عين جالوت

معارك خلدها التاريخ.. معركة عين جالوت (25 رمضان 658 هـ)

شهد التاريخ عدة غزوات وحروب، كانت نتائجها حاسمة في تغيير مجراه، وسنتناول على صفحات “الجندي” بعضاً من هذه المعارك الفاصلة..

معركة عين جالوت (25 رمضان 658 هـ)

هي إحدى أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي؛ إذ استطاع جيش المماليك بقيادة سيف الدين قطز إلحاق أول هزيمة قاسية بجيش المغول بقيادة كتبغا.

وقعت المعركة بعد انتكاسات مريرة لدول ومدن العالم الإسلامي، حيث سقطت بغداد بعد حصار دام أياماً، فاستبيحت المدينة وقُتل الخليفة المستعصم بالله فسقطت معه الخلافة العباسية، ثم تبع ذلك سقوط جميع مدن الشام وفلسطين وخضعت لهولاكو.

كانت مصر في تلك الفترة تئِنُّ تحت وطأة الصراعات الداخلية والتي انتهت باعتلاء سيف الدين قطز عرش مصر سنة 657 هـ/1259م سلطاناً لمماليك مصر. فبدأ بالتحضير لمواجهة التتار. وما إن انتهى قطز من تجهيز الجيش حتى سار به من منطقة الصالحية شرق مصر حتى وصل إلى سهل عين جالوت الذي يقع تقريباً بين مدينة بيسان شمالاً ومدينة نابلس جنوباً في فلسطين، وفيها تواجه الجيشان الإسلامي والمغولي، وكانت الغلبة للمسلمين، واستطاع الآلاف من المغول الهرب من المعركة واتجهوا قرب بيسان، وعندها وقعت المعركة الحاسمة وانتصر المسلمون انتصاراً عظيماً، وأُبيد جيش المغول بأكمله.

رسل هولاكو

بينما كان سيف الدين قطز منشغلاً بإعداد الجيش، جاءته رسالة من هولاكو يحملها أربعة رسل من التتار، كانت الرسالة إعلاناً صريحاً بالحرب أو تسليم مصر للتتار، فصمم قطز على خوض الحرب ورافض التسليم، وقال كلمته المشهورة: «من للإسلام إن لم نكن نحن».

الاستعداد للمعركة

اجتمع قطز مع مجلسه العسكري لبحث أفضل طريقة لحرب التتار، وعبَّر عن عزمه الخروج بجيش مصر لملاقاة التتار في فلسطين بدلاً من أن ينتظرهم في مصر، اعترض أغلب القادة على رأي قطز وفضلوا انتظار التتار حتى يصلوا مصر، وبعد نقاش طويل دار في المجلس العسكري، أُقرت خطة سيف الدين قطز لعدة عوامل وهي: أن أمن مصر القومي يبدأ من حدودها الشرقية وليس من داخل البلد نفسه، ومن الأفضل عسكرياً أن ينقل سيف الدين قطز المعركة إلى ميدان خصمه لأن هذا سيؤثر نفسياً في نفوس التتار، ومن الأفضل عسكرياً كذلك أن يمتلك المسلمون عنصر المفاجأة فيختاروا هم موعد المعركة ومكانها.

التخطيط العسكري

سلك سيف الدين قطز في ترتيب جيشه نهجاً جديداً في التخطيط العسكري، حيث وضع في مقدمة الجيش فرقة كبيرة نسبياً على رأسها بيبرس، وجعل هذه الفرقة تتقدم كثيراً عن بقية الجيش التي تسير خلفها، وتظهر نفسها في تحركاتها، بينما يتخفى بقية الجيش في تحركاته، فإذا كان هناك جواسيس للتتار اعتقدوا أن مقدمة الجيش هي كل الجيش، فيكون استعدادهم على هذا الأساس، ثم يظهر بعد ذلك قطز على رأس الجيش الأساسي، وقد فاجأ التتار الذين لم يستعدوا له.

السير إلى فلسطين

اجتاز بيبرس سيناء ودخل فلسطين وتبعه قطز بعد ذلك في سيره، واجتازوا رفح وخان يونس ودير البلح واقتربوا من غزة التي احتلها التتار في اجتياحهم للشام، اكتشفت عيون التتار مقدمة الجيش الإسلامي، واعتقدوا أن هذا هو جيش المسلمين كله، ونُقلت الأخبار إلى حامية غزة التترية، وأسرعت الحامية التترية للقاء بيبرس، وجرى بينهما قتال سريع، كان هذا القتال وجيش قطز الرئيسي ما زال يعبر حدود سيناء متوجهاً إلى غزة، ولكنَّ تأخُّر الجيش الرئيسي لم يؤثر في سير المعركة كثيراً، فقد كانت مقدمة الجيش بقيادة الظاهر بيبرس مقدمة قوية وقائدها قائد بارع، والحامية التترية في غزة صغيرة نسبياً، وجيش المغول الرئيسي بقيادة كتبغا على مسافة كبيرة من غزة، حيث يربض في سهل البقاع، فتم اللقاء في غزة بمعزل عن الجيوش الرئيسية للمسلمين والتتار، واستطاعت مقدمة جيش المسلمين أن تنتصر في هذه الموقعة الصغيرة، التي قُتل فيها بعض جنود الحامية التترية، وفرّ الباقون في اتجاه الشمال لينقلوا الأخبار إلى كتبغا.

