يحيى التليدي
كاتب وباحث سياسي
Yahya Al Talidi
Writer and Political Researcher

التسلح النووي.. سباق عالمي جديد

أجبر النزاع الروسي ـــــ الغربي على الساحة الأوكرانية، منذ انطلاقه بدايات العام الماضي، العالم على إعادة حساباته في كثير من المجالات. فبالإضافة إلى الأزمات التي فجرتها في قطاعات الطاقة أو الغذاء، فضلاً عن موجة التضخم العالمية، أدخلت المواجهات دولاً مختلفة في سباق تسلح غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة.

وأظهرت إحصائيات متخصصة وإفادات رسمية، زيادة كثير من الدول، سواء على تخوم الحرب في أوكرانيا أو على بعد آلاف الأميال منها، إنفاقها العسكري بنسب قياسية. وفقاً لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلامSIPRI” كان العدد الإجمالي للرؤوس الحربية النووية بين القوى النووية التسع (بريطانيا والصين وفرنسا والهند وإسرائيل وكوريا الشمالية وباكستان والولايات المتحدة وروسيا) قد انخفض إلى 12512 في بداية عام 2023 مقابل 12710 في بداية 2022. وحالياً ثمة 9576 منها فيمخزونات عسكرية بهدف الاستخدام المحتمل، أي أكثر بـ 86 مقارنة بالعام السابق، كما قال مدير المعهد دان سميث: “نحن نقترب، أو ربما وصلنا إلى نهاية فترة طويلة من تراجع عدد الأسلحة النووية في العالم“.

تتضاعف مخاطر الأسلحة النووية عندما يزداد نشر رؤوسها، حيث تقتصر الجاهزية الدائمة على أعداد قليلة من الرؤوس النووية، تكون قادرة على الرد السريع على هجوم مفاجئ، ويؤدي الارتفاع في نشر هذه الرؤوس إلى توتر خطير بين القوى الكبرى، وهو ما بدا واضحاً أخيراً في مستهل العملية العسكرية ضد أوكرانيا، عندما أعلن الرئيس الروسي عن وضع قوات الردع الاستراتيجي للدولة في حالة تأهب، وهي قوات أحد مشتملاتها السلاح النووي، وبصفة عامة تتشكل القوة الاستراتيجية للدول الكبرى من  قاذفات وصواريخ استراتيجية وحاملات طائرات وغواصات كلها قادرة على حمل السلاح النووي وتحتوى على الصعيد الدفاعي شبكة مضادة للصواريخ وأنظمة مراقبة جوية ودفاعات جو فضائية مضادة للطائرات والأقمار الصناعية.

لا شك أن التهديد بالأسلحة النووية وتطوير ترساناتها أمر يزيد من التوتر، لاسيما بعد التلويح المتعمد من جانب روسيا باستخدام الصواريخ فرط الصوتية، ويزيد من المخاطر الاحتمال بأن تلجأ ألمانيا إلى امتلاك سلاح نووي بعد الموقف غير الحاسم من الولايات المتحدة بعد غزو أوكرانيا، يضاف إلى هذا غموض برنامج إيران النووي، وهو ما يعني في حالة امتلاكها سلاحاً نووياً السعي الجاد من جانب الدول العربية لتحقيق التوازن بامتلاك هذا السلاح.

سباق التسلح النووي مستمر رغم الاتفاقيات التي ربما لا تكون مجدية في ظل تفكك العلاقات بين الدول المالكة للأسلحة النووية، وهو مؤشر إلى أن خطر استخدام الأسلحة النووية اليوم أكبر من أي وقت مضى. وعليه فالسؤال الآن هو: متى يبدأ الحوار الشامل بين مَن يملكون الأسلحة النووية ومَن لا يملكونها في مختلف أنحاء العالم؟! على المجتمع الدولي أن يحمي نظام الحد من التسلح الدولي ونزع السلاح ومعاهدة حظر الانتشار، وأن يقوي فعاليتها ويحافظ على مصداقيتها، وأن يبرز دور وتأثير معاهدات الحد من التسلح ونزع السلاح وحظر الانتشار المتعددة الأطراف بناءً على القوانين الدولية القائمة.

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض