من المعروف أن حركة السفينة الحربية محدودة، سواء في العمليات الهجومية ضد العدو أو الدفاعية ضد هجوم العدو، وتقوم السفينة الحربية بعملياتها الهجومية أو الدفاعية عادة ضد عدو، هو في الوقت نفسه أسرع منها وأخف حركة. ومما يزيد الوضع سوءاً وجود «أعين وآذان» في البحر حالياً ذات مدى ودقة تجعلان من الصعب جداً الاحتفاظ بأي نوع من السرية فيما يختص بتحركات وتنقلات الأساطيل، على الأقل في بحار محدودة كالبحر الأبيض المتوسط.
لذلك من الواضح أنه من الضروري جداً تزويد كل سفينة بآلات التقاط حساسة قادرة على إعطاء إنذارات مبكرة قدر المستطاع عن أي هجوم، وتزويدها أيضاً بمعدات دفاعية أو هجومية ذات «مدى» أطول من كل تهديد محتمل.
سأقوم في بحثي هذا بدراسة الشروط التي يجب على هذه المعدات اللاقطة أن تؤمنها وبالتالي المواصفات والمزايا التي يجب أن تتحلى بها. وسأتناول أيضاً، أجهزة الاعتراض والتحقق السلبية، في الوقت نفسه، وفي حقل التسليح، سألقي نظرة على المزايا الأساسية التي يجب أن تتحلى بها لتقوم بمهماتها على أكمل وجه.
لذلك من الواضح أنه من الضروري جداً تزويد كل سفينة بآلات التقاط حساسة قادرة على إعطاء إنذارات مبكرة قدر المستطاع عن أي هجوم، وتزويدها أيضاً بمعدات دفاعية أو هجومية ذات «مدى» أطول من كل تهديد محتمل.
سأقوم في بحثي هذا بدراسة الشروط التي يجب على هذه المعدات اللاقطة أن تؤمنها وبالتالي المواصفات والمزايا التي يجب أن تتحلى بها. وسأتناول أيضاً، أجهزة الاعتراض والتحقق السلبية، في الوقت نفسه، وفي حقل التسليح، سألقي نظرة على المزايا الأساسية التي يجب أن تتحلى بها لتقوم بمهماتها على أكمل وجه.
الأخطار التي يجب على السفن الحربية أن تحتاط لمواجهتها تأتي من ثلاثة مصادر مختلفة: من تحت البحر، من سطح البحر، ومن الجو. وإذا وضعنا جانباً الخطر الآتي من تحت الماء لأنه يقع خارج نطاق موضوعنا هذا، نقول إن الأخطار الآتية من السطح والجو وفي وسائل مواجهتها تنقسم إلى ثلاثة مواضيع رئيسية:
أجهزة الاتصالات.
أجهزة التفتيش والاكتساب.
أنظمة الأسلحة المختلفة وأنظمة التوجيه.
يأخذ علم الحروب الإلكترونية في الاعتبار كافة هذه الأجهزة، لمواجهة كافة الأخطار المحتملة، التي يمكن مجابهتها بفاعلية من أجل الاعتراض والكشف والضرب.
الأخطار من وجهة نظر الحرب الإلكترونية:
01 شبكات الاتصالات سطح، وسطح – جو، وجو – جو. ويجب أن يبذل كل جهد ممكن لاعتراض هذه الاتصالات وتحديد مصدرها في خلال الفترة القصيرة التي تستغرقها الرسالة ذهاباً وإياباً. ولا شك أن فك رموز الرسالة يمكن أن يعتبر هدفاً قيماً مهماً وإن كان صعباً، لكن يبقى من الأسرع والأسهل قطع هذه الاتصالات والتشويش عليها. ومجال الذبذبات المستعمل في هذه الاتصالات يتراوح بين بضعة كيلوهيرتزات وألف (1000) ميغا هيرتز. على الأقل بدون الأخذ بعين الاعتبار موجات الراديو القصير جداً.
02 راديو التفتيش الملاحي الذي ينقل بحراً أو جواً، له دور فعال في اكتشاف وتحليل ذبذباته، ويساعد كثيراً على تحديد هوية ومكان العناصر العدوة داخل المنطقة الآمنة. ويجب القيام بالتشويش على راديو العدو بكل حذر، لأن بإمكان هذه الأعمال تزويد العدو بمعلومات محددة عن مكاننا ونشاطاتنا. ويعمل رادار التفتيش الملاحي على موجات تتراوح بين 1 و18 غيغا هيرتز خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار الرادار المتعدد الأعمال والرادار متعدد الموجات. كما يجب الأخذ بعين الاعتبار بشكل خاص قدرة بعض الرادارات المتطورة على العمل فوراً على مدى واسع من الذبذبات وذلك باستخدام معدات لتبديل الذبذبات بسرعة أو موجات ذات نظام شفري خاص.
03 أجهزة الرادار الخاصة بأنظمة توجيه الصواريخ، وخصوصاً أماكن تركيز الصواريخ المضادة للسفن التي تشكل أكبر خطر على السفن الحربية. إن الاكتشاف السريع لهذه الأسلحة وتحديد نوعها ضروري جداً من أجل استخدام الأنظمة المضادة أو الإجراءات المُعَطِّلة، التي تدمر الصاروخ المهاجم أو تحوله عن خطه الأساسي. ومن الضروري في هذه الحال، كما في جميع نواحي الحرب الإلكترونية، ليس كون المعدات شديدة الحساسية والدقة فقط، ولكن يجب أن تكون ردة الفعل سريعة جداً.
ويجب أن يستعمل في مواجهة الأخطار المذكورة آنفاً التي تهدد السفن الحربية خليط متناسب من التشويش والإعاقة والتضليل بواسطة آلات التشويش. والتواتر المستخدم في أنظمة توجيه الصواريخ هو عادة في الطبقة العليا من سلم الموجه القصيرة جداً أي ابتداء من 8 غيغا هيرتز وما فوق. وفيما يتعلق بالإجراءات المضادة الإلكترونية، فإن نسبة التواتر ضرورية جداً ويكثر استعمالها. كما يكثر استخدام الأجهزة العاملة بالأشعة تحت الحمراء. وجميع هذه الأجهزة تغطي عدة موجات بالإضافة إلى أنها أكثر دقة، مما يجبر العدو على زيادة مجال فاعلية معداته الدفاعية.
استخلاص النتائج
في ضوء ما ذكرنا، يصبح من السهل استخلاص بعض النتائج والعوامل التي يجب أن تطبق لدى استعمال الأجهزة الإلكترونية في السفن.
01 الاتصالات بواسطة الراديو واستخدام رادار التفتيش يجب أن تخفض إلى الحد الأدنى. وهذا يزيد من أهمية المعدات الاعتراضية، بحيث تصبح أجهزة الالتقاط والتحسس الوحيدة لمهمات التفتيش والإنذار. وهذا التحديد يتوقف طبعاً فور بدء العمل، بحيث أن تشغيل جميع الأجهزة الإلكترونية في السفينة يربك العدو ويجبره على توزيع نشاطه المضاد بين مختلف عمليات البث والإرسال.
02 يجب الحد من استعمال أجهزة التشويش بحيث لا يبدأ استعمالها قبل أن يكتشف العدو السفينة على راداره بوقت طويل، وإلا تمكن العدو من الحصول على معلومات وفيرة ومفيدة حول موقع السفينة. ومن الواضح أيضاً أنه لدى تصادم العدو مع المعدات الدفاعية الإلكترونية يجب أن يتم جمع أكبر كمية ممكنة من المعلومات الدقيقة والمستمرة عن تسليح العدو قبل أن يتخذ أي إجراء مضاد حول كيفية مواجهته.
الآلات اللاقطة
أصبح واضحاً لماذا تعلق أهمية كبرى على تزويد السفن الحربية بأجهزة لاقطة معترضة سلبية من أجل الإرسال الخاص بالاتصالات أو غير الاتصالات، وهذه الأجهزة اللاقطة التي يرمز إليها بـ«أي.س.م» (إجراءات المراقبة الإلكترونية أو إجراءات المساندة الإلكترونية) هي الأعين الوحيدة والآذان الوحيدة التي بإمكان السفينة استخدامها في نطاق الأمن لاكتشاف الأجواء المحيطة بها، معادية كانت أم غير معادية، فوق سطح المحيط ولمجال يتعدى مجال الرادار. فبسرعة كبيرة نسبياً تقوم هذه الأجهزة باكتشاف أي خطر يظهر فجأة، مع أنه قد يختلط مع بث معروف وغير خطير.
وبإمكان الأجهزة أيضاً معرفة مصدر الإشارات الملتقطة دون تحديد مداه إلا إذا أجريت حسابات معقدة. وهناك نوع من المعلومات لا يستطيع أي جهاز آخر التقاطها إلا أجهزة «أي. س. م» في غياب الرادار التفتيشي، ويتيح مراقبة مستمرة للمنطقة المحيطة بالسفينة وتعطي انذاراً فورياً لدى ظهور أي خطر. ومن جهة ثانية تقوم هذه الأجهزة بجمع المعلومات على العموم في نطاق أفق الرادار أو فيما يتعداه. وهنا يكون العامل الفاصل هو الأفضلية التي يؤمنها جهاز « أي.س.م « على رادار التفتيش. بمعنى آخر، يجب على جهاز «أي.س.م» أن يؤمن أطول فسحة ممكنة من الوقت بين اللحظة التي يكتشف فيها خطراً ما، بحيث يحلل، ويحدد هويه العدو وينقل المعلومات إلى مركز القيادة في نفس اللحظة التي يلتقط فيها رادار العدو السفينة على شاشته. وكلما زادت فسحة الوقت هذه، ازدادت فعالية الاستعدادات الدفاعية أو الهجومية كالقيام بمناورات للهرب أو إطلاق صواريخ لا يكتشفها الرادار لدى إطلاقها.
الإجراءات المضادة
يمكن القول إن الآلات التي تلي الآلات الحساسة اللاقطة في الأهمية في نظام الدفاع الإلكتروني هي الآلات المتعلقة بالإجراءات الإلكترونية المضادة لأجهزة التفتيش. وفي هذا النطاق يصبح الوضع أكثر صعوبة للشرح بسبب السرية التي تحيط بمعظم المعدات من هذا النوع.
فكل أنواع الإجراءات المضادة تقع في نطاق إحدى النقاط الأربع التالية التي يمكن تنفيذها إما بواسطة الآلات المرسلة المناسبة وإما بواسطة وسائل سلبية مختلفة، وفي طليعتها: الإعاقة – الخداع – التضليل – التشويش.
الإعاقة أو القوة «الوحشية» كما تسمى أحياناً، تهدف إلى تضليل عامل رادار العدو أو أجهزته بتقديم معلومات خاطئة بالنسبة للمدى أو الاتجاه مما يضيع الهدف. وتستعمل أجهزة الخداع عادة ضد أجهزة السيطرة على إطلاق النار لدى العدو ورادار توجيه الصواريخ المضادة للسفن.
الخداع، كما يدل عليه اسمه، يهدف إلى تضليل عامل رادار العدو أو أجهزته بتقديم معلومات خاطئة بالنسبة للمدى أو الاتجاه مما يضيع الهدف. وتستعمل أجهزة الخداع عادة ضد أجهزة السيطرة على إطلاق النار لدى العدو ورادار توجيه الصواريخ المضادة للسفن.
التضليل، يتطلب في معظم الاحيان استخدام أكثر من نوع واحد من الآلات التي تجعل العدو يضيع هدفه، وتزوده بهدف جديد كاذب.
التشويش، عبارة عن إظهار سلسلة من الأهداف الكاذبة فوق شاشة رادار العدو، تشبه، قدر الإمكان، الهدف الصحيح. وقد لا تكون الأهداف ذات قوة كافية لتغطية الهدف الأساسي، لكنها تجعل من الصعب جداً، وربما من المستحيل، التقاط الهدف الصحيح. وهذه الطريقة أكثر فعالية إذا كانت المعلومات التي يبثها الرادار لا تفرز بواسطة عامل بل آلياً، لأن قوة التحليل والتفريق لهذه الآلات هي أدنى بكثير من قوة العقل البشري وتصبح هذه الآلات مشبعة إذا تعدى عدد الأهداف – الصحيحة والكاذبة – العدد المقرر لها في خلال تصميمها. لذلك من الضروري تطوير الرادار والمعدات الأخرى معاً على خط متواز، لأننا نفترض أن معدات العدو متقدمة تقنياً بنفس درجة تقنيتنا.
عناصر الحرب الإلكترونية
في القطاع البحري
لعل من أهم العناصر في الحرب الإلكترونية في القطاع البحري هو التنسيق التام، ليس فقط بين الأجهزة الإلكترونية مع بعضها بعضاً، ولكن بين هذه الأجهزة وقيادة السفينة نفسها.
ومن الأهمية بمكان، الإشارة إلى أنه كانت تطبق أساليب عملية معقدة تقود في معظم الأحيان إلى الفوضى والتردد في تبادل المعلومات بين مختلف العناصر. وهذه الأساليب كانت عرضة للانتقاد من وجهتين للنظر:
إضاعة وقت ثمين بين التقاط الخطر والرّد عليه (20 – 30 ثانية) بحيث أصبح حجم مشكلة التنسيق في الحرب الإلكترونية واضحاً فقط عندما اكتشف أن النظام الإلكتروني لا يختلف كثيراً عن الأجهزة الأخرى على متن السفينة، لذلك كان من غير المعقول الاستمرار في تشغيل أجهزة التفتيش بعيداً عن قلب السفينة أو مركز قيادتها.
في المفهوم الحديث، فإن على أجهزة التفتيش أن تقوم باكتشاف وتحليل وإجراء تصفية أولية للبث الكهرومغناطيسي. ثم يجب أن تنقل هذه المعلومات إلى مركز العمليات في أقصر وقت ممكن لإجراء المقارنة مع المعلومات الواردة من أجهزة الالتقاط الأخرى على السفينة وتكوين أوضح صورة ممكنة عن الأجواء المحيطة. وليس من الضروري إرسال المعلومات بالتفصيل إلى مركز العمليات: كنسبة الذبذبات أو تواترها إلخ.. لأن هذه التفاصيل ضرورية لتحديد هوية الهدف، إلا أنها ليست مهمة بالنسبة إلى العاملين في المركز الذين من واجبهم بناء صورة فقط عن الوضع التكتيكي الذي يركزون عليه في عملهم، والوقت الذي يُسمح به لإجراء التحاليل وإرسال المعلومات إلى المركز، محدود جداً بالفعل.
فاذا افترضنا كثافة بث متوسطة تبلغ 20 إرسالاً متتالياً في منطقة التفتيش، وإذا كان كل إرسال يتطلب ثلاث ثوان للتحليل والتحويل إلى غرفة العمليات، إذن يحتاج تكوين الصورة إلى 60 ثانية وهذه فترة طويلة.
وفي حال حدوث خطر مفاجئ وشديد، فإن فترة ثلاث أو أربع ثوان يجب أن تكون كافية كحد أقصى من الوقت تشغل خلاله الإجراءات المضادة في وجه صاروخ مضاد للسفن، ويبدو من المسلم به أن تبادل المعلومات بين أجهزة التفتيش ومركز العمليات يجب أن تتم بواسطة جهاز «كمبيوتر» ذي استيعاب مناسب، إذا أردنا الحصول على أفضل تنسيق بين أجهزة التفتيش ومركز العمليات وسائر الأجهزة اللاقطة على متن السفينة.
إن التقنية الحديثة لاستخراج المعلومات آلياً، بالإضافة إلى العرض العددي الاصطناعي يجعل من الممكن بناء صورة واضحة عن الجو المحيط بالسفينة، هذه الصورة تكون نقطة الارتكاز التي يركز عليها الضابط المسؤول ويسخر لها جميع إمكانياته..
إذاً، الضابط المسؤول في مركز العمليات، هو الذي يقرر ما هي الإجراءات الفعالة التي يجب اتخاذها لمواجهة خطر ما. ولهذه الغاية، فإن من الضروري أن تزود طاولة الأجهزة الإلكترونية في مركز العمليات بوسائل لنقل الأوامر وتحديد الهدف إلى المنشآت الحيوية الأخرى للإجراءات المضادة. وهنا أيضاً تبرز ضرورة استعمال كمبيوتر متطور من أجل السرعة لأنه ينقل المعلومات الضرورية إلى معدات الإجراءات المضادة، ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هذا الكمبيوتر يجب أن يكون مزوداً ببرنامج دفاعي مناسب يحتفظ به في ذاكرته ضد أي نوع من الأخطار التي يمكن أن تهدد السفينة الحربية.
خلاصة القول إذاً أن التنسيق أساسي ذو أهمية في أية حرب إلكترونية لأنه بواسطة التنسيق الجيد يمكن فقط للمعلومات والأوامر أن تستمر في الانطلاق بانتظام، كما أن القرار يعود دائماً إلى قبطان السفينة أو الضابط الذي ينتدب لقيادة العمليات العسكرية.
» الدكتور معين أحمد محمود )باحث عسكري واستراتيجي(