إلى عين جالوت

بعد معركة غزة توجه الجيش شمالاً بمحاذاة البحر فمروا بعسقلان ثم يافا ثم مروا بغرب طولكرم، ثم حيفا، وواصلوا الاتجاه شمالاً حتى وصلوا عكا التي وقَّعوا فيها مع الصليبيين معاهدة سلام مؤقتة، عندها قرر قطز أن يعسكر في الحدائق المحيطة بحصن عكا في السهل الواقع إلى الشرق من عكا.

المعركة

صلى جيش المسلمين صلاة الفجر يوم الجمعة 25 رمضان 658 هـ، ورتبوا صفوفهم بعد الصلاة واستعدوا، وما إن أشرقت الشمس حتى أتى جيش التتار لسهل عين جالوت من الشمال، ولم يكن في السهل أحد من المسلمين، فقد كانوا يختبؤون خلف التلال، وكانت مقدمة الجيش بقيادة بيبرس لا تخفي نفسها، وكان الهدف من هذه الخطة حتى يعتقد جواسيس التتار أن هذه المقدمة هي كل الجيش، وبدأت مقدمة الجيش في النزول من أحد التلال لسهل عين جالوت.

مخطط لسير المعركة في عين جالوت

نظر كتبغا إلى مقدمة جيش المسلمين فوجد القوة الظاهرة أمامه قوة قليلة جداً، فأراد أن يحسم المعركة لصالحه بأسرع وقت، وقرر أن يدخل بكامل جيشه وقواته لقتال مقدمة الجيش (وهذا ما خطط له قطز)، أعطى كتبغا إشارة البدء لقواته بالهجوم على المقدمة التي ظن أنها كل الجيش، فتقدمت أعداد هائلة من فرسان التتار باتجاه مقدمة الجيش، وقف بيبرس هو وجنوده في أماكنهم حتى اقتربت منهم جموع التتار، عندها أعطى بيبرس لجنوده إشارة بدء القتال، فانطلقوا باتجاه جيش التتار، وارتفعت سحب الغبار من المعركة وتعالت أصوات دقات الطبول، واحتدم القتال للحظات، وثبتت مقدمة الجيش في القتال وكانت مكونة من خيرة فرسان المماليك، قرر كتبغا استخدام كامل قواته لقتال مقدمة الجيش بعد أن رأى منهم الثبات في القتال، دون أن يترك أي قوات للاحتياط خلف جيش التتار، استمر القتال سجالاً على الرغم من الفجوة العددية الكبيرة بين القوتين، ثم دقت الطبول دقات معينة وهي عبارة عن أوامر من قطز إلى بيبرس بسحب التتار إلى داخل سهل عين جالوت، بدأ بيبرس على الفور في تنفيذ الأوامر، فأظهر للتتار الانهزام وتراجع بظهره وهو يقاتل، وعندما رأى كتبغا تراجع المسلمين أمر جنده بتتبعهم والقضاء عليهم، وبدأ جيش التتار في دخول سهل عين جالوت للضغط على الجنود الذين انسحبوا، وبعد مدة من الزمن دخل جيش التتار بأكمله داخل سهل عين جالوت، وانسحب الظاهر بيبرس بجنوده إلى الناحية الجنوبية من السهل، ارتكب كتبغا خطأً جسيماً بعدم تركه قوات احتياطية خارج السهل لتؤمن طريق العودة في حال الخسارة ولتمنع التفاف جيش المسلمين حول التتار.

في هذا الوقت نزل جيش المسلمين الرئيسي من خلف التلال إلى ساحة المعركة، وأسرعت فرقة قوية من المماليك لإغلاق المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، وبذلك أحاطت قوات جيش المسلمين بالتتار من كل جانب، أيقن عندها القائد كتبغا المكيدة التي انطوت عليه من المسلمين، وبدأ صراعاً لا مجال فيه للهرب أو المناورة.

ولكن الموقف تأزم بشكلٍ أكبر، عندها قرر قطز أن ينزل بنفسه لأرض المعركة، فرمى خوذته وأخذ يصرخ «وا إسلاماه… وا إسلاماه»، فاحتدم القتال وقطز في أرض المعركة يقاتل، وبدأت الكفة تميل لصالح المسلمين، وارتد الضغط على التتار، وتقدم أمير من أمراء المماليك واسمه جمال الدين آقوش الشمسي واخترق صفوف التتار حتى وصل لكتبغا، ودار بينها قتال فتمكن آقوش من كتبغا وقتله، وبقتله قتلت العزيمة عند جيش التتار، وأصبحوا يقاتلون ليفتحوا لأنفسهم طريقاً في المدخل الشمالي لسهل عين جالوت ليتمكنوا من الهرب، واستطاعوا فتح ثغرة في المدخل الشمالي، وخرجت أعداد كبيرة منهم باتجاه الشمال، وخرج المسلمون في طلبهم، حتى وصل التتار الفارّون إلى مدينة بيسان، وعندما وصل إليهم المسلمون، لم يجد التتار أمامهم إلا أن يعيدوا تنظيم صفوفهم ويصطفوا من جديد، ودارت بين الطرفين معركة كبيرة قرب بيسان، فأخذ قطز يصيح بالجند «وا إسلاماه… و اإسلاماه… وا إسلاماه» ثلاثاً، كانت هذه الكلمات دفعة معنوية لجنود جيش المسلمين، وأقبل الجند على القتال وارتفعت راية الإسلام وهوت راية التتار، وبدأ جنود التتار في التساقط، وكانت نتيجة المعركة أن أُبيد جيش التتار بأكمله، ولم يبقَ على قيد الحياة من الجيش أحد.

إعداد: نادر نايف محمد

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض