أوضح الدكتور حمد المرزوقي مدير مشروع الإمارات لاستكشاف القمر لـ«الجندي»، أن المستكشف الإماراتي «راشد» الذي يعد أول مهمة عربية علمية لاستكشاف القمر، سيدرس مواقع جديدة لأول مرة على سطحه، فيما سيتم تصميمه وتطويره بسواعد إماراتية %100 في مركز محمد بن راشد للفضاء، بينما تمثل المهندسات الإماراتيات %35 من فريق العمل، وسيكون إطلاقه في 2024. لافتاً إلى أن المهمة تأتي تأكيداً لريادة الدولة العلمية في علوم وأبحاث الفضاء، وتعزيز تنافسية قطاع الصناعات الفضائية في الإمارات إقليمياً وعالمياً، وتصميم تقنيات تمكنهم مستقبلاً من إرسال مهمات بشرية للمريخ.
استراتيجية وطنية
وأضاف تفصيلياً أن المشروع يأتي في إطار «استراتيجية مركز محمد بن راشد للفضاء 2021 – 2031»، والاستراتيجية الوطنية للفضاء 2030، وينطلق من أهداف علمية محددة، تشمل تطوير تقنيات الروبوتات الخاصة بأنظمة مركبات الاستكشاف، ودراسة مواقع جديدة لأول مرة على سطح القمر، بالإضافة إلى دراسة وتحليل الغبار، فيما تشمل مهام المستكشف «راشد»، إجراء اختبارات لدراسة جوانب مختلفة من سطح القمر، بما في ذلك التربة القمرية، والخصائص الحرارية للهياكل السطحية، والغلاف الكهروضوئي القمري، وقياسات البلازما والإلكترونيات الضوئية، وجزيئات الغبار الموجودة فوق الجزء المضيء من سطح القمر.
وتابع أن المستكشف الإماراتي سيجوب سطح القمر متنقلاً في مواقع جديدة لم تسبق دراستها من قبل، حيث سيقوم بالتقاط بيانات وصور نادرة، من المخطط أن يصل عددها إلى أكثر من 1000 صورة، ومن ثم إرسالها إلى محطة التحكم الأرضية في مركز محمد بن راشد للفضاء، بالإضافة إلى اختبار أجهزة ومعدات تقنية تتم تجربتها للمرة الأولى، تتعلق بالروبوتات والاتصالات والتنقل والملاحة.
باني دبي
وذكر المرزوقي أن المستكشف أطلق عليه اسم «راشد» تيمناً بالمغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، باني دبي الحديثة، وسيقوم بإجراء اختبارات علمية عديدة تسهم في إحداث تطورات نوعية في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وتقنيات الاتصال والروبوتات، والعديد من القطاعات الأخرى، كقطاع الصناعات التكنولوجية وقطاع الاتصالات، وغيرها من القطاعات ذات الصلة.
وشرح أن فريق المهندسين والباحثين في مركز محمد بن راشد للفضاء، من الكوادر الوطنية، سيعملون على الانتهاء من وضع التصميم الهندسي بحلول 2021، على أن يتم تصنيع النموذج الهندسي في 2022، ومن ثم إجراء التجارب والاختبارات الأولية لتطوير النموذج الأولي عام 2023، بينما سيتم إطلاق مستكشف القمر في 2024 في فترة قياسية أخرى تضاف إلى إنجازات الدولة الفضائية.
وبين أن «راشد» يتميز بعدد من المزايا والمواصفات التقنية العالية الجودة والكفاءة، حيث سيتم تزويده بكاميرات عالية الجودة ذات استخدامات علمية وتقنية، تشمل كاميرتين أساسيتين يتم التحكم بإحداها بشكل عمودي وأفقي، وكاميرا المجهر، وكاميرا التصوير الحراري، ونظام تعليق وأنظمة استشعار واتصال متطورة، وهيكل خارجي وألواح شمسية لتزويده بالطاقة، موضحاً أنه سيعمل بالاعتماد على ألواح الطاقة الشمسية، إضافة إلى أجهزة استشعار وأنظمة مجهزة لتحليل خصائص التربة والغبار والنشاطات الإشعاعية والكهربائية والصخور، كما سيتضمن نظاماً لتعزيز كفاءة التصاق عجلات المستكشف بسطح القمر، وتسهيل عملية تخطي الحواجز الطبيعية، وهيكلاً متيناً لحماية الأجهزة والمحركات من تغير درجات الحرارة.
صناعات فضائية
ولفت المرزوقي إلى أن هناك العديد من التحديات التي تواجه مهمة «راشد»، وتتعلق بالبيئة الصعبة على سطح القمر، حيث يتصف ببيئة أقسى من المريخ، تصل فيها درجة الحرارة إلى 173 درجة مئوية تحت الصفر، فضلاً عن مواصفات التربة القمرية الصعبة، والخصائص الحرارية للهياكل السطحية، وغيرها من العوامل التي قد تشكل تحديات أمام مهمة المستكشف، مؤكداً أن تركيز الفريق العلمي من الخبراء والمهندسين ينصب على تطوير مستكشف قادر على تخطي العقبات المحتملة، التي تشمل صعوبة الهبوط على سطح القمر، الذي يعتبر من أصعب مهمات استكشاف الفضاء، بسبب الدقة التي يتطلبها إنجاح العملية، حيث تبلغ نسبة النجاح فيها %45 فقط.
وتطرق إلى أن هذا المشروع سيدعم جهود الدولة في الارتقاء بقطاع الصناعات الفضائية في المنطقة، وتطويره وتمكينه للمساهمة في صناعة المستقبل بعقول وسواعد إماراتية مبتكرة، وإعدادهم وتأهيلهم في مجال استكشاف الفضاء الخارجي، موضحاً أنه ومن خلال هذا المشروع، تُضيف الإمارات فصلاً جديداً في تاريخ البعثات الفضائية إلى القمر، وتدخل التاريخ في سباق العقول، لتؤكد مكانة الدولة وسمعتها في خدمة البشرية، وتعزيز رؤيتها لابتعاث نهضة علمية عربية في المنطقة، وجعلها قبلةً للعلماء والباحثين.
استفسارات علمية
وأفاد أن المستكشف سيتم تطويره في مركز محمد بن راشد للفضاء، فيما سيكون هناك تعاون مع شريك دولي سوف يتم اختياره خلال الفترة المقبلة، لدعم «راشد» في عملية الهبوط على سطح القمر، مبيناً أن أهمية المشروع تنطلق من وجود استفسارات علمية عن القمر لم يتم كشفها حتى الآن، فيما يتطلع المجتمع العلمي للحصول على إجابات تفسرها، وأنهم أجروا دراسات دقيقة لمختلف المهمات السابقة للقمر، للتعرف على نتائجها، ولذلك فإن مهمة المستكشف الإماراتي، ستبدأ من حيث انتهى الآخرون، حتى تكون إضافة حقيقية وقوية لمجتمع العلوم العالمي. فضلاً عن التعرف على مدى احتياجاتهم فيما يتعلق بالتقنيات الفضائية الجديدة.
وشرح أن مهمة الإمارات لاستكشاف القمر تعتمد في تفاصيلها ومستهدفاتها العلمية على الإنجازات التي حققتها المهمات السابقة، خاصة أن هناك خريطة عالمية لاستكشاف الفضاء الخارجي، تهدف إلى تعزيز التبادل العلمي بين الدول والوصول لآفاق جديدة من الاكتشافات في علوم الفضاء.
تكنولوجيا جديدة
ونبه المرزوقي أن لكل مهمة فضائية خصوصيتها، ولذلك فهم يحتاجون إلى تطوير تكنولوجيا جديدة تناسب خصوصية مهمتهم، وأنهم يعتمدون على تطور التكنولوجيا المستمر في هذا الشأن لتقليل نسبة المخاطر، وأنه من الضروري فهم المخاطر في مثل هذه المهمات، من أجل تفاديها والاستفادة من الأخطاء التي تسببت بفشل المهمات السابقة، خاصة أنهم يستهدفون الوصول إلى المريخ، وبناء مستوطنة بشرية على سطحه، وأن الوصول للقمر يُعد محطة مهمة، لتصميم وتطوير تقنيات تمكننا مستقبلاً من إرسال مهمات بشرية للمريخ.
وأكد أن المستكشف الإماراتي سيهبط في منطقة لم يختبرها أي من مهمات استكشاف القمر السابقة، ومن ثم فإن البيانات والصور التي سيوفرها، ستكون حديثة وجديدة، وذات قيمة عالية، وخلال التجربة سيجمع المستكشف البيانات المتعلقة بالمسائل العلمية، مثل أصل النظام الشمسي وكوكبنا والحياة، فيما سيعد “راشد” منصة مثالية لاختبار التقنيات والمعدات الجديدة التي ستستخدم مستقبلاً في بعثات استكشاف الفضاء الخارجي ومنها المريخ.
اختبارات متنوعة
وتابع أن الهبوط على سطح القمر سيتيح اختبار تعرض أجهزة الاستشعار وغيرها من التقنيات لبيئة الفضاء فترات طويلة، واختبار تقنيات جديدة، لكون القمر البيئة الأمثل لمثل هذه الاختبارات والأقرب إلى الأرض، ما سيساعد على اختبار قدرات الإمارات قبل الانطلاق في مهمات استكشافية مأهولة إلى المريخ، خاصة أن المشروع يعد خطوة محورية تمهد الطريق أمام تحقيق «استراتيجية المريخ 2117»، وسيقدم إجابات ومعلومات تحدد سير مهمتهم في استكشاف الكوكب الأحمر.
وأردف أن مشروع الإمارات لاستكشاف القمر سيكون بالتأكيد خطوة محورية تمهد الطريق أمام تحقيق «استراتيجية المريخ 2117»، حيث سيقدم المشروع معلومات تساعدهم في مهمتهم لاستكشاف المريخ، وتفيد المعرفة البشرية، والمخطط أن يرسل المستكشف صوراً للهبوط على سطح القمر، والصور السطحية الأولى، وصوراً ليلية للأرض، وصوراً حرارية، وصوراً ذاتية، إضافة إلى إرسال بيانات الملاحة، والتي تتضمن وقت الرحلة وبيانات التضاريس السطحية على سطح القمر، وبيانات وحدة القياس بالقصور الذاتي(IMU)، ودرجات الحرارة، واستهلاك الطاقة، وكل هذه المخرجات تمهد لمشروع استكشاف المريخ بنجاح.
كوادر وطنية
وأكد أنه فيما يخص تأهيل الكوادر الوطنية فإن المشروع يُعد بمثابة فرصة مثالية لتأهيل المزيد من الكفاءات الإماراتية في هذا القطاع، وإكسابهم المزيد من الخبرات والمهارات، كي يقودوا مهمات أكبر في المستقبل، وهو ما سيتحقق بشكل كبير خلال العمل على بناء المستكشف، أما فيما يتعلق بإلهام الأجيال الجديدة فإن الإنجازات الإماراتية العديدة في قطاع الفضاء، أضحت حافزاً مهماً لالتحاق الكثيرين للعمل في هذا القطاع لخدمة وطنهم وإعلاء رايته، خاصة أن “مشروع الإمارات لاستكشاف القمر” يندرج ضمن مبادرات استراتيجية “المريخ 2117” الهادفة إلى بناء أول مستوطنة بشرية على كوكب المريخ، بينما يحظى المشروع بتمويل مباشر من صندوق تطوير قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات الذراع التمويلي للهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات بالدولة.
أجرى اللقاء: رازي عزالدين الهدمي – تصوير: محمد حسن الشاعر