في الدول التي فقدت المؤسسات الرسمية قدرتها وشرعيتها في الدفاع الوطني، أصبح للجماعات المسلحة غير الحكومية وجود مؤثر داخلها. وتحولت هذه الجماعات إلى فاعل أمني يقدم الإسناد للدولة.
ونتيجة لذلك، تشكلت قوات هجينة لها استقلاليتها في الإدارة والحركة والتسليح واتخاذ القرار، تستعين بها الدولة لمواجهة حركات التمرد، أو أنها تتحول إلى وكيل أمني لدول أجنبية، حيث ينمو العديد من الفاعلين الأمنيين ويتطورون داخل حدود الدولة، وهؤلاء في نهاية المطاف يضعون موازين قوى جديدة تؤثر في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وبالمعنى نفسه، فإن الجماعات الفاعلة الهجينة تعتمد على رعاية الدولة وتستفيد من أدواتها وسلطتها، لكنها في الوقت نفسه تتمتع بالمرونة، لكونها لا تمثل جهة رسمية، كما لن تتحمل مسؤولية الإخفاق والفشل الحكومي.
كما طورت بعض الجماعات المسلحة مجموعة من المصالح التي تتجاوز الوظائف الأمنية، لتمتد إلى المشاركة في القطاعين العام والخاص، ونجحت في اكتساب أهمية سياسية وعسكرية دائمة، وتمكنت من التموضع المكاني، والاحتفاظ بالأراضي التي تحت سيطرتها وإجبار السكان على الانصياع لنفوذها.
وتشارك هذه الجماعات الدولة في السلطة، لتشكل ما يعرف بالجماعات المختلطة التي تنخرط في العملية السياسية، لكنها في الوقت نفسه تعمل وكيلاً ضامناً لمصالح الجهة الداعمة لها والمتوافق مع توجهاتها الأيديولوجية والعقائدية.
ويسيطر البعض من هذه الجماعات على الأراضي، لينشئوا الهياكل الإدارية الموازية لهياكل الدولة أو بديلاً عنها، إذ اوجدت بعض الجماعات هياكل لتقديم خدمات لتأمين احتياجات أعضائها، بينما يعاني بعضها من هياكل قيادية ضعيفة ذات سيطرة محدودة على الأعضاء.
ويكون الفشل الحكومي سبباً في تمكين الجماعات المسلحة المختلطة من السيطرة على مقدرات الحكومة وتسييرها على نحو يضمن مصالحها، حيث تتصاعد الصراعات المسلحة بسبب الفساد والاستبداد والعنف السياسي.
ولذا، فإن هذه الجماعات أكثر قدرة على مواصلة القتال، وتتسم بالشراسة والقسوة، وتتوافر على إمكانات قد تضاهي قدرات الدولة العسكرية والأمنية، في حال تم دعمها من طرف خارجي، ناهيك عن الشبكية التي تعمل في إطارها والمكونة من سياسيين في الحكومة المحلية والاتحادية وموظفي الخدمة المدنية في البيروقراطية الحكومية ورجال الأعمال والسلطات الدينية وحتى منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية.
وبالتالي، فالعديد من الجماعات المسلحة من غير الدول تمثلها جهات وشخصيات داخل الحكومات، وتدير شبكات اقتصادية غير خاضعة للمساءلة، والمدعومة من رأس المال الاجتماعي غير الرسمي المنافس للحكومة.
في دول تشهد صراعات في المنطقة العربية يتزايد حضور هذه الجماعات في المشهد السياسي، لتكون أكبر التحديات أمام إعادة بناء الدولة، إنها حرب المصالح في محيط تنافسي تكون فيه الحكومة بموقع من الهشاشة والضعف.