لم يكن لمسيرة النهضة والتنمية الشاملة التي تعيشها دولة الإمارات العربية المتحدة أن تتحقق لولا تضافر جهود كافة فئات المجتمع، وفي مقدمتهم المرأة الإماراتية التي أصبحت عنصراً فاعلاً في مختلف المجالات والقطاعات. فالمرأة الإماراتية تخوض اليوم غمار سباق عالمي محموم نحو التميز والتفرد والنجاح، وباتت رايتها ترفرف عالية شامخة خفاقة حيثما تحل وترتحل. المرأة الإماراتية طرقت أبواب النجاح، وكسرت الصورة النمطية للمرأة العربية بوجه عام، وباتت اليوم تشكل نموذجاً حياً للتفكير خارج الصندوق، بدعم قيادة رشيدة سَنَّت قوانين وتشريعات تضمن حقوق المرأة في جميع مناحي الحياة، وسخرت الجهود لخدمتها حتى جاء اليوم الذي كان يأمل أن يرى فيه المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، «الطبيبة والمهندسة والدبلوماسية بين فتيات الإمارات».
مبادرات وجهود عابرة للحدود
أثبتت التجارب ومازالت، أن المرأة الإماراتية لم تكتف بتحقيق حلم الأب المؤسس، بل ذهبت لأبعد من ذلك، فها نحن نراها اليوم تبدع في مجالات كانت حكراً لوقت طويل على الرجال. ولم تقتصر مبادرات دولة الإمارات وجهود قيادتها الرشيدة في دعم المرأة على النطاق الوطني بل عبرت حدود الوطن حاملة على عاتقها مهام نبيلة تهدف إلى دعم المرأة العربية بشكل عام وتقوية حضورها على كافة الصعد والمستويات.
تعزيز دور المرأة في السلام والأمن
المبادرات والمشاريع الإماراتية في مجال دعم المرأة كثيرة، ولكل مبادرة قصة نجاح وتجربة ملهمة، لا تكتب في سجل تاريخ دولة الإمارات المشرف فحسب، بل في تاريخ البشرية بأسرها، وتؤسس لمستقبل واعد يروي قصص الجهود الإماراتية التي أصبحت اليوم أيقونة متفردة في تمكين المرأة. وتحرص دولة الإمارات بشكل حثيث على توظيف جهود المرأة في مختلف المجالات، وقد بذلت جهوداً كبيرة في الاستفادة من جهود المرأة في المجال الدفاعي والأمني. وتشير الحقائق والأرقام إلى أن النساء شكلن 1 % من المشاركات في عمليات حفظ السلام الأممية في عام 1993، وفي عام 2020 شكلن 4.8 % من القوات ذات المهام العسكرية و10.9 % من القوات ذات المهام الشرطية من إجمالي 95.000 فرد يعملون ضمن قوات حفظ السلام الأممية.
مركز فاطمة بنت مبارك للمرأة والسلام والأمن
وللتأكيد على دور دولة الإمارات العربية المتحدة وجهودها في دعم مشاركة المرأة الفاعلة في جميع القطاعات، خاصة قطاعي السلام والأمن، وجهت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، في يونيو الماضي 2021 بتدشين مركز «فاطمة بنت مبارك للمرأة والسلام والأمن». وجاء إطلاق المركز ضمن مبادرة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك للمرأة والسلام والأمن، بالتعاون بين الاتحاد النسائي العام وهيئة الأمم المتحدة للمرأة.
وأكدت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك بهذه المناسبة حرص دولة الإمارات على بناء القدرات الوطنية والإقليمية والعالمية في مجال المرأة والسلام والأمن، والمساهمة في خلق بيئة تمكينية للمرأة وزيادة الوعي العام حول النوع الاجتماعي وحفظ السلام، فضلاً عن تعزيز دور متخذي القرار في المنطقة العربية والمجتمع الدولي لبناء قدراتهم في مجال دعم مشاركة المرأة في عمليات وأنشطة بناء السلام.
وقالت سموها: “يمثل المركز فرصة رائعة ونموذجاً يحتذى في ترسيخ التعاون الدولي بشأن نشر المعرفة وتعزيز تبادل المعلومات وأفضل الممارسات حول أجندة المرأة والسلام والأمن، إلى جانب تعزيز قدرات الجهات المختصة، خاصة العاملين في الجهات الحكومية، بما يضمن دعم مشاركة المرأة في المراكز القيادية بمختلف عمليات السلام محلياً ودولياً، وتحقيق أعلى استفادة ممكنة لصنع واقع جديد ومساحة أرحب للمرأة لتكون رائدة وصانعة قرار، ويسعدني في هذا الصدد أن أشيد بجهود الاتحاد النسائي العام بالتعاون مع مكتب اتصال هيئة الأمم المتحدة للمرأة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لمواصلة دوره المتنامي في بحث كل السبل الهادفة لدعم وتمكين المرأة في مجال السلام والأمن”.
وأضافت سموها: “أن نموذج دولة الإمارات الرائد في دعم مشاركة المرأة الكاملة والمتساوية والفعالة في جميع المجالات الحيوية والتنموية خاصة قطاع الأمن، إنما هو تجسيد حي لجهود القيادة الرشيدة برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإخوانهم أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، للارتقاء بطموحات وتطلعات المرأة الإماراتية، التي كانت وراء النجاحات التي حققتها ابنة الإمارات في مختلف المجالات سواء في المؤشرات العالمية للتوازن بين الجنسين أو المشاركة في سوق العمل أو تبوؤ المناصب القيادية وغيرها من النجاحات والمكتسبات في مختلف القطاعات”.
أهداف نبيلة
وعن أهداف المركز تقول سعادة نورة السويدي، الأمينة العامة للاتحاد النسائي العام، إن هذا المركز”يهدف إلى تبادل خبرات قطاعات متعددة لمواجهة التحديات المستمرة والناشئة، وتقديم المناهج التشغيلية اللازمة لإدماج النوع الاجتماعي في مختلف القطاعات، بما في ذلك الدول الشريكة وبعثات حفظ السلام، فضلاً عن تعزيز التحليل والبحث والابتكار في القضايا المتعلقة بالمرأة والسلام والأمن، بما يجسد الجهود التي يبذلها الاتحاد النسائي العام ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية والتعاون الدولي، بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، بشأن أجندة المرأة والسلام والأمن”.
وأوضحت أن المركز سيقدم عدة أنواع من الدورات التدريبية داخل الدولة وخارجها، إذ سيتيح للمشاركين التعلم وجهاً لوجه، والذي سيجمع بين العروض التقديمية والأنشطة التفاعلية والمناقشات الجماعية لنقل وتبادل المعرفة، كما سيتيح التعليم الذاتي الافتراضي، الذي سيقدم الدورات التدريبية الذاتية الافتراضية، التي ستسمح للمتعلمين بالوصول إلى المحتوى من أي مكان وفي أي وقت، وسيقدم المركز أيضاً فرصة التعلم المدمج، الذي سيجمع الدورات المختلطة بين التعلم عبر الإنترنت والتعلم وجهاً لوجه.
وجاء تدشين مركز فاطمة بنت مبارك للمرأة والسلام والأمن، عقب إطلاق الخطة الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة لتنفيذ القرار 1325 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، انطلاقاً من حرص دولة الإمارات على الاضطلاع بجهودها في تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة كسياسة أساسية للدولة وإطلاق العنان للدور المهم الذي تلعبه المرأة في قطاعي السلام والأمن، وذلك بتوحيد جهود 14 جهة وطنية “اتحادية ومحلية ومن مؤسسات المجتمع المدني” شاركت في عضوية اللجنة المسؤولة عن إعداد الخطة برئاسة الاتحاد النسائي العام.
«مبادرة الشيخة فاطمة بنت مبارك لتمكين المرأة في السلام والأمن»
كما يعد هذا الإنجاز الجديد إحدى ثمار «مبادرة الشيخة فاطمة بنت مبارك لتمكين المرأة في السلام والأمن» (برنامج تدريب المرأة والسلام والأمن سابقاً) الذي يعد من أهم المبادرات التي أنشأتها دولة الإمارات تحت رعاية كريمة من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية.
وقد تأسست مبادرة الشيخة فاطمة بنت مبارك لتمكين المرأة في السلام والأمن بالشراكة بين وزارة الدفاع في دولة الإمارات العربية المتحدة والاتحاد النسائي العام ودعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة.
وأُطلقت المبادرة بعد توقيع مذكرة تفاهم بين كل من وزارة الدفاع والاتحاد النسائي العام وهيئة الأمم المتحدة للمرأة في سبتمبر 2018.
وتم إطلاق اسم مبادرة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك لتمكين المرأة في السلام والأمن على هذا البرنامج التدريبي الرائد في سبتمبر 2020 على هامش الاحتفالات بالذكرى العشرين لإطلاق أجندة المرأة والسلام والأمن، واحتفاءً بمرور عشرين عاماً على اعتماد قرار مجلس الأمن 1325 حــول المــرأة والســلام والأمــن فــي 31 أكتوبر 2000، وقــد حــث هــذا القــرار كلاً مــن مجلــس الأمــن، الأميــن العــام، الــدول الأعضــاء وجميــع الأطــراف الأخــرى على أخــذ التدابيــر اللازمــة لزيادة مشـاركة المـرأة فـي عمليـات صنـع القـرار وعمليات السلام، لتعزيز مشاركة المرأة في عمليات السلام، ودمج سياسات المساواة بين الجنسين في التدريب ومفاوضات السلام. ويؤكد هذا القرار التاريخي أهمية إشراك المرأة في أنظمة إصدار التقارير وآليات تنفيذ البرامج.
تم اعتماد القرار رقم 1325 حول المرأة والسلام والأمن بالإجماع، وكان أمراً مهماً للنساء حول العالم، وكان أول قرار يؤكد الصلة بين النزاعات المسلحة، والتأثيرات السلبية على المرأة، ويعترف بالأعباء الذي تتحملها المرأة أثناء النزاع وبل أيضاً أهمية مشاركة المرأة وقيادتها لمنع النزاعات وحلها.
ونجحت المبادرة الإماراتية خلال وقت وجيز في إشراك 357 امرأة من عدة دول عربية وإفريقية وآسيوية في برنامج المبادرة في دورتيها خلال عامي 2019 و2020، حيث أشاد الشركاء الاستراتيجيون ببرنامج المبادرة كنموذج فريد وناجح.
دورة التدريب الأولى 2019
أُطلقت الدورة الأولى من مبادرة الشيخة فاطمة بنت مبارك لتمكين المرأة في السلام والأمن في يناير 2019، وشاركت 134 امرأة من عدة دول عربية هي البحرين ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية والسودان والإمارات العربية المتحدة واليمن في هذا البرنامج الرائد الذي يهدف لزيادة مشاركة المرأة في جهود السلام والأمن.
استضافت الدورة التدريبية التي استمرت على مدار 15 أسبوعاً، مدرسة خولة بنت الأزور العسكرية في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وهي أول كلية عسكرية للنساء في الخليج، وتأسست عام 1990، وشملت الدورة التدريب العسكري لمدة ثلاثة أشهر، وأسبوعين من التدريب على حفظ السلام، وتخرجت المشاركات بعد الانتهاء من الدورة التدريبية في أبريل 2019.
دورة التدريب الثانية 2020
انطلقت الدورة الثانية من مبادرة الشيخة فاطمة بنت مبارك لتمكين المرأة في السلام والأمن في يناير 2020 مع 223 مشاركة من 11 دولة إفريقية وآسيوية وعربية. أتت معظم المشاركات من خلفيات عسكرية وشرطية ممن حصلن على تدريب سابق. وقد شملت الدول المشاركة أفغانستان وبنغلادش وتشاد وغامبيا وغانا والأردن وموريتانيا وباكستان والسنغال والإمارات واليمن. وقد تم إتمام التدريب العسكري والتدريب على حفظ السلام في مدرسة خولة بنت الأزور العسكرية بأبوظبي، وتخرجت المشاركات من الدورة الثانية من مبادرة الشيخة فاطمة بنت مبارك لتمكين المرأة في السلام والأمن في شهر أبريل 2020.
أهداف المبادرة
تهدف «مبادرة الشيخة فاطمة بنت مبارك لتمكين المرأة في السلام والأمن» إلى:
1 مشاركة 15 % من النساء في قوات حفظ السلام ذات المهام العسكرية و25 % من النساء كمراقبات وضباط أركان بحلول عام 2028.
2 مشاركة 20 % من النساء في القوات ذات المهام الشرطية و30 % كضباط شرطة بحلول عام 2028.
3 بناء قدرات المرأة وزيادة مشاركتها في العمليات العسكرية وعمليات حفظ السلام.
4 زيادة مشاركة المرأة في القطاع العسكري وحفظ السلام وتعزيز فعالية عمليات حفظ السلام، استناداً إلى قرار مجلس الأمن 1325 (2000) حول المرأة والسلام والأمن والقرارات اللاحقة ذات الصلة.
5 توفير التدريب وبناء القدرات للنساء في قطاع الأمن، وإلهام المشاركات للانضمام إلى قوات الأمن الوطني الخاص بهن، وتعزيز عمل النساء العاملات في حفظ السلام. وإنشاء شبكات تواصل بين المشاركات لتقديم الدعم أثناء عمليات حفظ السلام المستقبلية.
وأعلن الاتحاد النسائي العام في نهاية يونيو الماضي 2021 عن إطلاق الموقع الإلكتروني لمبادرة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك للمرأة والسلام والأمن باللغتين العربية والإنجليزية، وذلك بالتزامن مع تدشين مركز فاطمة بنت مبارك للمرأة والسلام والأمن، ضمن المبادرة.
إكرام بندلة
)باحثة في الشؤون العسكرية)