يحيى التليدي
كاتب وباحث سياسي
Yahya Al Talidi
Writer and Political Researcher

ما بين السياسة والإعلام

العلاقة بين السياسة والإعلام تظل حافلة بالتوتر والمناكفات. ولعلّ أبرز أوجه الخلاف بين هذين المجالين هو الحديث عن نطاق السيادة الوطنية فيما يتعلق بالمجال الإعلامي.

لعقود طويلة، ظلت التساؤلات كثيرة حول دور منظومات الإعلام التقليدي الوطنية في تقديم توجهات الحكومات وشرحها للجمهور، وما إذا كان من حق تلك المنظومات أن تتخذ مواقف لا تعكس بدقة التوجهات الرسمية في مجال صُنع السياسات العامة، أو ربما تتناقض معها. ومع ظهور مواقع التواصل الاجتماعية اتخذت جدلية السياسة والإعلام أبعاداً جديدة، خاصة حينما أظهر هذا النمط من الإعلام الجديد قدرة كبيرة على خلق مساره الخاص في التعامل مع التطورات والمستجدات ذات الطبيعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. 

هذا الأمر كان اختراقاً كبيراً، إذْ فتحت هذه المواقع الباب للتفاعلات والمؤثرات التي لا تحفل عادة بأي توجه رسمي، لتصنع مسارها الخاص، وتبث رؤاها الحادة غالباً والمناقِضة للطرح الرسمي في عديد الأحيان. ولم تكن هناك شكوك مُعتبرة في قدرة هذه الوسائط الجديدة على بلورة توجهات خاصة في مجال نقد السياسات العامة، وهو أمر ظل يتصاعد طردياً بموازاة قدر الانغلاق والتحكم الذي تعاني منه المنظومات الإعلامية التقليدية.

من المهم أن تتمتع المنظومات الإعلامية بوظائفها الأساسية التي تمثل أسباب وجودها بعيداً عن الوصاية، فالجمهور له حقه الأصيل في التزود بمواد إعلامية تتحلى بقدر مناسب من الجودة والصدقية والكفاءة والبُعد عن الاستخدام الدعائي، حتى لا يقع ضحية أدوات خارجية قد تستثمر أجواء انعدام الثقة هذه لتنفيذ أجندات دعائية أخرى.

أخيراً، العلاقة التي تربط الإعلام بالسياسة هي بحسب المختصين علاقة اعتماد متبادل، لا يستطيع أي منهما الإنجاز وتحقيق الأهداف دون الاعتماد على الآخر. 

وهنا، من الإنصاف القول إن بعض أنماط الأداء الإعلامي المنفلتة تشكّل تهديداً كبيراً للمصالح الوطنية والأمن القومي في عديد الدول، لكن ضبط الأداء الإعلامي المنفلت وإلزامه بالقواعد المهنية لا يعني أبداً إسكات صوته أو مصادرته، وإنما يعني تنظيمه، عبر إخضاعه للتقييم، وفق معايير رشيدة وعادلة تتمتع بقدر مناسب من التوافق الوطني.

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض