون أقرب من أي وقت مضى”، وأن عبارة “غزو الفضاء” التي كانت تُستخدم بطريقة مجازية، تحولت اليوم إلى حقيقة، وقد نظر أحد المحللين إلى إنشاء القوة الفضائية الأمريكية على أنه “إعلان رسمي بأن الفضاء قد أصبح مسرحاً جديداً للحرب، وميداناً للقتال، وخُطوة جديدة في مجال عسكرة الفضاء الخارجي”.
وكان رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية، الجنرال ديفيد جولدفين، قد أشار في كلمته أمام المؤتمر السنوي الرابع والثلاثين لرابطة القوات الجوية في فلوريدا في فبراير 2018، إلى أنها مسألة وقت لكي تبدأ الولايات المتحدة الأمريكية القتال في الفضاء الخارجي، وأنه خلال سنوات قليلة سوف تندلع حرب في الفضاء، وأن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تستعد لهذا النوع من الحروب.
وفي ديسمبر 2019 قال حلف شمال الأطلسي “الناتو” إن “الفضاء قد تحول إلى ساحة حرب”. ونشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن دراسة في عام 2018 أشار فيها إلى امتلاك العديد من الدول حول العالم لأسلحة فضائية بالفعل مثل الصين وروسيا والهند وكوريا الشمالية وإيران، معتبراً ذلك بمثابة تهديد لأمن الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها، ومطالباً بتحرك أمريكي لاستعادة المبادرة في مجال السيطرة العسكرية على الفضاء الخارجي.
ويرتبط ما سبق بتغير طبيعة الحروب في العالم، بحيث لم تعد هذه الحروب تخاض على الأرض أو في البحر أو الجو فقط، وإنما في الفضاء كذلك، وأن ما كان ينظر إليه على أنه خيال في الماضي، تحول أو في طريقه إلى التحول إلى حقيقة، ما يستدعي إعادة التفكير في كل النظريات العسكرية المتعارف عليها في الأكاديميات المتخصصة، ومراجعة جذرية لمفهوم الحرب ونظرياتها في العالم كله. وإذا كان العالم قد عرف “حرب النجوم” في ثمانينات القرن الماضي، وهي الحرب التي كان لها دور بارز في انهيار الاتحاد السوفييتي، فإن التسابق لعسكرة الفضاء هذه المرة سوف يكون أشد شراسة وأكثر خطراً لأكثر من سبب؛ أهمها التقدم الكبير في التكنولوجيا العسكرية وخاصة تكنولوجيا الفضاء، وانخراط عدد كبير من الدول في التسابق العسكري نحو الفضاء.
السباق المستعر نحو عسكرة الفضاء.. لماذا؟
شهدت السنوات الأخيرة سباقاً محموماً نحو عسكرة الفضاء من قبل العديد من القوى الدولية والإقليمية، تشير التقديرات إلى أنه سوف يتصاعد بشكل كبير خلال الفترة القادمة خاصة في ظل اعتبارين أساسيين:
• • الاعتبار الأول هو: عدم وجود إطار قانوني يحكم هذه القضية أو يمنع حدوث سباق تسلح فضائي، خاصة أن كلاً من معاهدة حظر التجارب النووية عام 1963 ومعاهدة الفضاء الخارجي عام 1967 يتم الالتفاف عليهما من قبل هذه القوى، في حين ترفض الولايات المتحدة الأمريكية مقترحات روسية وصينية بخصوص معاهدة دولية لمنع نشر السلاح في الفضاء، وترى أن مثل هذا الأمر لا يمكن التحقق منه بشكل عملي، وهو ما عبرت عنه واشنطن في مؤتمر نزع السلاح في جنيف في شهر مايو من العام الماضي 2019. فضلاً عن ذلك فإن معاهدة الفضاء الخارجي، والتي تحرم وضع أسلحة نووية أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل في مدارات حول الأرض، أو في الفضاء الخارجي، أو على سطح القمر، أو على أي من الكواكب والأجسام الفضائية الأخرى، تمنع فقط وضع الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل في الفضاء الخارجي، ولكنها لا تمنع عسكرة الفضاء الخارجي بالاعتماد على الأسلحة التقليدية الأخرى غير النووية.
• • الاعتبار الثاني: هو التسابق على ثروات الفضاء التي تشير التقارير على إنها تقدر بتريليونات الدولارات. وفي هذا السياق يشير كاتب الخيال العلمي الأمريكي دايفيد بيدريا إلى أنه “قبل عقود طويلة لم يكن هناك ما يستحق القتال في الفضاء السحيق، كانت الاعتبارات الأهم تتعلق بصراع القطبين الأمريكي والسوفييتي خلال الحرب الباردة، أما اليوم فقد تحول الكون الفسيح الغارق في الظلام الدامس، إلى مناجم سابحة من المعادن الثمينة من الذهب والبلاتين والنيكل والحديد وغيرها، والتي يمثل الحصول عليها ثروات لا تقدر بأموال، ومنها على سبيل المثال الكويكب UW158، الذي يبعد عن الأرض بضعة ملايين الكيلومترات، ويوازي ما يحتويه من البلاتين حوالي 5.4 تريليون دولار”.

وتشير دراسات إلى أنه يعتقد أن الأجسام السماوية، مثل صخور الفضاء، محملة بأطنان من المعادن الثمينة، من الذهب والحديد والنيكل. وتقدِّر وكالة (ناسا) الأمريكية أن القيمة الإجمالية للموارد الحبيسة في الكويكبات، لو وزعت على سكان الأرض لكان نصيب الفرد الواحد نحو 100 مليار دولار!
قبل عدة أعوام أعلن لاري بيج الرئيس التنفيذي لشركة “جوجل”، والمخرج الكندي جيمس كاميرون عن تأسيس شركة “بلانيتري ريزورسيز” أو “موارد الكواكب”، ومقرها في العاصمة الأمريكية واشنطن، وذلك بهدف التنقيب عن الثروات الطبيعية في الكويكبات السيارة القريبة من الأرض، واستثمار هذه الموارد.
وتشير التقارير إلى إن وكالة “ناسا” الأمريكية تخطط لإطلاق مركبات فضائية صغيرة للتنقيب عن المعادن بين الغبار والصخور والكويكبات الهائمة عبر المجموعة الشمسية، وبالفعل طورت الوكالة نماذج لتلك المركبات الصغيرة لإطلاق واحدة أو أكثر بين عامي 2020 و2025. ويشير المختصون إلى أن القمر سيكون هو محطة الانطلاق نحو استثمار ثروات الكواكب الأخرى خلال الفترة القادمة، وهو ما يفسر الصراع بين القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة الامريكية والصين على الحضور على سطحه.
كما تشير التقارير والدراسات إلى أن “أصحاب الشركات يستهدفون أكثر من مجرد جلب للمعادن، وإنما يسعون إلى إنشاء اقتصاد كامل داخل الكواكب الأخرى بعيداً عن القيود والقوانين على الأرض، ليضمن لهم التعامل المباشر مع الشركات والدول دون ضوابط أو الانصياع لشروطهم”. وهذا جانب آخر من جوانب الخطر والتهديد يتمثل في العمل خارج سياق القوانين المعروفة وما يمكن أن ينطوي عليه هذا الأمر من مخالفات وتهديدات ومخاطر.
عسكرة الفضاء.. المظاهر والتجليات
وفي هذا السياق يمكن عرض أهم تجليات السباق نحو عسكرة الفضاء في الآتي:
أولا: الولايات المتحدة الأمريكية
في يناير 2019 كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استراتيجية أمريكية منقحة للدفاع الصاروخي أوصت “بدراسة تقنيات تجريبية تشمل الاحتمالات الممكنة لنشر أسلحة في الفضاء ربما تكون قادرة على إسقاط صواريخ العدو”، كما تدعو هذه الاستراتيجية لضخ استثمارات لنشر أجهزة استشعار في الفضاء يمكنها رصد وتعقب الصواريخ القادمة بشكل أفضل وربما تكنولوجيا السرعات التي تفوق سرعة الصوت. وقد نظر المراقبون إلى هذه الاستراتيجية باعتبارها إحياء لـ”حرب النجوم”، وهو ما دعا روسيا للقول: إن استراتيجية واشنطن الجديدة للدفاع الصاروخي ستؤدي إلى سباق تسلح خطير في الفضاء وقد تصل إلى حد إعادة إطلاق برنامج “حرب النجو” الذي يعود لحقبة الحرب الباردة.
وفي ديسمبر 2019 اعتمد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إنشاء ” قوة الفضاء الأمريكية” المستقلة ضمن ميزانية الدفاع لعام 2020، بتمويل قيمته 40 مليار دولار خلال العام الأول، ونحو 16 ألف فرد، لتكون الفرع السادس في القوات المسلحة الأمريكية إضافة إلى القوات البرية والقوات الجوية والقوات البحرية ومشاة البحرية وحرس السواحل. وسوف تحل هذه القوة الجديدة محل “قيادة قوة الفضاء” التي كان الرئيس الأمريكي قد أعلنها في أغسطس 2019 لكنها كانت تابعة للقوات الجوية ولم يكن لها صفة الاستقلالية كسلاح أو فرع بذاته داخل الجيش الأمريكي. وفي هذه المناسبة قال قائد هذه القوة الجديدة الجنرال جون ريموند إن الهدف منها هو “تفوق أمريكا في الفضاء بعد تهديد من روسيا والصين”.
ومن المعروف ان الاهتمام بالتواجد العسكري في الفضاء من قبل الولايات المتحدة الأمريكية قديم ويعود الى عقود ماضية، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى مشروع “إكسكاليبور” الذي عمل مختبر لورنس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا، على تنفيذه في سبعينات القرن العشرين، وكان يهدف إلى تفجير سلاح نووي في الفضاء، وذلك من خلال تركيز أشعة الليزر السينية، ولكن لم يتضح ما إذا كان هذا المشروع قد نجح أو فشل.
وتعود جذور فكرة إنشاء سلاح أمريكي للفضاء إلى عام 2000 عندما اقترح دونالد رامسفيلد، قبل أن يتولى وزارة الدفاع، فكرة إنشاء قوة بهدف تعزيز السيطرة الأمريكية على الفضاء الخارجي، وفي عام 2001 حذر تقرير صادر عن رامسفيلد من أن أي هجوم على أنظمة الفضاء أثناء النزاع “يجب ألا يعتبر عملاً غير محتمل”. وقال التقرير “إذا أرادت الولايات المتحدة الأمريكية تجنب ” سبيس بيرل هاربور”، فعليها أن تأخذ على محمل الجد احتمال وقوع هجوم على النظام الفضائي الأمريكي. وفي ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وافق الكونجرس على مشروع قانون بإنشاء “فيلق فضائي”، ولكن وزارة الدفاع الأمريكية لم تتحمس لتطبيق الفكرة. ثم جاء دونالد ترامب وأخذ القضية على محمل الجد وصولاً إلى إنشاء سلاح الفضاء المستقل ضمن أفرع القوات المسلحة الأمريكية.
ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية تعمل على تطوير هذا السلاح بشكل متواتر، وتنظر إليه بأهمية كبيرة، وهذا ما أشار إليه الجنرال دافيد تومبسون نائب قائد سلاح الفضاء الأمريكي، الذي قال في لقاء مع دورية “ديفنس ويكلى نيوز” الأمريكية في فبراير 2020، إنه يجرى حالياً تنفيذ خطة لانتقاء ونقل آلاف من أفراد أفرع القوات المسلحة الأمريكية، وبصورة متدرجة، للعمل في سلاح الفضاء الأمريكي، وإن قوام هذا السلاح سيبلغ بحلول العام 2022 نحو 16 ألف فرد.
وهناك العديد من الأسباب التي تقف وراء الاهتمام الأمريكي المحموم بحروب الفضاء يمكن الإشارة إلى أهمها في الآتي:
1- القلق الأمريكي الكبير من التقدم الذي تحرزه كل من الصين وروسيا، على وجه الخصوص، في مجال أسلحة الفضاء، ما يهدد هيمنة واشنطن على الفضاء، وينال من مصالحها الاستراتيجية. وفي هذا السياق صدرت خلال الفترة القصيرة الماضية الكثير من التحذيرات الأمريكية من خطورة تفوق روسيا والصين في هذا المجال، ومن ذلك قول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في توجيهه للقوات المسلحة بإنشاء قوة عسكرية للفضاء “حين يتعلق الأمر بالدفاع عن أمريكا، ليس كافياً أن يكون هناك تواجد أمريكي في الفضاء، يجب أن تكون لدينا سيطرة أمريكية في الفضاء”، وما قاله باتريك م. شاناهان، حينما كان وزيراً للدفاع بالإنابة في الولايات المتحدة، العام الماضي 2019، إن هامش التفوق الأمريكي في الفضاء “يتقلص بسرعة”، لصالح قوى جديدة أبرزها روسيا والصين. كما أشار تقرير صادر عن سلاح القوات الجوية الأمريكية إلى أن الغرض من وضع قدرات عسكرية هجومية في مدارات حول الأرض هو الإيقاع بأصول الولايات المتحدة الأمريكية الفضائية رهينة في حال نشوب صراع، ما يتطلب تحركاً أمريكياً لمنع ذلك.
وفي أغسطس 2019 قال مساعد وزير الدفاع الأمريكي المسؤول عن سياسة الفضاء ستيف كيتاي إن “الاعتقاد سائد في الصين وروسيا بأن الفضاء يشكل نقطة ضعف بالنسبة للولايات المتحدة وهو ما يمنحهما ميزة نسبية إزاءها”. وفي يونيو 2018 نشرت مجلة “بوليتكو” الأمريكية تقريراً بعنوان: حرب الفضاء قادمة والولايات المتحدة ليست جاهزة، أوردت فيه آراء العديد من الخبراء العسكريين الذين قالوا إن الولايات المتحدة الأمريكية غير مستعدة للدخول في حرب فضاء ضد روسيا والصين، بسبب تركيز وزارة الدفاع “البنتاجون”، على مجموعة من التهديدات على الأرض في حين تتنامى التهديدات في الفضاء، وأن روسيا والصين نجحتا في تطوير وسائل لتدمير أو تعطيل الأقمار الصناعية التي يعتمد عليها الجيش الأمريكي، وأن العالم الآن “يقترب من نقطة لا تكون فيها حرب النجوم مجرد فيلم”.
وتشعر الولايات المتحدة الأمريكية بالقلق تجاه ما يطلق عليه “الأسلحة فرط-صوتية” وهي أسلحة يمكنها التحرك بسرعة تزيد على سرعة الصوت بخمسة أضعاف (تقطع (1.6 كيلومتر في الثانية)، وتتفوق فيها روسيا بشكل خاص، بصورة كبيرة، ولذلك فقد طلب الكونجرس من البنتاجون إنشاء ونشر أجهزة استشعار في الفضاء، يمكنها اكتشاف مثل هذه الأسلحة وتتبعها بعد إطلاقها، وفي ميزانية الدفاع الأمريكية عام 2019، تم طلب زيادة مخصصات صناديق أبحاث الأسلحة فرط-صوتية بنسبة 136% عن العام 2018.
وتدرك الصين، بشكل خاص، أن الولايات المتحدة تستهدفها من وراء إنشاء سلاحها للفضاء، ولذلك فقد جاء رد الصين غاضباً بعد مصادقة الرئيس دونالد ترامب على قانون الميزانية العسكرية لعام 2020، وضمنها إنشاء سلاح مستقل للفضاء ضمن القوات المسلحة الأمريكية، حيث اتهمت واشنطن بـ”تسليح الفضاء الخارجي”، وإن تصرفاتها “تنتهك بقوة الإجماع الدولي بشان الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي، وتشكل تهديداً مباشراً للأمن والسلام في الفضاء الخارجي”.
والمخاوف نفسها عبرت عنها روسيا؛ حيث قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن القيادة العسكرية والسياسية الأمريكية تعتبر الفضاء الخارجي مسرحاً للعمليات العسكرية، وتخطط لنشاطات وعمليات عسكرية فيه.
ولعل ما يخيف الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط تطور أسلحة الفضاء لكل من الصين وروسيا منفردين، وإنما ثمة تقارير حول احتمال اتجاه البلدين نحو تعاون عسكري في الفضاء سيكون موجهاً إلى الولايات المتحدة ومصالحها في المقام الأول، وفي هذا السياق نقل موقع “سبوتنيك” الروسي عن مصدر في صناعة الصواريخ والفضاء الروسية في مارس 2020 قوله: “إن الصين وروسيا تبحثان إمكانية التعاون في إنشاء قاعدة مشتركة على سطح القمر، وإنه قد “تمت مناقشة خيارات مختلفة لمثل هذا التعاون، إنشاء قاعدة مشتركة أو قواعد قمرية مجاورة”.
2- السعي نحو استثمار ثروات الفضاء، وخاصة القمر والمريخ، وتوفير الحماية العسكرية للمشروعات الأمريكية في هذا الشأن. وفي هذا الإطار، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السادس من إبريل 2020 على وثيقة بعنوان “تشجيع المساندة الدولية لجمع الموارد الفضائية واستغلالها”، وذلك لفتح الطريق أمام الولايات المتحدة لاستغلال موارد الفضاء تحت حماية القوة الفضائية الأمريكية. وبالتزامن مع ذلك أعلنت وكالة “ناسا” الفضائية الأمريكية عن برنامج “أرتميس” الذي يهدف إلى عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى القمر في مدة لا تتجاوز 2024 بدلاً من عام 2028 كما كان مقرراً من قبل، وإقامة مستوطنات فيه بهدف استغلال ثرواته الطبيعية واستخدامه في مختبر ومحطة فضائية للانطلاق نحو كوكب المريخ للغرض نفسه.
وكان نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس قال في مارس 2019، ” حان الوقت بالنسبة إلينا للقيام بخطوة كبيرة في اتجاه الفضاء والعودة إلى القمر وإقامة قاعدة على سطحه بشكل مستمر وتطوير تكنولوجيات تسمح لنا بالذهاب إلى كوكب المريخ وإلى ما وراءه. هذه هي الخطوة الكبرى المقبلة.”.
وفي هذا السياق تشير التقارير إلى أن وكالة “ناسا” سعت إلى الاتصال بالشركات الأمريكية التي يعمل فيها مهندسون ورجال فضاء عملوا في السابق في برنامج “أبولو” الذي من خلاله عاد الأمريكيون إلى القمر، حيث تهتم هذه الشركات بالموارد الطبيعية في القمر وطرق استغلالها.
ثانياً: الصين
تتحرك الصين إلى الفضاء بقوة، وتخصص لذلك استثمارات كبيرة، ويشير الخبراء إلى أن “الفضاء الخارجي يمثل جزءاً لا يتجزأ من حلم الرئيس الصيني شي جينبينغ في توسيع نفوذ وقوّة الصين، ومكوّناً أساسياً في استراتيجيته الخاصّة بالتكامل المدني – العسكري”، وأن استراتيجية الصين الفضائية تقوم على عدة أسس أو مراحل هي: أولها بناء قدرة فضائية للإطلاق والوصول إلى الفضاء بتكلفة منخفضة، وثانيها بناء محطة فضائية خاصّة دائمة، وثالثها بناء قدرة للسيطرة على الفضاء الذي يفصل بين الأرض والقمر، ورابعها تطوير إمكانات للوجود المستدام على القمر يعتمد على تأسيس صناعات محليّة هناك، وتقنية طاقة شمسية مركزها الفضاء لتفعيل المحطّة القمرية وضمان الوجود الدائم للبشر عليها، وخامسها تطوير الإمكانات اللازمة للاستكشاف في الفضاء العميق والتنقيب عن موارد الكويكبات.
وفي هذا السياق أطلقت بكين في عام 2018، 39 صاروخاً إلى الفضاء في مقابل 31 صاروخاً لواشنطن و20 من روسيا، و8 صواريخ فقط أطلقتها أوروبا، كما استطاعت الصين أن تدمر قمراً صناعياً تابعاً لها بصاروخ فضائي أُطلق من الأرض في عام 2007، وأرسلت مسباراً إلى الجانب المظلم من القمر للمرة الأولى في تاريخ استكشاف الفضاء في عام 2019، وتخطط لبناء محطة مدارية خلال العقد المقبل، وتنفق على برامجها الفضائية المدنية والعسكرية أكثر مما تنفقه روسيا واليابان. وفي مايو 2020 اطلقت الصين الصاروخ الفضائي “لونغ مارش-5 بي” حاملاً نسخة تجريبية من سفينة فضاء مأهولة صينية من الجيل الجديد وكبسولة شحن يمكنها العودة لاختبارها في الفضاء، وبذلك تكون الصين هي الدولة الثالثة التي تستخدم صواريخها لإرسال الرواد إلى الفضاء بعد الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية .
إضافة لما سبق، تعمل الصين على تطوير صاروخ “لونغ مارش 9” لاختباره في إطلاق تجريبي في 2030، بهدف إطلاق الأقمار الصناعية العاملة بالطاقة الشمسية الفضائية إلى المدار الجغرافي الثابت في 2030، بينما يهدف إطلاق “تشينغ 7” إلى مسح قطب القمر الجنوبي في 2030، أمّا “بعثة تشينغ 8″، فستُوظّف لاختبار تقنيات أساسية كالطباعة ثلاثية الأبعاد.”
كما تعد الصين الدولة الأولى في العالم في تأسيس مصنع لقواعد الأقمار الصناعية العاملة بالطاقة الشمسية في مقاطعة “بيشان” في “شونجكينغ”، كما تستثمر في بناء مركبات فضائية عاملة بالطاقة النووية سيتمّ اختبارها في 2040.
وتشير الدراسات إلى عدة أسباب أو دوافع وراء اهتمام الصين الكبير بالاستثمار في أسلحة الفضاء، لعل أهمها:
– تعزيز الردع الاستراتيجي في مواجهة المخاطر الخارجية، وبشكل خاص المخاطر الأمريكية؛ وفي هذا السياق تشير الوثائق العسكرية الصينية إلى أن ” تطوير قوات الفضاء العسكرية يساهم في تعزيز ودعم قدرة الردع الاستراتيجي للصين، ويضمن الدعم لتوسيع مصالح الدولة، وله أهمية كبيرة في بناء القوات المسلحة المعلوماتية” وأنه في ظل “التطور السريع والتطبيق الواسع للعلوم والتكنولوجيا، وتكنولوجيا المعلومات بالأخص، تتحول شبكة الانترنيت والفضاء إلى مجالات استراتيجية جديدة بما يسمح للردع الاستراتيجي باستخدام أنواع عديدة من وسائل الردع”.
– إجهاض المساعي الأمريكية الرامية إلى تحييد الردع النووي الاستراتيجي للصين أو التدخل في شؤونها الداخلية خاصة فيما يتعلق بقضية تايوان. وفي هذا السياق يعتقد عددٌ من المسؤولين الصينيين أن الصين هي الهدف الحقيقي للدفاع الصاروخي الأمريكي وعسكرة الفضاء، “فطبقاً لبكين، من غير المعقول أن تنفق واشنطن موارد ضخمةً على نظامٍ دفاعيٍ بحت يستهدف الدول المارقة فحسب؛ إذ تعد ترسانة الصين النووية الاستراتيجية الصغيرة هدفاً محتملاً للولايات المتحدة”. كما تخشى الصين من تهديد الترسانة النووية للقذائف الصاروخية المتنقلة التي تعمل الصين على تطويرها، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية في عام 2002.
لكن في الوقت نفسه، فإن الصين تعمل على تصدير خطاب للعالم يدعو إلى عدم عسكرة الفضاء، والعمل على “الاستغلال السلمي للفضاء الخارجي وعدم نشر الأسلحة وسباق التسلح في الفضاء الخارجي”. وذلك لتفادي الصدام مع الولايات المتحدة الأمريكية، ووقف اندفاع واشنطن نحو عسكرة الفضاء الذي ترى بكين أنه يهدد مصالحها.
ثالثاً: روسيا
من جانبها، تعطي روسيا أسلحة الفضاء أهمية كبيرة، وفي هذا السياق قال الجيش الأمريكي في إبريل 2020 إن روسيا أجرت تجربة لصاروخ مضاد للأقمار الصناعية، وقال الجنرال جون ريموند قائد القيادة الفضائية الأمريكية في بيان “الولايات المتحدة مستعدة وملتزمة بردع العدوان والدفاع عن بلدنا وعن حلفائنا وعن المصالح الأمريكية في مواجهة الأعمال العدائية في الفضاء”. ونقلت وكالة رويترز عن محللين قولهم إن التجربة المقصودة ربما تكون لنظام “نودول” الصاروخي الروسي الجديد المضاد للأقمار الصناعية.
وكانت روسيا قد أطلقت في عام 2014، قمراً صناعياً قالت إنه اختبار لسلاح فضائي، وفي 2015 اختبرت موسكو صاروخاً مضاداً للأقمار الصناعية.
وتشير التقديرات الروسية إلى إن منظومة “إس 500” الروسية المضادة للصواريخ، قادرة على ضرب أهداف صاروخية في الفضاء القريب، إضافة قدراتها الأخرى في مجال اعتراض الصواريخ متوسطة المدى.
لكن على الرغم من ذلك فإن روسيا تؤكد أن هدفها دفاعي وليس هجومياً في الفضاء، وفي يونيو 2020 قالت وكالة الإعلام الروسية إن الرئيس فلاديمير بوتين أقر وثيقة استراتيجية، تصنف تطوير ونشر أسلحة مضادة للصواريخ وأسلحة هجومية في الفضاء كأحد التهديدات العسكرية الرئيسية للبلاد.
رابعاً: الهند
في 2019 اختبرت الهند صاروخاً مضاداً للأقمار الصناعية، دمر قمراً على ارتفاع وصل لحوالي 300 كيلومتر. وتحدث رئيس الوزراء الهندي بهذه المناسبة عما سماه دخول الهند لقائمة البلدان التي تمتلك هذا النوع من الصواريخ؛ حيث أصبحت رابع دولة في العالم بعد أمريكا وروسيا والصين التي تمتلك هذا النوع من الصواريخ. وقالت الهند إنها أجرت التجربة في مدار أرضي منخفض، لكيلا تخلف حطاماً فضائياً يمكن أن يصطدم بالمحطة الفضائية الدولية، أو بأقمار صناعية في الفضاء.
وقد وصفت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) تدمير الهند قمراً صناعياً في الفضاء بأنه “شيء مفزع”، ويمكن أن يهدد المحطة الفضائية الدولية، وقال مدير الوكالة، جيم برايدنستاين، إن خطر اصطدام حطام القمر الصناعي بالمحطة الفضائية الدولية ارتفع بنسبة 44 في المئة، خلال عشرة أيام بعد إجراء التجربة الهندية. لكنه أضاف: “محطة الفضاء الدولية لا تزال آمنة. إذا احتجنا لتحريكها من مكانها سنفعل”.
وتشير الدراسات إلى أن محاولات تدمير الأقمار الصناعية من الأرض تعود إلى زمن طويل مضى، وكانت أول تجربة فاشلة في هذا الصدد من نصيب الولايات المتحدة عام 1958. وخلال الحرب الباردة، طورت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي أسلحة متطورة مضادة للأقمار الصناعية، ولكن كانت الصين هي صاحبة اول اختبار ناجح للصواريخ المضادة للأقمار الصناعية عام 2007، و”رغم ما سبق، لم تُقْدِم أي دولة حتى الآن على تدمير قمر صناعي لدولة أخرى، خاصة وأن معظم الدول التي تستطيع فعل ذلك هي أيضاً قوى نووية”، فضلاً عن أن أي استهداف لقمر صناعي تابع لدولة أخرى سوف يؤدي إلى حالة حرب على الأقمار الصناعية في الفضاء، ما سيعرض الدول كلها للخطر في ظل امتلاك الكثير من الدول حول العالم لأقمار صناعية خاصة بها لأغراض مختلفة تشبح في الفضاء.
ويمكن إيراد ملاحظتين أساسيتين بشأن هذه التجربة الهندية:
• الملاحظة الأولى هي أن هذه التجربة الصاروخية الهندية في الفضاء، سوف تزيد من التنافس مع الصين في هذا المجال، خاصة في ظل التنافس التاريخي بين البلدين، والتوترات الحدودية والصراعات المسلحة بينهما خلال العقود الماضية، وهي النزاعات التي تزايدت بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة ووصلت إلى صدامات مسلحة على الحدود.
• الملاحظة الثانية هي أن الولايات المتحدة الأمريكية ربما تشجع الهند على المزيد من تحدي الصين في هذا المجال، في ظل التوترات المتصاعدة بين واشنطن وبكين التي تشير تقارير عديدة إلى إنها يمكن ان تتحول إلى حرب باردة بين الجانبين خلال الفترة القادمة. ولذلك فقد لاحظ بعض المراقبين أن الولايات المتحدة، وإن كانت قد انتقدت التجربة الهندية السابق الإشارة إليها لتدمير قمر صناعي في الفضاء من خلال صاروخ أرضي، فإن انتقادها لها كان أخف كثيراً من انتقادها لتجربة صينية مماثلة منذ سنوات.
أسلحة الفضاء.. الأنواع والمخاطر
في السابع والعشرين من مايو 2020، أعد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن دراسة مهمة تحت عنوان: وجهات نظر دولية حول أسلحة الفضاء International Perspectives on Space Weapons، تحدث فيها عن ستة أنواع من أسلحة الفضاء في العالم هي:
• الأول هو نظام “أرض – فضاء” حركي عبارة عن صواريخ أو أجسام أخرى يتم إطلاقها من الأرض بهدف إسقاط أهداف فضائية، ومثالها تجربة الهند للصاروخ المضاد للأقمار الصناعية، السابق الإشارة إليها. ويمكن أن تحمل تلك الصواريخ رؤوساً نووية أو غير نووية.
• النوع الثاني هو نظام “أرض – فضاء ” غير حركي، ويشمل أنظمة مثل أجهزة تشويش وأجهزة كمبيوتر بمقدورها التأثير على الأهداف الفضائية والتدخل في نشاطها. وتؤكد الدراسة أن الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية وإيران تمتلك مثل هذا السلاح.
• النوع الثالث هو نظام “فضاء – فضاء” حركي عبارة عن أقمار صناعية من شأنها اعتراض أقمار صناعية أخرى وتدميرها.
• النوع الرابع هو نظام “فضاء – فضاء” غير حركي. وترى الدراسة إن هذا النوع غير متوفر حتى الآن.
• النوع الخامس هو سلاح “فضاء – أرض” حركي خيالي يمكنه تدمير منشآت أرضية من الفضاء. ووفق الدراسة لم تختبر إلى حد الآن، مثل هذا السلاح، لكنه محل دراسة.
• والنوع السادس هو نظام “فضاء – أرض” غير حركي عبارة عن وسائل الدرع الصاروخية الفضائية. وتقول دراسة مركز الدراسات إن هذا النوع من أسلحة الفضاء لم يكشف عنه إلى الآن في أي بلد في العالم.
وفي هذا السياق يتم الحديث عن سلاح ليزري يتم توجيهه من الفضاء لتدمير الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية، وطائرات عسكرية فضائية مصممة للفضاء بشكل خاص.
وتحدثت تقارير عن إمكانية استخدام النيازك كأسلحة فضائية، بالنظر إلى اعتقاد العلماء بأن نيزكاً صغيراً يمكن استخدامه لإحداث دمار كبير، في بقعة أرضية محددة من خلال التلاعب به وتوجيهه من الفضاء.
وفي شهادة له أمام الكونجرس الأمريكي، قال جيمس كلابر المدير السابق للمخابرات الوطنية الأمريكية، “تمتلك بكين العديد من الطرق لتعطيل الأقمار الصناعية أو تدميرها دون تفجيرها بشكل استفزازي بواسطة الصواريخ؛ إذ يمكن لمركبة فضائية الاقتراب ورش طلاء على أجهزة القمر، أو تدمير هوائيات الاتصال الخاصة به، أو زعزعة استقراره في مداره. وإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الليزر لتعطيل الأقمار مؤقتاً أو إتلاف مكوناتها، خاصة أجهزة الاستشعار الحساسة، كما يمكن لموجات الراديو أو موجات الميكروويف التشويش أو الاستيلاء على موجات الإرسال الصادرة من محطات التحكم الأرضية أو القادمة إليها”.
وبشكل عام فإنه في ظل التسابق نحو عسكرة الفضاء وتطوير أسلحته من قبل الولايات المتحدة والصين وروسيا، فإن حروب الفضاء الجديدة يمكن أن تأخذ أكثر من شكل أهمها: التشويش على الأقمار الصناعية أو استهدافها بشكل مباشر، وتعطيل الاتصالات، والتجسس من الفضاء وغيرها. وهذا يضع البشرية كلها في خطر، وليس الدول المعنية بهذه الحروب فقط.
الجنّي الذي يتم العمل على إخراجه من القمقم
تنطوي عسكرة الفضاء أو حروب الفضاء على مخاطر كبيرة لن تتوقف عند حد الدول التي تقوم بها، وإنما تمتد إلى العالم كله، بالنظر إلى العديد من الاعتبارات، لعل أهمها اعتباران هما:
1- الاعتبار الأول هو العدد الكبير من الأقمار الصناعية في الفضاء، التي يمكن أن يؤدي استهدافها أو تهديدها لأي مخاطر كبيرة، وفي هذا السياق تقدر وكالة الفضاء الأوروبية أن هناك الآن نحو خمسة آلاف قمر صناعي في الفضاء، وأن “حوادث التفكك والانفجار والاصطدام وغيرها من الأحداث، تعني أن هناك نحو 34 ألف قطعة من الحطام أطول من 10 سم، و900 ألف قطعة بين 1 و10 سم، و128 مليون قطعة بين 1 ملم و1 سم، يقدر أن تكون كلها في المدار وكلها قادرة على التسبب في أضرار”.
2- الاعتبار الثاني هو الأهمية الكبيرة للفضاء بالنسبة إلى الحياة على الأرض، ما يعني أن أي صراع عسكري فضائي يمكن أن يشل الحياة على الأرض، وفي هذا السياق يقول الجنرال بن هودجز، القائد السابق للجيش الأمريكي في أوروبا: “كل شيء نعتمد عليه النشر السريع، وتبادل المعلومات، وصور بحر البلطيق والبحر الأسود، لها منصات فضائية”.
3- تحتاج أسلحة الفضاء إلى تكنولوجيا متقدمة بشكل كبير، ما يعني توجيه أموال ضخمة إلى برامج التسليح من هذا النوع، وما ينطوي عليه ذلك من استنزاف مالي على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ولعل المثال البارز هنا هو أن “برنامج حرب النجوم” في الثمانينات ساهم في انهيار الاتحاد السوفييتي لأنه استنزفه مالياً واجهده اقتصادياً بما اقتضاه من صرف مليارات الدولارات خصمت من مسارات التنمية الاقتصادية.
4- تزيد هذه الأسلحة المخاطر على الأمن الوطني للدول المختلفة في العالم، خاصة تلك التي لا تمتلك التكنولوجيا الخاصة بها، خاصة في ظل عدم وجود أي إطار قانوني ملزم للجميع فيما يتعلق بحماية الفضاء من العسكرة المتزايدة له.
في ضوء ما سبق يقول المراقبون “إن السلاح في الفضاء هو جنّي لا يجوز إطلاقه من القمقم”.