الموضوع الديني 606

عقبة بن نافع.. فاتح إفريقيا

سنتناول في هذا الباب موضوعاً عسكرياً إسلامياً، نلقي الضوء فيه إما على قائد عسكري إسلامي كانت له صولات وجولات في ساحات المعارك، وإما على معركة إسلامية خالدة.. وفي هذا العدد سلنتقي مع القائد العسكري الفذ:

عقبة بن نافع الفهري القرشي، تابعي وقائد عسكري من أبرز قادة الفتح الإسلامي للمغرب في عهد الخلافة الراشدة ثم الدولة الأموية، ووالي إفريقيا مرتين في عهدي معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية. يُلقَّب بفاتح إفريقيا.

ولد عقبة في بني فهر بن مالك من قبيلة قريش في مكة على عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يرَ النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، فهو من التابعين.

شارك عقبة في الفتح الإسلامي لمصر، وسكن بها، وفي سنة 50 هـ فصل معاوية بن أبي سفيان ولاية إفريقيا عن ولاية مصر، وولى على إفريقيا عقبة بن نافع، فأمر ببناء القيروان لتكون معسكراً لرباط المسلمين، وبنى بها المسجد الأعظم المعروف اليوم بجامع عقبة بن نافع.

عقب وفاة معاوية بن أبي سفيان ولاه يزيد بن معاوية مرة أخرى على إفريقيا، فدخلها وقاتل أوربة فهرب زعيمهم كسيلة. وصالح يُليان حاكم طنجة وسبتة، ثم افتتح البلدان الواحدة تلو الأخرى حتى وصل إلى المحيط، وفي طريق العودة صرف عقبة جل عساكره إلى القيروان، وبقي معه حوالي 300 رجل فقط، فاستغل كسيلة ذلك، وحشد جيشاً قوامه خمسون ألف مقاتل تقريباً، والتقى مع عقبة وأصحابه، فاستشهد عقبة في هذه المعركة.

مشاركته في المعارك الإسلامية

اشترك عقبة، في عهد عمر بن الخطاب، في الجيش الذي توجه لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، وبعث عمرو بن العاص نفراً من جنده بقيادة عقبة بن نافع ليستطلعوا أحوال بَرَقَة ويوافوه بأخبارها قبل أن يتقدّم إليها، فسار عقبة إلى زويلة وأطراف بَرَقَة، فتبيّن له أنّ قبائل البربر التي تقطن تلك النواحي كانت في سكونٍ شاملٍ وهدوءٍ كامل. أرسل عقبة المعلومات التي حصل عليها إلى عمرو بن العاص، الذي قرر مواصلة السير لفتح بَرَقَة. ولم يكن الطريق إلى بَرَقَة آنذاك صحراوياً، بل كانت عليه سلسلةٌ من المدائن والمنازل متصلة، وأكثره أرض خصبة ذات زرع. كانت الرحلة بمثابة نزهة للمسلمين، فلم يصادفوا مقاومةً تذكر، وانضمّت إليهم أثناء السير بضع قبائل بربريّة معلنةً ولاءها للإسلام والمسلمين. ولمّا بلغت خيل ابن العاص بَرَقَة، ضربوا الحصار عليها، وعرض عليهم عمرو بن العاص الخصال الثلاث التي عرضها على المقوقس وأهل مصر ومن قبلهم الشام، وهي: الإسلام أو الجزية أو القتال. ووجد أهل بَرَقَة أنه لا طاقة لهم بقتال المسلمين فقبلوا المصالحة على أن يؤدوا جزية للمسلمين قوامها 13 ألف دينار.

استمر عمرو بن العاص مسيره بالجند حتى طرابلس فحاصرها شهراً. وعلم المسلمون آنذاك أن الجهة البحرية خالية من الدفاعات وغير محصنة، وأنهم يستطيعون النفاذ إليها من هناك، فرأوا استغلال حركة الجزر، وانتظار انحسار الماء عن المدينة من جهة البحر، فدخلت جماعة منهم بين أسوار المدينة والبحر وقاتلت الحامية الموكلة بالدفاع عن هذه الجهة، وصاح أفرادها «الله أكبر»، فترددت أصداء التكبير في أزقّة المدينة وطرقاتها، فذعر المدافعون عنها، ودبّت الفوضى في صفوفهم، فحملوا ما استطاعوا من متاعهم وأسرعوا إلى السفن وأبحروا عليها هاربين، ولمّا رأى الحرّاس فرار الحامية البيزنطيّة، تركوا مراكزهم، فدخل عمرو وجيشه إلى المدينة.

فتح إفريقيا

افتتح ابن أبي السرح ولايته بابتعاث السرايا إلى أطراف إفريقيا، فنجحت تلك السرايا في مهمتها، وعادت مثقلة بالغنائم. وأرسل ابن أبي السرح إلى عثمان بخبر تلك السرايا، وليستأذنه في فتح إفريقيا. شجّع نجاح السرايا عثمان، فوافق على مواصلة التقدّم نحو إفريقيا رغم أنه كان في البداية على رأي عمر بن الخطاب بالتوقف عن غزوها، لكن الأنباء المشجعة حول نجاح الحملات على أطراف إفريقيا، بالإضافة إلى موافقة كبار الصحابة على هذا الأمر، جعلته يعقد العزم على التقدّم، فنادى بالجهاد في إفريقيا، واجتمع خلقٌ كثيرٌ من المسلمين من كل القبائل، وخاصّةً تلك التي كانت تقطن حول المدينة المنوّرة. وقام عثمان فيهم خطيباً وحثّهم على الجهاد، ووزّع عليهم السلاح، كما أمدّهم بألف بعير يحمل عليها ضعفاء الناس أي فقراءهم، فخرج المسلمون في جيشٍ عظيمٍ سنة 27 هـ يقوده الحارث بن الحكم بن أبي العاص، إلى أن يقدموا على ابن أبي السرح بمصر فتكون القيادة له. فخرج ابن أبي السرح من مصر بجيش قوامه 20 ألف مقاتل من الفسطاط إلى إفريقيا، وما إن بلغ الجيش بَرَقَة، انضم عقبة بن نافع ومن معه من المسلمين إلى الجيش، وأثناء تقدمهم وجدت إحدى سرايا الاستطلاع مراكب للروم راسية بالقرب من طرابلس، فاشتبكت معها، واستولت على ما فيها، وأسروا 100 رجل من الروم.

ولاية عقبة على إفريقيا

في سنة 47 هـ ولى معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج على مصر، فعاد ابن حديج إلى مصر وأناب عقبة بن نافع على إفريقيا، وفي سنة 49 هـ غزا عقبة بن نافع الروم في البحر بأهل مصر. وفي سنة 50 هـ/670 م عزل معاوية بن سفيان معاوية بن حديج عن إفريقيا، وأقره على ولاية مصر، وولى على إفريقية عقبة بن نافع.

تخطيط القيروان

بعدما استقر الأمر للمسلمين مع البربر في وسط إفريقيا، رأى عقبة بناء مدينة لتكون مقراً لرباط جند المسلمين، وحتى لا يتمرد أهلها مرة أخرى. فقال: «إن إفريقيا إذا دخلها إمام أجابوه إلى الإسلام فإذا خرج منها رجع من كان أجاب منهم لدين الله إلى الكفر فأرى لكم يا معشر المسلمين أن تتخذوا بها مدينة تكون عزاً للإسلام إلى آخر الدهر»، فاتفق الناس على ذلك وأن يكون أهلها مرابطين فسار عقبة مع أصحابه، فوقع اختياره على وادٍ كثير الشجر، اختطّ فيه مدينة دعاها «القيروان».

ولاية عقبة الثانية على إفريقيا

بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان سنة 60 هــ، رأى يزيد بن معاوية أن يرد عقبة بن نافع على إفريقيا وأن يفصل ولاية إفريقيا عن ولاية مصر فيجعلها ولاية مستقلة بذاتها، فأعاد عقبة عاملًا عليها سنة 62 هـ.

فتح الجريد والزاب

جهز عقبة جيشاً قوامه بين 10 آلاف، و15 ألف جندي، واستخلف زهير بن قيس البلوي على القيروان، وخرج للغزو. فزحف عقبة إلى الجريد أولاً، وفتحها فتحاً ثانياً، كما فتح حصن لميس ومدينة باغانة حيث دار قتالٌ عنيفٌ مع الروم انتهى بانتصار المسلمين وحصولهم على الكثير من الغنائم. كذلك، صالح عقبة أهل فزان، وتابع تقدمه غرباً نحو الزاب واصطدم مع الروم في وادي المسيلة وهزمهم، وتقدم نحو تاهرت فهزم جموع البربر من زناتة ومكناسة وهوارة وغيرها. ولما اقترب من المدينة استغاث البربر بالروم الذين أسرعوا لنجدتهم لأنهم وجدوا الفرصة سانحة للانتقام من المسلمين وتجديد التحالف مع البربر. لما رأى عقبة كثرة العدو وقف خطيباً في صفوف الجيش، فحمد الله وقال: «أيها الناس. إن أشرافكم وخياركم الذين رضي الله عنهم وأنزل فيهم كتابه بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان على من كفر بالله إلى يوم القيامة وهم أشرافكم باعوا أنفسهم من رب العالمين بجنته بيعةً رابحة. وأنتم اليوم في دار غربة. فالقوا أعداءكم بقلوبٍ صادقةٍ. فقاتلوا عدوكم على بركة الله وعونه والله لا يرد بأسه عن القوم المجرمين». واشتبك المسلمون والروم في معركةٍ، انتهت بهزيمة الروم، وحاولوا الانسحاب مع حلفائهم من البربر والفرنجة إلى داخل تاهرت، فقطع عليهم المسلمون الطريق إلى باب المدينة وقتلوا كثيراً منهم وغنموا أموالهم وسلاحهم.

صفاته

كان عقبة بن نافع ذا شجاعة، وحزم، وكان مجاب الدعوة، ويُروى أنه سلك طريقاً وعرة ليس فيها ماء، فأصابه وأصحابه العطش، فجعل فرس عقبة ينبش برجليه في الأرض حتى ظهرت صخرة، فانفجر الماء من حولها، فأمر عقبة بحفرها فخرج الماء وشربوا جميعاً، وسُمَّى هذا المكان بـ «ماء فرس». فكان عُقبة يُلقَّب بـ «عقبة المُستجاب».

إعداد: نادر نايف محمد

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض