د. إبراهيم عبد سعود الجنابي )واعظ بمديرية التوجيه المعنوي(
كان النبي صلى الله عليه سلم ينظم المقاتلين في أرض المعركة تنظيماً محكماً، فيتم تحديد كل مقاتل في موقعه المناسب له، من حيث الخيرة والقدرة والمهارة، فكان صلى الله عليه وسلـم يحدد القادة الميدانيين ويحدد أدوار المقاتلين كما هو المطلوب تماماً، وذلك لأن النجاح في أداء المهمات لا يمكن تحقيقه من دون تنظيم قتالي محكم ينضبط فيه كل مقاتل بواجبه تماماً.
ومن ذلكم القتال بالصفوف المنتظمة المتراصة في ساحة القتال. قال الله تعالى )إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ(سورة الصف (4)
قال الحافظ بن كثير رحمه الله : “فهذا إخبار منه تعالى بمحبة عباده المؤمنين إذا اصطفوا مواجهين لأعداء الله في حومة الوغى، يقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لتكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر العالي على سائر الأديان”.
وتطبيقاً لهذه الآية الكريمة كان النبي صلى الله عليه وسلـم يصفُّ أصحابه صفوفاً للقتال ثابتة تمكن المقاتلين من الاستفادة من حسن التنظيم القتالي في تحقيق النصر في المعركة.
ومن نماذج التنظيم القتالي تحديد أماكن المقاتلين لا يفارقونها إلا بالأمر المباشر من القائد. ومن ذلك في يوم أحد فقد ثبت أنه جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا عَبْداللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَصَفَّهُمْ مَكَانًا، وَقَالَ لَهُمْ: «إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ، فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ»
وهذه التوجيهات النبوية للصحابة رضي الله عنهم حققت الهدف في أول المعركة وتحقق النصر ثمرة للتنظيم القتالي؛ لكن حين خالف الرماة الأمر وأخلوا بالتنظيم القتالي وقعت الهزيمة.
ومن ذلك تحديد القادة الميدانيين كحمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه حيث كان القائد الميداني في غزوة بدر وغزوة أحد وكان له الدور الأساس في النجاح والتفوق على أرض المعركة.
وفي غزوة حنين، بعد أن فوجئ المسلمون بالهجوم المباغت للأعداء، واختل التنظيم القتالي لوهلة يسيرة، فسارع النبي صلى الله عليه وسلـم إلى إعادة التنظيم القتالي مباشرة بثباته هو صلى الله عليه وسلـم وأمره عمه العباس بن عبدالمطلب بأن ينادي في الصحابة ليجتمعوا ويعيدوا تنزيم صفوفهم وسرعان ما استجاب الصحابة لذلك النداء وتحقق النصر الهائل بعد استعادة التنظيم القتالي.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حنين حِين رأى مِنَ النَّاسِ مَا رَأَى: يَا عَبَّاسُ نَادِ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ يَا أَصْحَابَ الشَّجَرَةِ “ فَأَجَابُوهُ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ.
فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَذْهَبُ لِيَعْطِفَ بِعِيرَهُ فَلَا يقدر على ذَلِك فيقذف درعه عَن عُنُقه وَيَأْخُذ سَيْفه وترسه ثُمَّ يَؤُمُّ الصَّوْتَ، حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ مِائَةٌ، فَاسْتَعْرَضَ النَّاسَ فَاقْتَتَلُوا، وَكَانَتِ الدَّعْوَةُ أَوَّلَ مَا كَانَت لِلَانْصَارِ، ثمَّ جعلت آخر للخزرج، وكانو صُبُرًا عِنْدَ الْحَرْبِ، وَأَشْرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَكَائِبِهِ فَنَظَرَ إِلَى مُجْتَلَدِ الْقَوْمِ فَقَالَ: “الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيس”.
قَالَ: فوَاللَّه مَا رَاجِعَةُ النَّاسِ إِلَّا وَالْأُسَارَى عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكَتَّفُونَ، فَقَتَلَ اللَّهُ مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَ، وَانْهَزَمَ مِنْهُمْ مَنِ انْهَزَمَ، وَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْوَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ.
ثمرات التنظيم القتالي:
تحقيق النصر على الأعداء.
تجنب الخسائر بالأرواح والأموال.
تقليل الجهود لتحقيق الأهداف.
رفع الروح المعنوية للمقاتلين.
تعزيز الثقة في نفوس المقاتلين.
حسن اسثمار الإمكانيات في ميدان المعركة.