الموضوع الديني

قتيبة بن مسلم الباهلي.. فاتح آسيا الوسطى

سنتناول في هذا الباب موضوعاً عسكرياً إسلامياً، نلقي الضوء فيه إما على قائد عسكري إسلامي كانت له صولات وجولات في ساحات المعارك، وإما على معركة إسلامية خالدة.. وفي هذا العدد سلنتقي مع القائد العسكري الفذ:

هو قتيبة بن مسلم بن عمرو بن الحُصَين الباهلي (49 هـ – 96 ه‍ / 669 م – 715 م) قائد إسلامي شهير، قاد الفتوحات الإسلامية في بلاد آسيا الوسطى في القرن الأول الهجري.

نشأ قتيبة على ظهور الخيل رفيقاً للسيف والرمح، محباً للفروسية، وقد أبدى شجاعة فائقة وموهبة قيادية فذة، لفتت إليه الأنظار خاصة من القائد العظيم المهلب بن أبي صفرة، وكان خبيراً في معرفة الأبطال ومعادن الرجال، فتفرس فيه أنه سيكون من أعظم أبطال الإسلام، فأوصى به لوالي العراق الحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان يحب الأبطال والشجعان، فانتدبه لبعض المهام ليختبره بها، ويعلم مدى صحة ترشيح المهلب له، وهل سيصلح للمهمة التي سيوكلها له بعد ذلك أم لا.

فتح خوارزم وبخارى، وسمرقند، وبلخ، وكاشغر، استشهد سنة 96 هـ، وعمره 48 سنة.

النشأة وبدايات جهاده

ولد قتيبة في بيت إمرة وقيادة في البصرة سنة 49 هـ لأسرة من قبيلة باهلة النجدية، ولما ترعرع تعلم العلم والفقه والقرآن، ثم تعلم الفروسية وفنون الحرب، فظهر فيه النبوغ وهو شاب في مقتبل شبابه، فولّاه عبدالملك بن مروان الري، وولّاه أيضاً ولاية خراسان، وقد كانت حينها من أعمال العراق، وهي تحت إمرة الحجاج، فلم يعبأ بشيء سوى الجهاد، فلما وصل خراسان سنة 86هـ علا بهمته إلى فتح بلاد ما وراء النهرين، ونشر دين الإسلام فيها، وأقام بخراسان ثلاث عشرة سنة.

فتوحاته

ثم استعرض جيشه وابتدأ مسيرته إلى فتح الشرق كله، ففتح المدائن مثل خوارزم وسجستان، حتى وصل إلى سمرقند فحاصرها حصاراً شديداً حتى صالحه أهلها على أموال كثيرة جداً، وفطن له الصغد، فجمعوا له الجموع فقاتلهم قتالاً عنيفاً حتى هزمهم، وسار نحو بيكند وهي آخر مدن بخارى، فجمعوا له الجموع من الصغد ومن والاهم فأحاطوا به من كل مكان، وكان له عيون (جواسيس) من الأعداء يمدونه بالأخبار، فأعطاهم الأعداء أموالاً طائلة ليصدوا عنهم قتيبة، فجاؤوا يثبطونه عن قتالهم، فقتلهم، ثم جمع الجيش وخطبهم وحثهم على القتال، فقاتلوا أشد القتال وغنم أموالاً لا تحصى، ثم اتجه ناحية الصين، ففتح المدن التي في أطرافها وانتصر عليها، وضرب عليهم الجزية، فأذعنت له بلاد ما وراء النهر كلها حتى وصل إلى أسوار الصين، حارب خلالها ثلاث عشرة سنة لم يضع فيها السلاح.

بداية العمل الحربي

بدأ العمل الحربي سنة 86 هجرية، وذلك عندما ولاه الحجاج بن يوسف الثقفي ولاية خراسان، وهو إقليم شاسع مترامي الأطراف، لم يكن المسلمون قد واصلوا الفتح بعده، وكان المهلب بن أبي صفرة والياً على خراسان من عام 78 حتى 86 هجرية، وقد رأى الحجاج أن يدفع بدماء شابة جديدة في قيادة المجاهدين هناك، فلم يجد أفضل من قتيبة بن مسلم لهذه المهمة.

سار قتيبة بن مسلم على نفس الخطة التي سار عليها آل المهلب، وهي خطة الضربات السريعة القوية المتلاحقة على الأعداء، فلا يترك لهم وقتاً للتجمع أو التخطيط لرد الهجوم على المسلمين، ولكنه امتاز عن آل المهلب بأنه كان يضع لكل حملة خطة ثابتة لها هدف ووجهة محددة، ثم يوجه كل قوته للوصول إلى هدفه.

وفي عصر الخليفة عبدالملك بن مروان ولاه مدينة الري، ثم ولاه بعدها خراسان عام 86هـ خلفاً للقائد المهلب بن أبي صفرة الذي كان قد تولاها منذ عام 78هـ، وفور وصول قتيبة بن مسلم إلى خراسان، علا بهمته إلى فتح بلاد ما وراء النهرين، ونشر دين الإسلام فيها، فاسترد منطقة طخارستان (جزء من أفغانستان وباكستان حالياً) عام 86هـ، وأكمل فتح بخارى وما حولها من القرى والحصون بين سنتي 87- 90 هـ، ثم أكمل فتح إقليم سجستان، وإقليم خوارزم، ووصلت فتوحاته إلى مدينة سمرقند التي ضمها سنة 93هـ،

استراتيجية قتيبة في الغزوات

قام قتيبة بن مسلم بتقسيم أعماله لأربع مراحل، حقق في كل واحدة منها فتح ناحية واسعة فتحاً ثبَّت فيه أقدام الدولة الأموية وما تابعها من دول إسلامية ردحاً طويلاً من الزمن. وهي كالآتي:

المرحلة الأولى

قام فيها بحملته على طخارستان السفلى فاستعادها وذلك سنة 86 هجرية، وطخارستان السفلى هي الآن جزء من أفغانستان وباكستان.

المرحلة الثانية

قاد فيها حملته الكبرى على بخارى فيما بين سنتي 87 – 90 هجرية وخلالها أتم فتح بخارى وما حولها من القرى والحصون، وكانت أهم مدن بلاد ما وراء النهر وأكثفها سكاناً وأمنعها حصوناً.

المرحلة الثالثة

استمرت من سنة 91- 93 هجرية، وفيها تمكن قتيبة من نشر الإسلام وتثبيته في وادي نهر جيحون كله، وأتم فتح إقليم سجستان في إيران الآن، وإقليم خوارزم يوجد الآن بين دول إيران وباكستان وأفغانستان، ووصلت فتوحاته إلى مدينة سمرقند في قلب آسيا وضمها إلى دولة الإسلام نهائياً.

المرحلة الرابعة

وامتدت من سنة 94-96 هجرية، وفيها أتم قتيبة فتح حوض نهر سيحون بما فيه من مدن، ثم دخل أرض الصين وأوغل فيها ووصل مدينة كاشغر وجعلها قاعدة إسلامية وكان هذا آخر ما وصلت إليه جيوش إسلامية في آسيا شرقاً ولم يصل أحد من المسلمين أبعد من ذلك قط.

ما وقع بين قتيبة وملك الصين

عندما أرسل قتيبة بن مسلم وفداً من طرفه لمقابلة ملك الصين، قال لهم الملك: «قولوا لصاحبكم ينصرف فإني قد عرفت قلة أصحابه وإلا بعثت إليكم من يهلككم». فقال له قائد الوفد: «كيف يكون قليل الأصحاب مَنْ أول خيله في بلادك وآخرها في منابت الزيتون؟ وأما تخويفك إيانا بالقتل فإن لنا آجالاً إذا حضرت فأكرمها القتل، ولسنا نكرهه ولا نخافه، وقد حَلَفَ ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم ويُعطى الجزية».

أعادت هذه المقالة ملك الصين إلى صوابه، فاعتدل في كلامه، وقال لقائد الوفد الذي أرسله قتيبة: فما الذي يُرضي صاحبكم؟. قال: إنه حلف ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويُعطى الجزية. قال: فإنا نخرجه من يمينه ونبعث تراب أرضنا فيطأه ونبعث إليه بجزية يرضاها فبعث إليه التراب والجزية، فقبل قتيبة الجزية ووطئ التراب.

 الأمير قتيبة وقبائل الترك

عندما قام المسلمون الأوائل بحركة الفتح الإسلامي في الشرق، كان هناك عِرقان من البشر تسكن هذه المنطقة، القبائل الساسانية أو الفارسية والقبائل التركية، وقد تم إدخال القبائل الفارسية في الإسلام في عهد الخلفاء الراشدين، أما القبائل التركية فقد كانت أكبر عدداً وأوسع انتشاراً.

وكان لفتح قتيبة أثر كبير في إدخال الأتراك شرقي نهر المرغاب وفي بلاد ما وراء النهر في الإسلام.

كان قتيبة بن مسلم قائداً من كبار القادة الذين سجلهم التاريخ. فعلى يديه فتحت هذه البلاد التي تسمى اليوم بالجمهوريات الإسلامية التي انفصلت عما كان يسمى بالاتحاد السوفييتي، وتوغل حتى حدود الصين، وتدين كثير من هذه البلاد بدين الإسلام.

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض