بقلم: ناصر عيسى أحمد البلوشي (كبير باحثين بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري)
إن من أعظم مقاصد تكوين الأسرة في الشريعة الإسلامية حفظ النسل بإبقاء التوالد والتكاثر بغرض استمرار النوع البشري الذي هو خليفة الله والعامر لأرضه، والناصر لدينه.
والنسل يُحفظ ويتحقق بالنكاح الذي هو أول خطوات تكوين الأسرة وأساسها، فالأسرة هي الصورة المشروعة والوعاء النظيف والطريق السليم لتوظيف الرغبة الجنسية وتوجيهها التوجيه الصحيح، فبها يحفظ التناسل من الضياع، وتعمر الأرض بالذرية الصالحة.
ولهذا نهت الشريعة عن كل أمر يضيع مقصد التناسل من الأنكحة الفاسدة التي تناقض مقصود الشارع كنكاح المتعة والتحليل، وكذلك كل فعل يقطع مقصد التناسل من الجب والخصاء والتبتل، وإسقاط الجنين (الإجهاض) بلا ضرورة مُعتبرة شرعاً.
والمتأمل في نصوص الشريعة الإسلامية يعلم مدى الاهتمام والترغيب في حفظ نسل الأمة وتكثيرها، ويتضح ذلك في الجوانب الآتية:
1)أن حفظ النسل وتكثيره من وصايا النبي صلى الله عليه وسلـم، لما في ذلك من الأثر العظيم في نصرة دين الله تعالى، ومواجهة الخطوب والأزمات، وتحقيق عزة الأمة وسيادتها بين الأمم، وعمارة الكون والخلافة في الأرض، قال صلى الله عليه وسلـم «تزوجوا فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة، ولا تكونوا كرهبانية النصارى» (السنن الكبرى: 13457)، وقال: «تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثرٌ بكم الأمم» (أبو داود: 2050).
2)أن حفظ النسل وتكثيره والرغبة في الذرية ميل غريزي فطري لدى الإنسان في حب الامتداد وبقاء الأثر وإحياء الذِّكْر من خلال ذريته، والأبناء هم قرة العين وزينة الحياة الدنيا وبهجتها، قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الكهف: ٤٦)، وقال سبحانه: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (آل عمران: ١٤).
3)أن حفظ النسل وبقاءه من هدي الرسل ومقصدهم، قال سبحانه: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) (الرعد: ٣٨).
وأخبر جل شأنه عن نبيه زكريا عليه السلام أنه دعا ربه رغم تقدمه في العمر، ألا يدعه بلا وارث أو ذرية: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) [مريم: ٤ – ٦]، وقال: (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) (الأنبياء: 89).
وأخبر سبحانه عن نبيه إبراهيم عليه السلام أنه أثنى على ربه أن أنعم عليه بالذرية بعد أن كبر سنه، فقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) (إبراهيم: ٣٩).
4)أن حفظ النسل فيه حفظ النسب الذي يعرف به التسلسل الأسري من جد معروف إلى أب معروف إلى ابن معروف إلى أبناء وأحفاد منتشرين يعرف كل منهم إلى من ينتمي بالقربى والمصاهرة، قال سبحانه: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ) (النحل: ٧٢).
وهذه المعرفة هي الأساس في تقرير الحقوق والواجبات من تربية وحضانة ونفقة وإرث وغير ذلك من الحقوق والواجبات المترتبة على الزواج، والتي بدون التحقق منها والقيام بها تضيع الحقوق ويعم الفساد وينتشر الصراع.
من أجل ذلك أحاط الإسلام الأسرة بسياج متين من الضوابط التي تحمي بناءها فقرر قواعد البناء وأمر بها وندب إليها، وحدد عوامل الهدم فمنع منها ونهى عنها فحرم الزنى ونهى عن التبني وشرع العدة.
وختاماً: نسأل المولى العظيم أن يفقهنا في دينه، وأن يرزق الأزواج والأسر جميعاً الحياة السعيدة المطمئنة، ويوفقهم لما يحبه ويرضاه في الدنيا والآخرة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.