الأزمات الدولية والإقليمية تزداد حدةً منذ سنواتٍ في العالم ومناطقه الساخنة، وأصبحت عبارة “منذ الحرب العالمية الثانية” تتكرر لوصف بعض المشاهد أو التنبؤ بمستقبلها من كبار المسؤولين في العالم، وتتردّد كثيراً في وسائل الإعلام ومن المراقبين والمحللين.
كانت تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية مربكة للعالم أجمع، ونتيجة لذلك تغيّرت الكثير من المفاهيم السياسية والاقتصادية والعسكرية. الكثير من دول العالم أعادت حساباتها، خاصة فيما يتعلق بالتسلح والدفاع. بدأ العالم يتسلّح، من الدول العظمى إلى المتوسطة إلى الصغرى، كلٌّ بحسب قدراته وحاجاته. ولأول مرة ومنذ الحرب العالمية الثانية بدأت ألمانيا واليابان بالتسلّح، وأعلن المستشار الألماني أولاف شولتس أن بلاده يجب أن تصبح القوة المسلحة الأفضل تجهيزاً في أوروبا، وأن ألمانيا ستبني “أقوى جيش تقليدي في أوروبا”.
تسلّح ألمانيا دلالة خطيرة على تغير الأوضاع الدولية عما كانت عليه لعقود من الزمن، واليابان من جهة أخرى تسرّع حركتها نحو مزيد من تعزيز قوات الدفاع الذاتي اليابانية، ومآسي الماضي وتاريخ الصراع مع الصين تحرك اليابان نحو تسلّح سريع ونوعي، بعد تصاعد تأثير الصين دولياً، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وأزمة تايوان عزّزت هذه المشاعر.
الكثير من المراقبين يعترفون بضعف نتائج العقوبات غير المسبوقة التي فرضت على روسيا بعد حرب أوكرانيا، وينشرون تخوفاً من استخدام روسيا لأسلحة نووية من أي نوع، والرئيس بايدن يؤكد أن أي محاولة من هذا النوع أي استخدام بوتين للنووي، “ستغير وجه الحرب برمتها، كما لم يحصل يوماً منذ الحرب العالمية الثانية”.
منذ اختراعه لم يُستخدم السلاح النووي في الحروب مطلقاً إلا مرة واحدة حين ضربت الولايات المتحدة اليابان في الحرب العالمية الثانية بقنابل ذرية، وأي استخدام جديد له سيفتح أبواب الجحيم على البشرية بأسرها، والتهاون الذي تدير به الدولة الأقوى في العالم التعامل مع طموحات السلاح النووي في المنطقة يهدد بسباق تسلح غير مسبوق.
تصاعد القوة الصينية في كل المجالات دولياً يهدّد القوة الأمريكية المطلقة لعقود من الزمن، وأمريكا تحكمها رؤية “انسحابية” من العالم وتندفع لإثبات وجودها وقوتها في نفس الوقت، وأزمة أوكرانيا وأزمة تايوان وأزمة أرمينيا وأذربيجان والأزمات المتكررة في جنوب شرق آسيا وفي آسيا الوسطى كلها تنذر بتصاعد للأزمات الإقليمية والدولية أكثر بكثير مما سبق في العقود الماضية.
على مستوى أقلّ من هذا، فالصراعات الإقليمية حول العالم بأسره، تدفع نحو طريقين يصبان في ذات الاتجاه: تصاعد التصنيع العسكري المحلي وارتفاع سوق السلاح وإن كان بجودة أقلّ، والمشترون كثرٌ والبائعون جاهزون، وهكذا يتحول العالم إلى أعواد ثقاب قابلة للاشتعال عند أي احتكاك. ما منح العالم عقوداً من الأمن والسلام الجزئي هو النظام الدولي الذي حوّل صراعات البشر إلى منظمات سلمية لا تستخدم السلاح، وضرب هذا النظام الدولي من القوى العظمى في العالم يدفع باتجاه سيناريوهات مهددة للسلم العالمي. أخيراً، فما بين دول طامحة لمزيد من القوة ودول ترفض التنازل عن ذروة قوتها، يشهد العالم لحظة تاريخية حرجة لم تحدث منذ الحرب العالمية الثانية.